قراءة في مسيرة جمعية «خويبون»

سعيد يوسف
مقدمة:
في بداياتِ القرن العشرين، تأسّستِ الجمعياتُ القومية السياسية، العربية منها والتركية، وكذلك الفارسية، وبالتزامن معها تشكّلت الجمعيات الكردية أيضاً، وضمن نفس المنحى والاتجاه. ممّا يعني أن الوعي السياسي القومي الكردي لم يكن غائبا أو متأخراً كما قد يروّج له عما لدى شعوب المنطقة.
فقد تأسّست أول جمعية سياسية كردية في الآستانة عام /1908/. تحت مسمّى “جمعية تعالي وترقّي الكرد” تلتها تأسيس جمعيات كوردية أخرى..الخ إلى أن تحررت تركيا، وقد كان للكورد دوراً بارزاً في نجاح حركة التحرر الكمالية وكان أتاتورك قد وعد الكورد بمنحهم حقوقهم المشروعة… ولكن ما أن حقّق الكماليون أهدافهم  حتى تكشّفت نواياهم الشريرة،  فنكثوا بوعودهم ، ﻻ بل وأعلنوا حرباً عدوانية ﻻ نظير لها على الكورد خاصة بعد انهيار ثورة الشيخ سعيد أفندي عام/1925/.في ظل هذه الأوضاع المأساوية وردّاً على الأعمال البربرية تلك، أجمعت آراء مجموعة من الوطنيين الكورد على عقد مؤتمر عام …كان نتاجه تأسيس جمعية “خويبون” الاستقلال. 
أولا: التّأسيس والتنظيم السياسي والأنشطة الاجتماعية والثقافية :
اتّفقت وجهات نظر الكثير من الشخصيات الوطنية الكوردية على فكرة عقد المؤتمر ، ولكن الصعوبة  كانت في كيفية  تطبيق الفكرة. وهنا تجلى الدور البارز لممدوح سليم/ إسكندر بك /, وهو العضو السابق في حزب الشعب الكوردي والذي كان قد غادر اسطنبول باتجاه الخارج، في طرح فكرة المؤتمر والتحضير له. وذلك من خلال اتصالاته المثمرة مع الشخصيات المهتمة بالموضوع، حيث يذكر قدري جميل باشا: أنه التقى د. شكري بك صفكان، ورفاق آخرين أمثال : احسان نوري باشا، وبعض القوميين الكورد في جنوب كوردستان. كما حصل على تأييد علي رضا أفندي نجل الشيخ سعيد وتواصل مع شريف باشا الذي كان متواجداً في باريس ممثلاً عن الكورد في مؤتمر الصلح/1919/. وتواصل كذلك مع نوبار باشا ممثل الأرمن في المؤتمر عينه، وبحكم علاقته الحسنة مع الأرمن استطاع أن يحصل على التزام منهم وتعهد بدعم الكورد مادياً ومعنوياً، والدفاع عنهم في مطبوعاتهم وإصداراتهم السياسية والثقافية ضد العدو المشترك .
وفي/5/ من تشرين الأول عام/1927/ انعقد المؤتمر في مصيف بحمدون بلبنان , برئاسة شكري محمد بك، واتخذ قراراً بتأسيس منظمة سياسية تحت اسم “خويبون” أي الاستقلال، وكان ذلك عهداً قومياً كوردياً ، بمنهاجٍ وأهدافٍ سياسية على ما يقول قدري بك وقد أسهم في أعمال المؤتمر وقتذاك الزعيم الأرمنيّ المعروف ب.بابازيان على ما يذكر عبدالرحمن قاسملو ، واتّخذ المؤتمر جملة قرارات كان من أبرزها:
1 حلّ كلّ الجمعيات والمنظمات الكوردية  السابقة  وضمها  في  تنظيمٍ جديد .
2 إقامة علاقات أخويّة وصلاتٍ متينة  مع كل من الدولة الايرانية والسورية والعراقية .
