حوار مفتوح مع العاشق للفن و الحياة عنايت عطار ( 4 )

 غريب ملا زلال
غريب :
هذا الكم الهائل من الخلق ، و على إمتداد عقود تتجاوز نصف قرن و أنت تعمل على النساء كحدائق مرهفة الحس و القد و اللون ، فإذا كانت نساؤك تلك مغايرات ، لا يمشين على الأرض بل يخرجن منها و هن هائمات ، و يلبسن الضوء و كأنهن ملائكة لا وزن لهن حسب تعبير جاك بيير ، دعني هنا أسأل عن المرأة في حياة عنايت ، و دعني أهمس في قلبك ففي حوار جانبي بيني و بين أحد الأصدقاء عن نسائك قال : كل تلك النساء في أعمال عنايت و هن هفهفات مع النسيم ما هن إلا اللواتي لم يصل إليهن عنايت ، و لهذا مهما رسمهن فلن يشفين غليله ، قلت لماذا لا تقول بأنهن جميعاً لإمرأة واحدة عشقها عنايت و لم يتخلص من عشقها ، و أنها تعود إلى الزمن البعيد حتى كدن الآن دون ملامح ، ماذا يقول عنايت ؟ أين هي تلك المرأة التي هزت كيان عنايت لدرجة عدم القدرة على مفارقتها أو نسيانها و لدرجة تفرض ذاتها في مجمل أعمالك ، ماذا عنها ، ما حكايتها. وما حكايتك معها .
و من الطرف الآخر أسألك عن النساء العابرات في حياة عنايت و درجة أثرهن ، أين هن في أعمالك ، أين نصيبهن من أحاسيسك و ألوانك ، و إذا كانت نقطة الضعف السرية لبيكاسو هي النساء ، حتى قيل عنه بأنه لم يستطيع مقاومة إغوائهن له حتى حين كان متزوجاً من إمرأتين ، هل نستطيع أن نقول ذلك عن عنايت أيضاً ، أنتظر إجاباتك بالجرأة التي عرفناك بها .
عنايت :
نعم يا صديقي ولكن ليس كل بحث عن المرآة ، وأبعادها ، وجمالياتها ناتج عن كبت أو عن قهر فإني هنا في فرنسا منذ أكثر من ( 39 ) عاماً ، وأستطيع القول بأنني لم أحرم نهائياً من الصداقات ، والعلاقات ، وبالتالي حتى لست رجلاً يبحث عن شهوة رخيصة .
أعود وأقول نعم لقد خسرت أمي و أنا ابن ال12 سنة ، و وقعت في أول حب مع فتاة، أيضا توفيت بحادث سيارة
،تلك التي كانت تحمل الكثير من أمي ، و كأنها هي كانت قد تنكرتها على مبدأ البوذيين ، وحينها كنت مدرساً في مدينة الطبقة حيث طلبت نقلي إلى الرقة في محاولة لنسيانها ، 
إذاً المرآة تحولت لدي إلى لوحة ، أو إلى قصيدة ، أو إلى ملحمة ، أوحتى إلى وهم و خيال ، أحاول الإمساك بالظلال ، فيبددها قبس من الفجر ، أو لمعة ورقة للزيتون ،أو رمي حجرة في الماء لا ترسم سوى الدوائر المتلاحقة .
الأمر الآخر والأهم أن الغربة المتفحمة هنا أيقظت فيٓ الحنين إلى طفولتي 
فتطاولت على اللون ، والأدوات ، والأوقات ، والسهرات ، والخلوات ، والنساء ، وفي كل لوحة أحاول تذويب النساء في إمراة واحدة ، أو أرصفهن سجداً على ركبتي أمي ، و كفنان فإنني أعتقد بأن الإشباع أو سد القناعة بلوحة ما تعني نهاية الإبداع او المحل في الانتاج ، ولذلك نظل نبحث عن الدرة المفقودة ، وفي كل مرة نضع التوقيع على آخر اللوحات معتقدين إننا وجدناها ، ثم ينوس البريق متدرجاً إلى الإنطفاء إذ نعيد المحاولة .
أما المرآة الكردية في أعمالي الأخيرة اقتحمت اللون ، وخصوصاً بعد الذي يجري في سوريا والعوائق التي أحالت دون سفري ، و إلا رسمت الطبيعة والملحمة والبحر والمراكب الخ ، وإن أردت البحث بين صوري لرأيتني أرسم جناناً بكاملها وعلى أرض المكان مباشرة في الملتقيات الفنية ، او في المهرجانات 
هذه اللوحة مثلاً رسمت في مهرجان مانيية على مستوى وطني فرنسي فحصلت على الجائزة الاولى منذ 7 أعوام
وهذه هي انجيه مجينتنا 
 

