انْدِلافَات إبراهيم محمود

د. محمود عباس
لعل ما أكتبه الآن عن شخص لو أنه كان من غير أمة الكرد، لكان مشهورا على مستوى العالم. كونه من هذه الأمة المكافحة من أجل الانعتاق، لا بد أن تكون نفائسها لا قيمة لها، ولا اعتبار، إلا الغث منها. فالغث يعلو عنده على النفيس، بل يلغيه تماما.
المَعْلم إبراهيم محمود. أعتبره مَعْلما، لما تميز به من غزارة الإنتاج والإبداع، في العديد من المجالات، عدا براعته في مجال النقد؛ الذي يعترف له من اطلع على نتاجه هذا من فطاحل العرب والعربية. ولكن الأمة التي تكافح منذ أكثر من قرنين ونيف من الزمن؛ ولم تحرز بفضل جهودها شيئا في مسعاها هذا؛ إلا بما أنعمت مصالح الأطراف عليها، كالإقليم الكردستاني في العراق الفيدرالي (باشوري كردستان) تحديدا، لن يكون جديرا أن يقدر النفيس من الغث. وإقليمنا الذي لم يكن محققا لما هو عليه الآن، لولا مصالح أميركا، لا يقدر من هو أهل له. 
نراه (الإقليم) يحظى بلجوء هذا المَعْلم إليه، وهو يعاني من ضنك العيش، ويلاحقه الدلف أنّى حلّ لضيق اليد. بدلاً من أن تخصص له مؤسسة؛ يبهر بها العرب والعالم أجمع؛ بسعة معرفته وغزارة إنتاجه؛ رافعا بها من مكانة الكرد، شعبا وأمة، على الأقل بين العلماء من الناطقين بالضاد، ناهيكم في المجال الدولي. وما يؤسف له، وبمرارة، أن يعاني هذا المَعْلم من ضيق مادي حانق؛ بينما ينعم إخوان الجهالة في بحبوحة العيش حتى التخم.
لقد زادتني “اندلافاته” آلاما ترافقها كوابيس تحرمني راحة النوم. أعاني كل لحظة أحزانا بما يعانيه هذا الصرح، الذي ولدته الأم الكردية لتؤكد للعالم عن أصالتنا وعراقتنا. وكيف لمعلم مثل هذا النهر الغزير أن يعاني من ضيق اليد، بينما من لا يقارن بقامته تُغدق عليهم الأموال حتى الغرق.
إقليم يقوده أناس عاشوا طيلة حياتهم بين الكهوف؛ لا شك كان نضال مشرف؛ لغاية نبيلة، وانقطعوا عن البشرية ما يقارب من قرن، ولم يكونوا قبلها أوفر مقدرة على العيش في أجواء المعرفة ونعمة العلم، ليس بمقدوره ومقدورهم تقدير ما يملكونه من أنفس النفائس، وأبرز المعالم في المجال العلم النظري. 
يقول ملا أحمد الجزري -رحمه الله- في هذا المجال: ” Qedrê gulê çi zanê kerbeş di xwê…”
لو كنت ميسور الحال لتشرفت أن يقبل مني بما يفرضه الواجب عليّ تجاهه، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، فالاهتمام بهذا المَعْلم، والقيام بما له من حق، واجب كل كردي، ليس تكرما منا أو منة، بل فرضا، فهو الذي جعل ويجعل من غير الكرد أن يتعجبوا من عطاء الكرد والكردية، رغم محنتنا المريرة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
25/4/2020م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…