Hisen65@homail.com
نارين عمر… ثانيةَ إنها وليدة مدينة ( ديركا حمكو)* المكان- الطبيعة- بامتيازين , والتي تمّرغت حتّى ضفائرها , بثمالة وديانها , بأنهارها العذبة , بورودها الحبقية, وأزاهيرها ( العندكو ) في أفياء أشجارها المخضرة في ينابيعها الصافية في شموخ جبالها , في أناسها الغيارى , في نسماتها الطلق…؟؟
في المحصلة : إنها سليلة نهر دجلة المنحدر من قمم جبال كردستان ( أومريان ) لتجرف معها كلّ ما لا يعني كردياَ في هذا الزمن الإشكالي إمالة منها إلى خارج أسوار الهم الكردي ..؟
إذا لندخل معاَ إلى كاتدرائية نارين عمر الكتابية, والإنسانية, والمعرفية, ولنقرأها ملياَ, خلال هذا الحديث الثقافي الساخن……. ؟؟؟
كيف ترسم الكاتبة الكردية نارين عمر بداياتها..؟!
ومن هي هذه الكاتبة المتعددة الكتابات ..؟!
قبل أن أبدأ بالرّد, أودّ أن أحييكَ أخي الأستاذ حسين أحمد على الرّوح الطيّبة والنّقيّة التي ترفرفُ بعشقٍ وبراءة بين جوانحك, لإتاحتك الفرصة لكلّ الكتّاب والأدباء والفنّانين الكرد بأن يتواصلوا مع قرّائهم وقارئاتهم, من خلال هذه الحواراتِ القيّمة التي تدلّ على إخلاصكَ للأدب والفنّ الكرديين, وسعةِ صدركَ في الاطلاع على مختلفِ كتاباتهم ودراساتهم بغضّ النّظر عن مستوياتهم وانتماءاتهم.
بداياتي: ليست لي بداية معيّنة مع الكتابة, لأنّني ومنذ وُعيتُ على معنى الوجودِ والحياة, بدأتُْ تتعلّقُ بتلافيفِ مخيّلتي الأغاني والأناشيد العذبة التي كانت تصدحُ بها حناجرُ فنّانينا وفنّاناتنا من خلال المسجلة التي كانت حينذاك تعتبر من أحدث التّقنيات في المنطقة, أو من بعض الإذاعات التي كانت تبثّ الأغاني والبرامج باللغةِ الكردية, على الرّغم من محدوديتها, وما زلتُ أتذكّرُ لهفة أفرادِ أسرتي وكلّ أسر مدينتي الوادعة وقتئذٍ لسماع الأخبار والأغاني والقصص الشّعبية والتّراثية التي تبَثّ من هذه الإذاعات, بالإضافة إلى القصص والحكايات والقصائد التي كنّا نسمعها من كبارنا, والتي ما تزالُ تدغدغُ فكري ومشاعري وأحكيها لأولاي, ومن ثمّ إتمامي لتلاوةِ القرآن الكريم قبلَ أن أكملَ التّاسعة من عمري, وتعلمي للأبجدية الكردية وأنا في الصّفّ السّادس الإبتدائي, كلّ هذه الأمور أثرّتْ في نفسي وفكري تأثيراً كبيراً, ودفعتني من حيثُ لا أدري إلى عالم الأدب والكتابةِ بعد أن ثابرتُ على قراءةِ ومطالعةِ مختلف الكتب والمؤلفات والدّورياتِ المنشورة التي تقعُ بين يدي, لأنّها شيّدتْ بيني وبين هذا العالم الملائكيّ المنطلق جسرَ مودّةٍ وصداقة, وكنتُ كلّما أكبرُ عاماً, كانت أواصرُ هذه المودّة تزدادُ أكثرَ فأكثر, ومازالتْ حتى لحظةَ كتابتي لهذه الأسطر.
