نارين عمر
عندما كانوا ينادون الفنّان سعيد گاباري بالفنّان الكبير أو الأستاذ كان يردّ عليهم بابتسامته المعهودة:
((حتى الآن لا أعتبر نفسي فنّاناً كبيراً لأنّ كلمة الفنّ تحمل مدلولات عميقة وكبيرة، والذي يحمل هذه الصّفة يجب أن يكون أهلاً لها وجامعاً لأصول الفنّ والغناء الحقيقيّة، وكذلك كلمة الأستذة لها عمق من الصّعب الوصول إليه)).
في عام 2012 وحين حضرت مع مجموعة من الزّملاء ملتقى إعلاميي باشور وروژآفا بدعوة من حكومة إقليم كردستان زارنا فنّاننا سعيد في الفندق، وبروحه المرحة وحديثه الشّيق جعلنا نسهر معه إلى السّاعات الأولى من صباح اليوم التّالي دون أن نحسّ بالوقت وهو يمرّ ويرحل. طرحت عليه هذا السّؤال:
لماذا لا تعتبر نفسك فنّاناً وأنت أستاذ لمدرسة فنيّة متميّزة، ولك بصمتك على صفحات تاريخ الفنّ والفلكلور الكرديّ؟
أصرّ على رأيه وزاد على كلامه:
((كلمة ماموسته بالكرديّة معناها مام هوسته، وهذه الصّفة لا تُمنَح عادة إلا للشّخص الذي يتقن عمله ويبدع فيه، وكردنا أطلقوا هذا الاسم على كلّ مَنْ يبدع في عمله و”مام” هنا تعني العم بالكرديّة وهوسته هو البنّاء، فليس كل بنّاء يسمّى مام هوسته بل هو هوسته فقط)). وقد أعجبني كلامه كثيراً عندما قال:
(( حتى المعلّم والمدرّس لا يمكننا إطلاق صفة الأستاذ عليه إلا إذا كان موهوباً وقادراً على العطاء الكبير والمميّز، وكذلك بالنّسبة إلى المهن الأخرى كالمهندس والطّبيب وغيرهم)).
أبهرنا سعيد گاباري بمعلوماته الغزيرة في التّاريخ الكرديّ القديم والحديث وآرائه في أحزاب الحركة الكرديّة وفي الشّخصيات الكرديّة التي كان لها دور كبير في مجتمعنا.
أودّ أن أذكّر بموقف محرج أوقعت نفسي فيه أمام فنّاننا:
عندما بدأ يتحدّث إلينا بدأت أسجّل محادثته على موبايلي، وفوجئت أنّه يقول لي:
“نارين خان! أنت تسجّلين صوتي وحديثي”، فأجبته:
آسفة، ولكنّ الموضوع الذي تتحدّث فيه مهمّ وشيّق بالنّسبة لي، وسوف أسمع حديثك إلى أولادي ووالدهم وسوف يسرّون بما تقول لأنّ علي رمو هو الجدّ الأكبر لهم.
وكان حينها يتحدّث عن “علي رمو” وأولاده وعائلته، وقال إنّه يتوجّب على المتهمّين بالتّاريخ الكرديّ أن يتوقّفوا مطوّلاً على هذه الشّخص التّاريخيّ الفريد، وأن ينصفوه ويعيدوا إليه وإلى عائلته بعض حقوقهم.
ذكر أنّ “علي رمو” هو أقدم شخص حكم عشائر الكرد الذين يسمّون الطّورايين ومن ثمّ جاءت بعدهم عائلات أخرى انتهاء بآل حاجو
سعيد گاباري ومن خلال لقاءات عديدة جمعتني به منذ ثمانيّنيات القرن العشرين وحتى عام 2014 حين التقينا من جديد في مبنى وزارة الثّقافة في حفل تأبين شاعرنا الكرديّ العم عمر لعلي، من خلال هذه اللقاءات أعتبره صاحب خبرة كبيرة في الفنّ والأدب والسّياسة لأنّ القدر حرمه نعمة البصر، ولم يدخل أيّة مدرسة، بل كان تعليمه ذاتياً وتحدّى القدر والحياة وتحلّى بروح النكتة والمرح، ولم يظهر لأحد حالته النّفسية التي كان يعيشها.