في ذكرى وفاة ميّ زيادة كم مثلك يا ميّ من تخشى أن تبوح بأسرار قلبها

فراس حج محمد/ فلسطين
{الكلمة التي لا تموت تختبئ في قلوبنا، وكلما حاولنا أن نلفظها تبدلت أصواتنا، كأن الهواء لم يتم استعداده لتلقي نبراتها..!}، هذا ما قلته يوما الأديبة اللبنانية المتميزة ميّ زيادة التي مرّ على وفاتها تسع وسبعون عاما (17/10/1941)، ولعلها نطقت بسر أسرارنا، وجرت الحكمة في جملة تنتصب محاكية آمالنا في البوح، وفي رغبتنا الجامحة في أن تصل أشواقنا إلى من نحب واضحة جلية هادرة تزلزل كونا كاملا، وتنعش موجودات الطبيعة المنتظرة أن نقول ما يختبئ في قلوبنا لا نخشى العادات والتقاليد، ولا نعبأ بالتقوّلات الماجنة والإشاعات المغرضة، فما للناس وما لنا يا ميّ؟
لعلّ ميّ زيادة التي أضناها حب جبران خليل جبران، وأحبته روحا وفكرا ومعنى طيلة عشرين عاما ولم يلتقيا، كانت تعي بكل حرف سطرته هنا أنها تريد أن تبوح بأسرارها، فهل كانت حقا تفتقر إلى الجرأة الكافية لتقول بأعلى صوتها: إني أحبك يا جبران، يا ساكن القلب ويا رفيق الروح؟
كم مثلك يا ميّ من تخشى أن تبوح بأسرار قلبها لمن يعشقها ويحبها أيضا حبا طاهرا نقيا متجردا من أدران الماديات التي لوثت كل المعاني؟ ماذا عليك وأنت تلك القديسة الطاهرة أن تقولي أحبك حبا مثاليا لا وهْمَ فيه ولا درن، لا سوء فيه ولا استغلال ولا مصالح؟ ماذا عليك لو صارحت جبرانك المنتظر أنك تحبينه أيضا كما هو يحبك معنى وفكرا ورؤيا وموقفا إنسانيا كاملا في تجلياته وأمله وآماله، فهل عزيز عليك أن تعيشي معه ضمن فلَك من القداسة المتجددة؟
لقد أهدتنا ميّ عصارة فكرها الحي المتجذر في أعماقنا، فجبنت أرواحنا ولم نخش على ذلك الأثير الذي لم يكن مستعدا لتلقي نبراتها، لقد خشينا على أنفسنا وليس على ذلك الأثير الذي سيطرب لو بحنا بأسرار القلوب، لقد خشينا من أن نحيا في مراجل الحب الجميل العفيف، لا نرجو منه صرفا ولا عدلا إلا أن تتشبع الروح بالروح، وترتوي بخمرة النور المشع في أفكارنا، لماذا جَبُنّا يا ميّ ولم نقل ما نشعر به من حب ووله وشوق؟ لماذا نغيب ونحاول الاختباء والاستتار كلما لامسنا ذلك السر، ونرده إلى قمقمه حسيرا، نهرب من ظهوره بغيابنا، فيفضحه الغياب، ويغدو حضورا كاملا؟ فلا شيء يستر سر الروح يا سيدة الروح، أليس كذلك يا سيدتي؟ أيتها القديسة الطاهرة المجلية المنبثقة من كوة اللهب الإلهي، ليشكلك نغما فيروزيا جميلا يقول بألحانه أنك مالكة للروح والعقل والقلب، حقيقة لن تصدمك، وبوح لن يزعجك، وربما يسعدك.
ليس هناك ما هو أجمل من كلمة حب متحدة مع ذات الله، أليس الله هو الحب وهو المحبة الكاملة، أليس الله هو من خلقنا لنحب بعضنا، ولنحبه ونحن نحب الآخرين، أليس من نعمة الله على البشر أن أوجد فيهم قلوبا متحابّة فيه، يفيض حبها على كل موجودات الله، أليس الله سبحانه هو من قرر أن المحبة كلمة الله التي نعيش فيها، ومن أجلها نستحق الحياة ونستحق عبادته، فحياتنا حجر إن لم يكن فيها مكان لحب طاهر عفيف يظهر في مواقف الشدة، كما يتجلى في مواقف اللين.
لن يتبدل الصوت يا ميّ وإن اختفت كلماتنا ستظل موقفا نعيشه ونحياه، وليكن ما يكون، فالله هو محبتنا الأبدية، عليه وبه وله نلتقي، فعليك من الروح سلام الروح يا سيّدة الكلمة التي لا تموت، أيتها الـ “ميّ” العظيمة، فكلّما مرّ على هذه الأرض عاشقان لا بد من أن تكوني مثالهما الأروع، وجمالهما الأنقى.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…