أسى عابر.. قصة قصيرة جداً

رنكين نبي
اليوم وفي طريقي للعودة إلى المنزل مررت برجل مُسنٍّ جالسٍ على الرصيف. مشيت مسرعة، لكنني سمعته وهو يغنّي بينه وبين نفسه أغنية كردية، باتت مُنتشرة في الآونة الأخيرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي تقول:
“Welatê xurbetê, ez mame bi hesretê”[1].
 
أكملت طريقي، وبدأت أدندنها بصوت خافت، بينما تراودني بعض الأسئلة: هل كان ذاك المُسنّ يعي معنى تلك الكلمات؟ هل الغربة قست عليه وآلمته كما فعلت بنا؟ هل يتمنّى أن يحظى بوطن أفضل ليعود إلى أحضانه متلهّفاً؟ هل يجهش بالبكاء حين يبقى وحيداً ويتذكّر الشوارع الدافئة المليئة بالذكرى تلك التي غادرها لإشعار آخر؟
فعلياً بدأت أشعر بالألم في قلبي هل، وهل، وهل…، لكنني أجبت نفسي إجابة مُقنعة في الأخير: الأكيد بأنه كردي من “Bakur”[2]، وبما أنهم يحبّون الشاي والمال أكثر من آبائهم، فلا داعي للمأساة التي اختلقتها في رأسي، لا بدّ بأنه قد عاد بعد رحيلي لمنزله وقام بإشعال مدفئة الحطب بالكراتين التي خبّأها طوال الصيف، ثم أرسل بضع فليفلات حارّة إلى الفرن؛ ليتعشّى بها، وأخيراً وضع رأسه وخلد إلى النوم دون التفكير بشيء، لا أوطان ولا هم يحزنون.
ليس ذنبه، فأنا ملكة الدراما.
[1] في وطن الغربة بقيت فيه بحسرة.
[2] باكور: أيّ شمالي كردستان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…