قراءةٌ في كتاب (اليزيدية قديماً وحديثاً) أميرٌ أكبر من إمارة

ريوان ميراني
إنهُ الأمير إسماعيل بك چول، الفترة الزمنية: (نهاية القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين)، أمير الإيزيدية في (سنجار/شنگال)، الذي خرج من مسقط رأسه منطقة شيخان، وجاب الأماكن التي يقطنها الكورد الإيزديين في: (سنجار/شنگال)، و(دياربكر/ ئامەد) ، وحلب، وروسيا، وغيرها من المناطق، ساعياً وراء حقهِ في الزعامة والإمارة، حاملاً معه قوانين دينهِ؛ يعطيها لكل من يريد أن يعرف شيئا عن الدين الإيزيدي من الإيزيديين المتنائين في الشتات، وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.
لقد عاش الأمير طفولته يتيم الأب والأم، فأعالته شقيقته ميان خاتون، إلى أن شب، وإستطاع الإعتماد على نفسه. شحذت شخصيته التي سبقت عصره، نتيجة سفره وتطلعاتهِ باحثاً عن الدعم وحقهِ في الإمارة. فتعرف في رحلته على الأرمن وعن طريق حنكته وذكائه ولباقة تعاملهِ حصل على الإعتراف بالإيزيدية رسمياً في روسيا. وإستفاد من سلطة أصدقائهِ من الأرمن والمسيحيين في إستانبول لإسترجاع حقوق الإيزيديين، ومقدساتهم الدينية التي نهبها الفريق (عمر وهبي باشا) بأمر السلطات العثمانية اثناء حملته السيئة الصيت على الإيزيديين في عام (1892م). ورغم نجاح إلأمير في الحصول على الموافقات الرسمية من إستانبول لإسترجاع المقدسات الإيزيدية، إلا أن الأمر لم يتم وباءت محاولته بالفشل نتيجة تدخل أبن عمه (علي بك) وبعض أصحاب النفوذ والسلطة الدينية من أتباع الديانة الإيزيدية، فبات ذلك جريمةً تاريخية بحق الأمير وحق الإيزيديين.
كان للأمير دور إنساني مشرف إبان حملة ابادة الأرمن والمسيحيين من قبل الدولة العثمانية، حيث إتخذ الامير ومعه الإيزيديين في شنگال موقفا مشرفاً لحماية الأرمن من الإبادة الجماعية. ورغم ضغط العثمانيين لم يسلموهم الأرمن، وقاموا بحمايتهم وطلب الأمير من الأرمن تكليف واحد منهم لأجل تعليمهم أصول الدين المسيحي، كما بنى لهم منزلاً وجعله كدير للعبادة وإقامة شعائرهم الدينية. وأصبح هذا العون فيما بعد ارضية جيدة لتوثيق العلاقة بين الإيزيديين والمسيحيين. فتمخض عن ذلك تأييد الانكليز للأمير في بداية الانتداب البريطاني. وكانت هذه فرصة للإيزيديين للتخلص من الإجرام العثماني. فعلّا شأن الأمير وذاع صيته في العراق. وعُرض عليهِ منصب سياسي في العراق من قبل البريطانيين كما عرضت عليه مسبقاً مناصب دينية خارج العراق وإغراءات مادية، ولكنه رفض كل ما يتعلق بالمصالح الشخصية ,وبقي يطالب بشئ واحد فقط وهو مركز أمير الإيزيديين الذي كان يعتبره من حقه الشرعي. ذلك الحق الذي كانت اخته (ميان خاتون) وابنها سعيد بك (ابن علي بك) قد استولوا عليه وحرموه منه. واخيراً أصبح أميراً على (شنگال) إلا إنه سرعان ما تخلى عنه أصدقائه الإنكليز، ونفوه إلى بغداد ومن ثم إلى (شنگال) بشرط أن يتخلى عن المطالبة بالإمارة، فبقي فيها مكبل اليدين لايستطيع أن يتحرك بسبب فرض شروط الإقامة الجبرية عليه.
يعتبر الأمير أول من شجع فكرة إلتحاق أبناء وبنات الديانة الإيزيدية بالمدارس فبدأ من عائلته، وأرسل أولاده للمدارس، وجابه الأعراف والتقاليد السائدة آنذاك. مواكباً روح العصر في التقدم والإنفتاح. لكونه قد تعلم من ترحاله، وتجاربه في الحياة بأن العلم والمعرفة هما الطريقة الوحيدة للبقاء، والإرتقاء والتقدم والتغلب على الأعداء.
ليتخيل معي القارئ الكريم وجود هكذا شخصية في عصرنا الراهن، ذي حنكة ودبلوماسية وخبرة ميدانية وعلاقات واسعة توحد الإيزديين في شتى أصقاع العالم وتمثلهم خير تمثيل في المحافل الدولية، لربما كان الحال أفضل مما هو عليهِ الآن من البأس والشقاء.
لقد ورد في مقدمة الكتاب بأن الأمير “أمْلا على أحد الكُتاب قصة حياتهِ وكل ما تعرض لهُ من مواقف في حلهِ وترحالهِ، بالبحث عن الدعم لقضيته ألتي آمن بها لآخر أيام حياته. وارسلها إلى جامعة بيروت الأمريكية لنشرها كمقالات متسلسلة في مجلة الجامعة -الابحاث وكان طموحه ان يرى ما كتب لكنه توفي -رحمه الله- قبل أن يتحقق حلمه ، فقرر رئيس الجامعة نشر الاحاديث في كتاب وكلف الأستاذ المؤرخ الكبير الدكتور قسطنطين زريق بتحقيقه ومراجعته وتنقيحه وقد ساعدته الاميرة اليزيدية (ونسة اسماعيل) التي كانت طالبة في المدرسة الامريكية انذاك، فصدرت مذكراتهُ وما أرخهُ من أحداث، كتاباً مطبوعاً في 25 آب سنة 1934.”
وبهذا إعتبر الأمير إسماعيل بك چول أول من كتب مذكراته من الكورد الإيزديين وبذلك سطر إسمه في صفحات التاريخ المشرقة للكورد الإيزيديين كمؤمن صادق خدوم لديانتهِ، تلك الديانة العظيمة، والموغلة في قدم التاريخ، والشامخة كشموخ جبال (شنگال/سنجار) رغم الفرمانات والإضطهاد والقمع والتتريك والتعريب التي تعرضت لها منذ قرونٍ وقرون…
2020/08/3
مدينة زاخو

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…