3 إعلان ثورةٍ عامة وشاملة ، وحرب طويلة الأمد على الحكومة التركية، حتى ﻻ يبقى موطأ قدم لأيّ جندي تركيّ على أرضِ كوردستان المقدّسة
أما من حيث التنظيم السياسي ، فقد تألفت الجمعية من لجنة مركزية ، وستة عشر فرعاً وذلك بحسب الوثائق الفرنسية ، كما قدمها د. خالد عيسى وعلى الشكل التالي :
1 اللجنة المركزية مركزها بيروت .
أما الفروع فقد توزّعت على الشكل الآتي :
شام-حلب-حسكة-ماردين-آمد-سلفان-سور-سيرت-بغداد-كركوك-سليمانية-زاخو-راوندوز-باريس- ديترويت-لندن
ونظرا لكثرة أعضاء الفروع فقد اكتفينا بذكر أعضاء فرع الحسكة فقط وهم :
1 قدري بك جميل باشا رئيسا . أما الأعضاء فهم :
2 محمد بن جميل باشا
3 حاجو آغا
4 حمزة بن بكر كردي
5 الياس أفندي (ديركي) عائلة حجي عثمان رشو آغا .
6 صالح أفندي .
7 سامي بك .
8 قدور بك .
9 رسول آغا .
10 آكوب سيمون .
– مؤسّسو جمعية خويبون :
إن الوقوف على ذكر أسماء المؤسسين  له أهمية بالغة ، فهو يبين لنا من جهة عمق الوعيّ القوميّ لتلك الشخصيات ، وكفاحهم نحو تحقيق التطلعات القومية المشروعة للشعب الكورديّ، ومن جهة أخرى إن ذكر الأسماء دين علينا ، ووفاء لذكرى شخصيات حملت الهمّ الوطنيّ ، وبذلت ما في وسعها من طاقاتٍ لمتابعة مسيرة التحرر الوطني الكوردية ، كما أن الأجيال اللاحقة من حقّها معرفة تاريخ أسلافها ، وقراءة أفق تطلعاتهم قراءة نقدية، فتستفيد بذلك من خبراتهم ، وتتجاوز من ناحية أخرى أخطاءهم وعثراتهم .
وبحسب أ. ديلاور زنكي فقد كان للبدرخانيين “الدور الأكبر والباع الأطول” في مسيرة الجمعية ، فقد كان جلادت بدرخان من أوائل المؤسسين ، وكان رئيسا للجمعية منذ تأسيسها عام /1927/. وحتى العام /1932/.
ويذكر أسماء مؤسسيي الجمعية وهم :
جلادت بدرخان – علي رضا نجل الشيخ سعيد بيران- د. شكري صفكان – حاجو آغا – بوزان شاهين بك رئيس عشيرة برازان – مصطفى شاهين بك – أمين احمد رئيس عشيرة رمّا- المفكر ممدوح سليم- بدرالدين آغا حبزبني – توفيق جميل – فهمي لجي كاتب الشيخ سعيد – ملا أحمد شوزي – فقه عبدالإله الجزيري – كامل أفندي-كريم أفندي .
وهؤلاء جميعا كانوا أعضاء اللجنة المركزية باستثناء فقه عبد الإله وملا أحمد شوزي .
ومن غربي كوردستان ساهم في ترسيخ دعائم الجمعية كلّ من :
جلادت بدرخان – كاميران بدرخان – خليل بدرخان – ثريا بدرخان – الشيخ عبد الرحمن كارسي-   د. أحمد نافذ – نورالدين زازا – حاجو آغا – قدري جميل باشا – أكرم جميل باشا – حمزة بك مكسي –   د. نوري درسمي – شوكت زلفي بك – أمين بروسك – الشيخ عبد الرحمن ومحمد مهدي وطاهر أخوة الشيخ سعيد – عبدالرحمن علي يونس – عارف عباس – ممدوح سليم – توفيق جميل – اوصمان صبري-جميل سيدا – قدري جان – رشيد كرد – حسن هشيار – جكرخوين – أحمد نامي-
بالإضافة الى كل من :
محمد علي شيخموس (شويش)- سعيد آغا – عبدي تيلو – حاجي عبدالكريم ملا صادق- ملاعلي توبز-    د .خالد قوطرش- أوسي حرسان – إبراهيم قجو- سيداي تيريز – أوصمان الوسي- علي عمر .