وهذه هي ديار بكر
وهذه شاتو غونتييه بفرنسا في مهرجان الألفية الأولى للمدينة ، وقد حصلت أيضا على الجائزة الاولى ، وهي الآن في متحف المدينة ، وقد كانت تخليداً بذكراها الالف عام على تأسيسها
  
وهذه في مهرجان تونس الدولي منذ 5 سنوات

وهذه منارات وقباب أستنبول 

 

قال لي زائر فرنسي في حينها كيف تصطاد من مدينة أكبر من باريس زبدتها ؟
كيف تحشرها في لوحة واحدة ؟
قلت أصطاد المتعارف عليه ، أو هناك أشياء تأخذني وتقول لي ارسمني
اللقطة الثانية كي تبين الحجم
وهي لوحة جدارية كبيرة .
نعود إلى حديثنا إالى المرآة التي أخذت بعداً كبيراً في أعمالي الأخيرة أكثر من عشر سنوات خلت ، ومازلت أبحر في تفاصيلها ، وبكل بساطة لو سألتك أنت وقلت لك ما الأهم في عفرين مثلا ؟
فهل ستقول لي المعامل ؟
الرجل ؟
أسراب الحمام ؟
المدارس ؟
أو الزيتون ؟ 
فيما المرأة العفرينية هي صوتها وملائكتها وجمالها ورقصاتها وملاحمها وتاريخها ، والأغنيات والحب والقصائد ، وكل أغاني الأعراس ، والحصاد ، والمآتم ، والأفراح
هل رأيت مغنياً يغني على رجل ؟
ماعدا رجال الملاحم طبعاً ، كممو وزين ، و سيامند وخجي إلخ
في هذه اللوحة وهن على النهر 
، أنا من غيبت الفعل اليومي كغسل السجاد في النهر ، أو إملاء الجرار، وما أشبع بالمواضيع الشعبية إني في محاولة لإظهارهن كملائكة ، أعتبرها فعل الحنين ، أعتبرها عشقاً قديماً يتجدد كل يوم ، وفي كل لوحة ، وقد أريتك إني أرسم أشياء أخرى ، وأعتبر أن موضوع الفنان هو هاجسه وليس مايستطيع فعله .
والله اعرف رسم تفاحة وجمل وشجرة
هههههههههه
وقطار
هههههههه
إنه فعل الحنين يا صديقي ، وذاكرة الحمال ، وهاجس قصيدة لم أتمكن من كتابتها ، فألجأ للتلوين ، ولاأقول الرسم ، ثق بأنني في لوحاتي ولا مرة أضع التخطيط الأولي بالقلم ، ولكن بمجرد أن ألقي أول نظرة على المساحة البيضاء أرى النساء قد سبقنني إليها مهرجاناً ، وأغنياتاً ، وصخباً ، و موالاً ، وغيماً ، وضوءاً ، وسراباً ، 
و خبزاً لحنين الأيام
خمرة للغياب
شرارة لالشتعال
ماء وخصباً
ونشيداً
وصلاة .
 يتبع 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…