للفكاهة

عثمان محمود

في وسط سيل جارف من قساوة الحياة من حولنا لا بد من الفكاهة : 
أبو الخير ، وأبو العز ، وأبو الفرح اجتمعوا على طاولة واحدة ، وبدى ابو الخير غير طبيعي متوتر….
ابو العز ما بك ابى الخير ؟ 
ابو الخير بعد تفكير… قال : 
زوجتي كلما تزور أهلها تجلب معها بعض الاشياء والأغراض..( عادة معروفة لدى الكثير من الناس ) ، ويضيف زوجتي وعلى كل حركة داخل البيت أو امام مائدة الطعام تقول لي شايف هاي معلقة جلبتها من اهلي ….شايف هاي الكاسات عام الماضي جلبتها من اهلي …شايف هاي ….شايف هاي و قائمة شايف هاي طويلة … لكن في جلسة إفطارنا الصباحية لليوم قالت أم الخير : 
شايف ابو الخير هاي زيت الزيتون اصلي من بيت اهلي من اسبوع جلبتها اصلي ..اصلي ..يابو الخير ما في أطيب منها بس ذوق طعمتها يا إلهي…..تنكة اصلية ما في منها بالعالم .
عندها بدأت أفقد أعصابي وتوازني وامام المشهد لم أنطق حرفا فقط تبادلنا النظرات …. لا أدري كيف انطلقت نحو المطبخ بسرعة عالية وعائلتي ب كبيرها وصغيرها خلفي متزاحمين …لا أطيل عليكم قبضت على تنكة الزيت الزيتون بالزاوية اليسارية من المطبخ … وبدأت أسكبها في البلوعة ….غضبا
و أفراد العائلة نزلو معي بخطوط المعركة……بالنهاية رسمنا مع بعض خرائط الزيت على أرض المطبخ ، وأنقذوا نصف التنكة من بين يدي ….هذه باختصار قصة توتري وقلقي اليوم يا شباب …..
ساد الصمت المكان قليلا …. تمتم ابو العز …وقال : 
تماما اخي ابو الخير بسيطة نفس قصتك حدث معي أيضا من فترة دعني أستعراضها لك 
لكن هذه المرة بامية يابسة لا زيت الزيتون …. يضيف ابو العز : 
زوجتي ايضا كلما تزور أهلها تجلب معها أشياء ومنها بامية يابسة …أتذكر الغداء وقولي آه ما أطيب البامية يا إلهي 
ردت زوجتي فورا ….
( و لا احب ان تجلب زوجتي شيئا من بيت أهلها ….) 
اكيد ….. آه يا ابو العز ما ألذ هذه الطبخة ؟؟؟ …أنها بامية أهلي ما أطيبها… حالا … و لا شعورا خيم علي التوتر ، وضربت ب قوة يدي على الصحن وتطايرت البامية ، و تطبعت بها سقف الغرفة ، وانطلقت نحو المطبخ بسرعة الصاروخ ، وبدأت البحث عن البامية اليابسة…وجدتها … وأخذتها أرش من نافذة البيت يمنا ويسارا كوننا نسكن المدينة ….و عائلتي أصابتهم الفشل في إنقاذ أية بامية ….نعم أمتلأ الشارع بالبامية …..حتى أطلق على شارعنا بعد ذلك اسم شارع البامية وهاي كل الحكاية يا أصدقائي .
وبدى الصمت …..و الجميع ههههههه مرة أخرى ابو الفرح رطب حلقه بالماء ….وتبادل نظرات من حوله و سئل منهم ….هل حدث معك ايضا شيء من هذا القبيل 
يا ابو الفرح …. 
قال ابو الفرح : 
نعم حدث معي بس قديمة نوعا ما …في أحد الأيام اتذكر حضرت زوجتي من بيت أهلها كم طبخة عدس …وكلما نعمل طبخة فيها عدس زوجتي تقول : 
يا ابو الفرح ما اطيب هذه الطبخة (مجدرة ) ؟؟؟؟ ….عدس اهلي وبس …يا الهي كم هي لذيذة .
اي والله….أنزعجني هذه التصرفات يومها ….وأرتفع ضغطي و…وأنطلقت بسرعة البرق نحو المطبخ …وحملت العدس وتوجهت نحو أرضنا خلف الدار كوني ساكن في القرية ، وبدأت أنثرها نثرا و بجميع الاتجاهات…..وعائلتي وقفت مندهشة من تصرفي هذا …ولم تحرك ساكنا . 
نعم هذه قصتي باختصار ….و الغريب فيها تمت فلاحة الارض …و مضت فصول السنة … أتفاجئ…بأن لدي موسم عدس جيد …ومن يومها أحببت العدس ولم أنزعج من حكايات العدس و التعامل معها .
خلاصة المواقف : 
ابو الخير يقول انا خسرت نصف الزيتات…ولم أكسب شيئا…
وابو العز يقول انا خسرت الباميات وكسبت اسم الشارع …
وابو الفرح يقول انا خسرت العدس وكسبت موسم العدس الوفير …​​​‌‏يعني الكلمة مهمة … 
و بكلمة تحدث كل شيء 
و بكلمة نرتقي ..
وبكلمة نعفو ..
وبكلمة نغضب ..
وبكلمة نرسم ابتسامة ..
وبكلمة نصنع الأمل …
ونجد الحلول…
و بكلمة….و….
لكن
ليس كل زيت أو بامية أو عدس يترك كسبا وانتاجا رغم تشابه الأحوال ، لذا انتبهوا لا تؤلموا من أحبكم ، و لا تحزنوا من وثق بكم ، و جعل منكم رفيق الدرب … 
كونوا رحماء في لحظات الغضب العائلي … اتركوا مساحة الشفاء والرجوع ، كلنا نغضب ، كلنا نخطيء .. كونوا رفقاء فقلوب من حولكم كقلوب الأطفال … 
بِصدق هي قلوب لا تحمل سوى ” البراءة “.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…