أجرى الحوار: غريب ملا زلال
غريب :
قلت إنك تورطت في مرحلة ما بالملاحم الكردية / مم و زين ، سيامند و خجي ، درويش عفدي ، …. إلخ / دعنا نعود إلى تلك المرحلة و أحب أن تستفيض الحديث فيها وعنها ، عن هذه الورطة العذبة ، و أثر تلك الملاحم في صناعة فصولك الفنية ، لا أخفي عليك رؤيتي ، دعني أصارحك بها ، فأنا ما زلت أراك متورطاً في تلك الملاحم ، بل تعوم فيها و لا تستطيع الخروج من يمها ، بل دعني أزيد الجرعة قليلاً و أقول بأنك غارق فيها إلى حد الهوس ، إلى حد العشق و الذوبان ، و إن حاولت مراراً الإنعطاف قليلاً وذلك بالعمل على إشباع تجربتك بحركات لونية تلامس خباياها بزخم شاعري ترسم سيمفونية بلغة باتت تشكل طقس عنايت الحافل بالأسرار و الشواطىء ، الحافل بالنساء و ملاحمهن .
عنايت :
نعم يا صديقي لقد كنا صغاراً نسمع في مضافة القرية هاتيك السير إذ كانت تدمع عيوننا على أغلب النهابات الحزينة لملاحمنا الكردية ثم وفي سن النضوج كنّا نقرأ عنها فيما توفر لنا من الكتب والتي كانت قليلة و نادرة حينها ، وحتى كنا نسمعها في الأعراس و أغانيها التي كانت تدور أكثرها في هذا الفلك ، إن هذا التأسيس هو الطريق الذي أودى بي إلى ما أسميتها بالتورط ولكن عملياً أو إجتماعيا فتلك هي سيرتنا الكبرى وكان على أي كردي أن يتذوق الجمر ، و يعرف معنى الحزن كما يتعمد المسيحي أو كما يغتسل اليزيدي بماء لالش ، ولكن الحزن هنا ليس بؤساً بقد ر ما هو حالة رومانسية ، وتمجيد لأبطال أسطوريين ، وحتى محاولة تقليدهم في سن المراهقة ،
نعم ياصديقي كبرنا ، و كبر هذا العشق الأسطوري في أعماقنا ، بل بات
يطاردنا على إمتداد الزمن ، وأنا كفنان تشكيلي لابد ان أعكس ماضياً مغروساً ، وحاضراً لا يخلو من همسة الحب التي تلقي بظلالها على مساحة التكوين .
إن أول إمراة ، وأول قبلة وأول سيرة للعشق إبتدأ من وجه أمي ، هو شغف اللون أو المرأة التي تعكس الوجد والإنصباب ، وتحشد نساء العالمين في إمراة واحدة .. فلا أريد أن أذهب بعيداً لأقول عن نفسي بأنني إخترت الهيئة الكردية ، والملامح ، والأثواب ، والأساور ، والحلى كي يقال عني إنه ملتزم بقضية .. ولكن حالتي أشبه بينبوع يصب في نهر كبير ، فمنذ طفولتي وبداية تكوين إحساسي بالجمال ، ودون أن أدري كنت أكوٓن مفرداتي التشكيلية من المحيط الطفولي ، وحتى الرجولة كنت أكونها من ذات المحيط عبر ذلك المنظار الذي كنت ومازلت أرى فيه العالم الخارجي ، فلا أعتقد أننا كفنانين لو إستعرنا منظاراً آخر من غير محيطنا الإجتماعي أو التربوي لأبدعنا ماكنا نريد كما يقول حمزاتوف إن العالمية تبدأ من عتبة دارنا ، أو كالجمال الأنثوي الذي يراه أراغون في عيون الزا ،وبإختصار أو لنقل إن مهمتي في أسلوبي الأخير في المرأة هي أن أجمع نساء العالم في إمراة عفرينية أو كردية واحدة تشف الغيم ، والأقمار ، والضوء ، والسراب ، تنقذني من غربة الحنين بالذوبان .
