من ملفات جريدة القلم الجديد وبالتعاون مع موقع «ولاتي مه» عن الأدباء والكتاب والفنانين الكرد، ملف الدكتور نورالدين زازا – الحلقة (2/4)

في ذكرى مناضل وأديب: الدكتور نورالدين زازا
خورشيد شوزي رئيس تحرير جريدة القلم الجديد 
الصمت أحياناً قد يجرح ضمائرنا المعذبة ونحن نقرأ بعضاً من حكايات رحيل أصحاب البصمات التي لا تغيب في الساحة النضالية والثقافية الكردية.. نودع جيل الرواد واحداً تلو الآخر، ولكن الشعب الكردي سيبقى على الدوام ينتج مناضلين وأدباء وعلماء وفنانين وسواهم، من أصحاب قامات ضوئية عالية … 
يكملون مسيرة الفكر الحر والتحرر من الظلم والغبن الذي لحق بشعبهم، بروح منفتحة على آفاق شتى دونما وصاية من أحد.. 
لاشك أن لكل زمان من أزمنة شعبنا الكردي، رجالاً يعملون بهمة عالية ومقدرة فائقة بغرض تحقيق الحلم المسلوب من شعبهم،  بتخطيط  من دول  لم  تكـن  تعرف  قـيمـاً إنسـانيـة سـوى نهب خيـرات شـعوب لا حـول لها ولا قـوة، ومنهم الشعب الكردي، حيث وزعتهم وأرضهم على ذئـاب نهشـوا الخيـرات المتـبـقيـة من فُتـات موائد أسـيادهم الذين صنعـوهم..
 مناضلو و مثقفو الكرد، الذين خاضوا ويخوضون معارك مستمرة بنضالهم السياسي والفكري، يقاومون بها كل أنواع المحو القومي لشعبهم الذي ينحدرون منه، رافضين وإياهم كل أنواع الصهر في بوتقة مستعمريهم، ساعين لأن يصنعوا تاريخهم بأيديهم وعقولهم كغيرهم من الشعوب الحرة.. 
قليل هم السياسيون والأدباء الذين استشعروا ويحسون ويلمسون ما حولهم بكامل حواسهم البشرية، والكتابية، واستطاعوا ويستطيعون أن يعبروا عن ذلك في نضالهم وكتاباتهم… إلى هذا الصنف من المناضلين المثقفين ينتمي الدكتور نورالدين زازا بجدارة- كأحد رادة الموقف بامتياز- فهو الكردي الذي ناضل ضد مختلفَ أصناف البؤس والشقاء والظلم والمعاناة والسجن والتشريد والتغريب التي فرضوها عليه وأمثاله، لا بل بالشعب الكردي بأكمله.
كان الدكتور زازا دائم الاهتمام بالسياسة ونشدان الحرية، والتي تركت آثاراً كبيرة على حياته وأدبه، أبى أن يسكت ويخمد في ظلّ الظروف الحالكة وسيطرة التعسف والعنف والصهر من قبل محتلي أرضه ومستعمري شعبه.
هو سياسي وإنسان متمرد، زادُه حب الوطن، ورداؤه النضال، إنه الإنسان الذي صاغ من النضال وطن، والوطن صاغه مناضلاً صادقاً لم يكل ولم يمل من فتح نوافذ الضوء، من روحه المتقدة، وقلبه الكبير يظلل أشتات الأنفس والأفكار بشفافية.  
كلمات متواضعة جداً في رثاء صادق في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل مناضل كبير عظيم مع أني على يقين بأن العظماء لا يرحلون بل يولدون من جديد كل لحظة في قلوبنا، ورحيلهم عنا جسداً، لا يمحي فكرهم ومسيرتهم النضالية، وتبقى إبداعاتهم ونضالاتهم خالدة بقلوب وعقول أبناء الكرد، وكلماتهم وسيرتهم تطرق مسامعنا، وتزيح وشاح الحزن عن حياتنا، فنحن نراهم في كل حضور وفي كل مقام ينطق بتاريخ الكرد، فيصبح الموت حياة من خلالهم. 
ولقد استطعنا في “بينوسا نو” أن نعد ملفاً عن مناضلنا الكبير الدكتور نورالدين زازا- باقتراح من المفكر الصديق إبراهيم محمود رئيس تحرير الجريدة السابق، وبالتعاون مع موقع “ولاتى مه – welatê me” – ننشره على أربعة أجزاء- نجلي خلاله بعض الحقائق، لاسيما أنه ومنذ أن وطأت قدما الدكتور زازا هذا الجزء من تراب وطنه تعرض لحملة شعواء من قبل الأنظمة المحتلة لأرضه، بعد أن ألظت نيران الحقد أفئدتهم، لأنهم لم يستطيعوا أن يغيبوا كردستان عن قلوب أبنائها، ولا استطاعوا أن يخمدوا جذوة الحب بين الأرض وجذورها أبناء الكرد. 
حاول الإخوة والأخوات الكتاب أن يلقوا بعض الضوء على ما تركه مناضلنا وراءه من إرث نضالي و ثقافي، ومن معاناة شاهدة عيان المثقف الكردي فيه، وأي تاريخ سُجّل باسمه حتى الآن، وكيف تم التعامل معه، ونظَرة كل منهم في هذا التاريخ، وفي شخصه باعتباره شاهداً على مأساة نضال، و ثقافة، ومأساة مثقف ظهر في الزمن الكردي الصعب، ولا زال هذا الزمن مستمراً، وأريدَ له أن يكون خارج ديموغرافية كردستانيته، ليموت وفي روحه حسرة من كرديته، وكيف يتم التعامل مع ذكراه إلى الآن هنا وهناك… كل حسب نظرته. 

