إبراهيم محمود
استغربتُ كثيراً حين قرأت في موقع ” ولاتي مه، بتاريخ 16-9/ 2020 ” مقال الباحث الفلسطيني الأستاذ فراس حج محمد: ” قراءة في كتاب: وقفة مع كتاب “موجز تاريخ الأرداف “لمؤلّفه الفرنسي ” جان ليك هينيج ” الذي صدر سنة 1995، وترجم إلى العربية سنة 2012 ” بيروت، مؤسسة الانتشار العربي ” وهو يثني كثيراً على محتوى الكتاب وجرأة صاحبه كقوله ( في كتاب طريف في موضوعه، يقترب صاحبه الفرنسيّ (جان ليك هينيج) من بحث إحدى أكثر مناطق الجسم بروزاً وحضوراً، وملاحظة، فتعمّق في “موجز تاريخ الأرداف”. لم يترك الكتاب شيئاً من متعلّقات الأرداف إلّا وتحدّث عنه، من الأرداف ذاتها، إلى أجزائها، والأوصاف التي تطلق عليها، وكيفيّة التعامل مع الردفين لاستدرار المتعة، واستحضر بطبيعة الحال قاموساً لغويّاً خاصّاً مرتبطاً بهذه المنطقة “السعيدة” أحياناً، والمجنيّ عليها حيناً آخر..)، مشيراً إلى جانب محظور في الثقافة العربية، واشتغاله هو نفسه ببعض منه ” عن النهدين، في المقال “، وليستدرك قائلاً، وبصدد الكتاب ذاك (لا يوجد في المكتبة العربيّة كتاب شبيه بهذا الكتاب، ليجمع مؤلِّفٌ ما شتات ما كُتب عن العجيزة والأرداف في كتاب، ليحلّل الصورة التي جاءت عليها العجيزة في شعر الغزل، أو في شعر الهجاء، أو في تلك الطُرَف والأخبار المنتشرة في كتب الأدب التي تحدّثت عن أسمار العرب.).
ويتطرق إلى بعض الأمثلة ذات الصلة بالعجيزة، ومن ثم قوله ( وغير ذلك كثير جدّاً في مدونة العرب الثقافيّة والشعريّة، ويحتاج باحثاً صبوراً وجادّاً وجريئاً للكشف عنه، وإعادة توليفه في مؤلَّف ممتع يسدّ ثغرة في المكتبة العربيّة. )…الخ .
وجه الاستغراب هو أن الأستاذ فراس حج محمد باحث، حيث قرأت العديد من مقالاته في ” ولاتي مه ” وغيره، وهذا يعني وجوب التروّي في الحديث على ما يتعرض له تاريخياً، ويبتعد عن إطلاق الأحكام في الوقت نفسه، ولو لم يكن كذلك، لمَا علَّقت على مقال الذي يُتوخى فيه النقد الموضوعي:
الملاحظة الأولى، هي في كيفية تجاهله لما نُشِر لي، “حيث أتحدثُ عما كتبتُ ” في هذا المجال، والذي يسهل النظر فيه في عشرات المواقع العربية، والاهتمام بما كتبته عربياً.
ثانياً، بخصوص فرادة الكتاب، وفقر المكتبة العربية، بالمقابل، بوجود كتابات كهذه، استمرار للنقطة الأولى، ليس الوضع كذلك.
فقد نشرت دار ” الريس ” في بيروت ” 2009 ” كتابي ” الجسد المخلوع بين هز البطن وهز البدن ” وفيه عناوين فرعية، تشكّل محتوى الكتاب، تركّز على المؤخرة، أو العجيزة، أكثر بكثير مما تعرض له هينيج، وعلى مدى أكثر من ” 400 ” صفحة من القطع الكبير، ويكفي أن يُكتب عنوان الكتاب، غوغلياً، حتى تتتالى عشرات المواقع وهي تقدّمه للقارىء: كإعلام، وكتناول وبحث كذلك هنا وهناك .
