الساموراي تحتَ تمثال شيلّر

عبداللطيف الحسيني / هانوفر
ينقرُ الطيرُ فروةَ رأسٍه, يمرُّ فوقَنا يقصدُه ليحميه, ذاك الطيرُ يحرسُه حَمَلَ أخبارَ بلادي ومزّها قبلَ أن أقرأَها على وجوه السوريين التي شاخت, ذاك الطيرُ أنجبَ أحفاداً حمقى يرتّبون ياقتَه ويمسحون دمعتَه الخضراءَ حينَ يبكي في الظلام.
ـ والبكاءُ مُرٌّ في الظلام.
في الأيام الزمهرير يغطّونه لئلا تصفعَه كُتُلُ الثلج, ويغنّون له حين ييأسُ, يلاعبونه حين تنطفيءُ أصواتُ المارة في ليل هانوفر البهيج, يطلبون منه سردَ خرافاته, يعلمون أنَّ سنَّه كبرت: انطفأت عيناه, ولم تعد الأغصانُ تفرخُ بينَ يديه, نَحُلَ جسمُه واستفاقَ العظمُ في وجنتيه.
يتخيّل أنه باتَ عارياً فيضحك عليه أحفادُه المرٍحون, يتذكّر أنه كانَ يحتضنُ خمسَ نساء بينَ ذراعيه, ويلتقط الأسماكَ الملساءَ بأصابعه.
ـ أصابعُه الشِّباكُ.
حين يفتحُ شيلّر عينيه تومضُ المدينةُ في الظلام, ترتّج المدينةُ ستعلمُ أنّ شيلّر خطى خطوةً,وحين يغمضُ مقلتيه يلفُّ السوادُ على الأكوان. يبقى شلّير كشيحاً… مكشّراً يمرُّ به الآلافُ طالبينَ بسمتَه وأدعيتَه.
فجأةً يتشظّى لونُه وتبرقُ جدائلُه ويفتحُ ذراعيه ويخطو خطوتين عندَما يلمحُ مها من بعيدٍ منتعلةً خِفّاً أبيضَ وقميصاً مشجراً… يقبّلُها… يشمُّها فتزدحمُ الفتياتُ المُشرقاتُ على الشرفات, ويسكتُ المارةُ, ويتوقف اللبلابُ على الجدران. أغضبُ منه فأرمي عليه حياتَه الحجريّة قطعةً… قطعةً فيبتلعُها.
(مقطع من كتاب أصوات هانوفر)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…