تاريخ البؤساء

رشيد جمال
– 1 –
منذ نعومةِ أظافرِنا
والسلاسلُ في أعناقنا
الظلالُ أمامَ حواسِنا
والجلادُ يجلدُنا من ذاتنا
ونحن نضحك…!!
والزمانُ يتألّمُ بضحكتنا
الربُّ يندمُ على خَلقنا
ونحن نضحك
في نومنا
في وهمنا
ونسكرُ في قبرنا
ننسى تاريخَنا ومجدَنا
ننسى رائحةَ التراب
الذي يجمعُنا.
– 2 –
كُلّنا جالسون
ننتظرُ فجراً جديداً
يصنعُه الربُّ
ونحن نصلّي ونصلّي
ونصلّي…
ولكن ماذا تفيدُ الصلواتُ الميّتة…؟
ماذا تفيدُ العطورُ الميّتة؟
ماذا يفيدُ البكاءُ على الميّت؟
كُلّنا بؤساء
كُلّنا تعساء
في هذا السرداب
الذي نصنعُه لأنفسنا
ولأولادنا،
للتاريخ الذي سيمحينا من صفحاته
ونحن نصنعُ، وندوّنُ البؤس
ونصفّقُ بحرارة الجبناء
ولكن ما فائدةُ الكتابة
في زمن الجلادِ والمجلود
سوى الهرب من لهيب الكلمات
إلى عالم الأحلامِ البنفسجي؟
وما نحن إلا ضحايا لبؤس البائس
المهزومِ أمامَ أوراقِ الإنسانية.
نعم يا قاتلي
كُلّنا هالكون
جلودُنا معفّنة
لذلك يجبُ أن ندفن
على رصيف كلّ طريقٍ مشرّد
أو نموت
وعلى صدورنا مرسومٌ نهراً من الدماء
يجبُ أن نرسمَ خريطةَ الوطن
على صدر كلّ عاشقٍ للحرّية.
– 3 –
يا سنونو الأمل
أنا رجلُ البؤس
من تاريخ البؤساء
فقدْتُ الأمل
على مقاعد أتعبَتْها عظامُ الكسل
ومررْتُ بالتاريخ
وأضفْتُ ثلاثَ نقاطٍ،
لمثلث متوازي الأضلاع
فكنْتُ خجولاً منكم
ومن حبر القلم…
أعذروني 
لا تقرؤونا
مزّقوا كتاباتِنا
احرقوا مقاعدَنا
حطّموا بيوتَنا
فنحن قد بعْنا التاريخ
مقابلَ حبّةِ قمح
فكنّا تعساء
ولكنكم أنتم الأمل
والهمسةُ التي ستعيد
تاريخَ البشرية…
فلا تيئسوا؛
لأنكم سنونو الأمل.
من ديوان «ترانيمُ الحبّ» – 2009م.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد حسو

“حين تموت لغة الاحترام… يولد العنف بأبشع صوره”

منذ أكثر من عقدين، ومع الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، تغيّرت ملامح الخطاب العام في العالم كله، وليس في عالمنا الشرق الأوسطي فقط. لم تعد الكلمات تُنتقى بعناية، ولم يعد الناس يحسبون حساباً لما يكتبونه أو يقولونه. بل أصبح البعض يكتب كما يشتم في لحظة غضب، ويرد…

فراس حج محمد| فلسطين

في النص الأخير قلت شيئاً شبيهاً برثاء النفس، وأنا أرثي أصدقائي الشعراء:

كلّما ماتَ شاعرٌ تذكّرتُ أنّني ما زلتُ حيّاً

وأنّ دوري قريبٌ قريبْ

ربّما لم يُتَحْ للأصدقاءِ قراءةُ قصائدهم في رثائي المفاجئ

وها هو الشاعر والناقد محمد دلة يغادر أصدقاء على حين فجأة، ليترك خلفه “فارسه الغريب” ونقده المتوسع في قصائد أصدقائه ونصوصه. محمد دلة…

أحمد جويل – ديرك

 

لقد أدمِنتُ على تذوّق القرنفل كلَّ يوم،

ولم يكن باستطاعتي التخلّص من هذا الإدمان…

وذات يوم، وكعادتي الصباحيّة، دفعتني روحي إلى غيرِ بُستان،

علّني أكتشف نكهةً أُخرى،

لعلّها تُداوي روحي التي تئنّ من عطره…

 

بحثتُ في ثنايا المكان…

وإذا بحوريّةٍ سمراء،

سمراء كعودِ الخيزران،

تتزنّرُ بشقائقَ النّعمان…

عذرًا، سأكمل الخاطرة لاحقًا.

 

شقائق النعمان كانت تخضّب وجنتيها برائحةِ زهرة البيلسان.

أمسكتْ بيدي، وجعلنا نتجوّلُ…

سيماف خالد جميل محمد

 

هناك حيث تنبعث الحياة، حيث كانت روحي تتنفس لأول مرة، هناك أيضاً أعلنتْ روحي مغادرتها، لم يكن من الممكن أن أتخيل ولو للحظة أن تغادرني أمي، هي التي كانت ولا تزال الصوت الوحيد الذي أبحث عنه في الزحام، واليد التي تربت على قلبي في الأوقات الصعبة، كيف يمكن لخبر كهذا أن يتسلل…