( شو..كولا ) ست شخصيات تبحث عن نفسها


أحمد اسماعيل اسماعيل

في فضاء مسرحي عار كالحقيقة ، وفي عرض هو الأول من نوعه – شكلاً ومضموناً-على خشبة مسرح المركز الثقافي بالقامشلي، استطاع عرض مسرحية شو..كولا ، للمخرجة الشابة رغداء الشعراني  أن يضعنا ، وجهاً لوجه، أمام حقيقة ما صرنا إليه من كائنات، أفقدتها عوامل كثيرة قاهرة مقومات شخصيتها الإنسانية.
هذه البرهة الزمنية الساكنة والمشبعة بكل ما هو مؤس وجارح، قدم لنا ممثلون بارعون (شخصيات) تائهة تبحث عن نفسها في مكان مسحت التابوهات وأساليب القهر الممارس بحقها معالمه المادية الحميمة، وغير الحميمة.
ست شخصيات شبابية لا تجد من يوليها اهتمامه أو حتى سمعه، فتلجأ إلى البوح المنفرد الذي جعلها تكشف عن مكابدات عميقة بجرأة وصدق، حكاية شريحة واسعة من الشباب تفضح ، من خلال ما تهجس به من حب وخيبات وأحلام ، فعل التابوهات الاجتماعية وغير الاجتماعية في حياتنا، الآن وهنا، من مسخ وتشويه راح يطال المكان والزمان بعد أن فعل فعله في الإنسان. في فرجة سريعة وخاطفة لعرض غير تقليدي، كان لابد من استخدام تقنية مناسبة لتعميق المشاهد وتحقيق الأثر المطلوب في المتلقي، فاستخدم العرض تقنية الإسقاط السينمائي بأسلوب موفق، وعلى الرغم من بعض المبالغة في هذا الاستخدام، فإن الصورة لم تطغ على الفعل الدرامي الممارس على الخشبة، أو تقصيه، بل ساهمت إلى حد كبير في إيصاله للمتلقي ، وذلك من خلال ملازمتها للصراعات الدفينة للشخصيات وهي تبوح بما في داخلها من مكبوتات ومكابدات، كما كان للجسد ولغته المغيبة في الحياة وعلى المسرح حضوراً فاق في أحايين كثيرة دور الصورة، استطاع الممثلون بما يملكونه من لغة جسدية فصيحة ومعبرة، أن يعبروا باقتدار عن مقولة العرض، المجسدة والمصاغة من حكاية كل شخصية رويت بالجسد والصورة والكلام، في مونودرامات منفصلة، لشخصيات قلقة ومعزولة، ضحية واقع مرير، أحالها إلى مجرد كائنات، وأحال أرواحها إلى روائح، ولم يترك لها سوى الحلم، ولكن ليس الحلم بما هو جميل ، بل الحلم، أو الهروب إلى الموت، الذي تسأل عن حقيقته ، وبكثير من الشك، إحدى الشخصيات وهي في حالة احتضار روحي وجسدي جاء في نهاية العرض، دون أن تتلقى إجابة ما.
في دهاء إبداعي استطاعت المخرجة أن تنقل صورة المتفرجين إلى الخشبة، في لقطة كبيرة وخاطفة، لتضع المتفرج، أو المتفرجين، أمام الحالة السلبية والبلادة التي هم عليها.
لاشك أن الحكايات كانت بسيطة، وربما معروفة من قبل الجميع، غير أن التقاطها وتقديمها بهذا الشكل الجريء والجميل، وغير التقليدي، يبدأ بأغنية أم كلثوم كمرجعية أصيلة، لتنسف هذه المرجعية باستبدالها بموسيقى إلكترونية صاخبة، ورقصات عنيفة، عرض بهذه الشفافية كان يستحق من جمهور مدينة قامشلي تصفيقاً طويلاً، بعد أن رشف منه في هذا اليوم: يوم 15 2007 شهداً مسرحياً يستحقه.
 

 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…