من اجل لفت أنظاركل من يعز عليه قضية الديمقراطية وحقوق الانسان إلى الأوضاع المأساوية وغير الطبيعية التي يعاني منها أبناء المناطق الكردية في سوريا و الاضطهاد والظلم الذي يتعرض له يوميا جراء السياسات الشوفينيةالاقصائية و المشاريع الاستثنائية التي تنتهجها السلطات السورية اتجاههم غير آبهةٍ بالاتفاقات و المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و الأقليات و القوميات . من هنا تكمن ضرورة الاهتمام الجدي من هؤلاء المعنيين و المهتمين بحقوق الإنسان و المجتمع المدني من اجل تسليط الأضواء اكثر و العمل على إيجاد حل عادل و ديمقراطي مناسب للقضية القومية للكرد في سوريا , والتي هي قضية ما يقارب ثلاثة ملايين كردي يعيشون على أرضهم التاريخية قبل تشكيل الدولة السورية , وفق قوانين موضوعية تشكل الديمقراطية وحقوق الإنسان و الشعوب عمادها , بالاستناد إلى تعددية سياسية وثقافية واثنيه تعكس الوجه الحقيقي و الواقعي لسوريا وتتفاعل و تتواصل من اجل العمل لخيرها و مستقبلها و تطورها الحضاري بما ينسجم مع روح العصر وترسيخ مستلزمات مبادئ العدل و الحرية و المساواة بين كافة المواطنين من أجل المساهمة الحرة و الفعالة للجميع في بناء وطنٍ حضاري يواكب العصر ويواجه تحدياته .
لنعود قليلا الى الوراء والى التاريخ الحديث في بدايات القرن الماضي .حيث جرى تقسيم اعتباطي كما هومعلوم للشرق
الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى بشعوبه وجغرافياه و التي كانت في حينها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية , وذلك بموجب اتفاقيات و معاهدات كانت بالضد من رغبات و أماني و طموحات الشعوب المعنية بها بل كانت وفق ما خططته الدول الاستعمارية آنذاك مثل : اتفاقية سايكس بيكو / 1916/ ومعاهدة لوزان /23/7/1923/ وغيرها . فلم ينج الشعب الكردي أيضا من هذا التقسيم و هو يعيش على أرضه التاريخية , إذ جرى تقسيمه بين أربع دول : تركيا و العراق و إيران بالإضافة إلى سوريا .
لقد رسمت الحدود الشمالية و الشمالية الشرقية لسوريا على ضوء اتفاقية / بربان – بكر / في 20/1/1921 / بين فرنسا كدولة منتدبة على سوريا و الحكومة التركية و بقيت هذه الحدود المصطنعة التي لم يكن لشعوب المنطقة من كرد و عرب و سواهم شأنٌُ في رسمها و زجٍ قسم من الشعب الكردي بأرضه التاريخية في شمال و شمال شرق سوريا ضمن الكيان السوري الناشئ و الأنظمة و الحكومات المتعاقبة تجاهلت ولا تزال تتجاهل واقع و حقيقة وجوده التاريخي كثاني قومية في البلاد يشكل تعداده نسبةً تقارب 15% من مجموع السكان يمثلها الشعب الكردي المتميز بوجوده القومي ولغته الكردية الحية و ثقافته الخاصة و يعيش أبناؤه في مناطقهم التاريخية ( الجزيرة – كوباني – كرداغ ) أبا عن جد , ليس هذا فحسب بل أقدمت هذه الأنظمة ولا تزال على انتهاج سياسة تنكر و اضطهاد قومي بحقه يستهدف محو و جوده و طمس هويته و صهره . هذه السياسة التي ازدادت و تيرتها حدةً بعد أنتفاضة الثاني ! عشر من آذار عام 2004و التي أصبحت لفترة طويلة حديث الناس و الإعلام في المنطقة و العالم . تجلت أهم مظاهرها السياسية في تخطيطه و تطبيقه لتدابير استثنائية و مشاريع عنصرية كمشروع الحزام العربي الذي بوشر بتطبيقه في خريف عام 1973 فتم انتزاع الأراضي من الفلاحين الكرد بطول 350 كم و عرض من(10- 15) كم على طول الحدود التركية و العراقية بدون أي تعويض حيث تم تشريد قسم كبير منهم للعمل في المدن الكبرى معرضين لأبشع استغلال من قبل المعامل و الو رشات الخاصة و على الأرصفة و مسح الأحذية و غيرها من أعمال لا تليق بكرامة الإنسان . ولا شك أن الهدف منها تغيير الطبيعة الديموغرفية للمنطقة الكردية و تجويع و تشريد و تهجير أبناء الشعب الكردي من مناطقهم التاريخية لعزلهم بغية صهرهم . و تم بموجب هذا المشروع توطين الآلاف من ا! لعوائل العربية في هذه المناطق على شكل تجمعات سكنية جيء بها من محافظتي الرقة و حلب عنوة عنهم أيضا وأقامت لهم القيادة القطرية لحزب البعث ( 41 ) مركزاً و وزعت عليهم أكثر من ثلاثة أرباع مليون دونما من أخصب الأراضي الزراعية من تلك المساحات المستولى عليها من أراضي الفلاحين الكرد وحرمت الآلاف من العوائل الكردية من أراضيهم الزراعية تحت اسم (مزارع الدولة) . كما نفذت السلطات السورية مشروع الإحصاء الاستثنائي الساري المفعول منذ عام 1962 في الجزيرة ( محافظة الحسكة ) , فبتاريخ 23/8/1962 / صدر المرسوم الجمهوري رقم (93 ) و الذي تقرر بموجبه إجراء إحصاء سكاني في محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية و حدها دون غيرها من محافظات القطر وليوم واحد فقط !! حيث تم تنفيذه في 5/10/1962/ ومن نتائجه حرمان قسم كبير من أبناء الشعب الكردي من الجنسية السورية و لم يسجلوا في ذلك اليوم لعدم زيارة اللجنة المقصودة للكثير من المناطق و القرى و بيوت المواطنين الكرد و الذي بلغ تعدادهم في حينه أكثر من / 120 / ألف شخص و تعدادهم اليوم حوالي / 300/ ألف شخص وردت أسماؤهم فجأةً في عداد / أجانب و مكتومي القيد / جردوا من الجنسية السورية مع ما ينتج عنه من حرمان من حقوق المواطنة و الإنسانية حيث طلب! من العديد منهم تسليم بطاقاتهم للسلطات بحجة تجديدها فأعطيت البطاقات لقسم منهم ولم تعط للقسم الآخر وهم يعانون طيلة ثمان وأربعين عاماً من الحرمان من كافة الحقوق المدنية من حق التملك أو التعليم أو الصحة أو السفر ……… حتى المبيت في الفنادق , لالذنب اقترفوه إنما لأنهم خلقوا أكرادا في هذا الكون الذاخر بالقوميات و الأعراق المختلقة .
لقد كانت أيها الإخوة عملية ظالمة سياسياً وقانونياً و غير إنسانية و غالبا ما أدت إلى إن البعض من افرد العائلة الواحدة حصل على الجنسية و الآخرون لم يحصلوا عليها و أصبحوا أجانب في وطنهم و على ارض آبائهم و أجدادهم .
رافقت عملية (الإحصاء ) هذه حملة دعائية منظمة في وسائل الإعلام و دوائر الدولة بكيل الاتهامات للشعب الكردي بالتآمر على ما سموه (عروبة الجزيرة ) و تنذره بالتهديد و الوعيد . اتخذت هذه الحملة شكلاً فظيعاً من قبل أمثال محمد طلب هلال ((الضابط في الأمن السياسي في الجزيرة و الذي رقي إلى وزير ثم إلى عضو قيادة قطرية فيما بعد )) الذي أوصى على قيادة حزب البعث بإتباع سياسة التهجير و التجهيل و سد أبواب العمل و العيش أمامهم و ضربهم يبعضهم البعض وجعل الشريط الحدودي منطقة عسكرية بحيث توضع و حدات عسكرية مهمتها إجلاء الأكراد وإسكان العرب عنوةً و إنشاء مزارع لهم أشبه بالمستوطنات و إمدادهم بالسلاح و المال .
و بوشر فعلاً بتنفيذ هذه الأفكار و الآراء العنصرية اثر سيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم في سوريا في انقلاب آذار 1963 . انتعشت العقلية العنصرية لتبسط سيطرتها على مراكز صنع القرار و بدأت الخطوات العملية للتنفيذ :
1- التجريد من الجنسية و كافة الحقوق المدنية , و الحرمان من حق التملك و التعليم و الصحة ………..
2- حرمان الكرد من حقهم الطبيعي في ممارسة لغتهم و ثقافتهم القومية و ممارسة فولكلورهم واحياء تراثهم
3- ضرب المشاعر القومية لدى الإنسان الكردي عن طريق تغيير الأسماء التاريخية و الحضارية للقرى و القصبات الكردية والانهار والوديان حيث شمل التعريب البشر و الحجر
4- فصل ونقل العديد من الأكراد العاملين في دوائر و مؤسسات الدولة بشكل تعسفي و كذلك فصل الطلبة الأكراد من معاهد التعليم التابعة لوزارات الدولة و سحب الثقة من الطلبة الكرد بحرمانهم من القبول في الكليات العسكرية و سد أبواب السلك الدبلوماسي بوجههم مهما بلغت درجة مؤهلاتهم العلمية و مستوى تحصيلهم الأكاديمي و غيرها من الإجراءات الكثيرة بالإضافة إلى الإجراءات التي تعلمونها بحق عموم الشعب السوري . بهذا تنتهك السلطة السورية و بشكل فظ حقوق الإنسان و تخرق ابسط مبادئ الديمقراطية متجاوزة كل الشرائع و المواثيق الدولية التي وقعت عليها خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948/ و العهدين الدوليين و إعلان جنيف لحقوق الطفل و غيرها من المعاهدات الدولية .
