نعودُ إلى الصيغة غير المنفية من العنوان: (أريدُ لهذي القصيدة أنْ تنتهي) أقولُ ما الذي منع درويش من إيراد العنوان بهذه الصيغة؟ لنتقرى الأمر بروّية أعمق: إنَّ القصيدة معنىً ودلالةً في العربية تنتمي إلى الجذر (ق. ص. د)، وأصلُ هذه الكلمة ومواقعها في كلام العرب([3]): الاعتزام والتوجه والنّهوض نحو الشيء. وقصَّد الشاعرُ وأقْصَدَ أطال وواصل عمل القصائد (لسان العرب). ومن جهة أخرى فمن معاني «ق. ص. د» استقامة الطريق وسهولته، وبناءً على ذلك، فالجذرُ اللغويُّ يجمعُ في ذاته دلالات الاعتزام والسفر والمواصلة، وهي كُلُّها علامات دالّة على الرغبة في الحياة، لذلك من الطبيعي أنْ يأتي العنوان مبتدئاً بأداة النفي، كما لو أنَّ الشاعر يقول: لا أريدُ لهذا السفر/الحياة/ المواصلة أن تنتهي. هكذا يستندُ العنوان على نواة دلالية متمثلة بـ«الحياة» في مواجهة «الموت» الذي يتبدّى في صيغة الإثبات: «أريدُ لهذي القصيدةِ أنْ تنتهي»، فنفي الموت يكون بمواصلة الحياة أو السفر فيها إليها، لأن مواصلة القصيد / الشعر هي الحياة ذاتها بالنسبة للشاعر.
ويقيناً؛ فالشاعر كان يدرِكُ وطأة الموت، الموت الذي يحرِّرنا ـ وأقول ـ يحرمنا ـ ويقتلعنا من الاستمتاع بالشمس والعشب والليل، فلا حيلة معه، هذا الزائر الذي لا يعرف تأجيل مواعيده، حتى وإن أجلّها، فإنّه سرعان ما يأتي ومعه العدمُ والعتمةُ والنسيانُ، فمواجهة الموت في هذه الحال لا تكون إلا بالسفر إلى «اللغة – الحياة» وترْكِ ما يكون به الخلود والحضور في ذاكرة الحاضر والمستقبل، كأني بدرويش يقول: لا حيلة مع الموت ولكن يمكن التخفيف من وطأته بحضور القصيدة، الشعر في ذاكرة المجتمع، ولهذا يكتب جيمس ب. كارس في كتابه الموت والوجود: «ما دام الموت قوة فإنَّ ما يمكن للمرء أن يحقِّقه ليس هو استبعاد الموت فهو لا يقبل التَّسوية أو المساومة ولكن أنْ يسعى إلى مرتبة أعلى من الحرية قادرة على فرض اتصالها برغم الموت»([4]). إذا كان الموت لا يقبل التسوية أو المساومة فيمكن تغيير الاستراتيجة، أي البحث عن حياة أخرى، أو حرية أخرى لأن «الحرية في صورتها العليا هي القوة على مواصلة الاتصال في وجه الموت وليست استبعاد الموت»([5])، وبناءً على ذلك يتخذ درويش استراتيجية الكتابة، كتابة الشعر ـ السفر للانعتاق من الموت، ومواصلة الحياة، عبر «هذي القصيدة»، الحضور عبْرَ الشِّعر، مواجهة الموت بالشعر، باللغة والشعر من حيث هما انفساحُ المجال لأشياء العالم بالإضاءة، يقول هيدغر: «فاللغة ليست مجرَّد أداة، من بين أدوات أخرى، يمتلكها الإنسان، بل هي، بشكل عام وقبل كل شيءٍ، ما يضمن إمكان أن يجد الإنسان نفسه في قلب تفتُّح الوجود، ولا يكون العالم إلا حيث تكون اللغة»([6]). إنَّ مواجهة الموت بالقصيدة، يعني بكلِّ بساطة مواجهة الموت بالحوار، لأنَّ القصيدة هي لغة، وهي حوارٌ مع الآخر، وكانَّ درويش يقول: لا أُريدُ لهذا «الحوار» مع القارىء أن ينتهي، لأنّ الحوار يستدعي «الآخر» الذي بــه تكون الأُلفة والأُنس حيث تتكشّف بهما الذاتُ للآخر والآخر للذات دون قمعٍ واستلابٍ.
