حوار مع الكاتب المسرحي الكردي السوري احمد إسماعيل إسماعيل

  

حوار : نصر محمد 

  
يعرف الأدب المسرحي بأنه القصة الممسرحة ذات الهدف. والقصة التي ترمي إلى تقديم الحدث عن طريق الحركة. التي  تقدم هذا الحدث تقديما خاصا يستوعبه القارئ او المتفرج ثم يخرج منه بشيء ما. هو ماقصد إليه المؤلف وما رمى إليه  من وراء كلمته. فهدف النص المسرحي المدون ان يمثل أمام جمهور متعدد الشرائح الإجتماعية واللهجات والقناعات. فالمسرح كفن يتكون من : نص وممثل وجمهور وساحة او خشبة مسرح. وتتداخل تكوينات أخرى في بنيته مثل الموسيقى والديكور وغيرهما. إن للكتابة المسرحية امر بالغ الأهمية في عملية الإبداع المسرحي. لاتقل أهميتها عن الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا وغيرها. بل انها العمود الفقري لأي عرض مسرحي..  ضيفنا وضيفكم لهذا اليوم الكاتب المسرحي احمد إسماعيل إسماعيل. 
أحمد إسماعيل إسماعيل من أهم الأسماء في الساحة المسرحية السورية. جسدت مسرحياته العديد من الفرق المسرحية داخل وخارج سورية. ونال العديد من الجوائز في مجال مسرح الطفل. وفي القصة القصيرة. وكان اخرها جائزة المسرح العربي بالشارقة المركز الأول عن مسرحية // طائر الحكيم //. وهو من المؤسسين للمسرح الكردي في كتابه // مسرحنا المأمول // 

  

أحمد اسماعيل اسماعيل 

– قاص وكاتب مسرحي 
– مواليد سوريا- قامشلي 1961 

– تخرج من معهد دار المعلمين-نظام السنتين سنة 1983  

– نشر العديد من القصص والمسرحيات والدراسات المسرحية في دوريات محلية وعربية . 
– شارك في ندوات مسرحية وغير مسرحية : داخل سورية وخارجها (العراق .الأردن.الجزائر. الإمارات، تركيا…) 
  نال العديد من الجوائز الأدبية في مجالي القصة والمسرح : 
– جائزة الشارقة للإبداع العربي –الإمارات العربية المتحدة- عن مجموعته القصصية (رقصة العاشق) سنة 2000  
– جائزة ثقافة الطفل العربي –الإمارات العربية المتحدة- أبو ظبي- عن مسرحيته – الحقل المنيع – سنة 2001  
– جائزة الهيئة العربية للمسرح سنة 2010 – المركز الأول عن مسرحيته (الطائر الحكيم) الموجهة للأطفال 
صدر له : 
للكبار : 
1-  مسرحنا المأمول- مقالات مسرحية تمهيدية– دمشق سنة -1997 
2-  عندما يغني شمدينو- 3 مسرحيات-دمشق سنة 1999  

3-  رقصة العاشق – مجموعة قصصية- الشارقة  سنة 2001 

4-  أهلاً جحا- عفواً مموزين :مسرحيتان- دمشق 2009 
5- ليل القرابين : مسرحيات قصيرة، دار أوراق، القاهرة، مصر  2019 
  
للأطفال : 
1-  توبة الثعلب -أربع مسرحيات -دمشق (وزارة الثقافة) سنة 2000  
2-  جراب البدليسي1(البارزاني) مسرحية للأطفال، مطبعة آراس. أربيل -سنة –2003 
3-  الحقل المنيع -أبوظبي (جائزة ثقافة الطفل العربي )سنة 2003  
4-  الثغرة- مسرحية للفتيان-دمشق (وزارة الثقافة) سنة 2004 
5- حكاية الأشقياء الثلاثة –الهيئة العامة السورية للكتاب-وزارة الثقافة-2009 
6-  أحلام الحمار الكسول-الهيئة العامة السورية للكتاب-وزارة الثقافة-دمشق-2010 
7-  الطائر الحكيم-الهيئة العربية للمسرح-الشارقة-2010 
8 – مملكة المسرح- مبادئ أولية للأطفال- الهيئة السورية العامة للكتاب- وزارة الثقافة –  
2012 
9-جراب البدليسي1-2 (قاضي محمد- التاج الذهبي) ( مسرحيتان للناشئة) – أربيل 2013 
10-ياقوت وشجرة التوت.قصة للأطفال، دار الصفاء، أبو ظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة. 2020 
تُرجمت أغلب نصوصه الموجهة للأطفال إلى لغته الأم الكردية وصدرت في أكثر من كتاب في أقليم كردستان العراق. 
قُدمت بعض مسرحياته، وماتزال، في عروض مسرحية عديدة  
داخل سوريا : 
(دمشق. حلب. اللاذقية. حماه. طرطوس،الحسكة. قامشلي. عفرين. منبج، السلمية…ومدن سورية أخرى )   
وخارجها: 

