الصحافة الكردية بعد مرور قرن واثنتين وعشرين سنة

تقديم: دلخاز اسماعيل
الصحافة : هي مهنة حقيقية ورسالة , ليست تجارية و لا شعارات مخملية . لا تتغير ولا تتبدل بتغيير الحكام و الدساتير العقيمة .
الصحافة : عقل مفكر له هدف وغاية هي صوت يخاطب جميع العقول بما فيها عقل الرأي العام و المسؤول . فهي المؤثرة في حياة الشعوب وحركاتها و المتأثرة أيضاً بواقع الشعوب السياسي و التاريخي و الحضاري .
فالشعوب المتقدمة حضارياَ تتميز بصحافة مزدهرة وعريقة .
و لإدراك الحكام و السلاطين لأهمية دور الصحافة في نشر الوعي و زرع مفاهيم التحرر لدى الشعوب وبعث الخوف و الفزع في نفوس الحكام .
أصدر السلطان بايزيد الثاني فرماناَ سلطانياَ بإعدام أي شخص يطبع الأشياء في عام 1483 . و رغم إعلان حقوق الإنسان في عام 1789 في المادة ( 11 ) منه الذي ينص على (( ان نقل الفكر و التوجه هو احد الحقوق الثمينة للإنسان , يحق لكل إنسان ان يتحدث ويكتب ويطبع بحرية دون ان يستخدم هذه الحرية لغرضه الخاص . ))
إلا ان السلطان عبد الحميد من شباط عام 1846 وضع رقابة صارمة على الصحافة , لقد نشرت الرقابة على شكل بنود قانونية بقيود حديدية مزركشة , وبعد قيام الأتراك بإنشاء صحافتهم وإصدار أول جريدة لهم بأسم ( تقويم وقائع ) سنة 1833 . ومن ثم بعدهم الفرس بإصدار جريدتهم الأولى ( كاغز اخبار ) سنة 1851 . ولحق بهم الجريدة العربية في العراق سنة 1869 بأسم ( الزوراء ) في عهد الوالي مدحت باشا .
فبعد صدور هذه الجرائد على أيدي تلك الشعوب المجاورة للشعب الكردي دفع بعض المثقفين الكرد للتفكير في إيجاد سبل آلية جيدة للنضال القومي حيث وجدوا من قريب الدور الذي تلعبه الصحافة التركية وغيرها من شعوب الدول العثمانية في حياة المجتمع . فهكذا تبلورت لدى الكرد و خاصةً من أبناء البدرخانيين المعروفين بثقافتهم وتبحرهم في العلم و المعرفة وحسهم الوطني , المقيمين في استنبول فكرة إصدار صحيفة كردية باللغة الكردية .
حيث قام عميد الصحافة الكردية مقداد مدحت بدرخان بالذهاب من استنبول إلى القاهرة و بمساعدة شقيقه عبد الرحمن بدرخان بزرع بذرة الصحافة الكردية الأولى بتأسيسه أول جريدة كردية ونشرها في مصر بأسم ( كردستان ) في يوم الخميس 22 نيسان من عام 1898 وكان صدورها بمبادرة شخصية منه , لإدراكه بأهمية دور الصحافة في مجال التوعية لحياة شعبً مضطهد محروم . لقد كتب الجريدة بلغة كردية جميلة سلسة باللهجة الكرمانجية الشمالية (( لهجة جزيرة بوطان )) وكانت تصدر في أربعة صفحات من الحجم ( 25,5 سم – 32,5 سم ) تناولت شتى الموضوعات السياسية و الأدبية و الفكرية التي تهدف إلى تثقيف الشعب الكردي و الانتباه إلى حقوقه القومية .
وهي صحيفة لا تتبع لأي جهة رسمية أو حزبية وتصدر في كل أسبوعيين أي نصف شهرية في مطبعة الهلال المصرية .
وبعد أسبوع واحد من صدورها , نشرت مجلة الهلال المصرية في عددها خبراً تقول فيه : (( كردستان هي أول جريدة كردية صدرت في العالم باللسان الكردي , وتفتخر مصر أن تلك الجريدة صدرت فيها ومحررها هو مقداد مدحت بدرخان و موضوعها تحرض الكرد على السعي وراء التمدن و الفضيلة وحثهم على اكتساب العلوم . )) حيث كانت ترسل ( 2000 ) نسخة من كل عدد إلى كردستان .
