بمناسبة مرورا اثني عشر عاما على رحيله.. محمود درويش بوصفه شاعراً وسيماً

 فراس حج محمد/ فلسطين
ترتبط الوسامة أحيانا بالرغبة في استحضارها، فنلجأ إلى اقتناص الصورة المشتركة. هنا الوسامة غير بريئة إطلاقا إذ تعمل بالعوامل الجنسانية، فالشاعر الوسيم تحبه الفتيات والنساء ويستحضرنه مؤطرا في صورة، والشاعرة الوسيمة يحبها الذكور فيؤطرونها في صورة وهم يغرسون أحد أكتافهم بأحد كتفيها بدعوى غير بريئة. هذا المنطق يعمل جيدا في حالة ارتبطت الوسامة بالشهرة، هنا الشهرة وسامة أخرى أقوى من وسامة الشكل، فترى كثيرين يفاخرون بأن لهم صوراً مع الشاعر محمود درويش. شعراء الصف العاشر ربما من أصحاب المواقع والصفحات الإلكترونية، يضاف إليهم أولئك الآخرين الذين لم يحصلوا بعدُ أيضا على اعتراف بالشاعرية، يفاخرون بأن صورة لهم تجمعهم مع الشاعر محمود درويش،  يضعها أحدهم صورة خاصة لحسابه الشخصي، أو ربما عرضها صورة له في مكتبه تتوهج فيها من بعيد صورة للشاعر الوسيم بالشهرة مع هذا “الشاعر” المبتلى بحب وسامة الشهرة. هل تضيف الصورة الملتقطة للشاعر الوسيم شيئا للشاعر القبيح في شهرته، بمعنى غير المشهور. أعتقد أن المسألة ستكون أكثر شجاعة بلا عقل عندما تلعب الدبلجة ببرنامج الفوتوشوب عملها في كثير من الصور.
محمود درويش، وعلى الرغم من مرور اثنتي عشرة سنة على رحيله (9/8/2008)، شاعر وسيم وسامة مضاعفة بل وسامة مركبة، وسيم أيضا في اللغة، تشعر وأنت تستمع له أنه يقدّ لك الجملة قدّا من جسد لغويّ لا تعرفه للوهلة الأولى، ويصنعها بهوس الخبير، ويخرجها من بحر لم يخضه خائضٌ قبله، على الرغم من أن كلماته؛ أفعاله وأسماءه هي نفسها الموجودة في المعجم، لماذا تصبح صورة الكلمات أجمل والشاعر يلقي كلماته تلك؟ ألأنه وسيم وسامة مضافة فنرى كل شيء منه جميلا؟ فالشاعر الوسيم شهرة لا يمكن إلا أن نراه وسيما حتى وهو يلعب النرد في المقهى أو يجهّز سيناريوهات لردم فجوة الحكاية المؤلمة.
من أطرف ما رأيته في التمسُّح بوسامة الشهرة للشاعر محمود درويش أن يعبّر شاعر “صغيرون” على رأي الفنان عبده موسى عن فقدانه وحنينه لدرويش، فيعبُر من خلاله، ليكتب في ذكراه في سنة ما “أفتقدك”. كيف تفتقده؟ وما الذي تفتقده وتحنّ إليه معه؟ هل سهرتما سوية؟ هل شربتما النبيذ المعتق على طاولة واحدة؟ هل تنازعتما على حبّ امرأة جميلة؟ هل أفضى إليك الشاعر بأسراره كما يفعل الأصدقاء في العادة، وكما فعلها درويش مع أصدقائه مثلا؟ هل أخبرك مثلا متى مارس العادة السرية لأول مرة ليعلمك كيف تفعل ذلك؟ هل افتقدته أم افتقدت وسامة شهرته فغاب قبل أن تنفج وتكبر وتناطحه بصورتك معه أسوة بشعراء الصف العاشر هؤلاء. فافتقد مكتبك لتلك الصورة الشهوة المشتهاة للشاعر الوسيم شهرة ولغة وقواما وحضورا؟
سيكون لشهرة الشاعر مجال كبير للكذب عند هؤلاء المرضى بالشهرة، أكثر من صورة جامعة لخيالين بعيدين، ويبقى كل يبحث عن علاج لأمراضه، وإن كان بعضها مزمنا لا شفاء له إلا بالموت. أرجوك أيها الشاعر “الصغيرون” لا تفتقد درويش مرة أخرى، وكن هادئا واقرأ: أنت لا تحبه هو، يعجبك المجاز في أشعاره، وهو شاعرك المفضل، وهذا كل ما في الأمر.
أغسطس 2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…

عِصْمَتْ شَاهِينَ الدُّوسَكِي

أعْتَذِرُ

لِمَنْ وَضَعَ الطَّعَامَ أَمَامَ أَبِي

أَكَلَ وَابْتَسَمَ وَشَكَرَ رَبِّي

أَعْتَذِرُ

لِمَنْ قَدَّمَ الْخُبْزَ

لِأُمِّي وَطَرَقَ بَابِي

لِمَنْ سَأَلَ عَنِّي

كَيْفَ كَانَ يَوْمِي وَمَا…

ماهين شيخاني

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها وكأنّه يسير على خيط رفيع مشدود بين الحياة واللاجدوى. في مثل هذه اللحظات، لا نبحث عن إجابات نهائية بقدر ما نبحث عن انعكاس صادق يعيد إلينا شيئاً من ملامحنا الداخلية. بالنسبة لي، وجدتُ ذلك الانعكاس في كتابات الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913-1960).

ليس كامو مجرد فيلسوف عبثي…