(مهرجان شفشاون الدولي لمسرح الطفل بالمملكة المغربية عام 2006.  مهرجان الشارقة لمسرح الطفل عام 2006.  مهرجان قرى الطفل برأس الخيمة في دولة الإمارات العربية عام 2007. وفي العراق (البصرة عام 2006. بغداد (مهرجان مسرح الطفل الخامس) 2008. أربيل 2010.  فلسطين 2008 . الجزائر سنة 2008 – ليبيا (طرابلس) 2009  مصر2014 و 2017.. ومهرجان أصيلة الدولي في المغرب سنة  2014، ومهرجان ليالي المهدية في تونس سنة 2018 .. المملكة الأردنية، أربد. آذار 2020ومهرجانات عربية أخرى. 

  
– لو طلبنا منك بطاقة تعريفية فكيف تعرف أحمد اسماعيل؟ 
  
*   كي لا تكون شهادتي مطعونة، وأنا أقدم نفسي، فإنني سأكتفي بالتعريف بعناوين نتاجاتي الأدبية، ونشاطاتي، وهي متوفرة على النت، وسأرفقها بالحوار، ولمن يود أكثر، أكتفي بالقول: إن حياتي كانت دراما، ومنذ الولادة، حتى أن أحدهم تبرع بحفر قبر لي بعد قدومي إلى الحياة بأيام، وذلك بسبب الأنين الذي كان يصدر عني بلا انقطاع، وعندما انتهى السبب الصحي لهذا الأنين، وكان سبباً صحياً اكتشفته جارتنا العجوز بعد أن عجز الأطباء عن كشفه، ظهر أكثر من سبب لدوام هذه الأنين واستمراره: اليتم المبكر، الفقر، المرض، القهر القومي. ويكاد كل من يقرأ نصوصي أن يسمع هذا الأنين في نغمة الحزن الطاغية. 
  
– كيف كانت بداياتك مع الكتابة، بتعبير آخر، كيف اكتشفت أن لديك القدرة على الكتابة، لماذا قررت أن تكتب، وهل برأيك كل ما يخط القلم يصلح للنشر؟ 
  
*  من الملاحظ أن أغلب الأدباء تبدأ كتاباتهم بقصائد الحب والغزل، وثمة قلة قليلة منهم خالفت هذه القاعدة، وأنا واحد من هذه القلة، طبعاً للأسف، بل أكثر من ذلك، إذ أن أول مادة ابداعية لي كانت عن جريمة كبيرة اسمها حلبجه، وبقصة عنوانها، “الطائرات وأحلام سلو”، والتي كتبتها كرد فعل احتجاجي على هذه الإبادة، لاحظ التشابه بين حياتي الأدبية وحياتي الطبيعية: إنه الوجع.  
أما عن دفع الكاتب لكل ما يكتبه للنشر، أعتقد أن ذلك خطأ قاتل، ليس فقط بالنسبة للكاتب المبتدئ، بل حتى للكاتب المحترف، وحتى ممن له تجربة كبيرة في الإبداع، فالحذف في الكتابة الإبداعية لا يقل أهمية عن التدوين، وبإعتقادي أن الكاتب الذي لا يمسك الممحاة بيد والقلم بيد أثناء الكتابة، كاتب متهور، وهو مثل السائق الذي يقود سيارته بلا فرامل. ولقد وقعت في هذا الخطأ غير مرة، وندمت. 
  
