مفتي ماردين وعراقة العشائر الكوردية في الجزيرة

 كونى ره ش
  كتاب (أم العبر) لمفتي ماردين الشيخ عبد السلام بن عمر المارديني (1200- 1258هـ)، ولا سيما فصوله الأخيرة، من الكتب التاريخية المهمة التي تؤرخ لبعض مناطق كوردستان وهي مدينة ماردين والمناطق المحيطة بها في غربي كوردستان؛ (برية ماردين وبرية آشيتا)، والكاتب وإن كان يؤرخ – على عادة المؤرخين القدامى – للحكام والولاة بالدرجة الرئيسية، إلا أنه يذكر معلومات غير قليلة عن التواجد الكوردي في ولاية ماردين سنة 1242ه أي سنة 1825م، سواء كانت في الجبل او في البرية وذلك من خلال هذا المقطع المذكور بالكتاب: 
(..او لنرجع الى ذكر الحاكم داود آغا- حاكم ماردين- وعداواته مع من طغى وبغى، فأنه لما دخل رعبه في قلوب أهل الجبل والبرية، وانسلبت عنهم الأمنية، اتفق القاصي والداني، سوى أمير الأومريان، وارسلوا مكتوباً الى اهل ماردين، وهددوهم تهديد المعاندين، أن اخرجوا داود آغا من بينكم واطردوه، وأصرموا حبال وده، لأنه لا عقل له ولا دين، وحاشا لمثله أم يكون حاكماً لماردين. فأجابهم أهل ماردين بأن أطعنا أمره وعصيناكم، وإن لم تأتونا أتيناكم، فعندها جمع الاكراد جندهم، ومن كان عندهم، وكان رؤساءهم في ذلك الخطب علي الإبراهيم الملي، وأمير الاشيتية، وشيخ الطي المعزول، وأمير الدقورية، وأمير الكيكية، ودهقان الغرس، وأيوب الشمدين السركجي. ويقال: إن معاداة العشائر كانت بتحريك من أيوب بك بن تيمور باشا، إسكان باشي أورفه.. فامتثل داود آغا.. وعقد الصلح معهم على أن مضى ما مضى، ومضى على ذلك شهر او شهران، فأتى الخبر بعزله في ذلك الزمان، وارتحل الى بغداد، وكان قدومه في شهر ربيع الأول سنة 1241، وارتحاله في جماد الأخر 1242، ومدة حكمه سنة وأربعة أشهر. )*. 
  يتفق المؤرخون ان ولاية ماردين بشكل عام وبرية ماردين من ضمنها، جغرافياً واثنياً وتاريخياً، تشكل بلداً واحداً. وتقسم هذه الولاية الى القسم الشمالي وتعلوه جبل ماردين وجبل أومريان والقسم الجنوبي وهو برية ماردين.. وبرية ماردين المحاطة بنهري الخابور والجقجق، بين القامشلي والحسكة ورأس العين، يمتد طولاً حوالي 200كم محاذياً للحدود السورية التركية، تحده شمالاً جبل طوروس ومدينة ماردين وجنوباً جبل عبد العزيز. وترويها الأنهار الموسمية.. وتدل التلول الأثرية المنتشرة فيها على مدى انتشار القرى والبلدات السوبارتية والآشورية والحورية والبابلية والميتانية.. ومن التلول المكتشفة: تل موزان (أوركيش)، تل عربيد (اشناكوم)، تل بيدر (نابادا)، تل براك (قحاط)، تل حلف: (واشوكاني).. إلا انه لمن المتعذر تحديد معالم العديد من التلول الأخرى لغاية الآن.. وبرية ماردين هذا، كان يجلب الناس بكثرة، كونه اخصب سهل في العالم قديماً وحديثاً.
وكانت الجزيرة بشكل عام وهذه البرية من ضمنها ولعدة قرون مأهولة بسكانها واديرتها الكثيرة، الى زمن غزو تيمورلنك عام 1401م، حيث اقفرت وخوت من سكانها بشكل كبير، ماعدا بعض عشائر قبيلة الآشيتية والدقورية والمللية والكيكية والطي العربية، كما يذكر مفتي ماردين.. وفي بداية القرن الماضي عادت برية ماردين مأهولة بالسكان وبحواضرها وقراها الكثيرة. 
ومن خلال قراءتي كتاب (التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية**) للسيد محمد جمال باروت.. رأيته غير منصف وبعيداً عن الحقيقة التاريخية بحق التواجد الكوردي في الجزيرة.. وبقصد واضح اهمل تواجد العشائر الكوردية العريقة في الجزيرة، وحاصر تواجدهم باللاجئين الكورد الى الجزيرة، بعد ثورة الشيخ سعيد في دياربكر عام 1925م.. وهنا لا استبعد وجود جهات دولية وراء تأليفه لهذا الكتاب.. وما توضيحي هذا إلا رد مختصر على السيد محمد جمال باروت وكتابه المذكور. اتمنى ان يطلع كل قارئ على كتابه هذا؟
نعم، في الجزيرة وبرية ماردين صنع الآباء ملحمة الاعمار والاستقرار، كما صنعها اجدادهم قبل وبعد غزوة تيمورلنك.. انها ثقافة بل عقيدة.. بل هي حياة.. واليوم، نحن سكان هذه  الجزيرة نجهل ماضي وحاضرها.. نجهل قابليتها للرقي والتقدم.. نجهل ان لها مستقبلاً زاهراً.. نعم، الجزيرة وبرية ماردين ملآى بالحوادث والقصص.. علينا ان ندونها كي لا تذهب ريحها الأيام.. كم من حوادث مرت ونسيت مع الأيام في ربوعها.
*- تاريخ ماردين: من كتاب أم العبر/ تأليف مفتي ماردين الشيخ عبد السلام بن عمر؛ تحقيق وتعليق حمدي عبد المجيد السلفي وتحسين إبراهيم دوسكي، طبعة دهوك/2002م. صفحة: 138
**- محمد جمال باروت: التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية؛ إعداد المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة- قطر، الطبعة الأولى بيروت 2013م.
القامشلي 16/10/2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…