                             * * *
* * * * * * * * * * * * * * * * *
الصورة أكبر من إطارها: عن نورالدين زازا غير المقيم بيننا طبعاً
كتابة العنوان، وما يلي العنوان، والتقديم للنصوص واختيارها وترجمتها والتعليقات عليها وعلى الصور إبراهيم محمود
تيار نورالدين زازا:
بصدد الأدب العالمي، يمكن لنا التركيز على تيارين في القصة: تيار موباسان الفرنسي، وتيار تشيخوف الروسي، وبخصوص الأدب التركي بالمقابل، يمكن لنا التمييز بين تيار سعيد فائق وتيار صباح الدين علي كذلك، إنما تبعاً لقراءتي ونظرتي، لا يمكن لنا القول مباشرة: تيار قدري جان، وتيار نورالدين زازا، لأنه بصدد كاتبي القصة هذين، لا يمكن لنا عدم اعتبار جلادت بدرخان، كاميران بدرخان وعثمان صبري كتّاب قصة
ولو تم التمييز بين جانبيْن، لا بد من التوقف عند جميع كتاب القصة في هاوار والتقابل فيما بينهم، وتقييمهم تبعاً لواقع الأدب الكردي. إن بعضاً من القصص التي كتبها عثمان صبري في زمنه، في وسعه منافسة القَصص العالمي، وكذلك فإن القصص الفعلية، وتلك المستعارة ” التقليدية ” والتي كتبها جلادت بدرخان، لو أنها وجدت طرقها للظهور،، من المؤكد أن تلك القصص كانت تعتبَر اليوم في مقام التراث الأدبي العالمي.
بناءً عليه، لماذا لا يمكننا اعتبار نورالدين زازا في مقام رائد تيار. إن كاتباً قد عرِف كثيراً سياسياً ومنشغلاً بقضية الوطن في نشاطاته. ولأسباب ذات صلة بالهجرة والاغتراب والقهر والظلم الذي لاقاه في تركيا وسوريا، كان عليه أن يولي اهتماماً أكثر لوضعه المعيشي، ونضالاته السياسية، وليس أن يكون كاتب عشرات القصص. إن تفكيره وحساسيته، يظهران بعمق في ثنايا قصصه، كمحتوى ورسالة. إن الحنين إلى الوطن، عشق الوطن، تخلف قومية وبؤسها، الشجاعة والغلبة في عموم قصصه، من الأهداف الرئيسة. كيف أن نورالدين زازا، كتب في العدد ” 32 ” من ” هاوار ” : عظات أحمد خاني، وفي العدد ” 30 ؟ ” من هاوار، كتب : إلى الشباب، أراد أن يوجه عظات أحمد خاني وكيبلنغ إلى الأطفال والشباب الكرد، والمقاومة جلية بالمقابل في قصصه. وما عدا قصة “حرب الذباب “، فإن جميع القصص كُتبتْ خلال عامي ” 1941-42 “. إن ” حرب الذباب ” التي أُرّخ لها في الأسفل بعام ” 1965 “، وبعد ثلاث وعشرين سنة، إن من ناحية الكلام، أو من ناحية الأسلوب أيضاً، كان في مقدورها أن تصبح مقدمة مقاومة مستقبلية، إنما للأسف، فإنه ما عدا هذه القصص، ليس من قصص أخرى له بين أيدينا، حيث لا يمكننا، وبكلمات رنانة، نسج قصة حية في الزمن ولافتة ” في الحقيقة، يعلم الكاتب، أنه من الأحرار الذين غاصت بهم رِكَبُهم، وفي عجز،لا يمكن اعتمادها، كما يقول، وحريته بالذات ليست على ما يرام، حيث لا بد من تطهيرها، لهذا، وبغية أن تطهّر الحرية نفسها، كان يكتب “.
يشرح الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وفي كتابه ” ما هو الأدب ؟ ” الهدف من الكتابة بالطريقة الآنفة الذكر. تُرى، في حال كاتب مثل نورالدين زازا، ألم يفعّل مقاومته، أو محاولته القصصية أكثر بخصوص هذا الحرص؟ وخلَّف قصصاً وراءه بعدد أصابع اليدين .
لا يمكن هنا إحصاء التيارات عددياً، بصدد الكتابة والأدب الكرديين، كون الأمواج تقوم في البحر، وكي توجد الأمواج، لا بد من وجود بحر بلا بداية ولا نهاية، لهذا أقول ” إن قصة نورالدين زازا لم تصبح تياراً في الأدب الكردي “.
المصدر: Di çîroknûsîya kurdî de pêl û Nûredîn Zaza
تعليق من عندي، ما كتبته في ” قوس قزح “، حيث تستعاد فقرة من هناك للزوميتها هنا :
زازا في مرصده القصصي
في أقل من عامين 1941- 1942، قدم لنا زازا، وتحت اسم حركي متكرر عرف به، يسميه في أوله، كونه اسمه، هو ( نورالدين أوسف)، إحدى عشرة قصة، وبشكل متفاوت، من جهة تواريخ الكتابة أو النشر، حيث يمكن تتبعها، على صفحات مجلة( هاوار: الصرخة) الكردية، إذ يمكن قراءة قصتين منشورتين معاً، كما في العدد 29، تاريخ 10حزيران/ 1941، وهما ( الخروج)،و( Gulê)، وخارج هذا التحدّي لا نعثر على أي أثر أدبي قصصي له، وهذا يشكل مدعاة للتساؤل حقاً ! 
من عندي، إذا كان هناك قصة أخرى نشرت سنة 1965، هي ” حرب الذباب ” فيعني أن المجموع هو ” 12 ” قصة.
=====
 
الاحتفال بمناسبة مرورة ” 32 ” عاماً ، على رحيل الدكتور نورالدين زازا، مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه في سوريا
( وكيف هم الذين أظهروا بياناً كهذا، هو إعلان، وصلة قرابته بطبيعة نشاطهم المناسباتي ؟ . المترجم )
=======
 
جامعة لوزان
دراسة نقدية: مفهوم الإلتزام لدى إيمانويل مونييه  ” نورالدين زازا ، مكتبة إ. درْوز، 1955 .
( ربما لا يُعرَف من الكتاب إلا عنوانه، والعنوان مبهم، لمن يستصعب الفلسفة قراءة، وخصوصاً مع فيلسوف لعله مجهول الاسم والجنسية من قبل كثيرين من كرد زازا، حيث يستغرقون في كردية خارج الزمن. المترجم ) 
======
 
( نورالدين زازا ورمزي نافع: وجهان يستفسران عن المرئي، في لحظة شبوبية، وماذا يدَّخران نفسياً ؟ المترجم )
=======
 
( نورالدين زازا. ثمة في الحياة متسع من الحياة، أو ما يعِدُ بالحياة بالنسبة إليه . المترجم ) .
=======
 
( لعلها ثقة من نوع آخر، في هذه القيافة صحبة إيداع اليدين في جيبين معبّرين عن حمولة نفسية مقدامة لوجه نافذ في الريح . المترجم ) 
=======
 
