حوار مفتوح مع العاشق للفن و الحياة عنايت عطار (2)

 
 غريب ملا زلال 
غريب :
دعنا نتحدث عن محطتك الأولى في الترحال ، أقصد الرقة ، كان ذلك في عام ١٩٧٠ ، بداية المخاض الجميل ، ربما كان لها الأثر الأكبر في تجربتك كما كان لك الأثر في تسريع و تقديم عجلتها التشكيلية ، في وقت كانت الرقة تضج بأسماء ثقافية فاعلة في المشهد الثقافي السوري ، و من بينهم الفنانيين ، عد بنا إلى تلك المرحلة ، تحدث لنا عن حركتك المستديمة هناك ، الحركة الجريئة في جانب منها ، عن إنطباعاتك الشديدة الإضاءة ، ماذا أعطتك الرقة والتي احتضنت معرضك الفردي الأول ، ماذا أعطيتها أنت ؟ 
عنايت :
الرقة والفرات وإنسراح المدى ,,أقصد إنني تربيت في بيئة جبلية وهي عفرين وقريتنا برمجة ، إذ كنت أرى السراب في الطريق إلى حلب ، راكباً بجانب أبي، أرى إنعكاس العربات على الطريق سائلاً: يا أبي إني أرى السيارات تمشي على الماء ؟؟؟؟؟؟؟
ثم خالي هو الذي شرح لي هذه الظاهرة الفيزيائية فيما بعد ، والرقة كأنها عادت بي إلى ذلك المشهد المفتوح .
أما من قبيل الحركة الفنية كنا أقلية في البداية أنا وطلال معلا ومحمود فياض وإبراهيم الموسى وفواز اليونس وإلتحق بنا عبد الحميد فياض بعد تخرجه من كلية الفنون بالشام وكذلك جمعة العيسى وحامد الصالح وفهد الحسن ومحمد ذكريا ومحمد جمعة العيسى ، 
ونصف هؤلاء الجدد تقريباً كانوا من طلبتي ، ومن بينهم أحمد معلا الذي بدأت موهبته مبكراً وهو عندي بالصف السابع إلى أن تخرج من كلية الفنون أيضاً ، ولتفوقه بعث إلى باريس لإتمام الدكتوراه  ،
ثم إن المركز الثقافي هناك وبإستضافته لمثقفين ، ومؤرخين ، وشعراء كبار ، وحتى معارض ليوسف عبدلكي ، وفاتح المدرس ، ولؤي كيالي ، والمرحوم محمد أبو صلاح ، والشاعر نزار القباني وخالد ابو خالد وعلي الجندي وممدوح عدوان وحتى أتذكر من خلال مساهمتي في خلفيات المسرح كانت هناك أيضا حركة مسرحية ومهرجانات ,,,,, وأعتقد أن المجتمع مع أن تاريخ الرقة يعود إلى هارون الرشيد في القدم ولكنها بحكم بناء سد الفرات الأمر الذي إحتاج إلى الكوادر من جميع المهن ، والشهادات ، لقد إستقطبت معماريين وأطباء ومدرسين فتحولت إلى حافظة وبدأت البحث عن خصوصية المجتمع وتفاعله ثقافياً واجتماعياً .
نعم كل ماذكرته ليس ببعيد عن موضوعنا في الفن الذي إزدهر على حساب الملل والكهولة التي أصابت المحافظات المعروفة ، والتي عرضنا فيها جميعهاً بإسم تجمع فناني الرقة ، وحتى في مدينتك الحسكة ، 
وكان لتأسيسنا فرعاً لنقابة الفنون الجميلة مساهمة في لقاءاتنا المسائية وتبادل الخبرات فيما بين بعضنا بعضاً ، وحتى بيننا وبين الكتاب والقاصين والشعراء .
هناك في الرقة كان معرضي الاول ولو بحثت في صفحتي بين الأرشيف ستجد مقالات صحافية ومقابلات
لقد كنت دائماً بخلاف الأكاديميين الذين لاأنكر دورهم في تأسيس القواعد الاولى للرسم لدى الطلبة والهواة فيما كنت أدفعهم الى البحث في كل الوسائل والإتجاهات والإقدام على الكشف والمغامرة ,,,,,, ولكن لا يعني أن نشاطي والموضوع
هنا عن تجربتي ولو تشعبنا بعص الشيء ، فكنت أتردد دائماً إلى حلب والشام ، وقد عرضت في حمص واللاذقية والحسكة ومرتين بحلب الأولى كانت في المتحف الوطني والآخر في صالة الخانجي التي كانت الوحيدة في حينها كقطاع خاص ، 
هنا وبتفاعلي مع الوسط الثقافي عموماً وليس مع التشكيليين تحديداً إنتقل إلي مرض القراءة والتثقيف ، وبالتدريج إستحوزت على مكتبة نادرة وهي الآن تحت الخراب ، وساهمت مثلك الآن بالكتابة والتحليل عن المعارض والفنانين ، وحتى نشرت بعض القصائد في الصحافة الأدبية.
