محمد مندلاوي
إن كلمة المعنى أو المدلول كما تقول لنا معاجم اللغة تعني: معناها وفحواها،مؤداها، الصورة الذهنية لِما تدل عليها. إن هذه الأخيرة تعني عند نطق اسم ما أن الذهن البشري يصور ذلك الشيء كما شاهده أو سمع به، مثلاً حين يخترق مسامعك اسم كوردستان، مباشرة يصوره ذهنك وطن مترامي الأطراف للشعب الذي يحمل ذات الاسم كورد…؟ وهكذا يصور الذهن الأسماء والمسميات الأخرى التي تصل إليه كموجات صوتية عبر قناة الأُذْن، أو عن طريق القراءة من خلال البصر.
عزيزي المتابع، أن موضوعنا لهذا اليوم كما جاء في عنوان المقال هو معنى اسم البطل والملك الخامس لـ”أوروك= Uruk” الذي سمي “كَلگامش- كَلگاميش- کەڵگامێش= Kalgamesh” كما يقال: على مر التاريخ، أنه أبعد الأبطال صيتاً وأبقاهم ذكرا. مما لا شك فيه، أن الاسم المذكور كأي اسم آخر طرأ عليه بعض التغييرات اللفظية كما تجري عبر الزمن على جميع الأسماء والمسميات الأخرى في جميع لغات شعوب العالم على كوكبنا الدوار ومنها اللغة الكوردية، وذلك حسب متطلبات العصر وانتقال الإنسان من مرحلة إلى أخرى،لأن اللغة كما هو معروف كائن حي فلذا تتأثر بما يتأثر به الإنسان من المتغيرات والابتكارات اللغوية المستحدثة وغيرها من مستلزمات الحياة، التي يبدعها العقل البشري الجبار حتى يعبر بها عن تلك الأدوات المعرفية وعن مصادرها وفروعها الخ. كما يعرف القارئ الكريم، أن ابتكار الشبكة العنكبوتية (انترنيت= Internet) وملحقاتها في عصرنا الراهن هي الأخرى جاءت بمفردات جديدة لم تكن معروفة أو متداولة من قبل. عزيزي المتابع، التي سأتناولها هنا ليست أسماء ومفردات حديثة بل هي جملة أسماء قديمة وقديمة جداً جاءت في أقدم ملحمة شعرية في العالم إلا وهي ملحمة “كلگاميش”. قبل الدخول في صلب الموضوع دعني أضع أمامك اسم الشعر في اللغة السومرية. يقول (طه باقر) في كتابه الذي سنشير إليه أدناه في هامش ص 11: الغناء، على ما يذهب إليه معظم الباحثين، كان أصل الشعر في جميع الآداب القديمة. ولعل مما يؤيد هذا الرأي، أن كلمة “شعر” الموجودة في كل اللغات السامية تقريباً تعني في الأصل ما وضعت له ” الغناء” مثل “شيرو” البابلية و”شير” العبرية و”شور” الآرامية ( وكلها فقدت العين المتوسطة) -؟- تعني في الأصل الغناء والنشيد. و”شر” أو “سر” السومرية التي لا يعلم هل هي أصل الكلمة السامية أو العكس. ومن ذلك المصطلح العبراني “شير هشيريم” (نشيد الإنشاد المنسوب إلى سليمان في التوراة). يا أستاذ طه إلا تعرف أن السومر سبق الجميع؟ ألم يقل صموئيل نوح كريمر: إن التاريخ يبدأ من سومر. إذاً بناءاً على هذا يجب أن تعرف مَن أخذ مِن مَن؟ للعلم، أن النشيد في اللغة الكوردية يقال له “سروود” قارنه مع “سر” السومرية؟ وفي اللهجة الكرمانجية “ستران= Stran” باللغات الشقيقة للسومرية والكوردية كالإنجليزية التي هي الأخرى تغير فيها بعض الشيء إلا أن الحرف الأول حافظ على بقائه حيث أن النشيد والأغنية إلى اليوم يسمى “سونگ= Song” وفي الدانماركية “Sang” وفي السويدية “Sهng” وفي النرويجية “Sang” الخ.