فمنذ صدور ( كردستان ) كأول جريدة كردية في التاريخ الكردي تعرضت لضغوطات ومضايقات و قد أثرت هذه الضغوط سلباً على مسيرة صدور الجريدة بشكل منتظم ومستقر وخاصةً بعد صدور العدد الخامس حيث انتقلت الجريدة اعتباراً من العدد السادس من القاهرة إلى جنيف بسويسرا و تأخر صدور هذا العدد عن موعده المحدد أكثر من ثلاثة أشهر . وبعد صدور العدد التاسع عشر في جنيف انتقلت الجريدة مرة ثانية إلى القاهرة اعتباراً من الأعداد ( 20 إلى 23 ) . ومن ثم انتقلت إلى لندن فصدر العدد الرابع والعشرون هناك ثم انتقلت إلى مدينة فولكستون بجنوب بريطانيا حيث طبعت الأعداد من 25 إلى 29 أما العددين الأخيرين 30 – 31 فقد طبعت مرة اخر في جنيف حيث توقفت الجريد بصدور العدد 31 الموافق في 14 نيسان 1902 ولم تصدر أي صحيفة كردية بعدها , الأ بعد مرور ما يقارب الست سنوات أي في عام 1908 بمشاركة الشيخ عبد القادر الشمزيني وعدد من المثقفين الكرد أمثال الشاعر ( ميرى مرد ) و العالم الديني الشيخ سعيد النورسي و اسماعيل حقي بابان قيامهم بإصدار صحيفة سياسية دينية باللغتين الكردية و التركية بأسم ( كرد تعاون و ترقي غزته سي ) . ومن بعدها بخمس سنوات أي في عام 1913 صدر في استنبول أيضاً مجلة كردية بعنوان ( روژ كورد ) وتعتبر أول مجلة كردية .
هكذا عادت الصحافة الكردية إلى مسيرتها بالتواصل و الاستمرار و النمو , فأصدر الصحف و المجلات ونذكر منها : قيام حسين حزني الموكراني الذي اشترى في عام 1915 مطبعة جديدة من المانية وصنع قوالب خاصة للحروف الكردية ثم طبع بها مؤلفاته و مؤلفات غيره واصدر جرائد ومجلات كردية بعضاً منها بصورة علنية وأخرى سرية في حلب و راوندوز و هولير مثل : ( كردستان – ارارات – ﮁيا – كرمانج ) . وما إن كانت تكشف أمرها حتى تغلق , كما إن أي منها لم تتجاوز إعدادها العشر , ثم حوٌل مكان مطبعته إلى هولير وعرفت وما زالت تعرف بمطبعة كردستان .
وفي عام 1934 ساهم في تحرير جريدة ( ژيان ) , كما ساهم في عام 1935 في إصدار مجلة ( رونا كي ) وفي عام 1943 بمساعدة الأستاذ توفيق وهبي وحسن الشيخ حمه و مساندة الملحق البريطاني الثقافي في بغداد قام بإصدار مجلة ( دنكى كيتي تازة ) .
كما اصدر سمكو في عام 1920 جريدة سماها ( روژ كورد و شفا عه جه م ) أي نهار الكرد و ليل العجم , ثم غير الاسم إلى نهار الكرد ثم إلى الكرد و هذا يدل على إدراك سمكو لأهمية الصحافة والأعلام .
كما هو جدير بالذكر ان نشير إلى الأمير جلادت بدرخان الذي يعتبر بحق من رواد الصحافة الكردية حيث اصدر مجلة ( هوار ) في 15/5/1932 وصدر منها 57 عدداً , ثم الحق بها مجلة ( روناهي ) وطبع العدد الأول منها في نيسان عام 1942 واستمرت حتى أيلول عام 1944 . ثم عادت للظهور في 15/ آذار 1945 ثم توقفت نهائياً . بالإضافة لجلادت كان هناك شقيقه كاميران بدرخان الذي اصدر جريدة ( روﮁا نو )
الأسبوعية وكانت مؤلفة من أربع صفحات ثلاث منها بالكردية وواحدة بالفرنسية ثم اتبعه بجريدة اخر تحت اسم ( stêr ) أي النجمة في عام 1947 . لقد كانت وما زالت الصحافة الكردية مرتبطة بالحالة السياسية و الانفراجات فكلما بدا لها بصيص من نور الديمقراطية و الحرية حتى سارع المثقفون الكرد لإصدار العشرات من الصحف و المجلات المطبوعة الدورية ومعظمها متواضعة من حيث الطباعة و التصميم و الإخراج بالإضافة على تركيزها في رأي وتوجهات الجهة التي كانت تمثلها , واعتمادها الكي على عدد بسيط من الكوادر المثقفة الذين كانوا في الغالب من هواة الصحافة المتطوعين وليسوا صحافين محترفين , فمعظمهم مارسوا الصحافة بلا مقابل بغية التعبير عن معاناة وطموحات شعبهم ونتيجة لذلك الصراع الفكري و السياسي المحتدم بين رجال الصحافة الكردية المدافعين عن قضايا شعبهم وحقوقهم المشروعة وبين أنظمة الحكم الاستبدادي تأؤول مصير معظم الصحف و المجلات المطبوعة الكردية إلى الإغلاق و الحظر اما لا أسباب سياسية او مادية او نقص في الكوادر الكفؤة حالها في ذلك كحال صحيفة كردستان التي الرغم من إرسال ( 2000 ) نسخة من كل عدد إلى كردستان ومع ذالك لم العثور من قبل الباحثين الكرد على نسخة واحدة من إعدادها الواحدة و الثلاثين في كردستان . فقد تم العثور على الأعداد التي صدرت في مكتبات و أماكن متفرقة في أوربا وهي محفوظة في المكتبة الحكومية بمدينة ماربورك بالمانية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…