قصتي مع مسافة الأمان

عثمان محمود
يومها لم تصقل لدي بعد كيفية التعامل المرن مع الأشياء ، ولم أعرف فن الاصول وهندسة المسافات . 
المهم حكايتنا والدي يومها هيجني ( عمري حوالي ١٤ عاما ) لاخراج الأغنام من الحظيرة ورعيها في مرعى قريبة من بيتنا .
ذهبت مكرها واغلب الرعاة يقاسمونني هذه ، وفتحت باب الماشية المكنوفة مع قيامي بإبتكار أصوات غريبة و مخيفة ….. وب لمحة بصر و حلم عابر وجدت نفسي مطروحا على الأرض وكأن بركانا انفجر ب وجهي ، وتحول جسمي إلى جسرا 
ك جسر البرج على نهر التايمز للعبور .
وكل سنتيمترا فيها تم دهسه بمسننات وقوائم النعاج والخواريف.. دهسا وجرحا وآلاما ….وحينها سقط معي خاروفنا الجميل سرسور شهيدا….تحت قوائم قومه
ونهضت و مسحت عيناي ممزوجتين بالتراب ….وكل شيء من حولي قائظ ومضطرب ….و معها التحقت بالقطيع الهائج على وجهه … ومع ازدياد المسافة تحت قدمي اخذت البرودة والهدوء والدهشة تخيم رويدا رويدا 
واستقرت الماشية و حبات التراب ، بدأت انفض ، وألملم الآثار ….وتنفست سعيدا بالنجاة من سيلا جارفا للحيواناتي المفزوعة وهي تعبر بوابة الحظيرة إلى عالم الأمان ، و جثمت من شدة الألم…وتمتمت بين الصياح ، والبكاء ، والأوف مرات … عدت للحظيرة ، و خاروفنا مفارق الحياة …لم اخبر الاهل… حتى انجلى الأمر… وتعاقبت علي الأسئلة ب كيف ؟ وماذا ؟ ولماذا ..؟؟؟ 
وأصبحت أمام معادلة لا مفر منها سوى المصارحة لان كدمات وجهي تشهد لا بل تفضح…
و الوالدة أخذتني بصدرها الحنون ، وكشفت عن جسمي ….يا الله يا ولدي ما هذا ؟ كأنها فلاحة الارض بنهاية شهر آذار ..هههههه
وعندها اجري تحري على المكان …. وشوهد حائط الحظيرة المنهدم …وأشاعت النتائج بتأكيد غياب المسافة عند تدافع الأغنام سببا 
رئيسيا للواقعة …. 
وانا أصغي وكل أعضائي وأجهزة تفكري مشغول ب مسافة الأمان ….
و ماذا تعني هذه المسافة ؟؟؟
أنتابني شعور و أقتربت من الجواب ف جاء الرد بأن مسافة الأمان تعني كان علي أن أخرج ، وبهدوء المواشي من البوابة … لا أن أخلق لها الاصوات التي تفزع ، وتأكل المسافات بينها …. نعم فهمت حينها المسافة ، ولم افهم الأمان ، فقط مع مرور الزمن …. و تقدم العمر استبان لي بأن مسافة الأمان هي كل شيء ، وأهم شيء في الحياة . 
وأولها يبدأ :
– بين السيارات على الطرقات لتفادي التصادم .
– وثانيها بين البشر لمنع نقل المرض المتمثل ب سيد فيروس الكورونا 
( موضة غريبة …) .
– وثالثها والأهم بين قلوب الناس لمنع المشاكل والحروب…وما أكثرها اليوم
ومن المنطق أن نترك مسافة بيننا وبين الآخرين ؛ حتى لا ننصطدم بهم ، أو نتصادم معهم ، فلكل إنسان خصوصيته وحدوده التي يحرص على أن يحترمها الآخرون مهما كانت درجة قرابتهم بما فيه أولادنا …
يعني ( ضبط المسافات )
– ورابعها بين نعجة ، ونعجة لسلامة عبور القطيع من بوابة الحظيرة ….
– وخامسها بين كلمة و كلمة ليفهم الآخرون ما نكتب.
– وسادسها بين الكواكب وهي تسير وفق نظام دقيق .. انظر لو اقتربت الشمس منا ميلاً واحداً فقط لاحترقت الارض، ولو ابتعدت عنا ميلاً لتجمد كل ما حولنا……الخ 
قائمة طويلة ، وهكذا دواليك في كل زمان ومكان مطلوب إتقان فنّ المسافات ، لا بل يجب ان نكون مهندسي المسافة ، ونحسبْ الخطوات بدقّة !
لان المسافات غير المحسوبة تنتهي بنهايات غير محسوبة…. والوجع والندم يكون بحجم المسافة وهي حكاية أغنامي … 
خلاصة القول : 
تقدير المسافات غاية الأهمية لان خلق الخوف ، وعدم تقدير مسافة الامان …. يقتلان البشر يوميا 
( انظر إلى عدد ضحايا مسافة الامان في التاريخ ….) 
وهو الفشل بذاته ، واما النجاح ان لا نقترب إلى حد إبصار العيوب ، ولا نبتعد إلى حد نسيان المحاسن…، لذا علينا دوما التذكر بأن ضبط المسافات من أكبر سنن هذا الكون ودلائل عظمته.. وان هندسة المسافة الدقيقة هي التي أنتجت كوناً رائعاً….. باستثناء الذين يجهلون إدارة المسافات ولا يعلمون بانها فن يجب فهمه واتقانه بكل زمانا ومكانا….! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

بَدٍلْ لَا تَتَبَدَّلْ

بَدٍلْ اسْتَقِرْ لَا تَنْفَعِلْ

فَالْأَدَبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ

فِي الْمَوَاقِفِ لَا تَتَعَجَّلْ

***

الْحَيَاةُ لَيْسَتْ مَنَاصِبْ

وَلَا كُرْسِيٌّ لَكَ مُنَاسِبْ

<p dir="RTL"...