غيفارا معو
الكاتبة والروائية الكردية التي امتطت صهوة جوادها، وانطلقت في رحاب الفكر والأدب تنشر الحب والأمل بغد أفضل
أختها پريخان كانت مصدر الإلهام لها، وقد أسمت مجموعتها الشعرية الأولى باسمها
1- من هي نارين عمر؟
نارين عمر فرد تنتمي إلى المنظومة البشريّة التي تنعم بأحضان السّيرورة الإنسانيّة، تحاول ومنذ لحظات وعيها الأولى للحياة والوجود أن تكون فرداً تسعى مع الآخرين للعالم الذي يسعى الجميع إلى تحقيقه، عالم المحبّة والهدوء وبساطة العيش ونقائه والذي ما يزال يحبو في كينونة أحلامنا وآمالنا يناجي نور الخلق وضياء الولادة. نور نستطيع بقبساته هدهدة آمالنا وطموحاتنا الغافية في ذاكرة اليوم والغد.
توّاقة للأدب والكتابة والفنّ بمختلف فنونهم وأجناسهم لأنّها ترى فيهم المتنفّس الذي يهبها نسائم الصّداقة والصّدق والنقاء.
نارين عمر أمّ لثلاثة ينابيع دفّاقة وحفيدتين رائعتين تتنفّس بلبّ قلوبهم النّابض بأروع وأرق ما خلق الله من المحبّة والصّفاء والجمال.
ترى أنّ الحياة جديرة بأن تُعاش بكلّ لحظاتها وأوقاتها، بوفاقها وتقلّبها، بصداقتها وغدرها وبفرحها وحزنها، وهي لا تدع مفردات اليأس والضّعف والاستكانة تتسلّل إلى قاموس حياتها بل تعيش كما يحلو للحبّ والإرادة والانطلاق والعفوية أن يسيروا بها إلى آفاق هي الدّوام والكينونة بالنّسبة إليها.
ما تزال تبادل العشق والحنان مع ديريك مدينتها التي قررّتْ أن تلج قلبها وتخفّف عنها الهجرة والبعاد.
2- كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟
عندما بدأت أحسّ بتناغم مشاعري وأحاسيسي مع أذنيّ لدى تلقيها معاً لأنغام عذبة وألحان رقيقة وقصائد مبعثرة في ملكوت الحسّ العميقة.
عالم الكتابة والأدب النّقي المقدّسَ هو مَنْ شدّني إليه بلطف وحنان منذ تجاوزي للسّنوات الأولى من عمري وانتسابي إلى المدرسة وتعلّمي الأبجدية العربية في المدرسة والكردية من أسرتي التي كانت تهتمّ بالّلغة اهتماماً كبيراً، فتشكّلت بيني وبين هذا العالم أواصر صداقة وصحبة بعد أن منحني فيزا الدّخول وأنا في مرحلة شبابي الأوّل. بذلك أضحى الشّعر بمثابة الوتين الذي يُعتَبر العصب الأساس للقلب إذا انقطع مات صاحبه والذي لا أستطيع الاستغناء عنه إلا بعد أن تستغني الحياة عن عمري، أمّا القصّة والرّواية فقد جذبتاني إليهما من خلال الأحداث الغريبة والمثيرة والدّراماتيكية التي حدثت وتحدث لأسرتي ولي شخصيّاً ولمحيطي والعالم الذي أنتمي إليه، فلم أجد بدّاً من ترجمتها كتابياً، والأمر ذاته ينطبق على كتابتي للمقالة بمختلف أنواعها والدّراسات الأدبيّة.
3- هل واجهتِ أيَّة صعوبات في بداية مشوارك في الكتابة؛ سواءً من الأسرة أو المجتمع؟
لم أواجه في الأسرة أية صعوبات لأنّني ولدت لأسرة تتمتّع بقدر وافر من الثّقافة وحبّ الأدب والفنّ والسّياسة، ومنذ لحظات وعيي الأوّل على الحياة لمحت عينا فكري وقلبي مكتبة تضمّ كتباً ومجلّدات ومؤلّفات عدة في مختلف الموضوعات والمضامين، وشجّعني أهلي على التّوجّه إلى عالم الأدب والكتابة وخاصة أختي “پري، پريخان” التي كانت بالنّسبة لي الإلهام والوحي بحدّ ذاته.
