استشرافية التفاؤل.. في مواجهة شبح كوني

 
  إبراهيم اليوسف
 
يعرف متابعو علاقتي مع الأمسيات الأدبية والثقافية، أن عمرها يمتد إلى عقود، وبالرغم من أنني منذ تلك الفترة أعمل مع فريق من الأصدقاء، بعد أن نتوزع الأدوار، إلا أن للأمسيات رهبتها. في عهود الدكتاتورية كنا نقيم أمسياتنا – في الخفاء- بعيداً عن عيون العسس، وتحدياً لها، وكان هناك خوف آخر، في المقابل. الخوف على الأمسية، إذ إن أي نشاط ثقافي ليس مجرد إعلان، وإنما هو رسالة
في أوربا، أصبحنا بعيدين عن آلة رعب النظام، إلا أن الخوف الآخر. الخوف على رسالة التواصل مع الجمهور بقيت علي، ولا أخفي أنني أعيش في كل مرة قلقاً كبيراً قبل كل نشاط ثقافي. في نشاطنا المكثف الأخير. نشاط معرض الكتاب الذي أقمناه في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد مع دار سرسرا، وبشراكة مع الألمان كانت له هيبته، إلا أن الهيبة تضاعفت، وتحولت إلى قلق جد كبير، وذلك منذ أن باتت الأخبار تتالى:
ألغيت مباريات كبرى
ألغيت معارض كتب دولية
ألغيت نشاطات ثقافية وأدبية
ألغيت اجتماعات خاصة بالأمم المتحدة
ألغيت رحلات طيران
أغلقت مولات
أغلقت جوامع
مدن أوربية بدأت تطبق الحجر الصحي
ألغيت مؤتمرات لحقوق الإنسان
بل وألغي الحج لهذه السنة
وهو ما يحدث لأول مرة عبر التاريخ
ثمة أخبار تحولت من بوابة التسريب إلى الإعلان الرسمي:
في الولاية التي نقيم فيها ثمة إصابات بل إن النسبة تبلغ كذا وهو رقم كبير قياساً إلى أعداد المصابين في البلد
 
هنا، ثمة خوف ساورني، واتصلنا مع شركائنا الألمان الذين طمأنونا أن لا شيئ مخيفاً حتى الآن
وكان قرارنا في لجنة الأنشطة مصيرياً، إذ عارض عدد قليل من الزملاء، وأخفيت اعتذار أكثر من مشارك، بينهما من طلب منه طبيبه الذي أشرف على أخذ عينة منه نتيجة إصابته بالأنفلونزا ألا يسافر، ودقت ساعة الصفر.
كانت في حقيبتي كمامات، أحببت أن أوزعها، لكنني قلت:
ماذا سيقول عنا الإعلام
جمهور كبير حضر 
وثمة من هتف ليعتذر، قائلاً:
إننا نتحسب وكان معهم الحق
النشاط نجح
وكان علينا أن نحتفل
وسيمر أربعة عشر يوماً على النشاط*
إن شاء الله ويكون وطننا، ومكاننا، وبلدنا، والعالم بخير
هل كنت أخاف حقاً؟
شكراً لفريق العمل زميلات وزملاء
شكراً للشركاء في هذا النشاط
شكراً لكتابنا وجمهورنا وفنانينا جميعاً
*النص كتب بعيد معرض الكتاب ومهرجان يوم الشعر العالمي حوالي منتصف آذار وأرجأت نشره إلى ما بعد اكتمال أسبوعين على ذلك النشاط، وتم نسيانه، من قبلي؟!
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…