جيلبرت – فافر، 2020، أمام مكتبتها
( رائعة الصورة لرائعة المرأة/ الزوجة، لرائع زوج، لا يزال يتنفس في حاضنة روحها، كما تقول طلتها، وقفتها، والكتاب المحمول رغم العمر الثقيل وطأة . المترجم )
======
 غلاف كتب نورالدين زازا: حكايات وقصائد
( لغيض من فيض، كما يُستقرَأ من حِمَى الحكايا والقصائد . حيث يُكتفى ببعض من كتاباته هنا ، تأكيد حضور جم له. المترجنم ).
=======
 
نورالدين زازا مع ولده الوحيد شَنكو
( أبولده يرى الآتي، أم يودَع ولده، ما سيكون عليه وله آتيه ؟ المترجم )
======
 
Gilberte Favre, The son: Shengo & Nuredin Zaza
جيلبر فافر، وولدها شنكو، مع زوجها نورالدين زازا
( زوجان في الحياة، وبينهما حياة في أوان طلعتها الأولى ومن صهارة روحهما : شنكو. المترجم )
=====
 
صورة غلاف نورالدين زازا بالتركية: حياتي ككردي ” السيرية “
( صغير كقمة جبل، وكبير عند تذكر القمة صحبة الجبل، وهو بزيّ مدني، أعني بد الكردي من طفولته الأولى نورالدين زازا. المترجم )
======
 
المكتوب بالفرنسية: 7 تشرين الأول 1988، الذكرى العشرون على رحيله، في 7 تشرين الأول 2008 
صورة نورالدين زازا، وأسفل الصورة:
طالما استمر تعرض البشر للدوس والاضطهاد في جميع أنحاء العالم ، فلا يمكن للبشرية أن تحلم بأيام أفضل.
مقتطف من كتابه: حياتي ككردي
( ثم تتناسل المناسباـت، ويكون هو المدشَّن باسمه. إنما أين هم المناسباتيون والمحقَّق زازياً من خلاله ؟ المترجم )
=====
 
نورالادين زازا وهو في مناخ ثلجي
( لروح المغمور بمناخ ثلجي أن تعتمر بالحياة، إذ للثلج والاستمتاع بمعانقة الثلج وقته أيضاً . المترجم )
========
 صحيفة ” صوت كردستان ” والتي كان الدكتور نورالدين زازا ينشرها سنة 1949، في أوربا وباللغات: الفرنسية، الانكليزية ، والكردية.
( شهادة عيان على أن الخارج مقهوراً من حيث يعيش كرده متعدو الشعارات، داخل كرديته، كما يقول الاسم والمسمى في صحيفته بثلاثية لغاتها . المترجم )
=======
 في الصورة: وانلي، زازا، خليل شنكَالي، جنيف، سويسرا، 1978 
( صورة زمالاتية، رفاقية، كردية، أم حياتية، لمن سجّلت أسماؤهم أسفل الصورة . المترجم ) .
=====
 
Destnivîseke Nûredîn Zaza
مسوَّدة لنورالدين زازا
( ماالذي كان يتفكره زازا، وهو يسوّد صفحة، ويتهيأ لأخرى، وبأي وضع نفسي كان يسطّر ؟ المترجم ) 
 
نورالدين زازا، في إحدى لقطاته داخل حديقة
( زازا والاستحمام بخضرة الحياة، ليصبح هو نفسه حديقة ما. المترجم )
=======
 
من منشورات ” باهوز ” ملحمة ” ممي آلان “، للكاتب الدكتور نورالدين زازا، العدد 7، لسنة 1973 .
( الأثر أقدم منه شعبياً، غير أنه منحه حضوراً كردياً ببصمة منه، إلى الأمام، ليكون هو نزيل الأثر. المترجم ) .
======
 
حياتي ككردي، لنورالدين زازا، بالتركية، ويحمل ظهر الغلاف مجموعة صور له من كونه طفلاً، مروراً بالشباب وانتهاء بكونه أباً .
( مستويات أعمار، وفيها جميعاً يمون زازا، وما يعرَف به من سمات توجز الطابع الملحمي لحياته . المترجم ) .
========
 
( كتاب يستوقف الزمن، حيث الاسم نورالدين زازا، والعنوان: حياتي الكردية، بلسان فرنسي يتعدى حدود الغلاف. المترجم ) .
غلاف كتابه: حياتي الكردية، لنورالدين زازا، بالفرنسية
وتحت الكتاب ورد التالي: كتاب حياتي الكردية يسرد مغامرة إنسانية عظيمة: رحلة رجل وكاتب وزعيم سياسي ضحى بكل شيء من أجل القضية الكردية ، وقد عانى في عقله وجسده حتى ينعم شعبه بحقوقه السياسية. ، أبسط الحقوق الاثقافية والإنسانية…. وقد ولِد نور الدين زازا في كردستان العثمانية.وفي السادسة من عمره ، واجه المأساة ، عندما أسس مصطفى كمال تركيا الحديثة: حيث زُجَّ بوالده وشقيقه في السجن. وتيتَّم في العاشرة ، فلجأ إلى دمشق وقد درَس الفرنسية. ولاحقًا ، حاول الانضمام إلى حركة بارزاني الذي كان يناضل من أجل الحكم الذاتي الكردي ضد البريطانيين والعراقيين. وسجن لمدة عام ، ثم أفلح في الذهاب إلى بيروت حيث درس في جامعات فرنسية وأمريكية. وهاجر إلى أوربا ليحصل على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية والتربوية من لوزان. وأسس جمعية الطلاب الكرد في أوربا ، وعاد إلى دمشق ليؤسس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ، وكان أول رئيس له ، مما أدى إلى سجنه وتعذيبه. وأخيراً ، عاد إلى موطنه كردستان ، واضطر إلى الفرار من الاضطهاد التركي في عام 1967. ثم لجأ إلى لوزان حيث حصل على الجنسية السويسرية ، وقام بالتدريس حتى وفاته في عام 1987. وتعددت حالات اعتقالاته وهروبه وسجونه ، إن التعذيب الذي يتعرض له يجعل من حياتي الكردية كتاب مغامرة يحبس الأنفاس … وفي هذا العنف المفرط ، الذي يظل موضعيًا بالكامل ، يبدو أن الحنان والذوق لا يتلاشى في هذا الكتاب، البندق والعنب والتين “.
=======
 
by Rebwar K. Tahir
صورة فنية له بريشة ريبوار ك. طاهر
( الصورة تؤبد زمن صاحبها، والفن تمثيل لزمن مضاعف، حيث إشراقة التحدي تندلق خارج نطاق الوجه، كما لو أن الفنان أحد رسامي الإنطباعين البارزين الفرنسيين في القرن التاسع عشر. المترجم )
===
 