قيل عن بدايات نارين عمر الكتابية إنها كانت مع قصيدة النثر, يبدو أن هذه التجربة الشعرية قد وأدت قبل ان تخرج إلى النور وتنطلق إلى الفضاءات الشعرية..!!
لتبدأ بكتابة المقالات : السياسية والأدبية والثقافية ..؟!
أولا : هل لنا أن نفهم لماذا هذه القطيعة مع الشعر..؟!
هل هذا يعني بان نارين عمر لم تستطع ان تعبرعن مكنوناتها الداخلية بقوّة من خلال الشعر ام ما معنى هذا التحول…؟!
اسمح لي أخي العزيز أن أبدأ بالإجابةِ أوّلاً على الشّقّ الأخيرِ من سؤالك:
الشّعرُ بالنّسبةِ لي كالوتين الذي يشكّلُ العصبَ الأساسيّ للقلب, إذا انقطعَ ماتَ صاحبه, ولن تحدثَ قطيعةٌ بيني وبين الشّعرِ حتى وإن تمّتْ هذه القطيعة بين روحي وجسدي يوماً ما. لأنّه الصّديق الوحيد الذي كان يصغي إلى شكوى روحي ونفسي, طويلاً ومطوّلاً دون أن يبدي تذمّراً, أو يعلنَ عن سأمٍ وملل, وهو الأكثر ولوجاً إلى مكنوناتِي الدّاخلية, والأصدق تعبيراً عنها كما أحبّ وأتمنّى. وأستطيعُ أن أجزمَ بأنّه كان خلّي الوفي في رحلةِ عمري كلّها منذُ مرحلةِ وعيي الأوّل وحتى اليوم.
أمّا الشّقّ الثّاني من سؤالك: فأحبّ أن أؤكد على أنّ المعلومة التي وصلتكَ عن بدايتي مع قصيدةِ النّثر مغلوطة, لأنّني بدأتُ أصلاً مع القصيدة المنظومة (الكرديةِ منها والعربية) ولكن من دون التّقيّدِ بأوزان الشّعر وبحوره وضوابطه, إلى أن دخلتُ المرحلة الثّانوية, وتعرّفتُ إلى مادةٍ اسمها عروض الشّعر, والوزن والقافية, وتساءلتُ إن كانتِ القصيدة الكردية كذلك محكومة بمثل هذه الأوزان والضّوابطِ فكان الرّدُّ بالإيجاب, فأدركتُ حينها أنّ ماكتبتُ لم يكن شعراً سليماً وقويماً, وبدأتُ أتعلمها وما زلتُ حتى الآن أحاولُ الغوص في أعماق هذه البحور والأوزان.
ولأنّي كنتُ كثيرة القراءةِ والمطالعةِ لكلّ ما يقعُ بين يديّ, فقد أدركتُ أنّ قصيدة النّثر صارت أمراً واقعاً, وأنّ كتابتها ضمن القوالب المصاغة لها تستطيعُ كالموزونة ملامسة الفكر والوجدان فبدأتُ بنظمها, وتجربتي الشّعرية لن توءدَ إلا بوأدِ المنّيةِ لجسدي.
أمّا السّبب الذي جعلني أتوجّهُ نحو كتابةِ المقالة يكمنُ في ملاحظتي للتّفوق الكبير لعددِ كتّابِ الشّعر (وخاصة الكاتبات) على كتّابِ المقالة, فآثرتُ أن أقلّلَ من نشر قصائدي (وليس الإقلال من كتابتها, لأنّ ذلك يعني انتهاء عهدي مع الكتابة كلها), وأكثر من عددِ المقالات وخاصة الاجتماعيةِ والفكرية منها, والمتعلقة بقضايا المرأة والطفولة والأسرة بشكل عام. وللعلم فإنّني الآن بصدد إصدار ديوانين أحدهما بالكردية والآخر بالعربية, وأتمنّى أن يظهرا خلال الأشهر القليلة القادمة.