إن المخيال الشعري الذي رأيته كان أكثر حرية من الفن التشكيلي ، حاولت ومازلت أحاول في أن تكون لوحتي مثل قصيدة حرة فيها من الجنون والخيال حتى في أشد الاعمال الواقعية ، وحتى النساء التي تراها في أعمالي لو تفحصت مرور الضوء والسرابات بين الملامح والقامات وتماهي الجسد مع الماء والزهر والشجر ، واسمح لي أن أذكر لك كلام الشاعر جاك بيير رحمة الله عليه إذ كان صديقاً شخصياً لي حيث فاجأني مرة بمقال يقول فيه إن نساء عنايت عطار بعيدة كل البعد عمن نراهن في السوق او في الطريق 
فإنهن لا يمشين على الأرض بل يخرجن منها قامات وسرابات ملفوفات بتيارات هوائية ملونة يرتدين الضوء والظلال كما لو كن ملائكة هائمات لاوزن لهن على الإطلاق .
إذاً من حلب إلى الشام بمعرضين في المركز الثقافي السوفييتي آنذاك والإسباني ، و مشاركات في معارض وزارة الثقفافة او النقابة ، كنت حينها متورطاً بالملحمة الكردية مثل ممو وزين ، وسيامند وخجي ، و درويشي عفدي ، ولم أنس لقاءاتنا الجميلة في مرسم فاتح المدرس مع كبار أهل الفن والأدب على مستوى العالم العربي و أحيانا العالمي ، وأذكر هنا صديقي المرحوم عمر حمدي قبل مغادرته ، كنّا حفنه من المجانين ، ثائرين على كل شيء ، ولعل في هذه التسمية وأنت خير العارفين أن الجنون إنما هي ثورة على التخلف والفكر البائت في الأدراج وفي الموروث التقليدي .
كانت نقاشاتنا تصدع في الحارات ، 
لم نكن سياسيين بالمعنى الدقيق ، ولكننا كنا فئة متمردة على المجتنمع وعلى السلطة التي كانت لاتقيم لنا وزناً ، أو لنقل كانت تترك دائماً منفساً بغية البقاء ، وهذا ما كنا نريده تحديداً لأننا بالأصل لم نطرح يوماً أنفسنا كمصلحين إجتماعين أو حوبيين ، عفواً حزبيين سياسيين
أو كانوا يظنون أننا مهما فعلنا لانستطيع إقناع الإنسان العادي لا بالتمرد ، ولا بالثورة ، لأن الفن برمته آنذاك كان حكراً على القليل من الذواقة والمتفاعلين من المتلقين ، و نحن في الوقت ذاته كنّا نعرف أن الفن الشعاراتي لايدخل المتاحف .
أما عن تجربتي الخاصة او لنقل بحثي التشكيلي فإنني واقعي وبألوان إنطباعية تلك التي وجدت فيها ترجمة المشاعر والحنين وهمسة الرومنسية في مواجهة العالم المادي القاسي ، فإنني أهدم الواقع المرئي ، أبني واقعا متوازناً و متوازياً تماماً لربما تطبق علي مقولة الطفل الذي كان يقول عن أرنبة رسهما بيكاسو على اللوح المدرسي حين دعي يوماً ليعطي الأطفال فكرة عن الفن ، وبخلاف كل التلاميذ الذين لم يجدوا مقاربة مع الأرنب الحقيقي إذ قالوا إنها مختلفة ، ولكن طفل ما وقف وقال لهم لماذا تبحثون عن أرنبة الحقل هنا ؟
فإنها أرنبة بيكاسو .
إن المرآة التي أرسمها والمتداخلة بالسرابات والغيم ولمعان النجوم ومرور الأقمار في جسدهن لسن هنا في تصوير فوتوغرافي رغم واقعيتها فماذا إذن يمكننا القول غير أن في ذلك واقع إفتراضي متخيل كما القصيدة وكتاباتها الغارقة في التحولات والممكنات ، وحتى لو تكاسل اللون أراني أكتب شيئاً ما … إن الأهمية التي أراها أو أسلكها هي أن قلقاً ما يساورني أو ذكرى تجتاحني فتأخذني في سكرة إلى مهد الطفولة باحثاً عن وجه أمي أو جارتي او محبوبة تركت وجهها و وشاحها في اللون وغابت .
إن الخصوصية التي رآها المتلقون أو النقاد هنا ليس عن سابق تصميم كي أتمييز عن الآخرين ، لالالا أبداً، وإنما هي مكوناتي وهدوئي وعبثي وعقلانيتي وجنوني ومذكراتي ومجوني في الثقافة والرؤية والرؤيا ، 
إن العلامة الفارقة بين الأشخاص هنا ليست كما في سجلات النفوس أو في المحاكم ، بل هي تراكم تربية وبحث وتجربة جد خصوصية وكأن هويتي هي هذا الإنعكاس ، وغاية اللون وإغواء الضوء والظلال … يتبع 


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…