ونضيف الى ما سبق، وبحسب نجم الدين عوني , أن محمد علي عوني – مترجم تاريخ الكورد وكوردستان، كان أيضا من مؤسسي الجمعية في القاهرة .
-النشاط الاجتماعي والثقافي لجمعية خويبون :
يذكر ديلاور زنكي أن جمعية خويبون قامت بأنشطة ثقافية واجتماعية متنوعة ، فقد أوصت الشعراء والمثقفين والفنانين القيام بأدوارهم الوطنية ، عبر وسائل الإعلام، من أجل تنوير الشعب الكوردي ، والشعوب الأخرى بما ارتكبته الحكومة التركية ، وترتكبه.. من مجازر وجرائم بحق الكورد” فقد أصدرت الجمعية ونشرت العديد من الكتب ، وباللغات العربية ، والكوردية، والفرنسية، والإنكليزية ، والتركية .
كما أصدرت صحيفة بعنوان آكري  إضافة إلى نشر العديد من البيانات ، والمنشورات  لتأجيج الشعور القومي لدى الكورد ومن أنشطتها في الجزيرة السورية  مؤازرة كورد الجزيرة  نظراً للأوضاع الاقتصادية المتردية ، وذلك في اجتماعها المنعقد بتاريخ /24/9/1932/.
كما أقرّت: تأسيس جمعية في مدينة عامودا  باسم نادي جواني كورد .على ما يذكر ديلاور زنكي.
وكان للجمعية علاقات مع حزب “هيوا” الكوردي العراقي ، ومؤخرا كان لها برنامج خاص ، في إذاعة الشرق الأوسط في بيروت ، التي تأسست عام/1941/علاوة على ما ذكر ، كان للجمعية علاقات متينة، مع الملا مصطفى بارزاني إبّان حركته، عام/1943-1945/. فقد أرسلت إليه العلم الكوردي ليرفرف في ذرا جبال كوردستان .
كما توجهت في عام /1945/.وبالاشتراك مع حزب “هيوا” بتقرير الى مؤتمر سان فرنسيسكو طالبت فيه   بالحقوق القومية المشروعة للكورد. كما أرسلت ممثلها قدري بك إلى مهاباد لمباركة الجمهورية وربما لمهام أخرى. وبعد فشل العمل المسلح  لجأ جلادت بك وبعض من رفاقه إلى العمل الثقافي ، وخدمة اللغة الكوردية. فأصدر مع شقيقه كاميران بعض الصحف والمجلات في سوريا وبيروت مثل:
هاوار – روناهي – روزا نو – ستير – وألفا ونشرا العديد من الكتب التي تعنى بشؤون اللغة والثقافة الكوردية والتاريخ  والأدب .
– خويبون والعلاقة مع الأرمن :
تحدثنا سابقا عن الدور الذي قام به ، اسكندر بك  في تقريب وجهتي النظر الكوردية والارمنية ، حول بعض القضايا، والذي استطاع بحكم علاقته الحسنة مع الأرمن  أن يحصل على تعهد منهم بدعم ومساندة “خويبون” مادياً ومعنوياً .
ويظهر أن الموقف من حزب طاشناق الأرمني قد أثار الخلاف بين أعضاء “خويبون”.حيث يذكر ديلاور زنكي أن المعاهدة التي أبرمت مع حزب طاشناق تألفت من/19/بنداً ، وأن البند الثامن كان مثار خلاف وجدل بين أعضاء الجمعية. هذا البند الذي ينص على وجود ممثل عن الأرمن في اللجنة المركزية ل”خويبون”  الأمر الذي اعترض عليه البعض ، واعتبروه تدّخلاً في شؤونها .
