غريب ملا زلال
من الوهلة الأولى كل من يقف أمام أعمال بهرام حاجو سيقول بأنها متشابهة أو على أكثر تقدير فصول من عمل واحد ، حتى أن هناك من يقول بأن حاجو لم يرسم إلا لوحة واحدة و لكن بفصول مختلفة ، قد يكون في ذلك بعض الصواب و لكن اذا وقفنا أمامها بعين القارئ الناقد و التي تختلف من عين المتلقي العادي سنرى أن الأمر ليس كذلك تماماً ، و لكن كيف نستطيع أن نقنع الآخر بذلك ؟
فاللوحة عنده تعتمد كثيراً على الحوار الداخلي ، فكل شيء في أعماله تتحدث كما أن كل شيء تنصت بإتقان فكأنه يدير جلسة حوارية عذبة بين مفرداته / الشخوص ، اللون ، فضاء العمل ، ….. إلخ /
فهذا الحوار الداخلي يدفعه إلى الذاكرة البعيدة حيناً و القريبة في أكثر الأحيان فيغوص و بإهتمام مزدهر في العمق الإنساني فتنقسم كل شيء في عمله على نفسه ، و يبدو هذا الإنقسام ملازماً لمشروعه خصوصاً في مناطق التلامس التي تتحول إلى تداخل مع اندفاع الحركة حيث التزوّد المعرفي ضرورة حتمية لتشكيل رؤيا تمتلك فيما بعد وعياً أكثر حداثة ،
حاجو يتعامل مع ألوان قليلة ويكاد يكون أحادياً لولا ضيافة لون آخر برشقات قليلة تحرك العمل من كل مفاصله ، و لعل حاجو هنا متأثر بمنهج الفنان الإسباني انطونيو تابييس / مساحات عدمية ، إشارات متصارعة ، … / و هذا يجعله يحتاج إلى تقنية خاصة لها قدرة في التجسيد ، فهو غير معني بالتفاصيل اللونية و هذا يخلق لديه حالة خاصة في التعامل مع العمل ، فيهذب العمل من الزوائد كلها و يكتفي بالعناوين حتى أنني أستطيع أن أقول بأن عمله أشبه بالقصة القصيرة جداً في الأدب ، يتخلى عن الكثير من مفردات العمل ، يبحث عن الإختصار ، يرمي الزوائد بعيدة ، لا يرغب بوجود مراكز دون فعل ، ولا أشياء دون الإفادة منها ، فهو يتمثل في خلقه في تحققها ضمن شرطها الجمالي و يميل إلى الأخذ بمرتكزات ينقله إلى حداثة قد تنقسم على نفسها لاحقاً بل يعتبر أن الوعي في العمل الفني يجسد وعي متكوّن بأثر من تحولات عوامل جديدة محدداً بالبنية التحتية لقائمة تحركاته ، و ربما هنا يستنبط حاجو حالات كاشفة للنفس البشرية بخصوبة ذاكرته للقبض على اللحظات الأكثر تأثيراً في الزمن المتواري و الأكثر استهدافاً و تحريضاً لخوض خيارات لقضايا مطروحة بهشاشة ، فهو هنا ينزاح نحو حكايا ذات احتفاءات إثارية متنوعة يكرس نتاجه لذائقة جمالية لا تلغي تخييلاته بل يحقق عبرها قيماً فنية و معرفية بالوقوف لا عند مشارف الحالة بل في عمقها حيث كثافات الإنصات متداخلة ، من اللحظة الأولى و الزمن الأول إلى الإستغراق في التفاصيل و بين ملامح الجو الخاص الذي يستغرق فيه حاجو برهة ثم يتجاوزه للدخول في الوصف التفصيلي دفعة واحدة ، لا يتراجع إلى الخلف بل يستمر في تنظيم تشكيلة التداخلات في الوقت الذي يوزع أحزمة ضوئية ضمن نطاق غير ضيق قد يساعده في إضاءة إتجاهات يسلكها عادة على إعتبار أن العامل الفاعل في إستقرار الحالة هو الموقع اللوني الذي ينعش فضاء اللوحة و قد يحيلها إلى مقاطع تتسارع فيما بينها لإنتاج أي أثر من آثار التوتر المنبثق من العمق و المندمج بالحواف .