– عندما تكتب نصاً مسرحياً، هل ثمة منهج معين تتبعه، هل تميل إلى أحد التيارات الإبداعية المعروفة: الواقعية أو الرمزية أو السريالية..إلخ؟ 
  

* نعم ولا، لأنني أكتب لزمن معين هو الحاضر، ولقارئ معروف بالنسبة لي، هو ابن هذا الحاضر، وأعرف، إلى حد ما، وبدون زعم وأوهام، طبيعته ومستواه الحضاري، فأنا لا أبتعد كثيراً عن الواقعية، الواقعية كفن، وأسلوب، لا الواقعية الفوتوشوب، الطبيعية والمباشرة، حيث رسم الواقع بالكلمات؛ الواقعية التي انتصر لها مدعمة بالترميز، تستعير من الرمزية فضاءاتها وأجنحتها كي تحلق بالمتلقي بعيداً عن أوحال الواقع، في مناخ أحرص أن يكون جميلاً، فالأدب جمال أولاً. والكتابة خارج هذا الشرط ليست إبداعاً، بل نشاطاً كتابياً، والنص ليس أدباً، بل تقريراً، ولعل الاستبطان والغوص في الوعي الباطن، وتوسل الرموز الشفيفة، هي أحد أهم هذه الاستعارات التي أستعيرها من الرمزية مثلاً، وذلك في عملية انتقائية من هذا المنهج، بشكل حذر ومدروس، وتقنيات أخرى من الملحمة والتعبيرية، خشية الإبتعاد عن الواقع كثيراً، والتحليق في سماء أخرى اسمها الفن للفن. ولقد فعلت ذلك في كثير من نصوصي، وإن بشكل متفاوت مع مذاهب أخرى مثل: المسرح داخل المسرح، والمسرح الملحمي، بل حتى العبثية، والتي استفدت منها في نص عندما يغني شمدينو حيث لا صراع ولا حركة، بل انتظار عبثي. 

ولعل ذلك جعلني بعيداً عن مزاج الناس، الآني، وقريباً من قضاياهم وهمومهم. وشتان بين المزاج والقضية. 
إنها معادلة صعبة، أما بالنسبة لنجاحها، أو حتى مدى صوابيتها، فلست أنا من يقرر ذلك. 
  
– من هي الشخصية التي تأثرتم بها على المستوى الشخصي والأدبي، ولماذا؟ 
  
*  على مستوى الشخصي لا أحد، لم اسأل نفسي هذا السؤال يوماً، ولم يخطر ببالي أن أفعل ذلك. 
أما أبي، والأب عادة هو القدوة والمثال الأول لكل طفل، فقد رحل عنا باكراً وأنا طفل صغير. فحرمني من هذا الشعور، وأما المعلمون، فقد كان أغلبهم سجانين: الطباشير بيد، والعصا بيد أخرى. 

أدبياً: لم أجد المبدع الذي تتشابه ظروفه مع ظروفي الحياتية، وواقعه مع واقعي، والأهم طبيعته وتربيته معي شخصيتي، التي غلب عليها طابع الخجل والانكسار والحزن. 

غير أن سعد الله ونوس، ودون بقية المبدعين الذين قرأت لهم بإعجاب، كان ومايزال، المبدع الأكثر ملائمة لتوجهاتي ونمط تفكيري، فكراً وإبداعاً. 
غير أن اعجابي بمسرح هذا المبدع وفكره، لا يعني أن ليس لدي تحفظات عليه، ولعل أولها، غياب الكردي في مسرحه، شخصية وقضية، ويكاد الكردي هو السوري الوحيد الغائب في مسرحه، مثل باقي الكتاب السوريين! 
ولي مقال يتناول هذا الموضوع. 
  
