مدينة 2020 العصرية

إبراهيم محمود
التقى القط وابن آوى على مشارف المدينة. عبّر كل منهما عن همومه ومضايقاته الذاتية، وما يجري في محيطه، حيث الأسماء لم تعد هي نفسها، وفي كل يوم مستجد. خطرت فكرة في ذهن ابن آوى اللعوب، فسبقته ابتسامة، أراحت ذائقة القط الماكر:
-لماذا نحن نحمل من الهموم أكثر مما يجب؟ وحولنا، نادراً ما تجد من يهمه الجاري مثلنا، لنركب التيار، قبل أن يجرفنا.
حرّك القط ذيله وقوَّسه ثم بسطها أرضاً، ولولبها:
-هاتها، فأنت أبو المخارج السعيدة .
رد ابن آوى قائلاً:
-ستكون بعد الآن وشقاً، وأنا نمر، وهكذا نعرّف بأنفسنا، هكذا سندخل سجل هذه المدينة، بما أن الأغلبية يعرَفون بأسماء جديدة وألقاب جديدة.
وثب القط عالياً، ظُنَّ أنه سيطير، وهو يعبّر عن فرحه:
-عبقري من يومك، يا..يا نمر ..
سُرَّ النمر الجديد، ورد عليه مشكوراً:
-أهلاً بالوشق، فلندخل المدينة معاً، ولنبق معاً.
من تلك اللحظة، وبعد دخولهما المدينة، لم يكن في مقدور أيّ كان الاعتراض على تصرفهما، فالأغلبية يعلَمون، أن ليس في مدينتهم من يحمل هوية تحمل صورته القديمة، أو اسمه ولقبه القديمين، ولهذا، لم يكن في مقدورهم الاعتراض، حيث إن هذين الاسمين، لم يسبق لأحد أن حمل أيّاً منهما، بالعكس، اعتبروا تصرفهما في محله، وعلامة إخلاص للمدينة، بما أنهما لم يختاراً اسماً أو لقباً متداولاً في المدينة، أو يعرَف به أحدهما سابقاً، فرحَّبوا بهما وقد سجَّلوا اسميهما هكذا .
وهكذا سارت الأمور على ما يرام، حيث كلُّ مقيم يخاطب الآخر باسمه أو لقبه الجديد، والآخر ذاك، يرد عليه، أو يعرّف به لسواه، في مجلسه باسمه أو لقبه الجديد ، وذلك في المدينة التي سمّيت بمدينة 2020 العصرية.
وقد وضِعت قوانين صارمة ضد كل من يهين الآخر، باسمه أو لقبه السالف، واعتبار الجديد دالاً على مكانته، ورمز انتمائه إلى المدينة العصرية هذه. أكثر من ذلك، وضع كل اسم قديم، رفض صاحبه تسمية نفسه باسم أو لقب جديد، على أنه يشكّل خطراً على المدينة، وفي خانة المشكوك في انتمائهم إليها، ولهذا، أخضِع للمراقبة من قبل معينين بهذا الجانب .
ذات يوم، شعر نمر كان يقيم في غابة مجاورة، بالملل، وأراد الترويح عن نفسه، وقد سمَع بالمدينة العصرية وغرائبها، فشده الفضول إليها، فلم يتردد في دخولها، وكله حماس لأن يتفرج على معالمها، ويلتقي بأشباهه .
لقد أثارته مناظر كثيرة، جهة الصور المعلَّقة في كل مكان. مدينة تعرَف بالصور، حتى بالنسبة للبيوت العادية، علّقت صور غريبة على واجهاتها، وفي الساحات، وأسيجة الحدائق، فرغب أن يستفهم عما يجري، وهو يحيط نفسه علماً بنقص المعلومات، وليس من مشكلة إن زاد علمه النمري علماً، ليحسن التكيف مع هذا العالم المحيط به .
سأل أول ملتق ٍ به عما إذا كان هناك نمر يزوره حيث هو، ويتعرّف عليه، ليزّوده بالمعلومات المطلوبة .
رحّب به سريعاً حيث إن أهل المدينة هذه مضيافون فعلاً. وتقدَّم به إلى حيث يكون مجلس ” النمر ” الجديد .
شك النمر الفعلي في ما رآه. أيعقل أن يكون هناك نوع آخر من النمور لم تره عيناه، أو لم يسمع به .
توجَّس ابن آوى خيفة، وحوله بنات آوى كثر، وهم في مجلس مزيَّن وبأحدث الديكورات .
كعادة النمر، سأل عن النمر المقيم هنا، وهو واثق من نفسه .
امتلأ المكان بضحك بنات آوى ” النمور الجديدة “:
-كان عليك أن تعرّفنا بنفسك أولاً، فأنت غريب على مدينتنا !
قالها ابن آوى ” النمر الجديد ” وهو ينتظر جوابه.
نظر النمر في المكان ومن فيه:
-أحقاً لا تعرفون من يكون النمر .
ضج المكان بالضحك مجدداً :
-النمر! يا للواهم..منذ متى اكتسبت هذا الاسم، ألا تعرف هذه النمور من حولك ؟
-ماذا يجري..أية نمور ؟
رفع النمر صوته، وكرَّر :
-أنا النمر.. أنا النمر !
المكان مزدحم ببنات آوى، حيث تقدموا منه، وضيَّقوا عليه الخناق، وقال له مخترع الاسم الجديد:
-بأي طريقة تريدنا أن نقضي عليك، أم تريد الخروج من هنا، تأكيداً لسماحتنا، وإياك أن تقرب من مدينتنا.
تراجع النمر فزعاً مما يرى ويسمع، وبعد عبوره الباب، انطلق كالسهم، وهو يرفع صوته، وبنوع من الصراخ:
-ماذا يجري في هذا العالم، كيف لابن آوى أن يصبح نمراً، كيف، كيف ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…