قِرَاءَةٌ فِيْ أُغْنِيَاتِ الرّيْحِ الثَّمِلَة للشَّاعِرِ فهر الشَّامي

  كمال جمال بك 
إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتِ الأرْضِ تَسِفُّ الرّيْحُ السُّوريَّ نُثَارَاً مُثْقَلاً بِمَا تَبَقَّى مِن طِيْنِهِ المَشْوِيّ. ومَا إنْ يَسنِدَ جِذعَهُ المُقْتَلَعِ مِنْ تُرْبَتِهِ وجُذُورِهِ إِلى أَقْرَبِ المَنَافِيْ والشَّتَات، حَتَّىْ يَسْتَجْمِعَ رَمَادَ ليَاليْهِ ويَنْفُخَ فِيْهَا مِنْ جَمَرَاتِ القَهْرِ والغُرْبَةِ والشَّوق إِلى بِلادٍ نأتْ خَلْفَ دُخَانِ الذّكْرَيَات، وهو يَقْصُدُهَا وطَناً مأمولاً، حُرّاً وكَرِيْماً.
عَلَىْ هَذِهِ الخُلاصَةِ تَمْتَدُّ أُغْنِيَاتُ الرّيْحِ الثَّمِلَةِ للصَّدِيْقِ الشَّاعِرِ فهر الشَّامي/ عبد الغفورالخطيب، مِنْ يبرود في القلمون، إلى بَرّاليَاس في لبنان، إلى نانتْ وباريس في فرنسا، ومِنَ الجِبَالِ المَزْرُوعَةِ بالرّيْح 2012 إِلى مَعَاطِفِ المَنَافِيْ المُبَطَّنَةِ بِشَوكِ الحَنِيْن 2018.
” مُنْذُ خَمْسِ سَنَوَاتٍ لَمْ أُغَيّرْ شَيْئاً
الثّيَابُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا فِيْ العَامِ الأَوَّلِ لِوِلادَةِ طِفْلِيْ 
مَا زِلْتُ أَلْبَسُهَا وأُحَافِظُ عَلَيْهَا
القُبُّعَةُ الَّتِي ابْتَعْتُهَا مِنْ أَحِد أَسْوَاقِ دمشق
مَا زِلْتُ أَرْتَدِيْهَا إِلى اليَوم..
والقَلَمُ الَّذِيْ أَهْدَانِي إِيَّاهُ والدِي 
مَا زِلتُ أَحْمِلُهُ وأَكْتُبُ بِهِ قَصَائدي
مِرْآتِي الَّتِيْ تَرَكْتُهَا فِيْ البَيْتِ تُسَجّلُ كُلَّ شَيء “
لَمْ يُؤَثّثْ الشَّاعرُ للأَمكنةِ الجَدِيْدَةِ لأَنَّ أَمْكِنَتَهُ مَا زَلَتْ تَسْكُنُهُ، ولأَنَّ الأُغنياتِ قَرَابينٌ للحُبّ والحُرّيّةِ، حَمَلَتْ المَجْمُوعَةُ عنوانَ النصّ الأَطْولِ فِيْهَا والأَكْثَرِ ثَرَاءً لأَجْمَلِ سَنَواتِ الشَّاعِرِ فِيْ القلمون وأَصْعَبِهَا.
أَمَّا السّمَةُ العَامَّةُ الَّتِيْ تَنْسَحِبث عَلَىْ النُّصُوصِ كَافَّةً فَهِيَ تَعَشّقُ الرُّوحِ الثَّائرَةِ مَعَ الأَلَمِ الجَمْعِيْ فِيْ الكَارِثَةِ السّوريّة. إِذْ ذَاك يَلْتَقِطُ تَفَاصِيْلَ التَّفَاصِيْلِ بِوجْدَانِ شَاعِرٍ وعَيْنِ طَائِرّ حُرّ وقَلْبِ عَاشِق.
” المُسَجَّلونَ فِيْ قَوائِمِ الفَجْرِ قِلَّةٌ
والمَنْسِيّونَ فِيْ السّجِلَّاتِ السَّودَاءِ كُثْرٌ
مَاذَا بَعْدَ أَنْ بَاتَ الحُلُمُ عَلَىْ جَنَاحَيْ طَائِرٍ؟
مَا الَّذِيْ يَبْقَى مِنْ نَرْجِسِ حِكَايَاتِنَا؟
الأُسْطُورَةُ الوحِيْدَةُ البَاقِيَةُ.. نَحْنُ
يَومَ تَأَبَّطْنَا الجَحِيْمَ
ومَشَيْنَا عُرَاةً
فَتَعَرَّى العَالَمُ بَعْدَنَا”  
أُغْنِيَاتُ الرّيْحِ الثَّمِلَة الصَّادِرَة حَدِيْثاً عَنْ دَارِ روائع للطباعةِ والنَّشر في مصر، تَأتِي بَعْدَ انقِطَاعٍ الشَّاعِرِعَنَ النَّشْرِ عِشْرِيْنَ عَامَاً مُنْذُ مَجْمُوعَتِهِ الأُولَى  هَمَسَاتُ الذّكْرَى عام 2000

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…