ما بين ال هوي مه مو* و عمي يا بياع الورد قصص من الالم و المآسي

ادريس حسو
الجزيرة السورية، الجزيرة العليا و السفلى و غيرها من الاسماء تطلق على هذه البقعة الجغرافية من العالم، هذه البقعة المليئة بالحب، الأغاني، القصص، كما غناها بالألم و الحزن.
كثيرة الألوان غنية الألحان و الألسن و الديانات، مساجد تعانق كنائس، معابد تجاور مزارات مباركة، شواهد قبور لزعماء وطنيين و أغوات و باشاوات، ارض رغم غناها الثقافي و الجغرافي و الانساني عموما. الا انها بقيت كبقعة منسية من العالم.
أمم تتعايش و تتجاور حينا، تتقاتل و تغزو بعضها حينا أخر، ينتصر هذا و يهزم ذاك، تتصالح و تتجاور هذه الأمم كما تتحارب ثم قد ينتهي الأمر كله بعقد مجلس للصلح، و بعدها تبدأ الأغاني و حلقات الدبكة كأن شيئا لم يكن، بينما يتم تحضير الخيمة لوجبة غداء دسمة جدا. و لكن الكل يعشقها و الكل جزراويين.
منذ أيام اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي بفيديو تحت عنوان اصالة الروح، يؤدي فيه مجموعة من المغنيين الكرد و العرب مجموعة من الاغاني التراثية الكردية و العربية من تراث الجزيرة العليا و السفلى.
لا شك ان الصورة التي يقدمها الفيديو صورة جميلة و تداعب مشاعر العرب و الكرد و بقية مكونات الجزيرة الغنية بتنوعها فعلا، و هذا النوع من النشاطات الفنية و الثقافية في غاية الأهمية.
و يريد صانعو الفيديو ايصال رسالة للعالم عن التناغم الحاصل و صورة العيش المشترك بين العرب و الكرد و غيرهم في ظل الادارة الذاتية الديمقراطية، في البقعة الجغرافية المسماة اليوم شمال وشمال شرق سوريا.
لا شك انها صورة جميلة و رائعة، نريدها الصورة النهائية لمعيشتنا و حياتنا، و لكنها كما غيرها من الرسائل الاعلامية في ظل سلطة الادارة الذاتية الديمقراطية لشمال و شمال شرق سوريا، التي تحاول ايصال صورة للعالم قافزة على صور الماسي و الآلام التي لم تجد طريقها للحل.
قبل ايصال مثل هذه الصورة الجميلة و المبتغاة لدى كل أهل الجزيرة بعاليها و اسفلها يتوجب اصلاح التشوهات الحاصلة في الصورة سابقا.
في نهاية الفيديو يقوم الكرد و العرب ليتحابون (يتباوسون) و كأن كل المشاكل العالقة وجدت طريقها للحل، عاد المهجرون في اصقاع العالم جراء الحزام العربي الى قراهم، تم تعويضهم و لو معنويا عن معاناتهم لأكثر من نصف قرن في احزمة مدن حلب و الشام كخدم لدى منفذي الاحصاء الجائر و الحزام العربي، تم تنفيع الفلاحين الكرد و انا منهم بالأراضي المصادرة منهم أصلا، اصبحت اللغة الكردية حرة و معترف بها، ضمن دستور البلاد الجديد المعترف بحقوق القوميات و الاقليات، تم الاعتذار لضحايا التهجير القسري منذ 24/07/1974 * و أعيدت المياه الى مجاريها و قبل الجميع بأن هذه الارض ليست مجرد شمال و شمال شرق بلد أخر، بل هو ايضا جزء من كبد مجروح و دام منذ أكثر من قرن، كبد اسمه كردستان، و كأن كل ذلك تحقق، و لم يبقى سوى حفلة المصالحة تحت خيمة سوداء على ضفاف الفرات، التقى فيها الجمعان ليغنوا و يسهروا و يتباوسوا قبل تناول غداء مدسم في منسف مليء بلحم الخراف و خبز الصاج الجزراوي. صورة جميلة تخفي خلفها عالم من المعاناة و الأسى. 
كويلان 15.04.2020  
*هوي مه مو: مطلع أغنية فلكلورية كردية
*24/07/1974: تاريخ قرار البدئ بتنفيذ الحزام العربي في الجزيرة من ديرك (المالكية) الى سري كانية (راس العين)، بموجبه تم توزيع مئات الالاف من دونمات الاراضي الزراعية المصادرة من الفلاحين و الملاكين الكرد و توزيعها على الفلاحين العرب الذين استقدمتهم السلطة رغما عنهم ايضا ليسكنوهم على طول الحدود بين غرب و شمال كردستان (سوريا و تركيا)، بقصد التغير الديمغرافي و القضاء على الوجود الكردي على طول الحدود. للاستفادة يمكن مراجعة كتاب الحزام العربي في الجزيرة – سوريا للمؤلف عبد الصمد داوود طبعة اولى 2003، طبعة ثانية 2015.
جريدة كوردستان (القسم العربي) العدد 631 – 01/05/2020
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…