زاكروس عثمان
سألته بلطف إن كان المقعد الذي بجانبه غير مشغول، اجابها نعم، خلعت معطفها وجلست ثم اخرجت شطيرة من حقيبة الظهر خاصتها واخذت تتناولها بهدوء وهي تتابع المسافرين في محطة القطارات عبر النافذة، صمت الاثنان بانتظار الثواني المتبقية لانطلاق قطار الضواحي الذي صعد إليه عشرات الحوريات والفتيان عائدين بعد يوم عمل طويل إلى منازلهم وهم يتبادلون الحديث بعضهم يدخن الحشيش واخرون يشربون البيرة ويطلقون ضحكات قصيرة متقطعة للتغلب على التعب الذي يحاول غزو خدودهم المحمرة من برد مساء خريفي دون اكتراث لكوفيدـ 19 .
اطلق القطار المنهك انينا حيث سئم من المسير على السكة ذاتها، وانسحب بهدوء من جوف البلدة إلى أطرافها المرتجفة من لسعات سبتمبر الباردة، بخار يفور من فم نهر ادركه النعاس وجسر يتبرم من صدأ اصاب بطنه، المساء ليس على ما يرام حتى انه ابكر بالغوص في عتمة الليل، ليس هناك ثلج ولا مطر فيما الهواء دخل في قيلولة طويلة حيث لم يجد ما يكفي من الناس كي يتدثر بنظراتهم حين تسقط السآمة.
انتهت السيدة من تناول الشطيرة حين اقبلت حبات المطر تعانق زجاج النافذة، التفت إليها وقال لها باستحياء: شهية طيبة سيدتي، اجابت شكرا لك، وراح كل واحد منهم يصغي إلى صرخات عجلات القطار وهي تتشاجر مع سكة الحديد، وبين الفينة والاخرى يتمايل احدهما نحو الآخر استجابة لتمايل العربة يسارا او يمينا، وحين لاحظت السيدة انه يستعد للنزول في المحطة القادمة سألته: اية محطة تكون محطتك اجابها: التالية ثم صمتت من جديد وحين اقترب القطار من المحطة سألته برقة ان كان يرغب بالبقاء جالسا بجانبها، لم ينطق بحرف وبقي جالسا في كرسيه، غادر القطار المحطة وصمتت المرأة فقال لنفسه: ايها الدب لماذا لم تنزل في محطتك بعد قليل سوف تنزل هذه المرأة وتتركك خلفها وعليك انتظار قطار العودة لساعات خلال ذلك سوف ترقص من البرد هذا غير اتصالات زوجتك تستجوبك لماذا تأخرت في العودة، وفيما هو غارقا في الندم طلبت منه السيدة ان ينزل في المحطة القادمة فانقاد لها واشارت اليه ان يصحبها إلى بيتها وحين وصلا دخلا المنزل وبعد برهة عرضت عليه فنجان قهوة أجاب دون تفكير: بكل سرور، في هذه الاثناء بدأت السيدة تكسر قليلا من الجليد بينها وبينه لفتح ممر يمكنه من السباحة صوبها وسرعان ما غرقا في حديث دافئ كأنهما صديقان حميمان رغم انهما لا يفهمان لغة بعضهما البعض، وبقي هو بينه وبين نفسه يتساءل عن المغناطيس الذي جعله ينقاد دون تفكير لامرأة غريبة في عقدها الاربعين، ولماذا هي دعته إلى منزلها، وتذكر قصص تقول: ان نساء في هذا البلد حين ترغبن بممارسة الجنس تفضلن ذلك وهن ثملات لهذا تصحبن احد الرجال إلى منازلهن وفي الصباح حين تنهضن من النوم وتستردن وعيهن وتجدن رجل غريب في سريرهن تغضبن وتندمن على فعلتهن وتتصلن بالبوليس لتتهمن ضيفهن بالاغتصاب، قال لنفسه: ياهممما لالي إذا كانت صاحبتي واحدة من هذه النوعية فسوف يصل عواي الى قامشلو، وتسقط فوق راسي عشرون حجرة دفعة واحدة، محاكم سجون وغرامات مالية، ووضع إشارة امام اسمي كلاجئ خطر مما يضعني تحت تهديد الترحيل، فضحية تبثها وسائل الاعلام، وسوف يصدمني القطار بالعرض حين تعلم زوجتي بالقصة، هي لن تكتفي بطلب الطلاق بل انها سوف تقطع قضيبي ايضا، حيث حذرتني في اول يوم وصلت إلى هذا البلد بانها سوف تفعل ذلك ان هي لمحتني وانا انظر نظرة شهوة إلى واحدة من الفتيات الجميلات اللواتي شاهدتهن وهن شبه عاريات.
لاحظت السيدة مدى ارتباكه نهضت وعادت بزجاجة نبيذ معتق من نوعية فاخرة وقالت له: انت مرتبك وربما حائر تسأل نفسك كيف دعتني هذه السيدة الى منزلها وانا غريب عنها تعال نشرب شيء من النبيذ انه يمنح الحيارى فرص لا تعوض هيا اشرب قبل ان تندم، قال في نفسه: لِما انت مرتبك إن هي ارادت لك سوءا لن يفيد الحذر بعد أن دخلت بيتها، اهدأ قليلا فالصياد يصبح اكثر شراسة حين تفوح من الفريسة رائحة التوتر، استسلم يا ولد وتناول من يدها كأس النبيذ هيا، ناولته السيدة اول كأس ووضعت الزجاجة على الطاولة، شرب جرعة وقال في نفسه: يبدو انها تريد ان نشرب حتى الثمالة، اراد أن يتسامر مع السيدة فاخذ يحادثها بلغة الاشارة وهي تضحك، مسح الخمر مخاوفه وازال ارتباكه وانفتحت قريحته، فاخذ يتحدث إليها بالكوردية وهي تقهقه، بقي الاثنان يضحكان إلى ان اتيا على زجاجة النبيذ كلها، فأمسكت بيده وقادته إلى سريرها وارتمت في حضنه وذهبا في نوم عميق، في الصباح استيقظ متأخرا وهو لا يصدق انه موجود في بيت غريب، قفز من السرير ليبحث عن المرأة وجد انها غادرت المنزل وتركت له قصاصة كتبت عليها كنت بحاجة ماسة إلى النوم في حضن رجل وحين لمحتك في القطار اشتهيت ان تكون ذلك الرجل، شكرا لأنك سمحت لي ان انام ليلة في حضنك، يمكنك البقاء في المنزل إلى ان اعود او المغادرة ان احببت، وضع القصاص في جيبه واستعار وردة من المزهرية وضعها على الطاولة وغادر المنزل.