ثمة تنوع واضح فيما تكتب نارين عمر في الصحافة الكردية والعربية : أحياناً صحفية و أخرى دراسات أدبية و في أحايين كثيرة مقالات فكرية وسياسية وثقافية لماذا هذه التعددية في الكتابة..؟!
هل بإمكاننا أن نقول انه القلق الكردي ..؟!
أم انه القلق الذاتي والروحي الغير مرئي ان صح التعبير..؟!
ماذا تقول نارين عمر في هذه القضية غير واضحة للكل …؟!
أوّلاً أنا لستُ صحفية, ولم أدعي ذلك يوماً, ولكن بعض المقالات التي أكتبها, يرى البعضُ أنّ روحَ الصّحافة تطغى عليها, وأنا أحترمُ رأيهم هذا.
ولكن الكاتب حين يجدُ القلمَ سلساً, ومتدفّقاً من بين أنامله, ويطاوعه في كلّ ما ينسجه فكره ووجدانه, فلماذا لايكتب, بغضّ النّظر عن الجنس الأدبي أو الكتابي الذي يكتبه؟!
برأيي ليسَ عيباً أن يكونَ واحدنا كاتباً وأديباً ومفكّراً وحتى عالماً, ما دامَ يلمسُ في نفسه وفكره القدرة على الكتابةِ والتّعبير عمّا يحسُّ به في واقعه, ومجتمعه, ومادامَ يعطي كلّ موضوع يتناوله حقّه من حيثُ المضمون والشّكل! أليسَ إجحافاً بحق الكاتب حسين أحمد أن نقولَ له :
لماذا تكثرُ من هذه الحواريات, أو تتخصّصُ فيها ما دمتَ كاتبَ مقالاتٍ, أو متخصّصاً في الحديثِ عن مدينتك عامودا, وحريق سينما عامودا؟؟!! حسين أحمد مبدع في هذا كما هو مبدعٌ في ذاك فلماذا نحرم القارئ الكردي من كتاباته القيّمة؟؟
وأؤكدُ ما قلته في الجواب السّابق , بأنّ أحدِ الأسباب الأساسيّة في تنوّع كتاباتي بالإضافةِ إلى مقدرتي الفنّية على كتابتها كلها: هو قلّة عدد كتّاب وكاتبات المقالة الكرد, وحتى الذين يكتبون ما يرونه مقالة فهو يفتقدُ إلى الكثير من شروط المقالة الحقيقية, أو تتجنّبُ مقالاتهم التّطرّق إلى المقالاتِ الاجتماعية والتّربوية, وتتجنّبُ الغوصَ إلى أعماق النّفس البشرية واستكشافِ مكنوناتها المخفية .
من خلال قراءتنا لمقالات نارين عمر ثمة إمالة وانحياز واضحين نحو كتابات اجتماعية تربوية..؟؟ هل لان نارين عمر تعمل في حقل التربية..؟؟
أم انه استهواء لا علاقة له بمجال عملك..؟!
حبذا ان نعرف منك شخصياً هذا الأمر ..!!
أعتقدُ أنّ لكلّ مقالةٍ خصوصيتها, وتأثيرها المباشرِ أو غير المباشر على القارئ أو المتلقي. ولكنّ المقالة الاجتماعية أو التّربوية برأيي تدومُ أكثر, وتكونُ أكثرَ تداولاً بين القرّاء , بعكسِ المقالةِ السّياسيّة التي تنشأ مع الحدث وتنطفئ مع زواله أو مروره. وللمقالة السّياسية كتّابها الكثر المتمرّسون لها , والعارفون بالطبع بالتّلاعب مع المفرداتِ والمصطلحاتِ السّياسية, أمّا اختياري للمقالة التربوية والاجتماعية فلا شكّ أنّ لمجال عملي في سلكِ التّربية تأثير عليها بشكل أو بآخر من خلال تدريسي للمراحل الثّلاث /الابتدائية والإعدادية والثّانوية) وكوني امرأة أحسّ ما تحسّ به المرأة بكلّ فئاتها العمرية جعلني أحاولُ العوم في أعماق نفسها وفكرها, وإضاءة الجوانب المخفية منها عن عمدٍ أو من دون قصد, ليتعرّفَ عليها مَنْ يجهلها, وليستكشفوا النّفسَ النّقية, والقلبَ النّابض بالحبّ والخير اللذين تخفيهما بين ثنايا جوارحها المقدّسة.