عزيزي المتابع، حسب المعلومة التي عندي، إن مِن بين أفضل الذين ترجموا الملحمة التي تحمل اسم البطل، إلا وهي ملحمة “كلگاميش” إلى اللغة العربية هو عالم الآثار واللغوي والمؤرخ العلامة (طه باقر) 1912- 1984م، لقد درس في جامعات بغداد، شيكاغو، وبيروت. طبعت الملحمة المذكورة وزارة الإعلام – الجمهورية العراقية عام 1975. في صفحة 31 في الملحمة المشار إليها ينقل لنا (طه باقر) عن C.Thompson.The Epic of Gilgamesh, p.g.: اسم “كلگاميش”: كتابة دونه الأستاذ (طه باقر) بصيغة جلجامش وذلك بسبب عدم وجود حرف الـ”گ- G” في اللغة العربية. لكن حرف الـ”گ- G” المذكور موجود في لغتي السومرية والكوردية؟. يقول (طه باقر) في هامش ص 54: تلفظ الجيم في اسم جلجامش كافاً فارسية؟؟؟. بحسب نظام الكتابة المسمارية فقد وردت في جملة صيغ أشهرها 1- بالسومرية: GISH-BIL-GA-MESH (گش- بل- گا- مش). 2- وبالطريقة الرمزية بالعلامات: IS(GISH) -TU-BAR (گش- تو- بار) وقد ذكرت هذه الصيغة ( الواردة في النصوص الأكدية) مرادفة للقيمة الصوتية للاسم أي GI-IL-GA-MESH (گي- ال- گا- مش) ومن جملة الذين ذكرهم (طه باقر) في كتابه المذكور الكاتب الروماني (كلوديوس اليانوس) (Ciaudius Aelianus) الذي عاش في القرن الثاني الميلادي يقول في كتابه الموسوم: De Animallium Natura كي لا أطيل، جاء في هذا الكتاب: إن اسمه گلگاموس (Gilgamos).
الآن دعنا عزيزي القارئ، أن نلقي نظرة على مدلول اسم البطل والملك السومري “كلگاميش” باللغة الكوردية. أولاً: لاحظ الصيغة التي جزء فيها العلامة (طه باقر) الاسم إلى مقاطع؟ وهذا ينطبق تماماً على الأسماء والكلمات الكوردية، لأن لغة الكورد كما أسلفنا في مقالات سابقة كاللغة السومرية لغة امتزاجية، التصاقية حيث تصيغ من عدة كلمات كلمة واحدة أو اسماً واحداً مثال: “ئارام بەخش= Aram basksh”إن “ئارام= Aram”تعني هدوء و”بەخش= basksh”تعني منح، أعطا. والكلمة الممتزجة، كاملة تعني: مُسَكن، مُهَدئ؟. أتلاحظ عزيزي المتابع، في اللغة العربية عبارة عن كلمة واحدة بينما في اللغة الكوردية عبارة عن كلمتين تمتزجان مع بعضهما وتبتكر منهما كلمة واحدة تعطي معنى مغاير عن كل كلمة بمفردها؟. لاحظ الكلمة المكونة من ثلاث كلمات أو ثلاثة مقاطع ” باج کۆ کردنەوە= Baj ko krdnewe” إن كلمة “باج= Baj” تعني: ضريبة، رسم، مكس، أتاوة. وكلمة “کۆ= ko” تعني جمع. مجموع، ملموم. وكلمة” کردنەوە= Krdnewe” تعني: جني، قطف، فتح، فك. وجمعها معاً ككلمة واحدة تعني جباية،استيفاء. أتلاحظ في اللغة الكوردية عبارة عن ثلاث كلمات بينما في العربية عبارة عن كلمة واحدة وهي جباية، أو استيفاء. دعنا نذهب إلى كلمة أخرى” داربەند= Darband” إن كلمة “دار= Dar” تعني خشب. و”بەند= Band” تعني غلق، سد، جدار. تعني الكلمة الممتزجة بالكوردية دعامة، مسند. أتلاحظ بالكوردية تعبر عنها بكلمتين، بينما في العربية بكلمة واحدة؟ الخ الخ الخ. فلذا يقال عن السومرية والكوردية لغتان امتزاجيتان، التصاقيتان لأنهما يبتكران من عدة كلمات كلمة واحدة. للعلم، أن إيلام مدينة كوردية تقع في شرق كوردستان والعلماء يقولون أن شعبي إيلام وسومر كانوا يتكلمون لغة واحدة غير جزرية، غير سامية؟ وكانت الحدود الفاصلة بينهما نهر دجلة حيث أن السومريين في غربه، والإيلاميين في شرقه. هناك نقطة يجب أن نوضحها هنا، أن الملحمة المذكورة تقول أن “انكيدو= Enkidu” الذي نازل “كلگاميش” نزل من الجبال إلى سهول سومر، والجبال المقابلة لسهول سومر هي جبال إيلام (عيلام) الكوردية في شرقي كوردستان، لكن السؤال هنا، كيف تكلم البطل “کەڵگامیش” مع البطل الآخر “انكيدو” بدون مترجم، بأية لغة؟؟؟ وقبله كلمها العاهرة السومرية أيضاً بدون مترجم؟؟؟. الشيء الآخر، اسم مدينة اوروك السومرية. هل تعلم أن عاصمة قبيلة “ملك شاهي” الكوردي في إيلام إلى اليوم اسمها “ارك- واز= Ark-Waz”. على أية حال. كما أسلفت، إن الجمالية التي تجدها في هاتين اللغتين السومرية والكوردية أنهما حين تفصلان بين الكلمة الواحدة كل مقطع أو كلمة منها تعطيك معنى مغاير للكلمة حين تمتزج معاً كما بينا أعلاه. وهكذا اسم “کەڵگامیش= Kalgamesh” والأسماء السومرية والكوردية الأخرى. عزيزي المتابع، أنا لا أجزم، لكن تفسيري لاسم ” کەڵ- گا- مێش” يكون هكذا، المقطع الأول: کەڵ= Kal” يعني في اللغة الكوردية: الشجاع، الفحل، ذكر، ثور، قوي، مقتدر، قدير، هائج. المقطع الثاني:”گا= Ga” يعني ثور، ذكر البقر، ضخم، كبير. إلى اليوم الكورد يقولون للثور “کەڵ- گا” وللبقرة “ما- گا” أن “ما” بالكوردية تعني الأنثى؟ و”گا” شرحناه. المقطع الثالث “مێش= Mesh” تجده في الكلمات الكوردية بصيغ متباينة وذلك من خلال التأثير الزمني على اللغة. مثلاً تجده في اسم جاموس؟ تقول المعاجم العربية: “إن كلمة جاموس معربة من كاوميش”. بما أن اللغة العربية تفتقد لحرف الـ”گ-G” كالعادة قلبوه جيماً وحذفوا ياءه قالوا جاموس. و”مێش= Mesh” بالكوردية والفارسية اليوم تعني حيوان، وذبابة. و”مێش و مەگەز= Mesh w Magaz” تعني الحشرات المجنحة. و”مێشوولە= Meshwla” تعني بعوضة، برغش. و”میێە= Meya” تعني النعجة و”ميش” بلهجة گەرمیان وكرماشان وإيلام تقال للجرذ الخ. استناداً على تفسيرنا لاسم ” کەڵ – گا – مێش” يعني الاسم: الحيوان الثور الشجاع. من المرجح أطلق عليه هذا الاسم لأنه قتل الثور السماوي، الذي بعثته الآلهة انليل لقتله وثبت للآلهة ولجميع شعب سومر أنه- کەڵ- گا- مێش- الثور الأقوى والأقدر. عزيزي القارئ، حتى أن الملحمة نفسها وصفته بالثور؟؟؟ حين تقول في ص 56: كان طوله أحد عشر ذراعاً وعرض صدره تسعة أشبار ثلثان من إله، وثلثه الآخر بشر وهيئة جسمه مخيفة كالثور الوحشي … . وفي ص 57 في الملحمة أيضاً وصفته كالثور حين قالت: الم تخلق “ارورو”هذا الثور الوحش الجبار؟… .ارورو هي إحدى الآلهات الخالقات في سومر. وجاء وصف جلجامش بالثور مرة أخرى في ص 63: حيث يعيش جلجامش الكامل الحول والقوة المتسلط على الناس كالثور الوحشي… . وفي ص 73 تتحدث الملحمة عن المصارعة التي حدثت بين جلجامش وانكيدو و وصفتهما بالثورين: وتصارعا وخارا خوار ثورين وحشيين… وتستمر الملحمة في ذات الصفحة: وظل جلجامش وانكيدو متماسكين يتصارعان كالثورين الوحشيين… . أيضاً في نفس الصفحة تصف الملحمة والدة جلجامش بالبقرة الوحشية: ولدتك امك “ننسونا” البقرة الوحشية المقدسة… . وفي صفحات 94 و95 و96 تصف الملحمة صراع جلجامش مع الثور السماوي وقتل هذا الأخير على يد جلجامش… . أتلاحظ كيف وصفته الملحمة بالثور؟؟؟ أليس الآن اسمه اسم على مسمى؟؟؟. للعلم، أن الثور كان مقدساً في الأديان والمجتمعات القديمة، حيث تجد غالبية ملوك ذلك الزمان واضعون على رؤوسهم تيجان على هيئة قرني ثور كـ(اسكندر ذو القرنين) توجد له تمثال وعلى رأسه قرن ثور، بل حتى اسمه في التاريخ ذو القرنين؟. وهكذا يوجد نصب لـ (نارام سين) منقوش على جبل في “سرپول ذهاب= Sarpulzhab” في شرقي كوردستان وعلى رأسه قرني ثور؟. أدناه صورة لمنحوتة سومرية لأربعة أشخاص وعلى رؤوسهم قرون الثيران:
هناك شخصيات تاريخية كثيرة لهم تماثيل ونقوشات يحملون على رؤوسهم قرون الثيران. حتى أن القيثارة السومرية الشهيرة هي الأخرى وضعوا في مقدمتها رأس ثور؟. وفيما يتعلق باسم القيثارة، لقد وجدت في المعجم العربي يقول: إنه اسم علم فارسي. كي لا ننسى، قديماً وتحديداً بعد إمبراطوريتي ميديا وساسان كل شيء كوردي سُجل باسم الفرس، لأن الدولة آنذاك كانت تسمى فارس؟. أما عن سبب اختيار وضع رأس الثور على مقدمة القيثارة جاءت في الموسوعة الحرة: إن عالم الآثار الموسيقية الألماني “شتاودر” قال: إن الثور كان مقدساً لدى شعب ما بين النهرين منذ القدم وكانوا يزينون حتى تيجان الملوك به لذا قاموا بوضعه على مقدمة القيثارة. وفي المدن الكوردية إلى الآن يعلقون في واجهة منازلهم قرني غزال؟. وتنقل الموسوعة عن الدكتورة هارتمان: إن الثور كان في السابق رمزاً للألوهية والقداسة. بلا شك يقدسه الإنسان الكوردي في العصور الغابرة، لأن الفحل والأنثى يخدمه ويعطيه ما يحتاجه من غذاء لإدامة حياته، كالحليب والجبن والدهن التي كانت مادة حيوية لتغذية الإنسان في ذلك الزمن، أضف أنه وسيلة للنقل والحراثة الخ.أما الدكتور صبحي أنور صبحي يقول: إن العلاقة بين رأس الثور والقيثارة ما هي إلا علاقة دينية كانت معروفة آنذاك في زمن السومريين القدامى. عزيزي القارئ، من المرجح، أن الأمر اختلف بعد انتقال “کەڵگامێش= Kalgamesh” إلى عالم اللا عودة، حيث أن الدين الميثرائي في إيران لعن الثور، وميثرا قتله بيديه ودعا دمه يجري على الأرض كي تبدأ الحياة. وهكذا في الديانة الايزيدية الكوردية، لا زال قتل الثور جارياً في المعتقد إلى يومنا هذا، حيث يأتوا كل عام بحضور الجميع في لالش المقدس بثور ما وينهكوه ضرباً ثم يقوموا بذبحه. ودخل اسم الثور في الموروثات الشعبية الكوردية بصورة سيئة حين يكرهوا أحد ما يقولوا: أصبح كالثور الأسود أمام عيني؟. ومن بقايا اسم “مێش” (حيوان) في جنوب كوردستان هناك عدة قرى تحمل هذا الاسم دمرت على يد جيش العراقي…كقرية “گامێشان= Gameshan” و”گامێش تەپە= Gamesh tapa” و”گامێشبان= Gameshban” توجد عدة قرى في شرقي كوردستان في كل من المحافظات التالية: إيلام، وكرماشان، جهارمحال وبختياري، وأورميه تحمل اسم ” مێشخاس= Meshskas” و”مێشگر= Meshgr” و” مێشان= Meshan” و” گامێشیان= Gameshyan”. وتوجد في غربي كوردستان منطقة تحمل أيضاً اسم “مێش” إلا وهي كركميش (Karkemesch) بالأصل هي ” گەر گامێش= Gargamesh” و