رسالة ندم

أفين إبراهيم
لتُشعل سيجارة في البرد عليك أن تخرج يديك الرقيقتين من جيوبك،
أن ترتجف وأنت تَحوط عود كبريت
مع الفجر
في طيات الكوابيس
جسدي يبحث عن الندم،
تمتد أصابعي إلى شعر طفلتي القصير،
تخرج الكلمات على هيئة سكاكين ضائعة،
لمن أدع أبواب البحر المفتوحة على الأسى؟
قلت له ألف مرة:
تؤلمني يدك التي تأكل لحم المرأة النائمة في خيالاتي
يجرحني نفسك المتقطع فوق عنقها الطويل
لم يقل شيئاً..
لم يقل أن الحب يشبه قصب السكر
أنه يتحول لخشبة قاسية مع مرور الأيام،
أن الرغبة وحش جائع،
وحش جميل يأكل أرواحنا
لتطفو الخشبة فوق وجه الحياة
لتُشعل سيجارة في البرد عليك أن تخرج يديك الرقيقتين من جيوبك،
أن ترتجف وأنت تحوط عود كبريت
لمن أدع أبواب البحر المفتوحة على الأسى؟!
قلت له أن قلبي يتعفن،
عندما يمسك الضوء وجهي
ترقص الوحوش المفترسة داخل بيوض الجن،
تسحب جثث الرجال الذين أحببناهم معاً
بين القلق والقلق،
هناك حيث تنزلق دماء الآلهة
تسقي أجساد النساء الحزينات
لينبت شعر الليل الأبيض،
شعر الليل الذي يجعل رجال مثلك ينتشون،
يترنحون على أنغام أغنية قديمة
يتألمون دون أن يعرفوا السبب.
ليست هذه الحكاية
الحقيقة التي أردت قولها:
أنك لتشعل سيجارة في البرد
عليك أن تخرج يديك الرقيقتين من جيوبك،
أن ترتجف وأنت تحوط عود كبريت،
فما بالك بإحراق قلب امرأة تتمدد الى جانب شبحٍ طوال أربعين عاماً.
تستيقظ كل صباح لتقول لوجهها:
أنا لست تابوتاً
أن الكائن البشري مخلوق عجيب
ينسى كيف كبر أولاده،
ينسى اللحظات المصيرية في حياتهم وحياته،
يعتقد طوال الوقت أنه يغفر للآخرين
أنه سيمتلك ذاكرة حميمية في عمر السبعين،
إنه لن يكون وحيدا في ذلك القبر،
أن أحدهم سيخرج يديه القاسيتين من جيوبه
سيرتجف وهو يحوط عود كبريت..
سيتألم ويحاول
يحاول جاهداً أن يتذكر شيئاً مما قالته له تلك المرأة ولا يستطيع..
الحقيقة التي أردت صدقا قولها لا تتعلق بكل هذا الهراء..
الكتابة حلقة فارغة بين جحيمين،
جحيم سفلي يحمل الكثير من حماقاتنا وقيودنا وعذاباتنا..
جحيمنا الأعلى دون قيود،
جحيمنا دون أقفاص
نحن الوحيدات اللواتي لا يفكّرن
الوحيدات اللواتي لا يتذكّرن
اللواتي يرتجفن ويبكين..
يبكين بحرقة قبل أن يُخرجن قلوبهن من التوابيت..
قبل أن يشعلن سيجارة أخرى في البرد.
مع الفجر
في طيات الكوابيس
جسد يبحث عن الندم
قلب يردد:
الأرواح خالدة
الظلال التي تدهسها العربات خالدة
شقاء النساء خالد
دموع الرجال المقهورين خالدة
الجبال التي سقتها الدماء خالدة
الكلمة الطيبة خالدة
الألم خالد والإحساس..
الإحساس بالإهانة أيضا خالد..
فقط
فقط الإنسان من يصنع الموت ويموت
يصنع الحب ويموت
يتمدد في ذلك القبر
يخرج عظامه القاسية من جيوبه
يرتجف وهو يحوط أعواد النسيان
يتألم ويحاول جاهداً أن يتذكر شيئا مما قالته له تلك المرأة
ولا يستطيع
لتتساقط الأوراق مرة ثانية على حضن الأرض
ليشتد المطر في مخيلتك
لأخرج أصابعي اليابسة من جيوب الحياة
لأرتجف
لترتجف
سيجارة يشعلها الفقد
أخرى يطفئها النسيان.
………..
أفين إبراهيم
الولايات المتحدة الأمريكية 
 8 /1/2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…