مع المجتمع: عندما بدأت مع الآخرين في إنشاء گروپات وجمعيّات واتحادات أدبيّة وثقافيّة كنت وما أزال محلّ تقديرهم واحترامهم على الدّوام، كما كنت وما أزال أتنفس بهمسات تشجيع قرّائي الأحبّاء من مختلف الأعمار ودعمهم المتواصل ونسمات مشاعرهم وأحاسيسهم الدّفاقة بالحبّ والرّضا والصّدق.
4- مستقبل الأديبات والأدباء الكورد في ظل الكتابة باللغات الأخرى وافتقار المكتبة الكوردية لما يوازيها في لغتها الأم ؟
أردّد وأقول على الدّوام:
ليتني أتقنُ كلّ لغات العالم لأكتب بها كلّها ومن خلالها أستطيع أن أوصل رسالة شعبي المسالم إلى كلّ الشّعوب الأخرى، وأوصل دفقات أحاسيس ومشاعر كلّ كاتب كرديّ وكاتبة إليهم والتي تنبض بالحقّ والحبّ والخير لعموم البشر.
“لا أرى أنّ كتابة الكاتب بعدّة لغات تضرّ بانتمائه القوميّ أو الإنسانيّ بل تساهم في سعة اطلاعه وتقبّله للآخر أيّاً كان هذا الآخر، وهذه الّلغات برأيي قادرة على بناء صرح من المحبّة والتآلف والتّفاهم بين مختلف البشر، وأن أنقل ما أريد إلى الآخر وبلغته التي يفهمها أصدق تعبيراً وأسهل ممّا قد ينقله المترجم، ولكن هذا لا يعني أن يتجنّب الكاتب تعلّم لغته الأمّ لأنّه بذلك يعدّ مقصّراّ بحقّ ذاته وقلمه ووجدانه.
أتمنّى من كلّ كتّابنا الكرد الذين يكتبون بلغات أخرى أن يمنحوا لغتهم الاهتمام الذي يمنحونه لتلك الّلغات لأنّهم بذلك سيحققون التّوازن المفروض على كلّ كاتب أو أديب تحقيقه.
5- ما موقفكِ من النقد في المشهد الثقافي؟ وهل تتقبلين النقد؟
في التّعريف العام للنّقد أنّه الوسيلة التي من خلالها نميّز حسن الشّيء من رديئه وإيجابيّه من
سلبيه. أمّا مجالاته فتتعدّد وتتشعّب لتشمل كافة جوانب الحياة وكافة شرائح المجتمع وطبقاته ومن خلاله نتمكن من الإحاطة والإلمام بأمور مختلفة كنّا نجهلها في الموضوع الذي بين يدينا، ونستطيع التّوصّل إلى الغرض المراد منه.
للنّقد ضوابط وقواعد عدّة منها:
أوّلاً: امتلاك الموهبة النّقدية القادرة على تحمّل المسؤولية.
ثانياً: التّمحيص والتّدقيق في اختيار المواضيع المعنية بالنّقد والدّراسة.
ثالثاً: الموضوعية وأعني بها العقلانية والتّعقل في تناول الموضوع المراد انتقاده.
لكن هذا لا ينفي دور العاطفة ولا يهملها بل ما أقصده هو التّوفيق بين الجانبين معاً العقليّ أو العقلاني والرّوحيّ أو العاطفي، فحينما نطالع مؤلفاً ما فإنّ عاطفتنا تشارك عقلنا في الحكم عليه سلباً كان أم إيجاباً، ومن خلال ذلك نستطيع أن نحقق الغرض المرجو منه ونتوصّل إلى أسمى أنواعه بكلّ معانيه وقيمه المسمّى بـالنّقد البنّاء والهادف، والنّقد الذي لا يحقّق الهدف منه لا يُعتبَرُ نقداً، والذي لا يسعى لتحقيق أهداف لا يُعتبر هدّافاً ولا بنّاء والهدف منه يعني:
أوّلاً: تعريف المنقود أو المنتَقَد بمواطن الخطأ والصّواب في نصّه.
ثانياً: تنبيه القارئ أو المتلقي إلى جوانب لم يستطع ملامستها أو فهمها في متابعته للموضوع المطروح وإحاطته بمعلومات أوّلية وهامّة تحفزه إلى قراءاته ومشاهدته.
ثالثاً: إثارة انتباه المنتقد للعثرات التي قد تعيق مسيرة تقدّمه وتطوّره.