– كيف ترى مستوى المسرح في محافظة الحسكة، وما السبيل إلى تطوير الفن المسرحي في هذه المحافظة؟ 
  
*  المسرح في محافظة الحسكة ليس مسرحاً واحداً، بل مسارح، أو تجارب مسرحية، وذلك بسبب التركيبة السكانية المتعددة في المحافظة، فللدولة مسرحها الرسمي، وللكرد مسرحهم، وللأرمن أيضاً، وكذلك للسريان، وكل مسرح من هذه المسارح له جمهور يتحدث له و”عنه”. وبلغته، وإذا كان المسرح الرسمي في المحافظة لا يناقض خطاب السلطة، بل يتناغم معه، لأن السلطة دجنته في منظمات تابعة لها: منظمة الشبيبة، الطلائع، العمالي، الجامعي..إلخ. وجعلت من الفنان المسرحي موظفاً لديها، ومن العروض نشاطات وحسب، فإن المسارح الأخرى. الكردية، السريانية، الأرمنية، الأشورية، لم تكن أحسن حالاً من مسرح السلطة من ناحية ارتهان قراراتها للأحزاب، مثل التجربة الكردية، وللكنسية والطائفة،كما في التجارب الأخرى، إضافة إلى خطأ كبير وقعت فيه هذه التجارب، وأعني به ثقافة رد الفعل، في محاولة للإبتعاد عن حظيرة النظام، والتخندق لمواجهة سياسة المنع والقمع الممارسة من قبله، مما جعلها أسيرة التركيز على الذات، والتقوقع في شرنقتها، الأمر الذي انعكس سلبياً على طبيعة ومستوى عروضها، والتي لا أجرؤ على وصف أعمالها بالمسرح، جمالياً وفكرياً، ولقد كانت التجربة المسرحية الكردية، الضحية الأكثر عرضة لقمع السلطة وسياسة المنع من تجارب المكونات الأخرى، والتي تمتعت بهامش من الحرية يسمح لها بممارسة تجاربها دون مضايقات، ولم تسمح السلطة للتجربة الكردية أن تلقط أنفاسها يوماً، ومنذ السبعينيات من القرن الفائت، تاريخ ميلاد هذه التجربة النضالية بحق،  ولقد كان لي شرف متابعتها منذ قرابة ثلاثة عقود من السنين، ويشرفني أنني أول من كتب عن هذه التجربة، وأرخ لها، وكتب النقد عن بعض عروضها، وكذلك البحث المسرحي، إضافة إلى الكتابة عن تجربة وتاريخ العروض المسرحية الأخرى في مدينتي قامشلي: العربية الرسمية، والأرمنية والسريانية والأشورية، وطبعاً الكردية في مقال نشر سنة 1999. بعنوان: المسيرة المسرحية لمدينة اسمها قامشلي. 
أما السبيل المناسب لبناء مسرح حقيقي في المحافظة، فأعتقد أنه يكمن في نقطتين أساسيتين: الحرية، لأن المسرح فن يتنفس الحرية، وغيابها موت له، والحرية في المسرح مثل الهواء، كما في الحياة عامة، لا يمكن أن ينتشر في سماء الخشبة دون أن ينسل إلى الصالة والمدينة أيضاً. هذا من جانب، وفك ارتباط المسرح بالسلطات من جانب آخر: الرسمية والحزبية والدينية الطائفية. والاستعاضة عنها بالجمهور، شريك المسرح الحقيقي، وسيده. أما الدرس والمران والانفتاح. الحلول الفردية الضرورية، فمبذولة للجميع. وسهلة.  
  
– صدر لك حديثاً كتاب “ليل القرابين” ليتك تحدثنا عن هذا الكتاب وعن محتواه؟ 
  
*  عدا نص مسرحية قربان الذي كتبته بوحي من انتفاضة الثاني عشر من آذار 2004 وعرض في الشارقة سنة 2013، وكان فرع أمن الدولة، أول من فك دلالاته ورموزه وهو مخطوط، سطا عليه من بريد شركة نقل داخلية أثناء التفتيش الدوري، فإن النصوص الأخرى  التي بين دفتي الكتاب؛ تتحدث عن ما حدث في سوريا قبيل، وأثناء الزلزال السوري 2011، وبعده أيضاً، عندما تحولت الثورة المنشودة بسرعة البرق إلى حرب مسعورة. أو حولت بعصا غير سحرية، وهي نصوص تتحدث عن الظلم والقمع في مسرحية ( مجرد مزاح) الحالة السائدة قبيل هذا الزلزال، وأحد أهم مسبباته، ومسرحية عن السجن والثورة في مسرحية ( ليلة السجين السعيدة) ثم عما ألت إليه الأوضاع من فقر وحرب في مسرحيتي( مصير، ومونودراما عجوز في الغابة) والهجرة التي لجأ إليها الناس هرباً من جحيم الحرب وذلك في مونودراما( نسرين) التي عرضت في قامشلي وفي مهرجان ميتان، في مخيم الشهبا.  
الكتاب بمثابة مسرحة وتأرخة للزلزال السوري وارتدادته منذ البداية. وهي مسرحيات قصيرة تدور أحداثها في أجواء كابوسية. 
  