ليس بخاف على احد اليوم بأن البشرية قد دخلت عصراً جديداً , عنوانه الأكبر هو الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان و الشعوب و الجماعات العرقية و الثقافية في ظل قيم و مبادئ العدل و الحرية و المساواة بعيداً عن الظلم و الحرمان و التمييز بسبب القومية أو الدين أو الجنس أو اللون أو أي اختلاف آخر . عصراً لا مكان فيه للاضطهاد و الاستغلال و التسلط , عصرا يفرض علينا منطقه الداعي لحل المشكلات و الأزمات العالقة بالحوار و الاعتراف المتبادل كما يتميز بنمو ملحوظ لفكر الحقوق و الحريات و ثقافتها على صعيد العالم وما يرافقه من بزوغ قواعد وقرارات و أعراف دولية شكلت ما يشبه قانون دولي جديد يقوم على احترام حقوق الإنسان و الجماعات العرقية و الاثنية , و الحال عندنا في سوريا حيث غدت مفاهيم المجتمع المدني و القوى المجتمعية النافذة الوحيدة التي يتنفس من خلالها قسمٌ كبير من المثقفين و السياسيين في هذه المرحلة بسبب التعامل التعسفي و القمعي و الهمجي مع أي نشاط مهما كان ديمقراطياً ! و حضاريا , و مظاهر الاعتقالات الكيفية و المتكررة بين الحين و الآخر بحق الوطنيين و زجهم في السجون و المعتقلات و تعرضهم لصنوف التعذيب النفسي و الجسدي فضلاً عن الملاحقات و الاستجوابات الأمنية شبه اليومية بحق المثقفين و السياسيين و نشطاء حقوق الإنسان و دعاة المجتمع المدني و لايزال العديد منهم في السجون . لأنه هناك حقيقة تضاد بين مفهوم السلطة الحاكمة و حركة المجتمع المدني , هذا التضاد يأتي من السلطة الحاكمة ومنطلقها أساسا من فلسفة النظام الشمولي الذي ينطلق من الزعيم و القائد الأوحد و ……… إلى أكثر من 99 صفة له , وبين مفهوم المجتمع المدني و فلسفته المنطلقة أساسا من حرية العمل المجتمعي المستقل و التفكير الديمقراطي و قبول الآخر و تعزيز دور وعمل مؤسسات مراقبة نشاطات السلطة لكشف مكامن الخلل في أجهزتها بإشراك كافة مكونات المجتمع و شرائحه بعقد تشاركي و بعمل ميداني على أساس القوانين المستخلصة من تجارب الشعوب و إفرازات العمل اليومي و اقتران القول بالفعل و مبدأ المحاسبة بالقوانين و التشريعات لا على أمزجة المتسلطين . إذاً علينا أن نبحث عن عناصر القوة في المجتمع بخصخصة الفعاليات الاجتم! اعية و الثقافية و السياسية وفق مبدأ التعايش المشترك للقيام بدورهم في ت حريك المجتمع من اجل خلق تبدلات في بنيته و رفع سويته الثقافية باتجاه الديمقراطية و ثقافة حقوق الإنسان و احترام الآخر يتحرك نحو الإصلاح و التغيير باتجاه مجتمع مدني .
ولكن في الواقع هناك صعوبات جمة وعراقيل كثيرة أمام هذه النخب الثقافية و السياسية الذين تطوعوا للعمل في اللجان و الجمعيات الإنسانية و نشطاء و كوادر المجتمع المدني في ظل الأجواء السائدة اليوم في بلادنا كما أسلفنا .
ولكن هناك عزيمة و إصرار قويان من قبل هذه النخب باستغلال أية فرصة و مناسبة و نحن واثقون بأن أصدقاءنا كثر في العالم و نحن مؤمنون بقيم التسامح و التصالح و الديمقراطية و بتكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع من حيث الحقوق و الواجبات بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون أو المذهب …… بالإضافة إلى إطلاق الحريات وفق واقع المجتمع لحرية التعبير أو الاعتراض و حرية الصحافة و تأسيس التشكيلات السياسية و الاجتماعية و الثقافية . كلنا أمل بأن تحظى مساهمتنا هذه اهتمام الخيرين والوطنيين بغية توضيح الصورة الحقيقية عن واقع و معاناة شعبنا و مجتمعنا السوري للوصول إلى صيغ راقية وتكوين مجتمع مدني فاعل .
وفي نهاية المحاضرة القي الحضور الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالبحث وواقع الشعب الكردي في سورية وحركة المجتمع المدني والسبل الكفيلة لمعالجتها 0