( ما كان لصورة كهذه، لراحل كبير، وباقي في فم الزمان تغريدا، أن يكون محتوى كتاب ما أبعده عما كان عليه زازا، ومَن كان وراء بُعده عن جغرافية وطنه كردستان، ومدّعي كتابة بينهما طلاق بائن في امتلاك الحد الأدنى من لغة التأمين على الحياة، بين الذين يستحقونها، ولو إلى أمد قصير زمنياً ، حيث يأتمر بأمر من لم يعثر عن ظل فعلي له، في واقع أمره الفعلي، إلى لحظة كتابة هذه الكلمة. المترجم !)
حول كتاب كوني ره ش، بهذه المناسبة، وكما ورد في مستهله ” قامشلو، 13-2/ 2019 “:
بمناسبة مرور مائة عام على ولادته، كان إعداد هذا الكتاب من قبله، وهو معنون بـ” نورالدين زازا 1919-1988 الكردي الذي لا يُنسى ” وبمثابة تكريم لروحه. ويذكر أنه كان سعيداً بكتابة الكتاب وإعداده، ويأتي على ذكر الذين آزروه في ذلك، ومن بينهم عبدالحميد درويش، وليقول عنه: طبعاً، فإن الأستاذ عبدالحميد درويش، كان رفيقه في المقام الأول، حيث أظهر أفكاره بصورة واضحة حول ذلك.
ليقول : في اعتقادي، أن كل من يقتفي أثر نورالدين زازا، لا يمكنه إيفاءه حقه في البحث، دون المرور بأخيه الدكتور أحمد نافذ، ولهذا انطلق منه أولاً” كما يقول “.
ليأتي من ثم على تخصيص زوجته بالشكر: أشكر من القلب زوجته جيلبرت فافر زازا، وأنحني أمام وفائها له.
هنا أتوقف وأتساءل: هل أن كوني ره ش، حقاً، في مستوى الوفاء لتاريخ الحقيقة المتعلقة بأشخالص استثنائيين من هذا القبيل؟ تفرض الحقيقة نفسها على الكاتب، وفي مجال دقيق كهذا، أن يكون موضوعياً: أن ينحّي عواطفه ومشاعر الشخصية جانباً. فهل لديه إرادة بحث علمية كهذه؟ لا.
أولاً، ليس من عنصر قرابة، كما أسلفت في القول، ولا بأي شكل بينه وبين زازا، الذي عاش مطارداً من كرده المعروفين قبل سدنة الأنظمة في الجوار، وعانى كثيراً، وجاءت كتاباته في ضوء هذه الكتابات. ماالذي عاناه كوني ره ش، لتكون كتابته ترجمان معاناته؟ وفي ظل من كتب وأعد كتابه ؟ أليس في ظل من كان ألد أعدائه، وعمل له تمثالاً نصفياً رغماً عنه، وهو في قبره، وأن كوني ره ش، ألقى كلمة بهذه المناسبة المهينة، وبحضور وجهاء المدينة: عرباً وسرياناً وغيرهم؟ وبهذا الصدد، هل حقاً أنه أعلَم زوجته بما يقوم به، وكيف أنجز كتابه اللاكتاب الفعلي هذا، وهي التي استنفرت الدنيا محتجة على إجراء تعسفي بغيض، تجاه تصرف عبدالحميد الذي يشيد به ره ش، ولم تفلح في الحيلولة دون ذلك، كما هو معلوم، وحيث ترجمت المقال الدال على هذا الإجراء، وقبل عشر سنوات ؟
ليس لدى زوجة الراحل زازا، علم بحقيقة كتاب ره ش، وتصرفاته، وهو يعرف كيف يلازم ظل هذا وذاك.
بالمقابل، أليس مهيناً للراحل، ولما هو كردي، أن يتعاون معه أولئك الذين ذكِرت أسماؤهم، وعلى إثر جريمة درويش في نصْب التمثال النصفي، وفي الموقع الذي استفز زوجته، وهم على بيّنة مما جرى، ومما أثير في الصحافة الالكترونية وغيرها، وكنت من بين الذين تعرضوا لهذا الأمر.
“طنجرة لقت غطاها ” هكذا تكون علاقة ره ش بالذين يكتب باسمهم، أو ما يرضيهم، ليكون الصورة الدقيقة والصريحة في بؤسها للثقافة الكردية المتداولة هنا وهناك.
                             * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
د. نور الدين ظاظا.. ما لم يقله في مذكراته 