هل يلمِّح درويش بهذا العنوان «لا أريدُ لهذي القصيدة أن تنتهي» إلى شذرة الشاعر الألماني هولدرلن «لكنَّ ما يدوم يؤسِّسهُ الشُّعراء»([7])، فما يؤسّسه الشُّعراء، وما يؤسسوه، يكون باللُّغة وفي اللغة، بالكلمة وفي الكلمة، فقوة الموت على الاقتلاع وتحدّي الكائن الإنساني لا تُثْبَطُ إلا بالكلمة ـ الشعر؛ لأنّ «الشعر هو تأسيسٌ للوجود بواسطة الكلام»([8])، فما يدوم ويستمرُ في الوجود وما لا يقدر الموتُ عليه هو القصيدة ــ الشِّعر، يقول هيدغر: «فما هو هذا الشيء الذي يتمّ تأسيسه؟ إنه ما يدوم. ولكنَّ ما يدوم هل يمكن تأسيسه؟ أليس ما هو قائمٌ على الدوام؟ لا! إذ ينبغي، على وجه الدقة، أن نَصِلَ بما يدوم إلى الاستمرار في البقاء على مواجهة التدفق الكبير لما يجعل الأشياء تنقضي»([9]) من هنا ، نواجه النسيان بالقصيدة، نواجه انقضاء الأشياء، نتيح للوجود أن يتأسّس بالقصيدة وفي القصيدة، لأنَّ تأسيس الوجود وانكشافه شرطٌ لانكشاف الموجود «الكائن والأشياء». وهكذا يمكن لنا أن نؤوّل العنوان بصيغته المنفية «لا أريدُ لهذي القصيدة أن تنتهي» بـ «لا أُريدُ لهذا النسيان أن يبدأ»، فالأصعبُ أن يُنسى الشّاعر، لأنّ الموت هو طريق النسيان، النسيان بما هو الانقضاء، انقضاء الوجود ـ الشاعر وكأنه شيءٌ من الأشياء، ولهذا يمكننا قراءة العنوان في تأويل جديد: «لا أريدُ لهذا الشاعر/ الشعر أن يُنسى»، هكذا تتحوّل القصيدةُ؛ لتكون الشاعر/ القاصد، لتكون الشعر الذي يؤسس الوجود الحق، وفي هذا الوجود يقعُ العالم والتاريخ، يقول هيدغر: «للشعر مظهر اللعب لكنّه ليس كذلك، فاللعب يجمعُ ما بين البشر لكن بحيث ينسى كلُّ منهم ذاته في غمرة اللعب. أمَّا في الشعر فنحن نرى أنّ الإنسان ينكبُّ على عمق أعماق وجودِهِ في العالم، وبذلك يتوصّلُ إلى الدّعة»([10])، لأنّ الشعر هو الوسط الذي يتكشّف فيه عمق أعماق الوجود للإنسان، فمن الطبيعي أن يتجه الشاعر إليه، إلى الشعر بأنَّ يستمر، لأنّ في استمراره يستمرُّ الشاعر بالإقامة في الأرض، أقصدُ بالخلود هكذا يمكن للموت أن يرعوي، وأن يكون موتاً فحسب.
لنعد إلى القصيدة ذاتها المنطوية تحت جُنح هذا العنوان، يقول درويش:
لا أُريدُ لهذي القصيدة أن تنتهي أبدا
لا أُريدُ لها هدفاً واضحاً
لا أُريدُ لها أن تكون خريطة منفى
ولا بلدا
لا أُريدُ لهذي القصيدة أن تنتهي
بالختام السعيد، ولا بالرَّدى
أريدُ لها أن تكون كما تشتهي أن
تكون:
قصيدة غيري. قصيدة ضدي. قصيدة
نَدِّي …..
