عصمت شاهين دوسكي
انشغل العالم في بداية عام 2020م بوباء ” كورونا ” الذي كشف ضعف الإنسان رغم التطور العلمي الذي وصلت إليه الدول المختصة بالطب والأوبئة وكنا في دراستنا لم نعرف عن الأوبئة إلا ما نقرأه في أزمنة غابرة في العصر الإسلامي والأموي بشكل بسيط في حين الآن الأديب الذي يعتبر لسان وفكر وصورة مجتمعه يحيا بغربة روحية، والأدب بصورة عامة يعيش في عزلة إنسانية اجتماعية أدبية وعدم التواصل الفعلي بين الأدباء والجمهور إلا ما ندر، ولا شك هناك فرق بين الماضي والحاضر كوعي واطلاع ورغم هذه الغربة الفكرية تثير الأوبئة هلعاً وَجَلاً بين الناس والأدباء وهذه ليست حالة جديدة عموما ، فلو قرأنا رواية ” الطاعون ” للأديب المبدع الفرنسي ألبير كامو ( 1913م -1960م ) صدرت عام 1947 م وحصولها على جائزة نوبل في الأدب تروي زمن الطاعون بمدينة وهران الجزائرية من خلال شخصيتين عاملين في المجال الطبي
ومع تفشي فيروز كورونا في عام 2020 م كانت الرواية الأكثر انتشارا ومبيعاً في ايطاليا ، ورواية ” العمى ” للأديب البرتغالي خوسيه ساراماغو ( 1922م – 2010 م ) حائز على جائزة نوبل للأدب تتحدث الرواية عن وباء غامض يصيب إحدى المدن وعن العمى الفكري وعن الأخلاق البشرية والمبادئ الإنسانية الهشة في زمن الوباء ، في كلا الروايتين الحدث المهم هو الإنسان والإنسانية وقد تتكرر تاريخيا ، فالوعي المجتمعي والفكر المتقد بالأشياء وإيقاظ الضمير حول أحداث أكثر شدة من الأوبئة فالحروب العالمية والخراب والدمار والمصالح الرأسمالية والجهل والفساد والفقر والجوع أكثر فتكا من الأوبئة والهجرة المليونية للشعب الكوردي عام 1991م وكأنه يوم القيامة ، وكوارث المجتمعات المختلفة ، فالروائي والشاعر والمسرحي والإعلام الهادف ميال إلى البحث عن المبادئ الإنسانية في ظل وجود الأوبئة خاصة حينما تفشل الحكومة في السيطرة على الوباء وتفشل البشرية في محاصرته والقضاء عليه كما حدث في طاعون أوربا ( 1347و 1352 ) وتسببت في وفاة حوالي ثلث سكان القارة وكان الروائيون السويديون والدانماركيون وغيرهم كرسوا جهدهم الأدبي في كشف الوباء وأثر الإنسانية وكذلك إصدار كتاب ” الموت الأسود ” للطبيب الألماني يوستوس هيكر عام 1832 م تزامنا مع انتشار وباء الكوليرا ، ورواية ” الحب في زمن الكوليرا ” للروائي الكولمبي غابريل غارسيا ماركيز ( 1927م – 2014 م ) في أوربا، والشعر له دوره الكبير في صوره وأفكاره الشعرية وإن كانت نثرية حيث أصدر الشاعر الفرنسي جان غرانفيل قصيدة ملحمية ” الرجل الأخير ” عام 1805 م وعلى مر التاريخ اجتاحت الأوبئة حضارات إنسانية وفي العصور الوسطى الإسلامية في بلاد الشام ومصر والعراق وفلسطين في حالات متكررة وقد أيقظ كورونا ذكريات مؤلمة حول الأوبئة وتناول الأدباء قصصا وشعرا عن الفراق والألم والخائفين من العدوى والمحاصرين بسبب الوباء ومن أشهر القصائد قصيدة ” الكوليرا ” للشاعرة العراقية نازك الملائكة ( 1923 م – 2007 م ) والتي اعتبرت في حينها بداية الشعر الحر ، ورواية ” ايبولا 76 للطبيب السوداني أمير تاج السر الصادرة عام 2012 م، ومن الأزمنة الوبائية الأدبية كتب الفقيه والأديب عمر المعري الكندي قصيدته عن الطاعون الذي توفي بسبب الطاعون بعد يومين من كتابتها ، كل هذه الأدبيات تتضمن ما يخفيه غموض الوباء وكيفية تطورها وفتكها بالإنسان وتعتبر هذه الأدبيات التي يطلق عليه ” أدب الأوبئة ” الفضاء الأوسع لتشكيل صورة الأوبئة التي يتلقاها المتخيل باعتبارها حدثا زمنيا ولغة تتمكن أن توصل الواقع بصورة يسيرة حيث بالإمكان تنوير منطقة الغموض ويمكن وضعها ودراستها في المناهج الدراسية لكافة المراحل بصورة مرحلية تسلسلية ، ومن الآثار الأدبية إظهار الوباء وكيفية مكافحته مثلما نكتبه الآن في القرن الواحد والعشرين فقد كتبتُ قصيدة ” الحب وكورونا ” وقصيدة ” صوتك يناديني ” وقصيدة ” شكرا ” التي أشكر فيها الكادر الطبي ورجال الإطفاء والشرطة والأمن والطوارئ ورجال الخير الذي يعينون الناس من الفقر والحاجة والحرمان في زمن وباء الكورونا والكشف عنه وتأثيره وتناولت الأستاذة كلستان المرعي من سوريا والأديب والإعلامي أحمد لفتة علي من بغداد والأديب أنيس ميرو من كوردستان العراق تحليلا ورؤية فكرية واجتماعية وإنسانية في القصائد التي تعني بالأوبئة وجل ما يظهر إن الأدب له دور مؤثر في الوعي والتدوين اللغوي والفكري والإنساني والتاريخي والتوضيح وإيجاد الحلول في الأزمات الإنسانية في كل حقبة ما .
مقطع من قصيدة ” الحب وكورونا “
( رغم الحروب ، الخراب ، وهذيانا
رغم الضياع والهجرة والتشرد
وحملنا الخيام فوق رؤوسنا
رغم صخب البحار وأشواك الحدود
والضرب على أجساد عريانا
رغم حرقة الدموع على خدود
يبست من غربة أوطانا
نعم حبيبتي .. أنت الحب
ومن غير الحب يقتل
كل داء حتى لو كان ” كورونا “