غريب ملا زلال
سرور علواني كما نعرفه فنان مجتهد له قدرة عالية على فرز المعادلة الفنية بين معطياتها الإبداعية و معطياتها الحرفية ، فرغم أنه يقدم نفسه كتلميذ في الفن باحث عن الجمال في خلق رب الجمال ، و هذه تسجل له ، فالفنان الحق يبقى خاشعاً و متواضعاً مهما علا شأنه ، أقول رغم أنه يقدم نفسه كتلميذ في الفن فهو الأستاذ الجامعي أيضاً ، إذ عمل محاضراً في كليات الفنون و العمارة لسنوات طويلة ، سرور إسم لا يمكن تجاهله ، فهو يصعد بحركات مشبعة بالحس أشبه بذلك الضوء الذي يسطع من أعماله و هو يمتص منا كآبتنا ليضعنا في أجواء لا تزال خضراء في أرواحنا ، يلفح دواخلنا بلغة لا تكاد تفرش ملامحنا على نحو إستثنائي حتى يبدأ الفرز الذي يريده ، فيضع أمامه و أمامنا تلك الحرفية الكبيرة بتقنيتها التي تقتل النعاس في العمل المنتج و تبقيه في حالة النبض على إمتداد الإنتماء لبحر الجمال و آفاقه اللانهائية ،
تبقيه تربة خصبة و غنية لأسئلة جديدة ، لفصول تبحث عن ألوانها ، فالتأثيرات الزمنية في أعماله لها أطوارها التي لا تتلاشى في ملامحها ، و لا في قيمها فحسب ، بل تسافر كالسراب في لحظاتها الدائمة الإحاطة بسمواتها التي لا يمكن القبض عليها إلا وهو ممتلىء بالدهشة ، و نحن معه ممتلئين بسر هذا التأثير المسافر فينا كأغنيات رددها الأولون حين كانوا يفكون الكرب عن تلافيف قلوبهم ، حين كانوا يلمسون الروح من سريرته بحثاً عن جذور ممتدة في الضياع ، حين كانوا يحدقون في أفق تتسارع الألوان في إرسال النبض فيه ، فعلواني له لغته التي يصر على عدم سقوطها في الإفراط اللوني ، فكل مساحاته لها خلفيات غير هادئة ، و لهذا تشكل فصوله ملحمة منها يستلهم نشاطه الإنفعالي الجميل مع القدرة بالسيطرة على حالات الصعود و الهبوط و ما يرافقهما من أصوات و كأنها معزوفات ناي لفنان غارق في العشق حتى قصباته ، كأنها معزوفات تؤكد على قدرته في الوصول بفلسفة تحمل إرثاً من التفاعل الذي به تزداد مفرداته ألقاً ، كإشارات غير معقدة ، كإشارات لها كل المقدرة في كشف ما يوحي بأن الإنتماءات المختلفة تخلق في لحظة ما ، هي بوابة العبور من / إلى هذا العالم المضطرب بنا ، فهو كفنان لا يترك اللثام أبداً ، بل يحركها ضمن أسس ثابتة من الخطورة بمكان مقارنتها بمرئياته المتألمة جداً ، القريبة من الذات المليئة بالإنكسارات ، القابلة للإحتمالات كلها ، الهادئة و الصاخبة في الآن ذاته ، هي رؤاه للعالم كجزء و ككل ، يعمل للكشف عن ذاك السر الذي يجعله يهد كل الجدران التي تقف في طريق تجربته و بالتالي في طريق طموحاته ، و هذا ما يجعل أعماله تنبض على إمتداد الفيضانات و خرائبها ، فعلواني لا يمكن أن يهدأ فمشاهده المرئية هي تكوينات لشظايا عناصر حاسمة لا من وجهة نظره فحسب بل من وجهة نظر متلقيه أيضاً ، و مشاهده غير المرئية هي من طبيعة دواخله الخاصة تجعله سيداً للتأمل و للمسافات التي تمضي نحو محور الأشياء محققاً عملاً فنياً بمناخات جديدة ، فيه تتلاحم الرؤى و القدرة على تحريك الوقت بإستراتيجيات جديدة تعزز تجربته و حضورها بما يليق بها .