بالصيغة العربية يقال له قرقميش التي كالعادة ليس له معنى؟. بينما بالكوردية تعني “تل الجاموس” لأنها مثل اللغة السومرية مكونة من مقطعين “گەر= Gar” أي: تل. أو رقعة أرض. كما أسلفت أن العرب لا يوجد عندهم حرف الـ “گ” فلذا قلبوه كافا. و”گامێش= Gamesh” يعني الجاموس. بما أن المنطقة المذكورة تقع على كتف الفرات فلذا الأهالي ربوا الجاموس، وكما هو معروف أن الجاموس لا يستطيع العيش بدون ماء، لأنه ملائم لطبيعته الحيوانية. ومما له علاقة بالثور هناك عشيرة كوردية في شرقي كوردستان تسمى “گاسوار= Gaswar” أي: الذين يمتطون الثيران. كالعادة مكونة من كلمتين “گا= Ga” أي: الثور، و”سوار= Swar” أي: الامتطاء، اتخذه مطية. هناك قرى ونواحي كوردية في جنوب كوردستان تحمل اسم الثور، كـ” گاپیڵۆن= Gapilon” و”گاسووار= Gaswwar”. من الأسماء السومرية التي لا زالت حية في اللغة الكوردية اسم “مردي” الذي يعني الموت. هناك مثل شعبي (دفعة مردي وعصا الكوردي) أنه مثل شعبي يقال لشخص غثيث ثقيل الظل… يريد به قائله أن يبعد عن نفسه الغثيث، كما أبعدت عصا المردي الموت عن كلگامیش في مياه الموت. إن كلمة (مردي) التي هي من الموروثات القديمة وتعني الموت إنها عَصاية طويلة استعمل (كلگاميش) 120 واحداً منها في كل دفعة عصاية واحدة دفع بها قاربه حين أبحر في بحثه عن سر الخلود وعبر بها مياه الموت، لأن مياه الموت حسب ما جاءت في الملحمة إذا لامست يده يكون مصيره الموت المحتم، لكنه بـ (120) عصا مردي وصل كلگامیش إلى شاطئ الأمان ونجا من الموت المحتم. عزيزي القارئ، قارن بين تسمية العصا (مردي) التي تعني الموت والتي عبر بها كلگامیش مياه الموت وبين اسم الموت عند الكورد الذي هو (مرد – مردي)، وهذا الاسم حي يرزق إلى اليوم في اللغات الآرية الأخرى وبنفس الصيغة وبنفس المعنى (الموت- القتل)، على سبيل المثال وليس الحصر في الإنجليزية والدانمركية والأيسلندية والنرويجية، يقال للـ(قتل) (murder) وفي الألمانية والسويدية (mord) وفي الهولندية (moord). أليس هذا أيضاً اسم على مسمى؟.
بما أننا نكتب هذا الموضوع باللغة العربية، لكي لا تخلط الأمور ببعضها ويتصور البعض خطأً أن له جذور سومرية فعليه هناك عدة نقاط هامة كنا قد ذكرنا بعضها في مقالات سابقة لكن لأهميتها لا نرى ضيراً إذا نكررها هنا مجدداً بالإضافة إلى نقاط أخرى سنذكرها لأول مرة تؤكد لكل ذي عينين أن سومر والسومريين ليسوا من الجنس السامي بما فيه الجنس العربي، خاصة هذا الأخير، أنه حديث العهد على مسرح التاريخ حيث لم يذكر اسمه “عرب” في بواطن كتب التاريخ أو على الأحجار قبل أكثر من تسعة قرون قبل الميلاد. كي لا يشك بكلامي دعني أضع أمامك كلام مؤرخ عربي كبير تشهد له المعاهد العلمية إلا وهو العلامة (جواد علي) الذي يقول في كتابه الشهير (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) حيث ظهر اسم العرب لأول مرة في التاريخ سنة 853 ق.