د. ولات ح محمد
عام 1956 عاد الدكتور نور الدين ظاظا إلى سوريا حاملاً شهادة الدكتوراه في علوم التربية من جامعات سويسرا بعد نيله درجة الإجازة في العلوم السياسية من بيروت. في العام التالي أعلن مع مجموعة من رفاقه عن تأسيس أول حزب كوردي في سوريا برئاسته هو، إذ وجد فيه رفاقه الذين انتخبوه لهذا المنصب جدارة للاضطلاع بتلك المهمة، ليس لعمله وثقافته فقط، بل لماضيه النظيف الذي خاض فيه حتى تلك اللحظة معارك فردية كثيرة محاولاً من خلالها نشر قضية شعبه في المحافل الدولية والمؤتمرات التي كان يدعى إليها بوصفه ممثلاً عن الطلبة الكورد في أوربا، كما تمثل جزء من نشاطه ذاك في العمل الإعلامي في كل من أوربا وبيروت قبل ذلك. وكان في مرحلة الشباب قد تعرض للاعتقال والتعذيب في مناسبات عدة. 
بعد ثلاث سنوات شنت سلطات الجمهورية العربية المتحدة حملة على أعضاء الحزب الذي كان يعمل في السر وألقت القبض على كثيرين منهم (ومنهم الدكتور ظاظا) بتهمة إنشاء تنظيم سري يدعو لاقتطاع جزء من الأراضي السورية وضمها لدولة أخرى. داخل السجن ثم خارجه فيما بعد تعرض الدكتور ظاظا لحملة تشهير وتخوين من طرف بعض رفاقه ما زالت موضع جدل واختلاف حتى اللحظة. فما أسباب تلك الحملة وتلك الاتهامات؟ ومن قام بها؟ وكيف دافع المتهم عن نفسه؟ وما الذي تسبب في ذلك الخلاف أساساً؟. 
أساس الخلاف
في أثناء محاكمات أعضاء الحزب المعتقلين نشب خلاف بين المناضلين أوصمان صبري (سكرتير الحزب) ونو الدين ظاظا (رئيس الحزب) حول الطريقة التي يجب عليهم أن يقدموا بها إفاداتهم أمام المحكمة؛ فالعم أوصمان صبري كان يرى ألا يتنازلوا عن مبادئهم التي آمنوا بها وأن يعلنوا جميعاً أمام القاضي عن السبب الحقيقي لإنشاء الحزب وهو “تحرير وتوحيد كوردستان” لأن هذا الاعتراف ذاته نوع من الإصرار على حقوقهم المشروعة. أما الدكتور ظاظا فكان يرى أن يقولوا في مرافعاتهم إن أهداف الحزب تقتصر على إزالة الممارسات العنصرية بحق الكورد والمطالبة بالسماح لهم بالتعلم باللغة الكوردية ومساواتهم مع باقي المواطنين. ولفهم أساس الاختلاف في وجهتي نظر المناضلين سنقرأ فيما يأتي بضعة أسطر مما جاء في مذكرات كل منهما:
يقول مقدم كتاب مذكرات أوصمان صبري: “كان عثمان صبري جريئاً وصامداً أمام القاضي الفرد العسكري أمام محكمة أمن الدولة، دافع عن مبادئ البارتي وشعاراته كما هي، واعترف بشجاعة بأن تحرير وتوحيد كردستان من مبادئ البارتي وأن كردستان تدخل في أراضي سوريا من ثلاثة مواقع وهي: الجزيرة، عين العرب (كوباني) وعفرين، وأنه يؤيد دولة كردستان ويتعاطف مع نضال شعبها. وإن كان بينه وبين نفسه قد يستثقل بعض هذه المقولات ويراه غير واقعي، لكنه لم يتخاذل ولم ينهزم ما دام أنه من صلب المنهاج ومقررات الحزب” (ص12 ـ المقدمة).
من جهته ينقل الدكتور ظاظا في مذكراته هذا الحوار الذي يدور بينه وبين وقاضي المحكمة في حلب، إذ يسأله القاضي:
ـ هكذا، أتريد إذاً أن تقتطع جزءاً من سورية لإنشاء دولة كوردية كبرى؟ …
ـ (…) بالنسبة لإنشاء دولة كوردية، هذا ليس سوى حلم لا يعلم سوى الله متى وكيف سيتحقق. (…) نطالب باحترامنا في الجمهورية العربية المتحدة لأننا كورد، كما نطلب السماح لنا بتطوير ثقافتنا والاستفادة من دعمها في هذا المجال والتمتع بالحقوق الممنوحة لجميع المواطنين الآخرين” (ص118). 
هذا الفرق الجوهري بين موقفي الرجلين أمام المحكمة هو الذي أدى آنذاك إلى نشوب الخلاف المشهود بينهما داخل السجن. وبطبيعة الحال كان لدى كل منهما داخل السجن وخارجه من أيده ووقف موقفه وسار على دربه. وقد رأى قسم من الحزبيين (مدفوعين بالعاطفة والانفعال وردة الفعل) في موقف الدكتور ظاظا تراجعاً عن مبادئ الحزب وخيانة لها ولرفاقه الذين رأوا أنه ورطهم بشعار كبير ثم تراجع عنه. أما من سوغ للدكتور ظاظا موقفه فقد رأى فيه تكتيكاً وخطوة عملية من أجل تخفيف الأحكام على نفسه وعلى رفاقه. وهناك من يردد هذه الفكرة حتى الآن، فهل كان موقف ظاظا حقاً تكتيكاً ووسيلة لتحقيق غاية؟.     
إن ما يورده ظاظا في مذكراته يدحض هذه الفرضية ويُظهر أن موقفه أمام المحكمة لم يكن تكتيكاً لتخفيف الأحكام عنه وعن رفاقه، بل قناعة تولدت لديه في السجن وترسخت فيما بعد. ما يدفعني إلى هذا الرأي ثلاثة أمور وردت في مذكرات الدكتور ظاظا: الأول أنه يثبت في كتابه الإفادات التي أدلى بها أمام القاضي في المحكمة كما هي، ولا يشير إلى أنه قال ذلك آنذاك تكتيكاً. علماً أنه كتب سيرته الذاتية بعد خمسة عشر عاماً من مغادرته سوريا وبعد أن استقر في سويسرا وحصل على جنسيتها وأصبح في مأمن تام وفي حل من أي حرج بعد أن ترك العمل السياسي الحزبي. فلو كانت تلك الإفادات تكتيكاً لكان من المفترض أن يشير إلى ذلك. الأمر الثاني الذي يدعوني إلى هذا الاستنتاج أنه في سيرته الذاتية يتجنب ذكر اسم الحزب الذي أسسه مع رفاقه وهو “الحزب الديمقراطي الكوردستاني”، فحتى عندما يذكر خبر تأسيس الحزب يقول إنهم أسسوا “الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا”، ولا يشير إلى اسمه الأصلي ولا يتحدث عن هدف الحزب الأول “تحرير وتوحيد كوردستان”، بل يتحدث عن الحقوق الثقافية والمساواة مع بقية المواطنين وعدم ممارسة العنصرية ضد الكورد كما سبق القول. أما الأمر الثالث فهو أن الدكتور ظاظا يتحدث عن أهدافه من إنشاء الحزب، وهي ذاتها التي جاءت في إفاداته أمام القاضي، إذ يقول: “في نهاية عام 1957 تحقق الحلم، فقد أصبح الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا حقيقة واقعة، وكانت أهدافه تكمن في الدفاع عن الكيان القومي لكورد سوريا، وتأمين الحقوق الثقافية والإدارية لهم (في إطار نظام ديمقراطي لمجموع البلاد)” (ص108). مع الإشارة إلى أن عبارة “الكيان القومي” فضفاضة ومضللة، فهي قد تعني الدولة كما قد تعني إدارة ذاتية.
إن هدف الدكتور ظاظا ـ كما أرى ـ من تدوين مواقفه وآرائه أمام المحكمة في مذكراته، وإظهارها على أنها هي نفسها الأهداف التي تأسس عليها الحزب منذ البداية هو القول للجمهور الكوردي إن موقفه أمام المحكمة لم يكن جبناً أو تخاذلاً أو خيانة، بل قناعة وموقفاً راسخاً ومبدئياً وتكرارأً للمبادئ التي تأسس عليها الحزب. ولكن مع ذلك لا بد أن هناك شيئاً ما قد تغير في موقف ظاظا أمام المحكمة هو الذي أضرم الخلاف بينه وبين رفاقه، بدليل أن ذلك الخلاف لم يكن قائماً قبل اعتقالهم، بل كانوا جميعاً متفقين على كل شيء ومنسجمين في طروحاتهم داخل الإطار الحزبي الجامع. ولذلك لابد لنا من طرح هذا السؤال: إذا كان هؤلاء القادة جميعاً أسسوا الحزب معاً متفقين على شعاره وبرنامجه، وإذا كان الدكتور ظاظا من مؤسسي الحزب وقبل رئاسته تحت ذلك الشعار، فما الذي جعل قناعته تلك تتغير بعد الاعتقال؟.
لا يتحدث ظاظا بطبيعة الحال في كتابه عن أي تغيير في قناعاته، بل يصور الموضوع وكأن موقفه أمام المحكمة هو موقفه قبل الاعتقال ومنسجم مع مبادئ الحزب. وهذا غير صحيح بدليل أن الموقف قد انفجر داخل السجن وفي أثناء المحاكمات وليس قبل ذلك. أما تفسير هذا التحول فهو أن صدمة الاعتقال ربما وضع ظاظا مباشرة أمام الواقع ليكتشف أن المسألة أكبر مما كان يتصور أو أنها أخذت مجرى آخر لم يقصده؛ فشعار “تحرير كوردستان” كان يرفعه الكورد القادمون من شمال كوردستان (خويبون مثلاً)(1) ومنهم الدكتور ظاظا، وكان المقصود به كوردستان الشمالية بالدرجة الأولى، رداً على المظالم التي مارسها النظام التركي الكمالي آنذاك بحق الكورد، بينما وجد ظاظا نفسه فجأة يقف مع رفاقه أمام محكمة سورية (وليس تركية) توجِّه له تهمة السعي لتقسم سوريا (لا تركيا). وهذا ربما لم يقصده ظاظا عندما شارك في تأسيس الحزب وقبل رئاسته. وهذا هو السبب الذي ربما دفعه للتخفيف من أهدافه ومطالبه أمام القاضي بما يتماشى مع وضع الكورد السوريين آنذاك. من هنا أتصور لو أن ظاظا وقف أمام محكمة تركية لأصر على هدف الحزب الأول كما أصر العم أوصمان صبري بروحه النضالية الثورية والمبدئية.  
في هذا الإطار هناك من يرى أن تغيير الدكتور ظاظا موقفه يعبر عن واقعيته مقابل طوباوية العم أصمان صبري ورفاقه البعيدين عن الواقع آنذاك. ولكن أصحاب هذا الرأي يتناسون أن الدكتور ظاظا نفسه وافق العم صبري والآخرين على تأسيس الحزب على تلك الأهداف الخيالية آنذاك. إذا كان ظاظا تراجع في السجن عن شعار “تحرير وتوحيد كوردسان” لأنه شعار غير واقعي (وعلى هذا الأساس اختلف مع الآخرين) فإنه كان شريكهم في صياغة هذا الشعار واتخاذه الهدف الأول لتأسيس الحزب. وإذا 
كان في ذلك خطأ وبعد عن الواقع فهو شريك في ذلك. وباعتباره أكثر وعياً وواقعية كان عليه أن لا يوافق على ذلك منذ البداية.
كيف دافع د. ظاظا عن نفسه؟
بعد سنوات من الملاحقة والمضايقة يغادر الدكتور ظاظا سوريا عام 1967 إلى تركيا ومنها إلى سويسرا. من المؤكد أنه كان يفكر بطريقة يثبت بها براءته من التهم التي وجهها بعض رفاقه إليه ويصحح تلك الصورة المشوهة التي تكونت عنه في الشارع الكوردي، وهو الذي تحمل الكثير من الأذى ومارس الكثير من النشاطات في سبيل إسعاد ذلك الشارع. ويبدو أنه وجد بعد خمسة عشر عاماً من خروجه في كتابة مذكراته الوسيلة الأفضل للرد على متهميه وإبراز صورته الحقيقية وليضع بالمقابل خصومه موضع الاتهام. لذلك يخلو الكتاب تقريباً من الحديث عن الحياة السياسية الحزبية لظاظا التي دامت نظرياً قرابة العشر سنوات (1056 ـ 1966) وعملياً خمس سنوات، كما لا يأتي على ذكر أي شيء يتعلق بالاختلاف أو الخلاف الذي حصل وما تبعه من اتهامات، ولكنه في المقابل يتحدث بالتفصيل عن التعذيب الذي تعرض له ظاظا شخصياً من أجل قضية شعبه وعن شجاعته داخل السجن، إضافة إلى الخدمات التي قدمها لقضيته عبر الإعلام والندوات والمحاضرات ومشاركاته في المحافل الدولية، ليجعل منها مرافعة متأخرة يدافع بها عن نفسه وينفي عنها التهم الموجهة إليها، إذ يلجأ لتحقيق هدفه هذا إلى وسيلتين:
1 ـ إظهار شجاعته داخل السجن مقابل جبن الآخرين: 