كما أن ” الدار العربية للعلوم ” بيروت ” 2010 ” نشرت لي كتاب ” جنازة المؤخرة في مائة وواحد وعشرين نصاً ” اُهتم به كثيراً عربياً، وعلى مستوى جامعي بالمقابل، كما في مقال ابتسام القشوري ” هوامل الجسد في الأدب والفنون ” والمنشور في صحيفة ” القدس ” اللندنية ” 10 تشرين الثاني 2014 ” وضمناً رُكّز على هذا الكتاب، وأشير أيضاً إلى ” موجز تاريخ الأرداف، وكيف أن المترجم لم يذكر اسمه كاملاً ودلالة الإجراء هذا، ومن ذلك (..بخصوص المجتمعات العربية أضاف كمال الرياحى أنّ حضورالجسد غير الحليق مرتبط بالعذرية في المجتمعات» البكاراتية» بعبارة ابراهيم محمود, كما أنّ الديانة اليهودية لا تعترف بالجسد الحليق, وتحرّم على المرأة حلق الاماكن الحميمية والحواجب, كما تجبر على عدم قص شعرها وكل ذلك لمنع المرأة والرجل من التمتع بالجسد والاحساس باللذة.
– أدبيات العجيزة مؤنثاً ومذكراً:
” هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ..لا يشتكى منها قصر أو طول”, هكذا قال الشاعر كعب بن زهير في قصيدته المعروفة بـ»البُردة». والعجز في المعجم العربي هو مؤخرة المرأة فكان العرب قديما يفضلون المرأة متوسطة القامة, مشدودة الصدر, مُمتلئة المؤخرة والأرداف. غير أنّ هذه المقاييس تغيّرت في الثقافة العربية الحديثة. يؤكد عدنان الجدي على أنّه رغم ضعف اهتمام المفكرين العرب بموضوع المؤخرة, فقد أشتغل الكاتب السوري محمود في كتابه «جنازة مؤخرة في مئة وواحد وعشرين نصا» على جمع ما أمكنه من المؤلفات التي تطرّقت لهذه المُهمَلة من الجسد, حيث يفضح حضور هذا الغائب الحاضر في الثقافة الإنسانية بدءاً من العصر الأموي الى أبو نواس وذو الرمة إلى حنظلة، وصولاً إلى شاكيرا في دراسة مستفيضة لتاريخ المؤخرة الاجتماعي والميثولوجي. وقال محمود عن دوافع كتابته: «الاهتمام بالمهمل من الجسد عبر اللغة هو محاولة لرأب الصدع الكبير للجسد عبر الاعتراف بتكامله.”
الكتاب الثاني الذي تحدّث عنه الجدي هو كتاب جان ليك هينيغ المعنون «تاريخ الأرداف الموجز», وقد اكتفى مترجمه إلى اللغة العربية باختصار اسمه (ش بيطار), وهذا دليل آخر على إحساس المترجم بالإحراج الذي يسببه الموضوع الذي تعمقه ثقافة المنع والتحريم.)
ثالثاً، في صحيفة ” السفير ” اللبنانية الشهيرة، أجرى الكاتب والشاعر والمترجم المعروف اسكندر حبش مقابلة معي حول كتابي ” جنازة المؤخرة ” في ” 12-10/ 2010 ” ويسهل الرجوع إلى نص المقابلة.
رابعاً، نشرتُ في موقع ” أمازون ” العالمي كتابي ” مغـزل المؤخّـرة: سلسلة نحو أمس دافئ أقوال وأمثال اختارها ونقلها عن الفرنسية وقدَّم لها: إبراهيم محمود “، استمراراً لما كتبت في هذا المضمار.
لا أسترسل في الكلام كثيراً، إنما أريد التنويه إلى أخطاء يقع فيها باحثون يتوخون الحقيقة، بصدد تقويم أفكار معينة، ولا عذر لهم، في زمن انتشار الانترنت، وإمكان البحث عن موضوعات مما ذكرت، إلا في منحى واحد، وهو أن يسنِد أحدهم إلى نفسه فضيلة معرفية في السبق ولفت النظر.
آمل من الأستاذ فراس حج محمد، أن يكون أكثر يقظة، حين يأتي على قراءة كتب كهذا الكتاب، أو غيره، أو عند إطلاق الأحكام، أو ممارسة توصيفات قيمية معينة، فتلك هي الخاصية الرئيسة لتجنب الوقوع في مزالق تقلّل من نوعية اطلاعاته، ومحتواها في الآن عينه.