ما هي أهداف نارين عمر الكتابية ..؟؟
ولمن تكتبين ..؟!
وما الشيء الذي تريدين إصلاحه أو تغييره في المجتمع .؟!
القلمُ بالنّسبةِ إليّ هو الصّديقُ الصّدوق الذي لم يتخلّ عنّي يوماً, وهو الذي يخطّ لي ما أكتبه, ولذلك فقد تحوّلتِ الكتابة بالنّسبةِ إلي مسألة حياةٍ أو موت, ولهذا ربّما أحاولُ العومَ في مختلفِ مصابه ومنابعه, وأحاولُ من خلال كتابتي أن أسبرَ أغوار النّفس البشرية, وأطلعَ على مكامنِ الفرح والتّرح فيه, وأساهمَ في تحويل التّرح إلى فرح حقيقيّ, وانطلاقاً من نفسي أزيلَ من نفوس الآخرين منابتَ القلقِ والحزن والأسى.
أكتبُ لكلّ مَنْ تحرّكُ كتابتي في نفسه مشاعرَ الرّضا والقبول, حتى يرى فيما أكتبه خاص به وحده دون سواه.
ما أريدُ تغييره أو إصلاحهُ في المجتمع, هو ما تريده أنتَ أخي حسين, وما يريده كلّ كاتبٍ صادق, يسخّرُ قلمه وعواطفه لخدمةِ قضايا مجتمعه وواقعه, ويسعى بكلّ إمكانياته للحفاظ على الإيجابيّ والجيّدِ منها, ومحاولةِ تصويبِ وتقويم الخاطئ والسّلبيّ منها.
لابد وأن في مسيرة نارين عمر الكتابية محطات إبداعية بارزة شدّتها إليها أكثر من غيرها ودفعتها للوقوف معها طويلاً حبذا لو حدثتنا عن ذلك ..؟!
أخي الكريم, لستُ أنا مَنْ قرّرت الدّخول إلى عالم الأدبِ والكتابة كما أوضحتُ في إجابتي الأولى, بل هذا العالم هو الذي شدّني إليه وبقوّةِ, بعدما تأكدّ من حبّي العميق له, وإخلاصي في التّعامل معه, من خلال قراءتي ومطالعتي وبنهم لكلّ ما يقعُ بي يديّ من صفحاتٍ مكتوبة,أ يّاً كانت موضوعاتها. فمعظمُ وقتي كنتُ أقضيه بالقراءة والمطالعة وتعلم قواعد اللغة الكردية والعربية, والبحث في الغريب والصّعب من المفردات, والاستماع إلى البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تتناولُ الأدب والثّفافة. وعندما وجدتُ نفسي داخلَ هذا العالم السّاحر, وجدتُ أنّ الشّعرَ هو الشّريانُ الذي يغذيني بحبّ الحياةِ والتّشبّثِ بها, على الرّغم من سويعاتِ الحزن والأسى التي كانت تطغى على حياتي.
وكانت الأنثى بكلّ همومها ومشاكلها وأفراحها وإبداعاتها وفي شتّى جوانبِ الحياة المحطة التي جعلتني أتوقفَ عندها مطوّلاً وما زلت, ولأنّ الأنثى تعني الأسرة, وتعني الطفولة والتّربية والمجتمع فقد كان لها كلها نصيبٌ كبير فيما أكتب. وكان لابدّ من التّركيز على المرأة الكاتبة والفنّانة, ومنذ سنواتٍ أحضّرُ لتأليفِ كتابٍ شامل عن المرأةِ الكردية, وكتابٍ آخرَ عن الفنّاناتِ الكرديات, وأتمنّى أن أوفّقَ في التّحضير لهذين الكتابين, وأن يريا النّور خلال الأيّام القادمة.
