رواية نواقيس روما للكاتب جان دوست

د. بسام مرعي /12/4/2020
الكاتب الفذ هو الكتلة المتراكمة المتناثرة من الأحاسيس والمشاعر والهواجس التي ربما تعبر عن لسان حاله وهذه الركيزة التي تنطلق منها إبداعاته تاركا بصمته على القارئ لا يتركه حتى يشاركه آلامه ومعاناته وهل يستطيع الكاتب أن يعيش بمعزل عن هموم الآخرين ؟
إنه الحديث الذي يقود إلى الروائي الكوردي جان دوست عن روايته نواقيس روما الرواية التي تدعونا احداثها الى السفر والترحال لأماكن متعددة وعبر أزمنة  مختلفة تمتد لأكثر من خمسة عقود  ، والتي يحاول فيها الكاتب من خلال شخصية محمد عشيق الانطاكي الشخصية المحورية في الرواية ،أن يطرح لنا قضايا أساسية ومهمة تتعلق بالهوية والإنتماء واللغة والترجمة و الحب، و ذلك من خلال كتابة مذكراته التي يمليها بطل الرواية على مدونه الارناؤوطي بعد أن أخذ منه الترحال و السفر والهجرة في روما بلاد الصلبان و النواقيس في رحلة طويلة تمتد لخمسة عقود وكأنه بهذا أراد أن يؤرخ لنا حقبة زمنية في تاريخ روما .
نواقيس روما تمثل الغنيمة الكبرى التي غنمها محمد عشيق في رحلته بعد خمسين عاماً من الغربة ، أنه الصدى الذي يظل يرن في ذهن القارىء أكثر من كل نواقيس روما، أنه صدى قلب محمد عشيق الذي اتسع لقرع النواقيس وأية نواقيس هذه!!!
أنها نواقيس روما وصدى تكبيرات المساجد إنها غنيمته التي دفع ثمنها معظم سنوات عمره فهو لم يعد يعرف الكره، فكأنه به يدفعنا الى ماهو أسمى، إلى حيث الغاية المثلى وهي إن الأنسان يحمل في أعماقه الحب بالرغم من كل إختلافاته الدينية والدنيوية.
في روايته يجهد جان باحثاً عن الهوية وانحرافاتها وقلقها و اكتسابها عناصر جديدة و يتجلى ذلك بوضح في شخصية محمد عشيق الانطاكي، حينما يتعلم لغة جديدة، ومن ثم يبدل دينه ويتزوج إمرأة من دين آخر، ويعمل في تجارة الخمور ويترك الترجمة، التي كانت هي سبب قدومه إلى إيطاليا، لكي يتماشى مع المجتمع الجديد لعله يندمج معه ويتآلف مع اختلافاته .
ولعل ما يميز هذه الرواية أيضاً هي لغتها وهنا أريد الحديث عن إستحضارالكاتب وسرد الرواية، من خلال قصة قديمة تاريخية ، فهو من خلالها يستحضر تاريخاً قديما، يمتد الى أكثر من ثلاثمئة عام في تناسق منسجم من حيث الزمان والمكان والأشخاص، والأهم من كل ذلك اللغة التي يسرد فيها الحكاية وكأنه يدق بنواقيسه ذاكرتنا، لأحياء مانعيشه الأن من هواجس الزمان والتي عاشها عشيق في زمان غير زماننا .
جان عاشق للغة ومتقنا لها في كل رواياته، كما هذه الرواية التي ترجمت عشقه وشغفه مع إجادة لغة الزمان، وفهم خصوصيته وهذا مايميز إبداعه. .
وحب الكاتب للغة يتجلى واضحاً، في أحاديث شخصيات الرواية فتراه يتكلم على لسان أبطاله عن الحروف ومراقيها، من خلال (( يونس الارناؤوطي )) المدون للمذكرات و عن الترجمة على لسان القس لوسيانو معلم اللغة والذي سمى المترجمين ((الحوذية )) فالترجمة كما يقول :
((أشبه ماتكون بعربة يجرها جوادان هما اللغتان المنقول عنها والمنقول إليها ولاينبغي لجواد أن يكون أسرع من رفيقه أو أبطأ منه، و إلا فأن العربة لن تسير فالمترجم عليه أن يمسك بلجام الجوادين فيسوسهما بلطف وروية حتى لا تنقلب العربة)) .
ولعل الحب في هذه الرواية، مايثير القارىء لكي يتفاجىء في نهاية الرواية به من خلال أستر اليهودية، التي قامت بجلي كل الاواني من الصدأ في المنطقة ولكنها لم تستطع أن تزيل حب عشيق بعد كل هذه السنوات الخمسين لتتحول الى حكاية حزينة تثير في النفس الحزن .
عدد الصفحات :207
الناشر : دار الساقي
للتواصل مع كاتب المقال : elimerimkesk@yahoo.com 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…