أُريدُ لها أن تكون صلاة أخي وعدوّي.
كأنَّ المخاطب فيها أنا الغائب المتكلِّم فيها. كأنَّ الصدى جسدي.
وكأني أنا
أنت، أو غيرنا. وكأني أنا آخري!([11])
إنَّ القصيدة الجديرة بالبقاء، الجديرة بالخلود هي التي تتجاوز اليومي والسائد والواضح تتجاوز الأهداف التي يُراد منها، ما تريدهُ السياسة منها في أن تكون بوقاً للأيديولوجيا أو نسخةً من هذه الأيديولوجيا، ذلك أنَّ الوجود مرهونٌ بتأسيسه بالقصيدة، كما لو أنَّ الوجود والعالم والتاريخ يمتنعون عن الحضور بغياب الشعر، ولهذا فلا إرادة تُخضعُ القصيدةَ على الوجود: «أُريدُ لها أن تكونَ كما تشتهي أن تكونَ». والقصيدة لكي تكون قصيدة، الوسط الذي يتأسّس فيه الوجود، فعليها أن تتكلم بلسان الآخر وهواجسه، يرى فيها الآخرُ والذاتُ وجودهما مشرقاً، لامعاً، يقرأان مصيرهما فيها. هذه هي القصيدة التي لا يريدها الشاعر أن تنتهي، القصيدة التي يتكشّفُ فيها صوتُ الآخر، القصيدة التي تتبدّى فيها «الذاتُ عينُها كآخر»، على هذا النحو يغدو الموتُ حدثاً طارئاً في كينونة الشعراء مادام ما يؤسّسه الشعراء سوف يدوم:
لن نموت هنا الآن، فالموت حادثة
وقعت في بداية هذي القصيدة، حيثُ
التقيتُ بموتٍ صغيرٍ وأهديتُهُ وردة،
فانحنى باحترام وقال: إذا رأيتك ما أردتك
يوماً وجدتك([12]).
يفاجئنا درويش بالعناوين المبوبة لأقسام الديوان الثلاثة على غرار العنوان الرئيسي الذي هو في الأصل عنوان القسم الثاني من النّصّ، وعليه الآن نتجه إلى القسم الأول والثالث نتقرّى شؤون العلامات فيهما.
يعنون درويش القسم الأول بـ «لاعب النرد»: هكذا يضع درويش قارئه على حافة الدّهشة والارتباك: «لاعب النّرد»، نقرأ عن النّرد([13]): «والنَّرْد: معروف شيءٌ يلعب به، فارسيّ معرّب وليس بعربي وهو النّردشير. وفي الحديث: مَنْ لعبَ بالنردشير فكأنما غمس يَدَهُ في لحم الخنزير وَدَمَه، النّرد: اسم أعجميّ مُعرّبٌ وشير بمعنى حلو». وعلى الرُّغم من أنَّ ما يقوله ابن منظور يستحق التعليق، بيد أنَّ «لاعب النّرد» ينتظرُ التأويل: العبارة واضحة، لا تحتاج إلى التأويل للوهلة الأولى، فلاعب النرد هو الذي يستعمل النّرد للتسلية والترفيه ليس إلا، يَسْتعملُ النَّرْد هرباً من الضَّجر والملل، لكنه إذ يهرب من ذلك فإنّما يبحث عن الألفة والأنس بحضور طرفٍ آخر، فالملل لا يمضي إلا بحضور الآخر الذي يمنح معنًى للعبة النّرد، كما لو أنَّ «لاعب» النَّرْد لا يحتاز قدرة اللعب إلا بوجود الطرف الآخر، فالمهارة لا تتحقَّق إلا بحضورهِ. لكنْ ما شأنُ «لاعب النَّرْد» بالشعر، لاشكَّ أنَّ هذه «العبارة ـ العنوان» تستدعي إلى الذِّهن قصيدة الشاعر الفرنسي مالارميه «رمية نرد»، ولاشكَّ أيضاً أنَّ الرمية ـ رمية نرد ـ تحيلنا على لاعب النّرد، ومن هنا فقصيدة درويش تتشكَّل تحت وطأة مالارميه الشعرية تناصياً:
مَنْ أنا لأقول لكم
ما أقولُ لكم
مَنْ أنا؟
كان يمكن أن لا يحالفني الوحيُ
والوحي حظُّ الوحيدين
إنَّ القصيدةَ رَمْيَةُ نَرْدٍ
على رقعةٍ من ظلامْ
تشّعُ، وقد لاتشّعُ
فيهوي الكلامْ
كريشٍ على الرملِ([14]).