من جهتها عملت الحكومة التركية ، وبشكل مخطّط ومدبّر على تشويه صورة تلك العلاقة بحسب قدري بك  مدّعية : ( أي حكومة العدو) أن “خويبون ” تعمل لصالح الأرمن. في حين أن قدري بك لا يسعه إﻻ أن يثّمن ذلك الدور قائلا أن هدفه الكشف عن زيف تلك الادعاءات المغرضة  ويرى أن الظروف القائمة وقتذاك  فرضت الاتفاق والتعاون بين الطرفين الكوردي والأرمني. فلم يكن لدى الكورد أبسط أجهزة الطباعة والنشر ليتمكنوا من تعريف العالم بقضيتهم، ولم تكن أيّة جهة أو دولة تساعد الكورد ، فوجدوا في القوى الأرمنية الدّعم والسّند  وقد تحقق جزء هام من الاتصالات بين الكورد من مختلف الدول عن طريق الأرمن، وبفضل مساعداتهم استمرت الاتصالات بين ثوار آرارات ، ومركز خويبون. ويضيف قدري بك بأنّ الصحافة الأرمنية المتطورة في أوروبا وأمريكا ساهمت بمساندة القضية الكوردية بشكل جديّ .
على خلاف الرأي السابق يرسم عبدالرحمن قاسملو صورة مغايرة لمغزى تلك العلاقة وأهدافها. مبينا أنها علاقة مبنية على الاستغلال من الجانب الأرمني ، فالطاشناق برأيه لا يستطيعون تنظيم حركة مسلحة بمفردهم داخل تركيا، فاستغلوا الانتفاضة الكوردية ضد عدوّهم اللدود،  لا بل اعتبروا أن الانتفاضة وقعت في أرمينيا التركية ، وما مساندتهم لها إﻻ لأجل إضعاف تركيا والوقوف ضدّ السوفييت ، ومن ثم العمل من القاعدة الكوردية المستقلة ، كمركز لنشاطاتهم الهادفة الى إنشاء أرمينيا الكبرى المستقلة ، ويدلّل على صحة رأيه بأنه عندما تبين للطاشناق فشل جهودهم في تحقيق مآربهم. أوقفوا مساعداتهم للحركة الكوردية ، لتنشأ بعد ذلك .. وحسب رأيه علاقة أخرى وجديدة بين الأمتين الكوردية والأرمنية  مبنية على النضال المشترك والصداقة الوطيدة ، حيث نال الكورد حقوقهم القومية ، ولأول مرة في التاريخ في الحاضنة الأرمنية.
لكن قاسملو كما هو ملاحظ ينحاز للسوفييت بشكل لا موضوعي ، متجنبا توجيه النقد لهم بينما يكثف نقده اللاذع لأحزاب الأممية الثانية والاشتراكية الأوروبية. 
مع أن دور السوفييت تجاه الحركة الكوردية أكثر سلبية وقتامة من موقف الدول الأوربية وقتذاك وإلى الآن، فالحكومة السوفييتية وبقيادة لينين  زعيم البروليتاريا ونصير حركات التحرر العالمية كما يُزعم. أقدمت على تسليح حكومة أتاتورك وتقديم المساعدات لها ضد الحركة التحررية الكوردية. ووقّع معاهدة صداقة وتعاون مع حكومة أتاتورك، وبذلك كان الكورد” أول ضحايا ثورة اكتوبر العظمى” (مقال مذكور – صديق عثمان).
وسار خلَفه ستالين على النهج نفسه  حيث جدّد معاهدة الصداقة عام /1929/ .بل وأكثر من ذلك أنه أرسل وحدات من الجيش الأحمر، للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الثوار الكورد، وقد سجل هذه الحقيقة احسان نوري باشا في مذكراته، علاوة على ذلك أن ستالين ألغى الإدارة الكوردية المسماة ب”كوردستان الحمراء” في منطقة ناغورنو كراباخ، نزولاً عند رغبة أتاتورك. 