م. وذلك في نص للملك الآشوري شلمنصر الثالث، ويقول أيضاً:إن الاسم لم يكن يعني عند الآشوريين ما يعنيه عندنا من معنى، بل كانوا يقصدون به بداوة وإمارة “مشيخة” ويضيف (جواد علي): أن اللفظة – عرب- بهذا المعنى وبهذا الشكل، مصطلح يرجع إلى ما قبل الإسلام، ولكنه لا يرتقي تاريخياً إلى ما قبل الميلاد، بل لا يرتقي عن الإسلام إلى عهد جداً بعيد. انتهى كلام جواد علي. دعونا نعود لموضوعنا، أولاً: إن غالبية العظمى من العلماء تؤكد أن السومريين هبطوا من جبال شمال شرق العراق. أي: من جبال كوردستان؟. واعترف بآرية السومريين علماء كثر منهم مينورسكي، ونيكتين، وسن مارتن، وزرنوف، وجورج رو، وطه باقر، الخ الخ الخ. ثانياً: إن السومريين استعملوا بعض الأدوات لاحتياجاتهم اليومية لا تستعمل إلا في المناطق الباردة والجبلية؟. ثالثاً: وجدوا عندهم نقوش على الحجر لأشجار وحيوانات لا توجد إلا في الجبال؟. رابعاً: وجدوا عندهم الخنجر وهو سلاح كوردي بامتياز، حتى أن اسمه كالعادة حوره العرب من “خونگەر= Skongar” إلى خَنجَر وذلك بسبب عدم وجود حرف الـ”گ” في لغتهم. ومن ثم صدروه فيما بعد إلى الكورد مجدداً بصيغة “خەنجەر= skanjar” مع ما صدروا لهم من مفردات عربية أو كوردية محورة بعد أن غلفوها بجمل دينية كفرائض وتعاليم عقدية. لكن عزيزي القارئ، أن اسم الـ”خنجر” بصيغته الكوردية وحتى العربية هو الذي يفسر لك اسمه ومعناه الذي هو “خون= skon” باللغة الكوردية ويعني الدم. و”گەر= Gar” وهذه الأخيرة تقول المعاجم الكوردية إنها حرف موصول بآخر الكلمة تعني الفاعل، أي: بها تسيل الدماء أو تجري الدماء، وبهذا يكون اسم على مسمى. مثال “ئاسن گەر= Asn gar” أي: حداد، الذي يحمي الحديد ويطرقه وتشكيله بحسب الشكل المطلوب. وهكذا “زێڕین گەر= Zyryn gar” أي: صائغ، مَن يصوغ الذهب. و”کارگەر= Kargar” أي: عامل، صانع الخ. رابعاً: اللغة السومرية كاللغة الكوردية لغة مذكر ليس فيها مؤنث كالعربية؟. خامساً: السومرية كالكوردية فيها مفرد وجمع فقط ليس فيها مثنى كالعربية؟. سادساً: السومرية كالكوردية فيها الحروف التالية: گ= G،چ= Ch،ژ= J،پ= P، هذه الحروف غير موجودة في اللغة العربية؟. وهكذا حروف العلة السومرية نفسها مودودة في حروف العلة الكوردية؟. الشيء الآخر، أنك لا تجد في أسماء الملوك والآلهات وعامة الناس وأسماء المدن حرفاً واحداً من الحروف السامية أو العربية كالـ: طاء، ضاد، ظاء، عين، حاء، صاد. لكنك تجد الحروف الأربعة الموجودة في السومرية إلى اليوم موجودة في اللغة الكوردية مثل: اسم كلگاميش، البطل السومري الذي شرحنا معنى اسمه بالرسم الذي ذكر في المصادر كَل- گا- مش. اوتو- نوبشتم، أنه الشخص الذي كان عنده سر الخلود. أنا لا أجزم فقط أضع أمام القارئ الكلمة الكوردية التالية ثم أتركه ليحكم بنفسه. أن حرف الألف في اللغة الكوردية يلفظ بصيغتين ألف وهاء مثلاً يقول الكورد ئەڵسان= Alsan” وأيضاً يقولون: “هەڵسان= Halsan” أي: النهوض. أتلاحظ تغيير حرف الألف إلى هاء؟. ويقولون أيضاً: “هەڵهات= Halhat ويقولون أيضاً:”ئەڵات= Alat” أي: بزغ، طلع. يقولون :”هەڵپەڕکە= Halparka” ويقولون :” ئەڵپەرکە= Alparka” أي: الرقص الخ الخ الخ. لنعود إلى اسم “اوتو- نوبشتم” الخالد، الذي عنده سر الخلود ونقارنه مع الكلمة الكوردية التي تطابق معه شكلاً ومضموناً وهي: “هاتنەو- پشتم= Hatnaw- Pshtm” الذي جاءوا بعدي؟. والسباح، الملاح في