بشيءٍ من التأويل يتوضّحُ أن «لاعب النَّرْد» ليس إلا «الشّاعر» بوصف الأخير لاعب كلماتٍ، هكذا تحْضُرُ التكافؤات العلاماتية: لاعب= شاعر، والنرد= الكلام، استعارة فريدة تقودُ القراءة إلى استعادة العنصر الغائب عَبْرَ السياق الذي يَهَبُ لنا إمكانية تخمين العناصر الغائبة. هكذا القصيدة في تشكّلها تماثلُ «رمية النرد» التي يرميها اللاعبُ في افتقادٍ لإمكانية التنبؤ، ولهذا يمكن لرامي الرمية أن يفوز أو يخسر الرمية، أن يكون بين بين ، بين حالتين من القلق: الفوز/ الخسارة، كذا الشاعر يرمي الكلماتِ رميَ النَّرد، فيمكنُ للقصيدة أن تشعَّ الروح برنينها وبقوتها، ولها أيضاً أن تحبط الروح بفشلها، فحال الشاعر (= لاعب الكلام) مكافئ لحال لاعب النرد، كلاهما رهينٌ للاحتمال والممكن: النجاح أو الفشل، الإشعاع أو الإنطفاء.
يستمر الشاعر في تشبيه «الشاعر» بلاعب النرد ومحاولة رصد ولادة القصيدة:
لادَوْر لي في القصيدة
غيرُ امتثالي لإيقاعها:
حركات الأحاسيس حسّاً يُعدِّلُ حسّاً
وحَدْساً يُنزِّلُ معنًى
وغيبوبةً في صدى الكلماتْ
وصورةُ نفسي التي انتقلتْ
من أنايَ إلى غيرها
واعتمادي على نَفَسِي
وحنيني إلى النبع
. لادورَ لي في القصيدة إلاَّ
إذا انقطع الوحيُ
والوحيُ حظُّ المهارة إذ تجتهدْ([15]).
كأنَّ القصيدة هي التي تتكلّمُ الشَّاعرَ، لا الشَّاعر يتكلّمها، كأنها تفرِضُ ذاتها على الشَّاعر كي تنبثق، وتضيءُ ذاتها به وتضيئه بنورها، وتضيءُ «العالم»، كما لو أنَّ القول الشِّعري كما يرى هيدغر هو ضرورة محتّمة على الشاعر، القصيدة تدفعُ الشّاعرَ إلى القول الشعري، إلى قولها، وإلا لن تكون ثمة قصيدة تؤسّس الوجود الحق، فالعالم لا يَحْضُرُ إلا بانبثاق الكلام، الذي يرتهن في حضورهِ بحضور القصيدة ذاتها. القصيدة قدرٌ لا مناص منه في شذرة درويش، لابُدَّ لها أن تنبثق في ليل الشاعر وما على الشاعر سوى الخضوع لها ومداراة إيقاعها، وإذ تكون القصيدة قدرٌ فإنّها تكون وحياً، إيماءً، وما على الشاعر سوى تلقي هذا الوحي ـ القصيدة. لكن ماذا لو انقطع الوحي؟ ماذا لو انقطع الإرسال بين المُرسِل والشاعر، هنا ينهضُ الشاعر ليقوم بدور المدوِّن ليثبتَ القصيدةَ ويحرسَها من الضياع والفقدان. إنَّ درويش في السّطر الأخير يفاجئنا كالعادة حينما يختتم القصيدة بهذا القول: «والوحي حظُّ المهارة إذ تجتهدْ»، كما لو أنَّ المهارة لا نفع فيها دون الوحي، ذلك أنَّ اجتهاد المهارة مرهون بالوحي أي بالقصيدة حيث القدرُ المحتومْ.