يسرد ظاظا في كتابه الكثير من مشاهد التعذيب التي تعرض لها في فترة اعتقاله الأخير، بل حتى في فترة الشباب عندما حاول الالتحاق بثورة البارزاني فاعتقلته السلطات العراقية آنذاك. ينقل ظاظا مشهد أول يوم من وصولهم إلى سجن المزة قادمين من حلب، فيقول إن مدير السجن استقبلهم قائلاً “أيها القذرون الخائنون للقضية العربية تريدون، إذاً، إنشاء الله، دولة كوردية في قلب العالم العربي. (…) فانهالت علينا ضربات السياط والقبضات والجزمات. (…) وكان رفاقي يركضون إلى اليمين واليسار وإلى الخلف ليتجنبوا الضربات، أما من جهتي فقد بقيت صامداً في مكاني. (…) ضربني أبو العبد ضربة أخرى على خدي الأيمن فألصقني بالجدار. (…) وحينما استعدت وعيي، نُقلت إلى ممر طويل حيث رأيت رفاقي خاضعين لنزوات حلاقين بلا استعداد مسبق”. (ص119 ـ 120). وفي مشهد آخر يأمر السجان بأن يركع جميع المعتقلين في المهجع، فينفذ الجميع أمر السجان ما عدا الدكتور ظاظا الذي يرفض الركوع فيحصل لنفسه على الإعفاء من السخرة ويلغي فيما بعد للجميع عادة التركيع (ص122 ـ 123) وكذلك (ص131 ـ 132). 
إضافة إلى نقل صورة السجن وأساليب السجانين الوحشية وما عاناه المناضلون من عذاب على أيدي سجانيهم آنذاك، يبدو أن غاية الدكتور ظاظا من نقل مثل هذه المواقف  من داخل السجن (وهي كثيرة في كتابه) هو الرد على الذين اتهموه بالتنازل خوفاً وجبناً ليقول لهم إنكم أنتم من كنتم تهربون من ضربات السياط بينما بقيت أنا في مكاني صامداً تحت ضربات السياط واللكمات حتى أغمي عليّ، أنتم الذين كنتم تخافون من التعذيب وتطيعون الأوامر، بينما كنت أقاوم وأرفض الأوامر، وأنتزع لي ولكم العفو وأحفظ لي ولكم كرامتنا في المعتقل. يحاول ظاظا أيضاً من خلال هذه المواقف وغيرها أن يظهر للقارئ ولرفاقه أنه كان يتصرف كقائد ومدافع عن حقوق المجموعة حتى وهو في السجن وفي تلك الظروف الصعبة. وبالتالي يريد القول في النتيجة إن من وقف وصمد في وجوه كل أولئك الجلادين وتحمل كل ذلك العذاب لا يتنازل عن موقفه جبناً وتخاذلاً كما يدعي من يتهمني.
بهذا المعنى يبدو أن هدف الدكتور ظاظا من كتابة سيرته الذاتية ليس تسجيل حقبة من تاريخ الحركة السياسية الكوردية (التي لم يتحدث عنها) بقدر ما هو تقديم ما يثبت براءته أمام الشعب الكوردي وإظهار صورته الحقيقية التي تكشف عن مناضل مؤمن بحقوق شعبه شجاع مقاوم يتحمل الألم لا يتنازل ولا يخاف. ذلك على العكس من الصورة المشوهة التي روج لها خصومه عن قصد (وبعضهم عن جهل) لإلحاق الأذى به وتحقيره في عيون الناس وإبعاده عن المشهد. ولذلك يقول رداً على سؤال لمحطة تلفزيونية حول كتابه “كتبت مذكراتي عام 1982 لأنني أردت أن يعلم الناس ما تعرضت له في السجن من تعذيب وشتم وإهانة”. 
هذا صحيح، ولكن لماذا يريد للناس أن يعرفوا ذلك؟ الجواب لأن في ذلك شهادته براءته من تهمة الجبن والتخاذل والخيانة. ولذلك تشغل المساحة الأكبر من كتابه المشاهدُ والمحطات التي تعرض فيها للتعذيب والتنكيل والملاحقة، إضافة إلى المحطات التي حاول فيها عبر منابر الثقافة والإعلام تقديم شيء من أجل قضية شعبه، ليقول من خلالها: هل من فعل كل ذلك وعانى من كل ذلك من أجل شعبه يمكن أن يتنازل عن حقوق ذلك الشعب؟.
2 ـ الإيحاء بوشاية رفاقه به:
في مواضع عدة من كتابه يكتب ظاظا عبارات (وهي الوسيلة الثانية للدفاع لك، 
عن نفسه) توحي للقارئ بأن أولئك الذين يتهمونه بالتخاذل والخيانة هم الذين وشوا به بعد اعتقالهم. لذلك يحرص على تثبيت تواريخ الاعتقال فيكتب: “وبعد عملية مراقبة لعدة أشهر، وفي الخامس من آب 1960 أوقف هؤلاء المسؤولين واقتيدوا إلى قبو التعذيب في حي الجميلية في حلب، وعذبوا وضربوا بالفلقة لمدة ثلاثة أيام بلياليها، فشد جلادهم الحبل بقوة حتى إن لحم سيقانهم تقطع تماماً. أما بالنسبة للسياط فقد حولت هي بدورها أقدامهم إلى كرات منتفخة جداً. وكانت الجزمات العسكرية تأتي باستمرار على رؤوس وبطون والأعضاء التناسلية لرفاقنا بقصد إنهاكهم. وحطمت روح المقاومة لدى بعضهم، مما أدى إلى أن يتحدثوا عن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ويبوحوا بالأسماء. (…) أما من جهتي فقد أوقفت في 8 آب 1960” (ص109). 
أما عن اليوم الأول لاعتقاله بتاريخ 8/8/1960 وأخذه إلى سجن مفوضية الشرطة فيقول ظاظا: “وبعيد الظهر، وعبر الباب المنفرج قليلاً لحجرة كبيرة مليئة بالسجناء لمحت رأس (عثمان صبري) وهو مناضل كوردي في الستينيات من عمره والشريك المؤسس للحزب الديمقراطي الكوردي في سورية وعضو اللجنة التنفيذية. واستنتجت من ذلك فوراً أن المباحث كانت قد قامت بكبسة (حملة) وألقي القبض على عدد كبير من رفاقنا”(ص111). يريد ظاظا ـ كما يبدو ـ أن يوحي للقارئ بأن القيادات الأخرى وقسم من الأعضاء قد تم اعتقالهم وتعذيبهم بشدة قبل اعتقاله هو وإنهم لم يتحملوا فوشوا به وبمكان عمله، بينما يقول مقدم مذكرات العم أوصمان صبري إنه تم اعتقال صبري بتاريخ 12/8/1960 (ص12)، أي بعد اعتقال ظاظا بأربعة أيام وليس قبله. ويبدو أن مسألة التواريخ مهمة في هذا الإطار.  