ثانياً: النشاط العسكري لجمعية “خويبون” :
منذ العام /1927/. ولغاية الحرب العالمية الثاني. قاد تنظيم “خويبون” نضاله القومي بدون  كلل،   وما من شك أن هذا النضال كان من أجل الحقوق القومية للشعب الكوردي في جميع أجزاء كوردستان، وهذا ما لفت أنظار قوى الشرق الأوسط التي كانت تتابع مساهمات ونشاطات جمعية ” خويبون” (قدري بك)
ولقد كشفنا سابقاً عن الجهود القيّمة التي قام بها اسكندر بك ، واتصالاته المثمرة مع شخصيات كوردية، وكان من بينهم احسان نوري بك، ورفيقيه في الكفاح الملازم أول راسم والملازم أول خورشيد بغية توحيد القوى الكوردية المبعثرة، حول برنامج موحّد. 
بعد انتفاضة الشيخ سعيد وفي تلك الظروف اتّخذ احسان نوري مع رفيقيه قراراً بمغادرة العراق والالتحاق بثورة آكري. إﻻ أن الحكومة الإيرانية علمت بأمرهم وحاصرتهم،  فاستشهد راسم،   وعاد خورشيد إلى العراق. بينما شقّ احسان نوري طريقه الى ذرا آكري،  حيث تمكن خلال فترة  قصيرة  من تنظيم الثوار وتأسيس قوةٍ  واعية ومدركة، وعندما علمت خويبون بأمره عينته على الفور قائداً عاماً لقوات آرارات (آكري) الوطنية. 
كما عمل الجنرال على تأسيس حكومةٍ مدنية برئاسة ابراهيم حسكي باشا، وأصدر جريدة تحمل عنوان آكري، والتي نشرت العديد من المقالات الهامة عن المسائل القومية الكوردية، وكان قد أصدر كتاباً بعنوان “تحرير الكورد” خلال فترة تواجده في ايران، ألقى فيه الأضواء على تاريخ حركة شعبه. 
ويذكر قاسملو  أن حزب “خويبون” تمكن في عام/1930/ من تنظيم انتفاضة مسلحة في آرارات بقيادة احسان نوري، ولكنها وللأسف وبعد حربٍ ضروس، تمّ القضاء عليها باستخدام الكثير من القوات ومختلف صنوف الأسلحة والطائرات، وبمساعدة سخيّة من حلفاء تركيا المتفوقة اساساً عدةً وعتاداً. 
وكان لإيران دوراً هاماً في سحق الانتفاضة، وذلك عندما سمحت للقوات التركية باستخدام الأراضي الإيرانية لضرب الثوار من الخلف ومحاصرتهم مما يكشف للكورد عن حقيقةٍ ثابتة ألا وهي خسارةُ  كل من  يراهن على التحالف مع أيّ من حكومات المنطقة. 
وما إن حقّقت القوات التركية أهدافها في إخماد الثورة ، حتى تفتّحت شهيتها وبادرت إلى نهجها الرامي إلى إبادة الكورد ، وتهجيرهم إلى مناطق أخرى من تركيا ، واستقدمت مستوطنين ترك الى أرض كوردستان،  في مسعىً منها لإحداث تغييرٍ ديمغرافيّ .
وقد نجم عن الأوضاع القتالية الشرسة والممارسات الهمجية والقمعية من الحكومة الكمالية بحق الكورد وكوردستان أزمةً اقتصادية عصفت بتركيا عموما، وكوردستان خصوصاً  خلّفت نتائج كارثية انعكست آثارها على السكان ، فعمّ الفقر، وانتشرت المجاعة، علاوةً على القمع والتنكيل والبطش بحق الكورد دون تمييز بين عسكريّ ومدني أو شيخٍ وامرأة أو طفل فأدى ذلك الى عصيانٍ مسلح في ديرسم ، قاده سيّد رضا ، فاستنفرت الحكومةُ التركية ، وتفتّحت شهيتها ثانيةً ، لممارسةِ أسلوبها السّاديّ  في التلذّذ  بممارسة  شتّى  
أشكال العنف والقتل. 