هذا لا يعني أن يكون أحدنا متخصّصاً في المجال النّقدي الذي يتناوله، فليس بالضّرورة أن ينتقد الشّعر مَنْ هو شاعر والقصّة من هو قصصي والفلسفة من هو فيلسوف…إلخ ولكن من المتفق عليه ولعدم الوقوع في شرك التعصّب والنّظرة الضّيّقة للأمور أن يكون ذوّاقة للمجال النّقدي الذي يبحر فيه وملمّاً بأصول وقواعد النّقد العامّة.
من هنا نجد أنّ النّاقد الحق الصّادق هو من يعرّف المنقود بمواطن الخطأ لديه بطريقة أدبية مهذبة يراعي فيها مشاعره فلا يوقعه في قاع الإحباط والسّوداوية معتمداً على الأدلة المقنعة ومرتكزاً على قواعدَ سليمة وآراء صحيحة، مستندة إلى اليقين ومنطلقة من الضّمير الحيّ اليقظ.
أمّا بالنّسبة للمشهد النّقدي فأظنّ أنّه لا يقلّ سوداوية عن عموم المشهد النّقدي في عموم الشّرق لأنّنا لا نعيش أزمة كتّاب ولا أزمة شعراء أو أزمة فنّانين إنّما نعيش أزمة نقاد. نحن بأمسّ الحاجة إلى الاتفاق على الصّيغة السّليمة للنّقد الذي ينطلق من بنية الصّدق وعدم المحسوبية والمجاملة، نقد حقيقيّ يلغي من قاموسه مفردات تحمل في طيّاتها معاني التّجريح والإهانة والإساءة للآخر المنقود.
هناك نقطتان أودّ أن أشير إليهما هنا:
– الأمر المحزن حقاً هو محاولة البعض الغوص في يمّ النقد وهو شبه جاهل بأصوله وقواعده، وسعيه لذلك إمّا ليظهر نفسه بالتّميّز عن الآخرين أو للتّرويج لبعضهم مقابل مصالح شخصيّة متبادلة أو الإساءة إلى بعضهم الآخر.
– كنت أظنّ أنّ النّاقد الأكاديميّ بعيد كلّ البعد عن أمور الشّللية والمحسوبية والمعرفة الشّخصيّة ولكنّني فوجئت ببعضهم يفعل ذلك، ويعلي من شأن أشخاص لا يستحقون المديح لا هم ولا نتاجاتهم مع احترامي للنّقاد الحقيقيّين الذين يُعتَبرون المرآة الحقيقيّة لمختلف جوانب الحياة ومجالاتها.
بالنّسبة إلى الشّق الثّاني من سؤالكم، بكلّ تأكيد أتقبّل النّقد إذا كان متمتّعاً بالمقوّمات والشّروط التي ذكرتها أو ببعضها، وأشكر كلّ من يكتب عن نتاجي أو يراسلني على الدّوام ويدعمونني بآرائهم وملاحظاتهم القيّمة التي تكون السّند لي في تقديم الأفضل.
6- حول الأدب الأنثوي قيل الكثير، كيف للمتلقي فرز هذا التجنيس من عدمه؟
أكدت في أكثر من مقالة ومناسبة على أنّني لا أميل إلى الرّأي الذي يقسّم الأدب إلى ذكوريّ وأنثويّ أو نسوي لأنّ الكتابة والأدب ككلّ هيّ عصارة الفكر والوجدان وقيمة نتاج كلّ منهما “المرأة والرّجل” تكمن في مدى ملامسته لتلافيف النّفس والوجدان وللواقع المعاش. ربّما الفرق الوحيد الذي قد يظهر بينهما هو في طريقة تناول كلّ منهما لقضايا الجنس الذي ينتمي إليه انطلاقاً من كون المرأة أدرى بما تعانيه المرأة وكذلك الأمر بالنسبة للرّجل.
إذاً ليس هناك أدب نسويّ ونسائيّ وأدب ذكريّ وذكوريّ، الأدب يبقى أدباً وإبداعاً سواء نُسج على أوتار شعور وفكر المرأة أو الرّجل، وما يميّز شعر أحدهما من الآخر يكمن في الجودة المتمثّلة في الصّدق والتّعبير.