في مقولة للشاعرة ديا جوان :
أنا عاتبة على المثقفين الكرد الذين يجيدون لغتهم وتستهويهم الكتابة بلغة أخرى وهؤلاء أشبه بالذين يعملون في حقول الآخرين …
في حال تعاني حقولهم الشاسعة من البور .
ماذا تقول الكاتبة نارين عمر في هذه المسألة :
اللغة الكردية هي المتنفّسُ الذي أعيشُ به, وتعيشُ به أخي الكريم, ويعيشُُ بها كلّ كرديّ يعتزّ بانتمائه للعشقِ الكردي. ولكنّني أردّدُ دوماً ومنذ بدايتي مع الكتابة:
ليتني أتقنُ كلّ لغاتِ العالم, لكتبتُ بها كلّها, ومن خلالها كنتُ أستطيعُ أن أوصلَ رسالة شعبي المسالم إلى كلّ الشّعوب الأخرى, ولأوصلتُ دفقاتِ أحاسيس ومشاعر كلّ كاتبٍ كرديّ وكاتبةٍ إليهم, والتي تنبضُ بالحقّ والحبّ والخير لعموم البشر. ولا أظنّ أنّ كتابة الكاتب بعدّةِ لغاتِ تضرّ بانتمائه القوميّ أو الإنسانيّ, بل تساهمُ في سعةِ اطلاعه, وتقبّله للآخر أيّاً كان هذا الآخر. وهذه اللغات برأيي قادرة على بناءِ صرح من المحبّة والتآلفِ والتّفاهم بين مختلفِ البشر .وأن أنقلَ ما أريد إلى الآخر وبلغته التي يفهمها, أصدقُ تعبيراً وأسهل ممّا قد ينقله المترجم, ولكن هذا لايعني أن يتجنّبَ الكاتب تعلّم لغته الفصحى, وأتمنّى من كلّ كتّابنا الكرد أن يمنحوا لغتهم الاهتمام الذي يمنحونه للغاتِ الأخرى, لأنّهم بذلك سيحققون التّوازن المفروض تحقيقه.
اللغة الكردية أكتبُ بها منذ عهدي بالكتابة, وأنشرُ موادي بها, وهناك العديد من دور النّشر نشرتْ لي بلغتي الكردية, سواء كانت شعراً أم مادة نثرية, قصصاً وخواطر. وقد تعلّمتُ الأبجدية الكردية منذ طفولتي, وتعلّمي لحروفها ربّما كانت سبباً في فهمي السّريع للحروف الانكليزية التي كنّا ندرسها ابتداءً من المرحلة الإعدادية, وكانت سبباً أساسياً في تفوّقي في هذه المادة.
نارين عمر ككاتبة كردية :
لمن تقرئين أكثر .. كردياَ .. و عربياَ و ماهي الكتابات التي تستهويك أكثر وتهزك من الداخل ..؟ !
حبذا ان نعرف منكِ شخصياَ .
ان لم يكن هذا سرا ..؟!
قبلَ انتشار الانترنيت ووسائل الإعلام الحديثة, كنّا نقرأ لكتّابٍ وأدباءَ معدودين ومعروفين, ونتصفّحُ المجلات والجرائد التي تقعُ بينَ يدينا, أمّا الآن وبعد الغزو الانترنيتي لعالم الأدب والثّفافةِ والعلوم, فاقَ عددُ مَنْ نقرأ لهم أضعافَ الأضعاف.
أقرأ لمعظمِ الكتّاب الذين تتوفرُ كتاباتهم بين يديّ كرداً وعرباً, وغيرهم ممَنْ تصلنا كتاباتهم مترجمة إلى الكردية أو العربية. واقرأ لكلّ مَنْ تلامس كلماته مشاعري وفكري.