من جهةٍ أخرى كانت خطةُ ثورةِ آرارات تقتضي فتح جبهةٍ في غربيّ كوردستان، وعلى طولِ خطّ الحدود السورية التركية، وذلك بهدفِ تخفيف الضغط العسكريّ التركي على الثوارِ في آرارات. على أن يبدأ الثوار هجومهم عشية اليوم الرابع من شهر آب عام/1930/. حيث تمّ توزيعهم على ستّ جبهات  بدءاً من جرابلس على نهر الفرات ، وانتهاءً بعين ديوار على نهرِ دجلة يقود كلاً  منها أعضاءٌ من “خويبون” وعلى الشكل التالي:
1 منطقة كوباني : وتكونُ تحت إمرةِ بوزان شاهين بك، وأخيه إلى أورفة ومرعش ، وبقيادة العمّ اوصمان صبري  للانطلاق إلى عشائر مرديسا. 
2 جبهة رأس العين : بقيادة محمد بك بن ابراهيم باشا المللّي .حيث يتوجه إلى ويران شهر .
3 جبهة الدرباسية : حيث يخرج أكرم بك جميل باشا وقدري بك إلى ناحية ماردين .
4 جبهة تربة سبية : ويخرج حاجو آغا رئيس عشيرة هفيركا ، باتجاه منطقة هفيركا .
5 جبهة ديركي : بقيادة جلادت بدرخان ، ومعه محمد بك بن جميل باشا ، وزعماء آخرون من مناطق بوتان مثل رسول آغا رئيس عشيرة زيلان .
6 جبهة تل شعير : بقيادة جميل سيدا ، وأبناء عم الشيخ سعيد بيران ، وهم صلاح الدين وشقيقه وخمس من الرفاق للتوجه إلى منطقة نصيبين .
وكانت اللجنة المركزية قد اتخذت قرارا في /10/6/1930/ يقتضي البدء بالمعارك من الجنوب ضد الجيش التركي .ليلة 3/4 آب .1930/ ويستخلص من مضمون القرار .أن الجيش التركي بدأ هجوما واسعا على آرارات في11/حزيران ١٩٣٠وبينت اللجنة المركزية ، أن هدف الهجوم هو إبادة السكان الكورد في مناطق آكري  و وان  وتبليس وغيرها. متّبعاً سياسة الأرض المحروقة …
وقد بينت “خويبون” أن الوضع لم يتهيّأ بعد لإعلان الانتفاضة ، ولكن العدو فرض الحرب، وأملاً منها  بسدّ الطريق أمام محاولات سحق الثورة قررت تنظيم هجوم من الجنوب وقد تمّ  توزيع الجبهات على الشكل الذي سبق ذكره ولكن وللأسف لم تنفّذ الخطة ، ولم يبدأ هجوم الجنوب والسؤال لماذا؟
يقول قدري بك : عندما وصلنا إلى مكان الاجتماع  الذي كان مقرراً  لقيادات جبهة غربي كوردستان في دياري بيندرا ، والذي يبعد/6/ كم عن مدينة ماردين  لم نجد أحداً سوى مبعوثين : أحدهما مرسل من قبل محمود علي شير آغا ، والآخر مبعوث سعدو حمي قاسو، وأخبرانا أن نقوم نحن بمحاصرة ماردين ، مع أنّ الخطة،  المقرّرة  كانت  تقتضي أن يقوموا هم بحصار ماردين .
ويضيف قدري بك ، أننا في مواجهة هذا الظرف الطارئ تخلّينا عن اقتحام ماردين، وتوجّهنا نحو جبل مازيداغ  وهناك أعلن أقرباء محمود شير آغا أنهم ﻻ يعلمون شيئا عن خطة الهجوم . أمّا سعدو حمي قاسو فقد انضم إلى خطّة الهجوم بعدد ضئيلٍ من قواته . في حين أن كورد خورس رفضوا المشاركة في الحركة .
أما أنصار الياس أفندي  الذي ينحدر بأصله من عائلة وطنية متنورة في ديريك المعروفة بعائلة حجي عثمان رشو آغا فقد فقدوا الحماس. عندما علموا بما آل إليه أوضاع الآخرين .
أما القائدان الآخران حاجو آغا ، وجلادت بدرخان ، فقد صعدا مع رفاقهم جبال هفيركا  الاتجاه المخصّص لتحركهما ، لكنهما اصطدما بمعارضة عشيرة حسنان ولم ينجزا تقدماً ، والأسوأ مما سبق هو موقف قائد المنطقة الثانية ، وهو زعيم قبيلة : مللي محمود بك ابراهيم باشا ، وموقف قائد المنطقة الأولى بوزان بك.. فلم يتحرّكا من مكانهما قطّ، وبذلك انهارت جبهة غربي كوردستان والتي لم تبدأ أصلا والفاشلة أساساً بقناعتي .
أما جبهات آكري فقد تراجعت شيئاً فشيئاً في ظل ضعف الإمدادات ، والحصار ، وتفوق العدو عدة وعتادا،  ولاننسى الدّور الإيراني عندما سمحت بضرب الثّوار من الخلف وعبر أراضيها مقابل تنازل تركيا عن جزء من سهل وان لايران 
وبذلك انهارت ثورة آكري عسكريا/1930/ عندئذ لجأت حكومة أنقرة إلى ممارسة كل أشكال القتل والتنكيل والدمار بحق الكورد وكوردستان . أما على المستوى السياسي والدستوري فقد لجأت إلى إصدار المراسيم والقوانين التي أنكرت حتى الاعتراف بوجود قومية كوردية  كما لجأت إلى المراوغة والمناورة فأصدرت مراسيم عفو عمّن يترك الجمعية ، مع الوعود بإغراءاتٍ ماديةٍ ومعنوية لا بل أنها أعلنت زوراً وبهتاناً عن أسماء شخصيات من الجمعية مدعيةً أنها تركت الجمعية  مما دفع الأمر بالجمعية إلى الرد على أكاذيب أنقرة ، وتلفيقات  حكومة أتاتورك المجرمة .
خلاصة ونقد :
مما سبق يمكننا تسجيل  واستخلاص ما يلي :
لقد اتّبعت الجمعية التقسيم التنظيمي الهرمي المعروف للأحزاب السياسية الحديثة. حيث تألّفت من لجنة مركزية وما يتبعها من فروع ، عديدة موزعة على الخارطة الدولية. مما يثبت قوّتها ولو شكلياً ، ووعي أعضائها ، وليس أدل على ذلك من المستوى الثقافي والفكري للكثير من أعضائها، فمنهم الكتّاب ، والشعراء ، والمفكّرون، إلى جانب شخصياتٍ وطنية ، وزعماء عشائر .
أما نشاطها السياسي فقد تجلّى في مشاركتها العديد من المؤتمرات الدولية، كمؤتمر سان فرنسيسكو ، ومؤتمر، الأممية الثانية /1930 الذي أعلن ممثلها ، أن الأممية ،لن تدعم حقوق الكورد ، إذا اتّبعوا أسلوب العمل المسلح في سعيهم لنيل حقوقهم القومية (قاسملو).
تنبع الأهمية القصوى ل”خويبون” بالنسبة لكورد سوريا في كونها تمثّل بداية العمل السياسي المنظّم وكمقدمةٍ لظهور الأحزاب السياسية فيها .
يؤخذ على الجمعية في مقرراتها، رهانها على إقامة علاقات متينة ، مع كل من الدولة الإيرانية والعراقية والسورية ، وقد تبين عقم هذا الرهان وفداحته حينما طعنت الحكومة الإيرانية الثوار من الخلف، وكان الأجدر القول بإقامة علاقات مع الأحزاب والفئات المستنيرة في تلك الدول هذا إن وجدت .
من جهته ، يشن أ. ديلاور زنكي هجوماً ﻻذعاً ، على أعضاء الجمعية دون تسميتهم ، ويرسم صورة قاتمة للعلاقات بين أعضائها… وسعيهم إلى مآربهم الشخصية وتحقيق المكاسب المادية صورة تكاد تأخذ صفة التعميم لكنه ﻻ ينفي قيام الجمعية بإنجاز بعض المكاسب والأعمال الإيجابية .
أما قدري بك ، وهو أحد أعمدة الجمعية ﻻ يسعه إلا أن يثّمن الرّوح الوطنية العالية لأعضاء الجمعية ، ويثني على تضحياتهم ،وتفانيهم ، ونضالهم الجاد ، والدؤوب في خدمة القضية القومية  التي نذروا أنفسهم من أجلها  ولا ينسى أن يقدّر عالياً ، الدّور الأرمنيّ وما قدّموه من خدماتٍ سخية للجمعية .
وبالتأكيد هذا ﻻ يرفع عن الجمعية السلبيات والأخطاء التي ارتكبتها. 
 أما في الجانب العسكري ، فكما يظهر أنّ الجمعية كانت تعاني النقص في العتاد والدعم اللوجستي، وكذلك ضعف الخبرة والتدريب العسكريين قياسا للجيش التركي الخبير. ولعل توقيت إعلان العمل المسلّح قد فرضته الظروف  أمّا أضعف حلقات العمل المسلح ، فهو الرّهان على جبهات الجنوب من جرابلس وحتى دجلة ، والتي لم يشتعل أوارها قط ، فكيف يمكن إشعال جبهة اعتماداً على رجال عشائر غير مدرّبين ، ويفتقدون للخبرة القتالية والتعبوية، وليس بحوزتهم سوى أسلحة فردية وخفيفة .
لقد كلفت ثورة آرارات الكورد ثمناً باهظاً ، وقبلها ثورة الشيخ سعيد ، وبعدهما انتفاضة ديرسم ، أنّ الفشل الذريع والمتلاحق لهذه الثورات ، شكّل أكبر انتكاسة وكوارث لحركة التحرر الكوردية عموماً، وفي تركيا على وجه الخصوص. حيث ﻻ زال الكورد يدفعون ثمن تلك الانكسارات ، وما خلفته من جراح مثخنة ونتائج كارثية  ولهذا لم يكن غريباً أن يكتب جند أتاتورك العبارة التالية على قبرٍ وهميٍّ في قمة جبل آكري : “هنا دفن استقلال كوردستان” في إشارة منهم إلى القضاء المبرم على الكورد. 
ولا زالت الشوفينية التركية تمارس نفس السياسة الهادفة إلى حذف الكورد ليس من شمالي كوردستان فحسب بل ومن التاريخ البشري .
من جهتهم يعمل الكورد دون كلل ، ويسعون بشكل حثيثٍ ودؤوب ومتعثّر أحياناً لنيل حقوقهم القومية المشروعة والعيش بسلامٍ وحريةٍ وكرامة مع شعوب المنطقة.
المصادر والمراجع :
1   Hesen hişyar, Dîtin û bîrhatinên min, çr- 1, ça- 1-beyrût-1993
2 قدري جميل باشا ، مسألة كردستان ، تنقيح وتقديم ، عزالدين مصطفى رسول ، ط2- بيروت ، 1997 .
3 عبدالرحمن قاسملو ، كردستان والأكراد ، ط-1 ، بيروت-1970
4 محمد أمين زكي بك  ، تاريخ الكورد وكوردستان .
5 مقال :منشور في مجلة كولان العربي ، سنة أولى عدد -10-1997 .بعنوان “العلاقات السوفييتية التركية في عهد أتاتورك وتأثيرها السلبي على الحركة القومية الكوردية .للكاتب صديق عثمان .
– بالإضافة إلى :
6- مقال منشور على موقع باهوز بعنوان : خويبون في الوثائق الفرنسية ، د. خالد عيسى .
7- أ. ديلاور زنكي مجموعة مقالات منشورة على مواقع الكترونية. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…