السومرية اسمه “اور- شنابي = Ur- Shnaby” أيضاً في اللغة الكوردية لهجة منطقة گرميان في جنوب كوردستان وفي الجزء الجنوبي من شرق كوردستان يقولون:” “سناو= Snaw” للحق أقول أن الفرس يقولون: شنا= Shna. وهكذا بقية الأسماء السومرية التي كل حروف موجودة في اللغة الكوردية إلا أنها كما أسلفت لا تجد فيها حرفاً من الحروف العربية التي ذكرناها أعلاه. ثم الأسماء التالية: انانا. لوگال- بندا. انكي. اداب. اسمود. دموزي. بادتپيرا. زكمك، اكيتو. الولم. نوام- نَممو، شروپاك، اوروك، اوبارتونو،نبو، انليل، انكيدو، شمخه، اريدو، ادنو، لوك، سوپار، اينمن، لوانا. سابيتم. ابسو. كيش. تمال. انمرگال. انام. مس- انييدا. اينهيدوجا. اينمن گال انا. ديموسپبا. انميلوگا. كالا. ايتانا. ايرش- كيگال. انسيبازي انا. آن. انليدا. انمين. دوانا. سپار. بارو. للا. انو. كاكا. ليسين. هاياسوم. هرمس. ابزو. اوتو. ننكور لام. سين. اوروكاجينا. نبو. شروباك. لوانا. نيپور. كالا الخ الخ الخ. هل وجد في هذه الأسماء أعلاه حرف حاء أو طاء أو عين أو ظاء أو ضاد أو حتى قاف؟. ثم، لاحظ أدناه بالإضافة لعدم وجود تلك الحروف العربية المشار إليه تجد أن أسماء الآلهات كلها تبدأ بالصيغة الكوردية المبجلة لاسم الجدة وهي “نەن= نَن= Nan” ترخيم لـ”نَنَ= نەنە= Nana” أي الجدة أو السيدة ذات مكانة عالية في المجتمع السومري والكوردي. لاحظ أسماء الآلهات في سومر تبدأ بها كـ” نَن- Nan” كما قلت ترخيم وتخفيف لاسم “نەنە- Nana” مثال (ننتي) آلهة الشهور وراعية الزمن، و (ننسگلا) آلهة دلمون، و (ننكاسي) آلهة الخمرة، و(ننكورا) آلهة الأصباغ، و(ننكيزي اوتو) آلهة نباتية، و(ننسار) سيدة الخضار والنباتات التي تؤكل، و(ننمو) سيدة النباتات ذات الألياف، و(ننسون.نن- سون) أم دموزي، و (ننليل) زوجة انليل، و(ننسينا) آلهة الشفاء، و(ننمار) آلهة الطيور، والآلهة (ننكي) سيدة المكان، والآلهة (ننتو) سيدة الولادة، والآلهة (ننخرساج) سيدة الجبل، و(ننماخ) السيدة الكبيرة الخ الخ الخ. هناك اسم سومري للأرض الخضراء ذكر بصيغ متقاربة “ايدن أو ادن أو ادانا= Adn, Aydn, Adana” كالعادة اقتبسه العرب وحوروه إلى عدن، لكن مضمون الاسم برسمه العربي لا يعطي أي معنى، إلا أنه في اللغة الكوردية شبيهة للاسم السومري “ئاوەدان= Awadan” له معنى، أن الكورد يقولون لأية أرض فيها خضار وأشجار ومياه وفيرة وحياة وحضارة “ئاوەدانە= Awadane” وتعني الأرض المزروعة، المعمورة، المأهولة، المسكونة، الغَنّاء. كالعادة الكلمة الكوردية التي نحن بصددها تتكون من مقطعين “ئاو= Aw” أي: الماء.” وجعلنا من الماء كل شيء حي…” . و”دان= Dan” أي: الزرع؟ فلذا الكورد يقولون لغلال الحبوب، للمحصول الزراعي ” دەخڵ و دان= Daskl w Dan”.
عزيزي المتابع، هناك أسماء وكلمات سومرية كثيرة جداً لا زالت تتطابق مع الأسماء والكلمات الكوردية، لكن موضوعنا اليوم كان فقط عن اسم “کەڵ- گا- مێش ” وتطرقنا معه لبعض الأسماء والكلمات السومرية الأخرى كي نسهل ونقرب المعنى إلى القارئ والمتابع الذي ليس لديه معلومات وافية عن هذه الملحمة وشخصياتها.
” إن التاريخ يبدأ من سومر” (صموئيل نوح كريمر)
23 08 2020