وقد أجبتُ عن الشّقّ الأخير من السّؤال في الأسئلة السّابقة, ما تستهويني من المواد كلّ الأجناس الأدبية من شعر وقصّةٍ وروايةٍ ومسرحية, وكلّ كتابِ ومؤلف يجعلني أعومُ مع مفرداته إلى عوالم النّفس البشرية وخاصة المخفية منها, وحتى إلى عوالم الكائناتِ الأخرى التي علينا أن نرأفَ بها – كوننا البشر- الكائنات التي فضّل علينا القدر بميّزاتٍ لم يتكرّم بها عليهم.
نارين عمر …
لا شك أننا نقرأ الكثير من الشعر.!!
ولكن قليل من القصة والرواية والمسرح..؟
برأيك ماالاسباب في ذلك باعتبارك إحدى المتابعات بقوة للمشهد الثقافي الكوردي والكوردستاني ..؟!
أشكركَ أخي الكريم على سؤالكَ هذا, لأنّ ما تعرّضتَ له في تساؤلك أضحى ظاهرةً عامّة. فمعظم مَنْ يسعى لاقتحامَ محراب الأدب, يحاولُ اقتحامه عن طريقِ الشّعر, ظنّاً منهم بأنّه الطريق الأسهل للوصول إلى القرّاء والمستمعين, والأسرع للشّهرةِ والانتشار, ويظنّون كذلك أنّه الجنس الأدبي الأسهل كتابة, بعدما تحرّرَ من الأوزان والقواعد الصّارمة التي كانت تحدّ من امتلاكِ أيّ كان لناصيةِ الأدب إلا الملمّ باللغةِ ومفرداتها, ومعاني هذه المفردات, وأنّه غير معرّضٍ كغيره من الأجناس الأخرى لسهام النّقدِ والانتقاد, والسّبب الأهمّ في رأيي هو تواضع إمكاناتهم اللغوية والفكرية, لأنهّ حتى هذا الذي يسمّونه شعراً يجب أن يتقيّدَ بضوابط وقواعدَ معيّنة, حتى يكونَ شعراً نثرياً, وإلا تحوّلُ إلى نثر عاديّ.
أمّا القصّة فهيَ تخضعُ لشروطٍ وقواعدَ لابدّ من توافرها لتكونَ قصّة, وكذلك الرّواية, من رسم للشّخصيات, واختيار الحدث المناسب, والزّمان والمكان المناسبين, والأهمّ من كلّ ذلك السّرد الرّوائي والقصصي الموفّق, وكما نلحظ فإنّ كلّ هذه الأمور تتطلبُ المزيدَ من الجهد والمتابعة, والمزيدَ من الوقتِ والإمكانيات. والأمرُ نفسه يُقالُ في المسرح.
بحسب متابعاتي المتواضعة للمشهدِ الثّقافي الكردي والكردستاني, أجدُ أنّ هناك عدداً لابأسَ ممَنْ يمتلكونَ لهذه الإمكانيات, ويتمتعون بهذه الصّفات والشّروط وبجدارة, ولكنّهم للأسفِ الشّديد بحاجةٍ إلى إمكانياتٍ ماديةٍ ومعنوية ليصقلوا مواهبهم, وخاصة كتّاب المسرح الذين يحلمون باليوم الذي يؤسسون فيه لمسرح كرديّ حقيقيّ, ينبضُ بالحركةِ والروّح .
برأيك لماذا هذا الغياب الواضح للقلم النسائي الكردي في كتابة المقالة خاصة في المشهد الثقافي والسياسي الكردي السوري كما ظهرنا في حافة الجغرافية الكردية الأخرى …؟!
وهل من أسباب حقيقية تحول دون تحقيق هذا الوجود….
أم ان هناك أسباب أهم من ذلك نحن لا ندركها …؟!