إن عطاءات علواني تتميز كقيمة إبداعية / فنية بوصفها تسجيلات لإحساساته باللون و الشكل ، بإيقاعات خاصة مستمدة من طريقته في العزف محافظاً على الوزن في مقاطع تشكيلاته فهو مدرك أن الوزن يضفي نظاماً خاصاً على الزمن ، و في أحيان يندفع بسرعة مفاجئة و كأنه في سباق مع / بين الألوان ، يعزف من خلال تلك السرعة التي تشتمل على دقة زمنية تجعل عمله أكثر إحكاماً بعيداً عن أية مبالغة ، فهو يعتمد على مثيرات سيكوفيزيقية و لهذا تتردد أصداؤها بإيقاعات هادئة تماماً أو صاخبة تماماً ، و من الممكن أن يزيد ذلك من الإستجابة لإحتمالات جمالية كافية إلى حد كبير للإهتمام بتلك المتغيرات الموقفية و تأثيراتها في الحالة / حالة العمل و حالة المتلقي / ، أقول إن عطاءات علواني تتميز كقيمة إبداعية / فنية بوصفها تسجيلات لإحساساته باللون و الشكل
، باللون كأحد أهم الثوابت في الطبيعة ، و أحد أهم المعايير التي نحكم من خلالها على الأشياء ، فلونه يملك الثراء كله ، و بالتالي يملك طاقة تجعل المتلقي يستمتع بها على نحو كبير ، و بالشكل الذي يملك الإيحاء أكثر من التنبيه المرتبط به و القائم على إستثيرات تفضيلية إنبساطية منخفضة حيناً أو إنكسارية مرتفعة في حين آخر ، فهو يتوجه به نحو مصدر الضوء ، و إلى مناطق التضاد بين العتمة و الضوء حتى يبدو و كأنه منهمك في إظهار عملياته بردود أفعال إرادية ، على حين اللاإرادية هي التي تحرك مشهده كله حتى كاد أن يتحول إلى نمط بصري مختلف مهما ظهرت فيها التضادات
كما و بذلك كأنه يؤكد أن الإهتمام الشديد بكل تفاصيل العمل من شأنه حشد عناصر أساسية في الحياة ، كما تتميز أعماله كقيمة معرفية منها تتدفق الشلالات بتركيز عقلي يحمل الكثير من المهارة الحركية بمدى أوسع و ذاكرة أدق نحو فكرة عامة مفادها إن أي إحساس بالجمال ، و أي إستكشاف للعالم البصري لا بد من وجود التذوق للفن كتعبير آخر عنه ، فطموحات علواني تعزز وجوده الخاص و حضوره الراسخ ، و تتآلف مع قوى خاصة بالسعي نحو توسيع حدود التعبير بضخ حركات جديدة برؤى فنية جديدة تعطي بدورها إحساساً بصرياً جديداً خاصاً بالمكان بعناصر جديدة ( كتلة ، حركة ، ضوء ، ….) ستشكل لاحقاً الصيغ البصرية لأعماله و التي ستثير داخلنا ما ينبغي أن يكون في حالة إتصال مع لا شعورنا الخاص ، و قد يكون ذلك كافياً لحدوث متعة جمالية تجعلنا نندمج في تحولاته الخاصة ، فعلواني يعي أن أي عملية إبداعية ينبغي لها أن تضع متلقيها في حالة إتصال مع لا شعوره الخاص ، و لهذا فهو يرتقي بمتلقيه مع عمله الفني موجهاً به نحو إكتشاف عمليات خاصة كمفاتيح لخزائن المتعة الجمالية .
سرور علواني يهتم بتطوير أسلوبه ، و يصر على إظهار الإحساس الجمالي فيه / به ، و على نحو خاص خلال تلك المواجهة أو الإلتقاء الذي يحدث بين المتلقي و عمله الفني ، موظفاً تفاعلاته و تلميحاته كإلماعات ضمنية متبادلة بينه و بين عمله من جهة ، و بين المتلقي و عمله من جهة ثانية ، و تتطور تلك الإلماعات كلما تطورت العلاقة التشاركية بين العمل و خالقه و متلقيه ، و يزداد التعلق بينهم على شكل إقامة صلات و روابط إبداعية بين عوالمهم جميعاً ، تلك العوالم التي تتشكل كلما إزداد اللعب الخيالي كجسر مهم يربط بين تخيلاتهم ، و هنا يبدأ دور علواني في إستثمار تلك التخيلات و ما تحمله من موضوعات و تهويمات عبر خبراته الثقافية و الجمالية ، حينها تبدأ العلاقة بين مفرداته و التي تتسم بالألفة و المتعة و الحميمية ، و على نحو عام فخطوات علواني المتدرجة منها و المتلاصقة خطوات مبدع محترف يبتعد عن المألوف و لا يتردد في السير في طريق مختلف ، فخريفه مثمر جداً ، و شتاؤه سيكون ماطراً جداً .