بعض ما عندنا

إيفان عثمان
 بعضهم تُوضَع له العليقة فيصمتْ
وبعضهم يوضع له رسن فتنهره كلما حاد
وبعضهم يكون حرّاً فيتفنن في الرفس
وبعضهم يدّعي الأناقة رغم قرونه النافرة
وبعضهم يضع ربطة عنق ليخفيَ أذنيه الطويلتين
وبعضهم مهما علتْ مراتبه ظل له ذيل يلفه حول خاصرته
ومن سوء حظ تلاميذٍ  أنه أصبح معلماً عليهم
جار الزمان عليهم
فقطيع الأغنام أبداً يتخيله وركوب الحمير مازال يراوده
أي زمان أصبحنا ؟ 
لا تربية . . . ولا علم . . . ولا ميزان . . . 
فجلّ تفكيرهم نساء ونساء وكيف يملأ جوفه كالبعير
  
* * *
في كل عام تحفل الأمم بخطوة إلى الأمام
أو ربما بقفزة خارج الفضاء
أما هنا . . . 
فحدّثْ ولا حرج
في كل عام خطوتين أو ثلاث إلى الوراء
وأرقى ما وصلوا إليه في تعليم الناشئة
حتى أن اليابانيين لم يكتشفوه بعد
أنهم يعطوا في الاختبار ورقة الإجابة مرفقة بالسؤال
فأي آمال نرجوها ممن لم يقرأوا في كتاب
أن تكون معلماً . . . 
يعني أن تكون إنسان ، و تعلَمَ معنى الإنسان
فكيف تعلّم جيلا الأخلاق وأنت لها فاقد
والله لم أسمع لا في السند ولا في الهند
عن مربين لا يفقهون معنى الأخلاق
حتى “كونفوشيوس” الذي لم يكن على دين
كان حكيماً في الأخلاق
 رحم الله شاعرنا حين قال :
 “قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولا” 
أظنه لم يقصد هكذا مربين
 أو ربما مربين من كوكب آخر
عذراً يا أمير الشعراء
 لم يقوموا ولم يبجّلوا معلماً قط
 
* * *
قالوا بالكلام الجميل تخرج الأفعى من وكرها 
فتمرّد التلاميذ وتطاولوا 
إن كنتِ معلمة جميلة فكل الدروب أمامك مفتوحة 
إما إذا كنتَ معلماً فكل الدروب ليس لها نهاية 
وإن كان أحدها له نهاية فينتهي إلى متاهة 
إلا مَنْ لديه واسطة 
إن كنت
 تملك واسطة فلا يهم التحصيل 
حتى لو كنت راعياً خلف الأغنام 
* * *
هنا عندنا . . . 
كلما زاد تحصيلك في التعليم قلّ مقدارك 
فكل تميزك وتقديرك لا يساوي شيئاً في ميزان 
كل ذنبك أنّ رئيساً للدائرة . . . 
حصل على محو الأميّة بعد رشوة هنا وهناك 
أو أنه نال الكفاءة في غفلة عن التاريخ 
آآآه . . . 
لا يدرون  أن غاية الأمم بناء الإنسان 
أما هنا فلا يهمهم هدم الإنسان 
رحم الله التعليم  وإنّا لله و إنا إليه راجعون 
* * * 
وعلى العلوم تجرّأوا 
وبالاختصاصات تبختروا 
فمهندسو الميكانيك والكهرباء 
لا يفرّقوا بين المطرقة والسندان 
ولو شاهدوا فلتراً للهواء ظنّوه محركاً للكهرباء 
أما الطبّ هنا عندنا . . . فحدّث ولا حرج 
أصبح تجارة تدرّ الربح الوفير 
فلم تعد تهمّه آهات المريض 
فترى بعد عملية جراحية عدّة الطبيب في جوف المسكين 
ويقول لك هفوة 
فيردد المسكين : لا حول ولا قوة 
حتى الطلبة لا يفكّرون  إلا في الطبّ 
وكم سيكسبون في الغد 
وكأن العلم كله بات في الطب 
أما الصيدلية أصبحت بقالية 
لا ينقصها إلا براد المثلجات 
كل شيء هنا لا يشبه أي شيء 
حتى في صلاتهم لا يخشعون 
فقد أصبحت عادة لا عبادة 
وأحياناً كما يقال ” برستيج ” 
رغم أن أرضها بوركت بالديانات 
فهي كانت للرقي عنوان 
وهي تعني عدل الموازين 
أما العمل . . . 
فتركوه جانباً 
بل في أدراج مقفلة 
وصار اقتناص الوقت آآآآخر همهم 
وأصبح هدره غاية 
هذا . . . بعض ما عندنا . . .   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

المهندس باسل قس نصر الله
حين زرتُ المقابر المسيحية لأول مرة – ولسببٍ لا أذكره اليوم – كنتُ في العاشرة من عمري. هناك، بدأتُ أمارس ما كنتُ أظنه معرفة بالقراءة … فصرتُ أقرأ أسماء الموتى على القبور، أتهجّى الحروف واحداً واحداً، وأربط أسماء العائلات بأسماء أصدقائي المسيحيين. وكنتُ أعود إليهم أسألهم عن تلك الأسماء، عن الذين…

أحمد مرعان

رحلةُ سقوطِ الوعي بين بريقِ المصلحة وبهتانِ الحقيقة؛ كان المثقفُ أيامَ النقاءِ والتضحيةِ نبضَ الوعي الجمعي في جسدِ الأمة، وصوتَ العقلِ حين تسكتُ الأصوات، يسيرُ في الدروبِ المظلمةِ حاملًا شعلةَ النور بالفكرِ والوعي، بقدسيةِ إعلاء كلمةِ الحق، ينيرُ بها القلوبَ والعقولَ قبلَ الطرقات، مغامرًا بنفسِه إلى السجونِ والمعتقلات، وربما يكونُ ضحيةَ فكرِه ورأيِه، يؤمنُ…

هند زيتوني| سوريا

كي تتحدّث مع الأموات بإمكانك الذهاب إلى مدينة المنجمّين الشهيرة في كاساديغا بولاية فلوريدا الأمريكية هناك يستطيع الوسيط أو الـ (Medium) أن يجعلك تتصل بالأرواح، أمّا إذا أردت أن تستمع لحديث الشاعرات اللواتي تربّعن على عرش الموت، فما عليك إلاّ أن تقرأ كتاب “بريد السماء الافتراضي”. هناك الموت لا يعني التلاشي ولا…