كتابة المقالة ليست بالأمر الهيّن والسّهل فلها شروطها ومتطلباتها التي لا تستقيم المقالة إلا بها, وما تتطلبه القصّة والرّواية والمسرحية, تتطلبه المقالة كذلك, بالإضافة إلى التّوفيق والدّقة في اختيار الموضوع الذي تتناوله, ومواكبةِ الأحداث, والإلمام بمجريات الحدث قبل طرحه أو الحديثِ عنه, والجرأة في طرح الموضوع والحدث, إلى جانب الصّدق والجدّية. وهذه الإمكانيات تتطلب كما ذكرتُ مسبقاً جهوداً مضاعفة ممّا تتطلبه قصيدة النثر لذلك ربّما تجدُ الأنثى أنّ الشّعر هو الأقلّ جهداً ووقتاً.
أودّ أن أستغلّ مناسبة هذا الحديث لأقول أنّ غياب القلم النّسائي ليس في كتابةِ المقالة فحسب, بل هو غيابٌ في عالم الأدب والثّقافةِ ككلّ, وأرى أنّ المجتمع بأعرافه وقيوده يتحمّلُ قسطاً من الأسباب, ولكنّ الفتاة والمرأة بشكل عام تتحمّل القسط الآخر من خلال استسلامها شبه التّام لمثل هذه الأعراف الموروثة, على الرّغم من أنّ المجتمع الكردي قد تطوّر كثيراً , ومُنحت المرأة متسعاً من الحرّية بدءاً من مسألةِ تعليمها, أو مواكبتها لأحدث الموضات والصّرعات, واختيارها لشريك حياتها بعد قصّةِ حبّ يعلم بها أهلها, ودخولها معترك العمل بمختلفِ فروعه وتخصّصاته, فما المانع إذا خصّصتْ بعضاً من وقتها للقراءة والمطالعة, وصقّلتْ موهبتها الأدبية والثّقافية إن وُجِدَتْ؟!
أظنّ أنّ فتاة اليوم ليست كفتاة الأمس, وهي إن أرادت وأصرّت على القيام بما يحققُ رغباتها , تستطيعُ فعل ذلك, بدليل أنّها تواجه أهلها ومجتمعها والعالم كلّه, إن أرادت تحقيق هدفٍ شخصيّ, أو رغبةٍ ذاتية, فكيف لا تستطيعُ مواجهة كلّ هؤلاء إذا كان الأمرُ متعلقاً بموهبتها الأدبية والكتابية؟؟!!
ما الرسالة التي تريد نارين عمر ان ترسلها للآخر عبر هذا الحوار :
أتمنّى أن نتعامل جميعنا كبشر على أساس تقبّل الآخر , وأن نجعلَ من المحبّة والتّعامل الصّادق, وحسن النّية القوانين الثابتة التي بها نحيا ونستمرّ.
وأوجّه أمنيتي إلى كلّ الكتاب وخاصة كتابنا الكرد أن يتعاملوا كأسرةٍ واحدة لأنّ ما يجمعنا أكثر ممّا يفرّقنا, وشهرة كلّ مناّ لن تكون على حسابِ الآخر أبداً، بل ستزيده زخماً وإرادة فكلّ كاتبٍ يكتبُ لا يؤثر على كتابةِ الآخر بل كتابته هي امتدادٌ لكتابةِ الآخر فحينما حصلَ الرّوائي نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب هل أثرَّ ذلك على شهرةِ نزار قبّاني أومحمود درويش أو أيّ كاتبٍ عربيّ آخر؟! وشهرة شيركو بيكس هل أثرت يوماً على إبداع مبدعي الكرد الآخرين؟؟!!
أكرّرُ شكري وامتناني لك مرّة أخرى أخي حسين أحمد على العناء الذي كابدته في إجراء هذا الحوار وأتمنى لك دوام التّقدّم والإبداع ودمتَ ذخراً وعوناً لزملائك الكتّاب والأدباء والفنّانين.
——-
* – ديركا حمكو – مدينة الكاتبة نارين عمر