حسين كاكائي تدفق البوح و بلورة الحالة

 غريب ملا زلال 
الفنان التشكيلي حسين كاكائي من الأسماء المهمة في المشهد التشكيلي الكردستاني / العراقي فهو من السرب الفاعل بقوة في تنشيط الدورة الدموية لهذا التشكيل فله حضوره العذب وله إضافاته الإبداعية مع تناغمه اللذيذ للذائقة العامة فله باعه في إنطاق المساحات الجمالية و إختزال مسافاتها ، وبالإفصاح عن محصلة رصيده رغم أنه يعمل بصمت كاهن فهي كبيرة تمتد إلى عشرات الأعمال التي تسعى مع أصابعه بلورة الحالة و إنضاجها فيتخذ من الإبداع سبيلاً إلى الخلاص من معوقات الحياة ، و في ضوء ذلك و حسب الأعمال التي ينتجها فهو إبن الحالة الإبداعية بل ملتصقاً بها و يعيشها بتفاصيل مفرداتها حتى يخرج لنا بتشييد يحمل قيم جمالية و معرفية بآن واحد ، فهو رغم تبدلات الحياة و تعقيداتها فله تمفصلاته التي تدفعه كباحث عن لحظات كادت أن تذهب و لا تعود ، فيتقفاها حتى يصطادها ليبدأ بدراسة تكونانها و تكويناتها في سياق توافر الشروط المقترنة بها كإستجابة الرغبات المتضافرة في صحوتها المتطلعة لأفق جديد ، 
فهو يحتل بفعله قيم فكرية في سياق مساهماته التي بها يستعيد أزمنة متباينة فيها يرتقي بآلياته إلى مستوى الإدماج في أنساق التفكير و في ثيمات الخلق بتقنياته الخاصة فكل عمل له إذا لم تجرفه لإبتداع كشوفات جديدة لا تدخل في حساب معادلاته ، و لهذا لا يكتمل البوح عنده بل يستمر في التدفق مهما إمتدت مساحات الصمت لديه فهو يخطو خطوات في الحلم الذي له طعم ورائحة الغياب ، و يتكرر الحال في كل عمل والذي يبدو عنده سرداً لونياً يسيطر عليه دلالات إيحائية تحمل كل توقعات المتلقي ومفاجآته فيؤسس لعلاقات تكوينية تعود عليه بمهارة الصخب النائم في الصمت الطويل ، و في جميع الحالات يلتقط الكاكائي تلك الفواصل بين الظاهر و الباطن بمعطيات تخص تفرده فيروم الكشف غير المألوف و الممزوج بالإندهاش لإظهار الطاقة التعبيرية لديه مع نشر إنفعالاته ضمن علاقات في غاية التنوع ، وبطبيعة الحال يدرك كاكائي و من داخل الوقائع لا خارجها بأنه لا قيمة دلالية للعلامات المبثوثة في تحولاته الدائمة دون إستجابة حاجيات التجربة و يتعلق الأمر بنتاجه المصاغ حسب معطياتها الإفتراضية بإيجاد تشكيلة الضوء في تمفصلاته التشكيلية جميعها ، و يتحمس لا للمجازفة بصيغه المفتوحة للإقتباس الحر بل لتقديم تجليات تستجيب لحاجاته الداخلية وبتقنيات و أساليب تبرز لديه الدقة و الضبط لا التناقض و الإرتباك .
 فكاكائي يلح في إختيار أوراقه بعناية لا ليفرغ المعاني بل لتوكيدها وبثها رذاذات تختفي بتحفز الفعل المحاور للأطر و المساحات المتاحة له و فتح أبوابها بأبعاد فيها مواقيت ملخصاته و إشارات تؤهله ليعيد قراءة الواقع بتفاصيلها المرئية منها والسمعية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الخَيَالُ التاريخيُّ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ تَجْري أحداثُه في بيئةٍ مَا تَقَعُ في المَاضِي ضِمْن ظُروفِها الاجتماعية ، وخَصائصِها الحقيقية ، مَعَ الحِرْصِ عَلى بِناء عَالَمٍ تاريخيٍّ يُمْكِن تَصديقُه ، والاهتمامِ بالسِّيَاقاتِ الثقافية ، وكَيفيةِ تَفَاعُلِ الشَّخصياتِ مَعَ عَناصرِ الزَّمَانِ والمكان ، ومُرَاعَاةِ العاداتِ والتقاليدِ والبُنى الاجتماعية والمَلابس وطبيعة…

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…