– المسرحيات الكوميدية الهادفة، للأسف، مايزال الجمهور العربي، وبدون تعميم، ينظر إليها على أنها وسيلة ترفيه وتسلية، وليست مجال هادف يطرح قضايا جادة وهامة، ما قولكم؟ 
  
*  لا ألوم المجتمع العربي، أو غير العربي، حين يتعامل مع الكوميديا الهادفة بهذا الشكل، انظر إلى من جعله يفعل ذلك، من فنانين ومسرحيين وسلطات وظروف وثقافة. وستنزع التهمة عن الجمهور، ولو أن هؤلاء نشروا بين الناس ثقافة أخرى، وقيماً أخرى تحترم هذا الفن؛ لمارس هذا الشعب ما هو صحيح وسليم. 
التعامل مع الفن بسخرية وتهميش، بل مع كل ماهو جاد، أحد أهم قيم المجتمع الاستهلاكي وممارساته الذي تغول فيه رأس المال الطفيلي، وأصحابه من عسكر وحرامية، الذين كسبوه في تجارة بيع الأوطان. في سوق النخاسة الإقليمي والعالمي. 
  
– هل يجب على الكاتب المسرحي أن يكون صاحب عقيدة، وتوجه سياسي، يدعو له، أو أن يكتفي بالنقد لمواقع الخطأ بالنقد من موقع المستقل غير الملتزم بتوجه سياسي، أو مبدأ محدد. 
  
* ليس هناك شرط محدد وإطار معين، يلزم الكاتب أو المبدع به، فثمة كتاب كانوا يحملون عقيدة وينتمون لحزب معين، وجاءت كتاباتهم بعيدة عن الترجمة الأدبية لقناعتهم وتوجهاتهم، مثال بلزاك الذي قال عنه ماركس بما معناه: إنه ملكي في السياسة، وديمقراطي في الأدب، وثمة كتاب مستقلين سياسياً، وغير ملتزمين بعقيدة أو فكر معين، تفتقر كتاباتهم لروح الإبداع: الحرية.  
الكتابة حرية، والحرية مسؤولية، والوفاء لهذا الشرط؛ شرط أساسي للكتابة الإبداعية، والكاتب الذي لا يمارس هذه الحرية إبداعياً، ويسلط الضوء الكاشف على الخلل في الحياة، وحيوات الناس كلّها، ليس سوى صانع ماهر و”شاطر” يمارس صنعته بذكاء وحرفية مثل ساحر يطلق عليه بعض البسطاء والسفهاء صفة قديس.  
ناهيك عن كتاب برتبة موظف في حزب أو لدى سلطة. وغالبية هؤلاء سحرة في هذا المجال. 
وعلى المتلقي في هذه الحال أن يمارس دوره في قراءة النصوص من منطلق القارئ الفاعل، لا المتلقي السلبي  مثل الرضيع. فعملية التلقي في الفن والأدب، تتطلب التفاعل بين فاعلين، لا فاعل ومفعول به.   
  
– المسرح الغنائي والاستعراضي، لماذا أختفى من المشهد الفني والمسرحي، وذلك بعد حضور جيد له في زمن سابق: الستينيات والسبعينات من القرن الماضي؟ 
  
*  من المعروف أن المسرح العربي بدأ غنائياً على يد أبي خليل القباني ومن تلاه، قبل الستينيات بزمن غير قصير، وقبله الرائد مارون النقاش الذي قال عن المسرح: ذهب أفرنجي في قالب عربي، والتي كانت تمثل دعوة إلى مراعاة الذائقة العربية، والتي تميل للغناء والرقص والموسيقا، في تقديم هذا الفن الافرنجي، ولقد ظهرت حينها فرق استعراضية كثيرة مع بدايات هذا الفن، نذكر منها تجربة الرائد سلامة حجازي في منتصف القرن التاسع عشر(1852-1917) وسيد درويش، وجورج أبيض، ومنيرة المهدية.. وفرق أخرى ظهرت في العقود التالية من القرن العشرين، الفرق الشامية بداية، وتجربة الرحابنة الأكثر دواماً ومعاصرة. تالياً.  
من المعروف أن لهذا الفن خصوصيته التي تحتاج إلى قدرات كبيرة، وإلى مبدعين لا يقحمون الغناء في العرض أو الموسيقا، لأن الموسيقا فيها، وكذلك الغناء، من صميم هذا العمل الدرامي، ومنسجمة مع عناصر العرض، وتشكل نسيجاً كاملاً ومنسجماً، من غناء ونص وألحان وسينوغرافيا وملابس وتمثيل إلخ. 
قد يكون ذلك متوفراً في هذه الأيام، وقد يكون الملحن العارف بكل هذه التفاصيل موجوداً، وكذلك مصمم الرقصات والمخرج والمؤلف. كما كان الامر في السابق. غير أن الأمر هنا لم يعد يقتصر على وجود هذه العناصر، بل على عملها سوية في مناخ لم تعد الروح الجماعية فيه سائدة، ولا الدعم المالي الكبير متوفراً، والذي تحول إلى رأسمال طفيلي مساهمته مشروطة بالربحية من جهة المنتج، أو التبعية من جهة الدولة الممولة والراعية، ناهيك عن التشوه الذي أصاب المناخ الثقافي في ظل هيمنة الطفيلية في الاقتصاد وأربابه، والبيرقراطية في الحكم، والاستهلاكية في المجتمع. والعسكراتية في السلطة. حيث تجد الممثل فيه يبحث عن النجومية، والمسرح الغنائي عمل جماعي، والمتلقي يج في بطله في الفن العزاء بعد أن فقد أمله في الأبطال المزيفين في الواقع والحكم. 
كل ذلك، وأكثر، يحتاج إلى روافع لا تقتصر على الفنان وحده، بل على الدولة بالدرجة الأساس، التي مسخت الفن إلى مجرد نشاط يدون في سجلاتها. 
لا شك أن للفيديو دوره السلبي في هذا الأمر، وكذلك للتلفزيون، ولغيرهما من الوسائط الحديثة، ليس لأنها أفضل من المسرح، بل أكثر جاذبية من نوع من المسرح؛ هو مسرح المتعة والتسلية الرخيصة: مسرح المجتمع الاستهلاكي، لا المسرح الحق. 
  
– يوجين اونيل، الكاتب المسرحي الإمريكي الشهير، والحاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1936 وجائزة بوليتزر ثلاث مرات، والسؤال: في الساحة المسرحية العربية رجال مسرح كبار، من منهم يرادف هذا الكاتب على سبيل المثال؟ 
  
* لقد قدمت الساحة المسرحية العربية أسماء كبيرة وهامة في مجالي الكتابة الإخراج، كما في مجالات المسرح الأخرى. وإذا كان الموضوع يتعلق بالتأسيس للمسرح عربياً؛ كما فعل يوجين أونيل أمريكياً، فقد قدمت هذه الساحة كتاباً قدموا أعمالاً مسرحية في مجالي النص والبحث تنحو هذا المنحى، مثل توفيق الحكيم ويوسف أدريس، وقبلهما أبو خليل القباني ومارون النقاش مثلاً. 
ويُعد توفيق الحكيم من أوائل الكتاب الذي جربوا أكثر من تيار ومنهج في الكتابة المسرحية. وإن كان قد انتصر للمسرحية الذهنية. ولنا في تجربة المبدع السوري سعد الله ونوس أيضاً، مثال المسرحي الذي اشتغل في التنظير والتجريب والفكر. إضافة لكتاب سوريين آخريين، ممدوح عدوان وعبد الفتاح قلعجي وغيرهم، وكتاب كثر أخرين وقامات مسرحية كبيرة في العراق الذي قدم أسماء كبيرة، والمغرب العربي، والتي حصلت هي الأخرى، مثل أونيل، على جوائز وحققت حضوراً طيباً. 
غير أن فاعلية هؤلاء لا يتحمل غيابها الكاتب، بقدر ما تتحمله السلطات التي دجنت المسرح، وكبلته بألف قيد، وكذلك ثقافة المجتمع الذي تختلف علاقته بالمسرح عن المجتمع الأمريكي. والمستوى الحضاري له، والظرف العام. وغياب الحريات. 
  
– هل استطاع الكاتب المسرحي أحمد اسماعيل أن يجمع بين عنصري الامتاع والتشويق من جهة والنقد الصريح للواقع في نصوصه المسرحية من جهة أخرى. وهل لديه نص معين حقق هذه المعادلة؟  
  
* المسرح فن، والفن جمال، ولا قيمة لجمال لا تتوفر فيه المتعة. طبعاً للمتعة أنواع، وأنا أستبعد عن المسرح المتعة الرخيصة أو التسلية من اجل قتل الوقت، لا استثماره، ولكل مستوى من الوعي نوع مناسب من المتعة، وما قلته عن المتعة في كل فن، ينطبق على التشويق أيضاً، الذي يصنع المتعة، ولخلق التشويق أدوات ووسائل عديدة: بسيطة وواضحة في المسرحية التقليدية، وفيها يتحقق التشويق من خلال صراع صاعد بين الشخصيات للوصول إلى العقدة، ثم الحل. أو تشويق من خلال نوع آخر من الصراع، أو التوتر، أو اللا صراع كما في المسرحية العبثية. وهو بحد ذاته صراع من نوع ما.  
ولأنني اكتب للأطفال، وكذلك لمجتمع لم يغادر مرحلة الطفولة بعد، لأسباب كثيرة ليس هنا مجال تفصيل القول فيها، فإنني حرصت على أن تكون الحكاية عنصراً هاماً في مسرحياتي، بوصفها نزوع إنساني، وشغف لدى شعوبنا، ولديها القدرة الكبيرة على إثارة المتعة، غير أن ذلك ليس كل شيء، فأنا لست حكواتياً، بالمعنى التقليدي، وكي لا أكون كذلك، فقد استثمرت ما في الحكاية من جاذبية لممارسة النقد وتشريح المجتمع وكشف عيوبه، وخاصة عيوب السلطات في هذا المجتمع. ديدني في جلَّ كتاباتي، ولي نصوص جسدت فيها هذا المسعى، منها مسرحية أهلاً جحاً التي لجأت فيها إلى حكايات جحا، لنقد المجتمع والسلطات القامعة من خلال استثمار الحكاية وما فيها من عنصر الفكاهة، وبقسوة الكوميديا السوداء التي تجعل المتلقي يضحك على مآسيه دون إسفاف، أو بقصد تفريغ الشحنات، بل من أجل التحريض، وإعادة النظر في هذه الأخطاء. 
ولي نصوص أخرى غيرها تنحو هذا المنحى: منها مسرحية عفوا مموزين والتي تنتقد السلطات والأحزاب الكردية في الوقت عينه، بأسلوب ساخر. إضافة لنصوص أخرى للكبار، وللأطفال أيضاً.  
حتى المآسي التي كتبتها، وأنا كاتب مآس بالدرجة الأساس، حرصت فيها على نقد المجتمع وفضح عيوبه بأسلوب لا ينقصه التشويق. والتشويق لا يعني تلك المتعة التي تقتصر على دغدغة المشاعر، لأن إثارة القلق تشويق، وإثارة الفضول تشويق، وكذلك الخوف. 
  
– يعتبر النص اللبنة الأساس في بناء العرض المسرحي، برأيك هل يجب أن يكون معبراً عن الواقع المعيش، يعرض مشاكل المواطن البسيط، أما أن يقدم صورة مثالية لما يجب على الواقع أن يكون عليه؟   
  
*  كان النص اللبنة الأساس في معمار العرض المسرحي حتى القرن الفائت، ولكن الأمر اختلف في نهاية القرن السابق، أو في منتصفه، وأصبح النص مجرد عنصر في العرض المسرحي، بل ثمة من بدأ يتخلى عنه ويعده وبالاً على العرض: بمثابة وشي كما قال ميرخولد، أو زينة، أو ثرثرة كما نتعامل نحن معه. 
مازلت من مؤيدي إيلاء الكلمة دورها الهام في العرض، ليس من موقعي ككاتب مسرحي، بل لما للكلمة من دور في خدمة الفكر، ولخلودها في الحياة والتاريخ قياساً بعمر منافسيها من صورة أوغيرها، ولكن ليس أية كلمة، يس الحكي والثرثرة والوصف المجاني ..بل الكلمة الدرامية، الكلمة الفعل. 
وخشية من الذهاب بعيداً عن سؤالك، وبعد الاتفاق على دور الكلمة الفعل، لا الكلمة المترهلة، أود أن أضيف؛ إن عدم الصدق في الكتابة افتراء على المتلقي، وجناية كبيرة. وتقديم صورة مثالية عن الواقع ضرب من هذه الجناية. الصدق الجمالي، الإبداعي، لا الصدق الذي يتحول المبدع فيه إلى كاتب عرض حال، والنص إلى تقرير. فهذا ليس أدباً.   
الكتابة فن، وللفن شروط لا تستقيم أية كتابة أدبية بمعزل عنها، حتى لو كانت الغاية منها نبيلة مثل الدفاع عن المظلمومين والفقراء والوطن.    
  
– في عصر العولمة وإزدهار التكنولوجيا وتعدد وسائل الترفيه وبكل ما يحويه الانترنيت من سوشيال ميديا، وقبلها السينما ثم التلفزيون،  هل يمكن لفن مثل المسرح، الرهيف والحساس، أن يحتفظ بمواقعه وما يحمله من قيم فكرية وثقافية؟   
  
*  لا شك أن المسرح أضعف من أن يواجه هذه التقنيات والوسائل الحديثة، والتي تقدم المتعة والترفيه دون عناء الذهاب إلى المسرح أو دفع ثمن تذكرة الدخول، أو حتى الجلوس الطويل ضمن قيود وحدود تفرضها آداب المشاهدة المسرحية، حتى لو لم يكن العرض تقليدياً، وفي مكان آخر غير العلبة الإيطالية، هو كذلك لمن تعامل مع المسرح على أنه وسيلة للهو والمتعة وقتل الوقت كما أسلفت القول، ولمن يضع المسرح وهذه الوسائل، وأستثني هنا السينما، لأنها فن رغم ما فيها من صناعة؛ يضعها كلها في خانة واحدة، في هذه الحالة فقط من الطبيعي أن يكون المسرح أكبر الخاسرين. وحدوث ذلك في أي مجتمع؛ دلالة على تخلف هذا المجتمع، لا على خسارة المسرح الراهن، وعلى سيادة النمط الاستهلاكي فيه، ليس في السوق وحسب، بل في الفكر والفن والدين أيضاً.  
المسرح فن مدني، وحضاري، وهو الفن الأكثر ارتباطاً بالإنسان من حيث الطبيعة والنزوع، بل وحتى القدم. 
وقد لا أبالغ لو وصفت وجود المسرح في المجتمع بوجود النحل في الطبيعة، غياب لا يقتصر على فقداننا للعسل فقط: عسل الفكر والجمال، بل ستفقد الورود والنباتات أسباب وجودها: وجود المدنية في حياة المجتمع. 
  
– هناك مقولة شهيرة للفيلسوف والمسرحي الفرنسي فولتير يقول فيها” في المسرح وحده تجتمع الأمة، ويتكون فكر الشباب وذوقه، وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا، لامكان فيه لفكرة ضارة، ولاتعبير عن أي أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوباً بالتصفيق، إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة، إلى أي مدى توافق أو تعارض ما ذهب إليه فولتير؟ 
  
* للمسرح سحره. ودوام مفعول هذا السحر مرهون بتجدد المسرح لنفسه وفق الزمن والمكان. 
وبذلك فقط، بمواكبته لزمنه، وتفاعله مع أهل هذا الزمن وقضاياهم وهمومهم وأفراحهم، يمكننا أن نؤيد ماذهب إليه فولتير. 
فالمسرح مكان جيد لتعليم العادات والسلوكيات الجيدة، ونشر القيم الفاضلة، وتعليم اللغة، وأسلوب الحوار. دون تلقين، وبلا تضحية بالفن والجمال، بل بهما. 
لا وجود لمسرح لا ينتصر للفن والجمال، حتى لو كان أعظم مدرسة للأخلاق، وأكبر منبر للدفاع عن قضايا الوطن والشعب. 
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…