إن الشاعرية التي تلاحظها هي القصيدة التي لم أكن أكتبها ، و إن كتبتها فأكون قد تجاوزت كسل الفرشاة أو عناد اللون بالكلمات ، هذا ولم أكن يوماً شاعراً ، أو مدعياً في ذلك ، وأعزف على العود تجلياً ، ولا أعتبر نفسي في يوم من الأيام موسيقياً ،
أنا أقول للمتلقي ها أناذا أمامكم بكل حالاتي ، إن قبلتموني أو رفضتموني خير من أن ارتدي قناعاً ذهبياً لخداعكم ، ولكن ونحن نتكلم عن ممارسة الذات ، وبالرغم من كل هذا الإنتماء العفوي رأيتني في تمييز عن باقي أصدقائي الفنانين الفرنسيين حيث أقيم ، على الأقل باللون ، والملامح ، وطريقة البناء ، والتكوين الأمر الذي أسعفني من خديعة المواكبة الدارجة سواء كمدرسة أو تكنيك أو حتى بالموضوع ، وفي كثير من المعارض حصلت على جوائز قيمة ولا أحكيها الآن مديحاً للذات بقدر ما أقصد بذلك إننا في زحمة هذا العالم لايمكننا أن نستمر دون خصوصية .
وعن العشق والنساء يا صديقي كسيرة للحياة بغض النظر عن الإنتاج الفني أقول وبمنتهى الصراحة لا إبداع دون عشق و دون جنون ،
وحتى طريقتي في العمل لم أحمل يوماً قلم رصاص ، أطلي المساحة البيضاء بأي لون ، ثم أجاور اللون بآخر ، ثم أنساق بمنتهى العفوية إلى إعادة التوازن بين هذا وذاك ، وكثيراً ما أقلب اللوحة يميناً أو يساراً لأرى ظل إمراة غائرة في الموج أو في الغيم او السراب ، فأساعدها للخروج إلى الضوء ، وكانت اللوحة هي التي ترسمني أو تسبقني إلى الظهور .
إن أتت الدهشة ، إن أتت لابد من الإمساك بها ولو
كانت في خلل الجهات والتكوين والملامح … إن مسؤوليتي إتجاه ذلك هي التجانس وبناء العلاقات السليمة بين الأشكال والوجوه والقامات والزهر والشجر ،
و بالتالي أعتبر أن كشاف التوازن ساكن فينا نحن الفنانين لا في الموضوع المختار ، أنا أشكرك يا صديقي بذكر كلمة السيمفونية وأعتبرها في غاية الأهمية ، إذ نلاحظ تناسق وتتابع الأصوات في الموسيقى وهي تأخذ حيزاً من الزمان بتتابعها ، والفرق هنا بأننا نصنع الهارمونيات اللونية في اللوحة ونقيم العلاقات بين الظلال والضياء في حيز المكان وليس الزمان ، هم يذهبون إلى القمر فيحتاجون الزمن ، ونحن من يمد القمر على البساط ، نجمد فيه الحركة
، ولكن اللوحة السليمة لابد أنها توحي بالحركة ، وذلك بالتأثير على المتلقي ، وهذا الأمر في غاية الخطورة لأنها تحتاج إلى قدرات إحترافية قد لايفكر فيها الناشئة .
وفي الموسيقى إن لم يكن العزف بارعاً لايأخذنا إلى تصور القمر – كمثال -وكأنه أمامنا .
أما عن تجربتي فالأمر أو الحكم متروك لك وللمتلقين ، إن كنت قد حققت ذلك في أعمالي أم لا ، ومع ذلك وإن تحقق فسيعود الإغواء كشيطان يحركني من جديد ، و حينها لابد من عمل آخر .
يتبع