7- متى يتوقف العطاء الإبداعي بشتى صوره لدى المبدع ؟
أرى أنّ الكاتب أو الأديب إذا كان موهوباً حقّاً ومالكاً لزمام الأدب والكتابة لن يتوقّف عن العطاء والإبداع ما دام ينبض بنسائم الحياة والوجود، بل يظّل نابضاً بالعطاء حتى بعد رحيله لأنّ نتاجه سيظلّ المنهل الذي لا ينضب للأجيال التي تليه.
إذاً للعطاء الأدبيّ والثّقافي أيضاً شروطه ومقوّماته منها:
– الموهبة الحقيقيّة التي خُلِقت معه بالفطرة والسّليقة ثمّ يأتي فيما بعد ليطوّرها ويغذّيها بعناصر الحياة والبيئة التي يعيشها أو البيئات الأخرى التي يسمع عنها.
– التّعامل الصّادق فكراً وشعوراً مع ما يكتبه وينشره ليلامس فكر الآخرين ومشاعرهم بسلاسة وعذوبة.
– العفوية والتّواضع في التّعامل مع نفسه أوّلاً ومع الآخرين فيما بعد.
8- ما النتاجات الفكرية التي قدمتها الكاتبة نارين عمر للمكتبة الكوردية؟
الأعمال والكتب التي طبعت ونشرت لي حتى الآن هي تسعة كتب:
1مجموعة شعرية باللغة الكردية بعنوان “پريخانا صادرة عن الزّمان بدمشق وهي من إصدارات مؤسّسة سما للثّقافة والفن.
2-مجموعة شعرية بالعربية بعنوان “حيث الصّمت يحتضر” عام 2008 عن دار الزّمان بدمشق
3- رواية ” موسم النّزوح إلى الغرب” عام 2018 عن دار الخليج للنّشر والطّباعة
4- رواية “عناق القلم لفصول الرّوح” عن دار السّكرية للنّشر والطّباعة بجمهورية مصر.
5-رواية “Henasên jiyanê, Koçberiya bê henas”
“أنفاس الحياة بالكردية” عن دار سه رسرا ببرلين، ألمانيا
6- مجموعة شعرية بالكردية “, Kenê Şanya” ضحكة شانيا” عن اتحاد كتّاب كردستان سوريا 2018
7- رواية “همسات الذّاكرة” بالعربية وقد فازت بالجائزة الأولى في مسابقة دار الكلمات للرّواية العربية، الجزائر
8- كتاب عن الفنّانات الكرديات عن دار سرسرا ببرلين، ألمانيا بعنوان
Tîrêjên vejînê
٩-مجموعة شعرية باللغة الكردية صادرة عن دار سرسرا لصاحبها الدّكتور بشار مصطفى 2019 “Çavên Dil”
يتجاوز عدد مؤلفاتي المخطوطة والجاهزة للطّبع والنشر أكثر من 20 كتاباً:
– أكثر من ست مجموعات شعرية “شعر نثري وموزون “
– مجموعتان قصصيتان باللغتين الكردية والعربية
– دراسة حول ظاهرة العنوسة
– دراسة عن جرائم الشّرف
– دراسة عن تاريخ المرأة الكرديّة ماضياً وحاضراً.
– مجموعتان شعريتان للأطفال والصغار
– مجموعتان قصصيتان للأطفال والصغار بالكردية والعربية أيضاّ، وقد نشرت بعضاً منها في مجلات وجرائد ومواقع مختلفة كردية وعربية
– كتاب عن الفنّانات الكرديات منذ القرن الثامن عشر وحتى وقتنا الحالي، القسم الأوّل باللغة العربية
– كتاب عن الفنّانين الكرد الرّجال.
– كتاب عن الأغاني الخاصة بالعروسين في الفلكلور الكردي
-كتاب عن نساء الكرد في عالم الأدب والثّقافة والسّياسة.
9- آخر كلمة لك في نهاية الحوار.
آمل أن ندرك أنّ العمر هو عبارة عن رحلة طويلة أو قصيرة الأمد، وعلينا أن نتنزّه في ربوعه الخلابة بأزاهير وورود المحبّة والعفوية والبساطة وألا نتقرّب من الوديان العميقة والسّراديب المكفهرّة أو الكهوف المظلمة.
ولكم ماموسته غيفارا خالص ودّي وامتناني ولمجلّتكم هيلما دوام الإزهار بالعطاء والدّيمومة.