يتوّج محمود درويش القسم الثالث بهذا العنوان: «ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات»، وبالتمعن في هذه العبارة نلحظ التنادي الذي يربط بين العناوين الثلاثة، إذ ترتبط بهذا الشكل أو ذاك بـ«الشَّاعر» و«الشِّعر»، ولا تغادر فضاء الكلام. وعلى عكس العنوان الأول والثاني، يزيح الشاعر بمهارة حاذقة السطر الأخير من القصيدة الأخيرة «كلمات» ويجعله عنواناً للقسم الثالث، الأمر الذي يمنح هذا «السطر الأخير» أفضلية على الأسطر الأخرى بل عناوين القسم الثالث وهذا ما يدعونا إلى التأمُّل فيه: «ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات». بدايةً لابُدَّ من الإشارة إلى أنَّ هذا السطر يستدعي العنوان الرئيسي «لا أُريدُ لهذي القصيدة أن تنتهي» عَبْرَ مفردة «كلمات»، عبر التقاطع بين مفردتي «القصيدة» و «كلمات»، فالكلمات تنتمي إلى القصيدة من حيث هي اللبنات التي تتأسّس عليها القصيدة، ومن جهة أخرى تنتمي القصيدة إلى «كلمات» من حيث هي كلامٌ، ولهذا ليس بغريبٍ أن ينهي الشّاعر المجموعة بـ«كلمات» كما بدأها بـ«القصيدة» في إصرارٍ على استمرار الكلام، وبالتالي الحضور، حضور الشاعر بعد الموت بوصفه حدثاً طارئاً ليس إلا.
بيد أنَّ العنوان الثالث: «ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات» يقودنا من حيث لا ندري إلى التأويل، وهذا العنوان ذاته مفخَّخٌ بالإرجاء الدلالي، يمارسُ لعبة خيانة المعنى والتّنكر له بلذةٍ، فالتركيب الموصوف «الورق الذابل» وبعيداً عن سياقه، قد يحيلنا إلى الأوراق التي كتب عليها الشاعر قصائده، كلماته: «ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات»، وقصائد، لكننا حينما نُدْرِجهُ في النّصِّ تتعقَّد الدلالة/ الدلالات، هنا يأخذُنا النّصُّ إلى عالمٍ آخر يتكشّف في فضاء القصيدة، وهذا العالم يتجسَّد في فصل الخريف:
كلماتٍ كلماتٍ …… تسقطُ الأوراقُ
أوراق البتولا شاحبات، ووحيدات
على خاصرة الشارع
(….)
على الشارع يمشي شاعرٌ
في قلبه ثقبٌ سماويٌّ
وفي عينيه مرجٌ سابقٌ،
يمشي على أطلاله
يمشي خفيفاً مثل أوراق الشجيرات،
ويصفرُّ ويحمرُّ كأوراق الشجيرات([16]).
هكذا نجد المماثلة / المشابهة قائمة بين «الشاعر» و «الشّجيرات» سواء على مستوى الجناس بين صوتيمات «الشين والراء والألف» في المفردتين أو على صعيد الحال التي تجمع الكائنين، ليغدو الشاعرُ والشجيرات كائناً واحداً، يتساقطان أوراقاً وكلمات: «ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات»، و«كلمات» هو عنوان القصيدة الأخيرة، لكنَّ لماذا «كلمات»، لماذا انتهى الديوان بـ «الكلام»، كما بدأ بها؟ مرة أخرى الإجابة عند هيدغر: اللغة ــ أكاد أقولُ الكلام ـ بيت الوجود! على هذا النحو يندفع درويش في ديوانه الأخير لممارسة الفلسفة، ولكن الفلسفة في إهاب الشعر.
هوامش القراءة: