ميزوبوتاميا

ميديا شيخة
أول الملحمة
صارَ الدخانُ ثوبَهَا..
صارَ الرمادُ قوتَهَا..
حضارةُ أقوامِ الرافدينِ والجبالِ مَسْكَنُهَا
سومريونَ 
آراميونَ
ومعابدُ من طينِ” كوردستان”
من ذاكَ الترابِ سُطِّرَتْ حروفُ أبجديتِنا 
في كيشَ وأورَ ولارسَا 
ومن جبالِ أرمينيا نبع ماء كوردستان
كوردستان تضاءُ باللهبِ
تسقى بوابلِ السعيرِ
حتى كروم العنبِ
لم يبقَ في الحقلِ لهُ ظلٌّ وفيرٌ
يا سيوفًا
قد غدونَا مثل أيوب وأكثرَ
نتجرعُ الهمَّ تباعًا
نطلقُ الآهَ التياعًا
صرخةٌ مدويةً يرددُهَا التاريخُ نبيذًا.
-16-
طيورُ الروضِ تُغرِّدُ
ل”سمكو” الشهيدِ
يا جبالًا 
يا رمادًا
شاهدتا -غدرَ الضحيةِ
ولنا الحزنُ الطويلُ
وبلابلُ الكوردِ
تشدو للشيخِ الشهيدِ
سعيد”بيران”
وتغني نشيدَ الحريةِ
وبعد تهديدٍ..
ووعيدٍ..
طوَّقَ الطورانُ شعبي
بنارٍ من حديدٍ
يااااا نساءَ الكورد
عانقن السماءَ جلالًا
آن أوان زفِّ الشهيد.
-17-
بلا جوازٍ أو عنوانٍ
افترشتُكَ ذاكرةً لتنضجَ كلماتُ أشعاري
ما أوجعكِ كوردستانُ اليوم!!…
من ديدانِ الأرضِ القاتلةِ..
من الأغبياءِ..
والعملاءِ..
آهٍ….يا كوردستان البكاءِ..
لم أنسَ حكايةَ الشمالِ والجنوبِ
وحكايةَ هابيلَ وقابيلَ
لم أنسَ الاحتلالَ النازيّ
فشفتاي متورمتان إلا من ثغركِ المفتوقِ
تعاليتِ ..
 وتعاليتِ فباتتْ ذاكرتيْ أسيرةُ خطاكِ.
 -18-
آهٍ…يا” كوردستان”
ديدانكِ حنظليةُ الأديمِ
تجرينها عاهةً.. ذيولًا..
عبئاً ثقيلًا تترنحينَ منها
في زمنٍ ميتِ العيونِ!!
من يطاردُكِ علانيةً فوقَ قممِ الجبالِ
يراهنونَ على افتضاضِك، فيخسرونَ الرهانَ
وكأنَّكِ الصُّورُ..وأنا النافخُ.
سلقوكِ بألسنةٍ حدادٍ
فانكشفَ القناعُ!
غدروكِ طفلةً
يا” كوردستان”!
فاحتضنتْ جفونُهُمْ متوهمةً
أنكِ الضياعُ
فكنتِ السحبَ المسافرةَ النشوانةَ
حمراءَ الجدائلِ، تفاحيةَ الأعماقِ.
ترحلينَ
بسجلِ عينيكِ المصلوبتينِ.
آهٍ..وآه..يا” كوردستان”
اليومَ
أَعلُنُ زفافَكِ الميمونِ
وأَعلنُ ميلادَكِ
صبيةً تشدوأعذبَ الألحانِ
في ضميرِ الشعبِ والقلبِ والوجدانِ.
 -20-
في” كوردستانَ” اليومِ
ألفُ حكايةٍ وقصةٍ
بلادُ الرافدين نبراسُ الكُتّابِ
مأوى لغةِ الكوردِ الساميةِ
تاريخٌ محفوظٌ على ألواحٍ قديمةٍ 
نشيدُ للقديسةِ في أوروكَ
محفورةٌ في المعابدِ.
-21-
كورديٌّ مهجَّرٌّ …مشرَّدٌ..
لم يعدْ ذاكَ المهجَّرُ..
لم يعدْ ذاكَ المشرَّدُ
عرفَ الطريقَ إلى الفِدا
فما ترددَ
من قنديلَ انطلقَ
وبالرصاصِ زغردَ
ومضى وملءُ يسارهِ إيمانٌ
وباليمنى مهندٌ
الشجاعةُ زادُ الثائرِ 
يمضي ليعانقَ أرضَهُ المغتصبةِ
يمضي ليدركَ ثأرَهُ
وكلامُهُ…كَلَمُ الطغاةْ
لغة البنادقِ تستيقظُ مع الفجرِ 
رجالاً ونساءً متراصينَ يحضنونَ الأفق
مع أمُّ اللغاتِ
وما تزالُ
أمُّ اللغاتِ مرسومةٌ قصصُها بقوائمَ ومجلداتٍ
جلجامشُ من لغتِهَا كانتْ 
وسين – ليق أونينني رصعَّها بعلمِ الفلكِ 
يا شعوب الكونِ نحنُ الراسخينَ في الأرضِ. 
فهل عرفتمْ من نحن؟
  -22-
يا شعوبَ الكون
تبدأُ القصةُ اليومَ
من زنزاناتِ السجونِ..
من غيمِ العيونِ
من كوردستانَ النصرِ
زغرودةً،
ودمعةً.
صامدونَ
صامدونْ
بعد أن نُقَّبلَ الزيتونَ في آمدَ
ومنى السلوى في بهدينانَ..
وفي كوردستانَ وجعٌ يلهمُ الصبرَ للصامدينَ.
-23-
من عيونِ العرائس
الممتلئة ملحًا ودمعًا
إلى زهور الأقحوانِ..
في سرسنكَ وكوسنجقَ..
إلى روح الثكالى في سنجارَ..
سرير من الزهر تُفرَشُ 
حلمٌ ينام فيها جيادُنَا.
للسماءِ ملائكة وأناشيد للحريةْ
تلهبانِ الشمسَ بحبِّ كوردستانَ
بعد موت أنكيدو 
ولنا الشعرُ ننثرُهَا
للنورِ..لكوردستانَ
للنصرِ..وللسلامِ.
 -25-
تفاحة آريس على أثير الجميلات
من الحلمِ الأخضرِ إلى عرائسِ الشمالِ…
ننثر الرياحينَ على نساءِ الكوردِ
“أفروديت “تحكمُ ملكتنا” هيلين”
تلهبُ شباب الكورد بنارِ الآلهة
تحرسًه عينُ إيدون
وقطرةُ ندى تراقصُ روحَها 
في أناشيد كاليفالا 
وفي دمِ النارِ 
ها هو الطوفان 
يغرقُ العاشقَ هيرو 
بحثاً عن” كوردستان” 
من هنا بدأ الطوفانُ 
فطارَ العقابُ
على لحنِ لاكوكاراتشا
إلى لوكا في أقيانوس 
وديارُ الموتى أصبحتْ جسورَ عرائسِنا 
وهي تمشطُ شعرَها على نهرِ دجلةَ 
في كوردستانَ 
فرحةُ العيونِ والبشائرْ
وغداً..
قد نشتري ثوباً…جديداً..
وحذاءً للحفاةِ…
للعراةِ.
 -26-
يا “بهارا “كوردستان
انثرينا إن شئتِ
بينَ “البهار”
واجمعِي كل الدموعِ
وانثريها في دمانا
حيثُ تلقانا النسورُ
ربمَا كانت جياعُ.
-27-
يا بهارا كوردستانَ
من آهاتِ الجراحِ 
وسوطِ الجلادِ..
ومن القهرِ والحرمانِ
وبيداءِ الانتظارِ
تتفجرُ الينابيعُ دمًا
وتنمو السنابلُ.
ومن قممِ الجبالِ ..وهاماتِ الرجالِ..
ومن أفواهِ البنادقِ ..والبيارقِ..وجنودها
تزهرُ براعمَ الأقحوانِ 
أنشودةً للنصرِ والتحريرِ. 
غردتْ البلابلُ أغنيةَ السلامِ..
ترددُها مجامعُ القلوبِ
وتعلو بها مزاميرُ الصغارِ.
 -28-
يا بلادَ الكوردِ الأبديةِ
ستبقى جبالكِ شامخةً
ومقبرةً للطغاةِ 
وستصدأُ أبواق الطابورِ الخامسِ.
فأبناؤُكِ يرفضونَ الهلام
في محطاتِ الانكسار
ويتسامى شعبُكِ نحو الشمسِ 
والزمانُ الصحوُ من نومه 
في صباحات الانتظار .
-29-
آهٍ…وآه.. يا شعبي!
انطلقَ الزمان ُ
وحُسِمَ الخيارُ
وجاءتْ مواقيتُ التصادُمِ.
إنه يومُ التلاحمِ
من قُبيل الصبحِ قد كانْ
التشتتُ والتلاشي
وكان الاندحارُ.
آهً…وآهِ..يا كوردستان
قد تغيبُ الشمسُ يوماً
ولكنَّها تلدُ النهارَ
لترسمَ بخيوطِها البنفسجيةْ
على جذوعِ الصنوبرِ
والسنديان
بطولاتِ الرجالِ
وسقوط الكبارِ
آهٍ…وآه..يا شعبي
قد تغيب الشمسُ يوماً
ولكنَّها تلدُ النهارَ
من مخاضِ النزيفِ
تلذُ أمُّ الشهيدِ
ثائراً جديداً …
يا أمراةً .. تكللت بالغارِ
خميلةٌ أنتِ في صحراء العمرِ..
وفي جبالِ كوردستانَ…
يا كوردية َ العيونِ والملامح…
ياعروسَ الجبال
طرَّزَ الزيزفونُ 
قامتَكِ
وكحَّلَ رحيقُ الأقحوانْ
عيونَ أوجلان
وتكللتْ بالغارْ
نساءَ كوردستان
يا امرأةً صامدةً تحت
سياطِ الجلادينْ
في بحرِ عينيكِ غزلَ الرعدُ
خياماً للفدائيين والعصافيرِ.
 -30-
كوني شمساً تعشقُ جبينَ تراب وطني
وقمراً يضيءُ عيونَ العرائس
سلاماً لكوردستانْ
من الشمالِ…إلى الجنوبِ…
من الجنوبِ إلى الشمالِ
من الشرقِ إلى الغرب
من الغربِ إلى الشرقِ
تعبرُ الصقورُ الحدودْ
بلا جوازٍ..وبلا هويةٍ
كوردستانيةُ العيونِ والملامحْ
تعانقُ عرائسَ
شقائقِ النعمانْ.
يا زهرة الأبديةْ
يا عطرُ الأمسياتِ الكورديةْ
تغازلُ الروحَ مثلَ عشقي
لرائحةِ الترابِ الندية
وكأنها محاجرُ البخور في المعابد
الأزيدية…الزردشتية.
والدخانُ يتلوى عشقاً
لابتهالاتِ الأجداد
للأحفادْ
والسلامِ والحريةِ.
 -31-
إنه التاريخُ يحكي
ألفَ حكايةٍ وقصةْ
أحبُكِ يا كوردستان
من نهرِ قلبي
إلى أبعدِ وردةٍ…
وأبعدِ نجمةٍ.
سأرسمُ شفقاً من البخورْ
ألوانهُ ضياءُ القمرْ
ومواويلُهُ العاشقةِ تعانقْ
أشجارَ الصنوبرِ
والسنديانِ.
إنه العشقُ يا شعبي
من أجلِ “كلستان”
زهرةُ الأرضِ الصامدةْ
من المنفى أكتبُ على خدِّ القمرْ
كوردستانُ وطني
ومسافرةٌ في دمي..
مازال َ وجههُا قبلتي
وحُلمِ طفولتي..
مازالَ اسمُها عنوانَ قصائدي
ووحدتي..ومعبدي
 -32-
كان يا ما كان
غير الكوردي
في تحريرِ الشرقِ ما كانْ.
كان يا ما كانْ…
غيرَ المصيرِ الواحدِ..
للشعوبِ ..ما كان.
-33-
يا شعوبَ الشرقِ
إنَّهُ التاريخُ يحكي
ألفَ حكايةٍ … وقصةٍ
عن صلاح الدينِ
والانتصاراتِ العظيمةْ
في حطينْ
-34-
إنهُ التاريخُ يحكي
ألفَ حكايةٍ… وقصةٍ.
عن حصار عكَّا… والبطلِ المقدامِ
عيسى العوام…
وعن شعوبِ الشرقِ
في الحربِ والسلامِ.
 -35-
يا شعوبَ الشرقِ
كوردستان تزهو بربيعها
بحمى جبالِها
وبشموخ تراثها.
سلمتِ يا كوردستان
من المظالمْ.
-36-
كوردستان اليوم
عروسُ الجبالِ
تُزَفُّ في موكبٍ بهيجٍ
ترددُ أغنياتِ العاشقين
وأحلى الألحانِ
“لمريم خان “
و”عيشه شان”
فغن يا شفان
غن
فوقَ هاماتِ الجبالْ.
 -37-
القمرُ الجميلُ
لا كسوفَ..ولا خسوفَ
ولا أفولَ
الليالي تطولُ.
-38-
من هنا مرَّ القائدُ 
ملا مصطفى الخالدُ..
وهناك فوق الرابيةِ..
أشجار السنديانِ
والبلوط ِ
ارتوت بدماءِ الشهداءِ..
وحين يمرُّ المساءُ
ولا أرى القائدَ الكورديَّ
أرممُ جرحي
وألعن ذاك المساء.
-39-
ها..هنا.. تحاورتِ الحضاراتُ
وعُقِدَتِ الاجتماعاتُ
والمؤتمراتُ
وتصافحَ الأحبابُ
مع الأحبابِ
وكلُّ جيوبهم فرحةٌ
كقصيدة جديدة
نظّمَهَا عاشقُ التجلياتِ.
 -40-
هناكَ في أعلى 
ذاكَ الجبلِ
صاحَ القائدُ الخالدُ
“كركوك” قلبُ كوردستانَ
الكبرى.
وما بين”هولير”
ومدينة أخرى
حديثُ الزَّياتين
زيتٌ يضيءُ..
في جنةِ الكوردِ
الأبديةِ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…