يصر ظاظا بعد تلك المقدمات للتصريح بمقصوده؛ ففي مساء ذلك اليوم الأول يتم تفتيش منزله ثم مكتبه ولا يعثر الشرطة على شيء فيقول الضابط للعناصر إنهم لم يجدوا إثباتات تدين قيادات الحزب السري وإن عليهم البحث عنها لدى المرؤوسين والعناصر. يقول ظاظا معلقاً على كلام الضابط “لقد أثارت هذه الكلمات ظنوني وأتاحت لي تفسير اللغز الذي كان يشغل بالي منذ الصباح ألا وهو أن بعض الرفاق الذين ضُبطوا متلبسين بالجريمة اضطروا للوشاية بي” (ص111).
إن مثل هذا الكلام ليس فقط دفاعاً عن النفس وتبرئة لها، بل هجوماً مضاداً على خصومه واتهامهم صراحة. وهذا يعني أنه كان ثمة شكوك واتهامات متبادلة منذ اللحظة الأولى، وأنه تحت وطأة الاعتقال والصدمة ربما يكون الدكتور ظاظا قد وجه اتهامات لرفاقه داخل السجن بأنهم تحت التعذيب قد وشوا به (وهو رئيس الحزب) فردّ عليه رفاقه فيما بعد بأنه قد تنازل عن مبادئ الحزب وشعاراته جبناً وخوفاً. وهذا يدفعنا للادعاء بأن ما لم يقله ظاظا في كتابه أكثر مما قاله، وأن السطور تخبئ بينها وخلفها الكثير، وأن الحقيقة واحدة ولكنها قد تكون مقطعة بين كثيرين، يمسك كل واحد منهم بقطعة منها، ومن أراد معرفتها عليه جمع تلك القطع من كل الأطراف حتى تكتمل الصورة.
من المؤكد أن هناك من استغل ذلك الخلاف وتلك الحملة من الدعاية والتخوين ضد ظاظا وراح ينفخ في النار أو في الرماد كلما خفت الجمر تحته ويؤجج المسألة ويضخمها كي يتخلص منه (من باب المنافسة غير الشريفة طبعاً). إذا كان ثمة اختلاف في وجهة النظر بين شخصيتين وطنيتين نزيهتين حرص كل منهما على خدمة شعبه بالطريقة التي يراها صحيحة، فما كان ينبغي لذلك الخلاف أن يؤدي إلى تخوين أحدهما بأي حال من الأحوال. ولكن للأسف من عادة السياسي الكوردي أن يلجأ إلى هذه الطريقة لضرب من يختلف معه ليظهر نفسه في أجنحة ملاك رحيم والآخر في قرون شيطان رجيم.
مما سبق أود أن أختم هذه الورقة بمفارقتين لهما دلالات عميقة كما أرى:
المفارقة الأولى: في الوقت الذي كان يقاسي المناضلان ومؤسسا الحزب صبري وظاظا عذابات الاعتقال ومن ثم (بعد الإفراج عنهما) الملاحقة والنفي والإقامة الجبرية، في الوقت ذاته كان رفاقهما يجتمعون لا لـ لملمة الحزب الذي أسسه الرجلان، بل لتقسيمه شطرين وتقاسمه بين يسار ويمين. وهو الحدث الذي غاب عنه الرجلان معاً. وهذا ربما يشير من طرف خفي إلى الغرض من حملة التشويه التي تعرض لها ظاظا.
المفارقة الثانية: المناضلان اللذان عملا بإخلاص من أجل قضية شعبهما ودخلا السجون وذاقا صنوف العذاب والتعذيب والملاحقة والحرمان، ثم اختلفا على أسلوب إدارة الأزمة، تركا ساحة المعركة السياسية بعد تلك التجربة المريرة، وانزوى كل منهما في زاويته الفردية الخاصة منصرفاً إلى قضاياه الثقافية مكتفياً بمتابعة المشهد من بعيد ليرى الآخرين (وبعضهم من أصحاب الدعاية) يتهافتون على القصعة يتنازعون على ما تبقى فيها ويتقاسمونه ويقسمونه. وتلك كانت فاتحة الشر التي على مدى خمسين عاماً فتحت الباب على تفريخ أكثر من خمسين حزباً، يدعي معظمهم الآن أنهم كانوا يوماً ما رفاق الدكتور نور الدين ظاظا، حتى وإن كان ذلك بلقاء عابر أو بالتقاط صورة معه أو حتى بمشاهدته من بعيد.
(1) ـ يقول عثمان صبري في مذكراته “لقد سمعت من ابن عمي الذي زار سوريا من قبل أن هناك حزباً سياسياً باسم خويبون، ويهدف هذا الحزب إلى استقلال كردستان. وكان من أعضائه عائلة بدرخان باشا وجميل باشا إبراهيم وأبناء شاهين بك (بوظان بك ومصطفى بك)، وحاجو آغا وأكراد آخرون…” ص113. 
المراجع
ـ عثمان صبري: مذكرات الأستاذ عثمان صبري (1905 ـ 1993). ترجمة: هورامي يزدي / دلاور زنكي. مطبعة أميرال، بيروت، ط1، 2001.
ـ د. نور الدين زاز: حياتي الكوردية.. أو صرخة الشعب الكوردي. ترجمة روني محمد دملي. دار ئاراس، أربيل، ط1، 2001.
ـ فيديو حوار تلفزيوني مترجم أجرته قناة سويسرية مع الدكتور نور الدين ظاظا.
                             * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
شهيد البارتي.. القائد الذي تجرع السُم مرتين

ماهين شيخاني
اثر حملة أمنية واسعة بسبب موقفهم السلبي من الوحدة السورية ـ المصرية, اعتقل قيادة الحزب في آب  (1960) وحدث في السجن اختلاف في وجهات الرأي، حول الأسئلة التي وجهت إليهم من قبل قاضي التحقيق العسكري،  فيما إذا كانوا جمعية أو حزب، وتزعم كل من الدكتور زازا، وعثمان صبري طرفي الخلاف، مما أدى إلى حدوث انشقاق في الحزب في 5 آب 1965، إلى تيارين متخاصمين باسم اليسار واليمين. ومع أن كل طرف من طرفي الانشقاق، ادعى انه يمثل وجهة نظر احد قطبي الحزب السابقين.
لقد دفعت الصدمة التي نجمت عن انشقاق الحزب، الى مطالبة البارزاني الخالد من طرفي النزاع الى الحضور الى منطقة نوبردان بكوردستان العراق في سنة 1970، وهو قائد يحظى بالشعبية الطاغية بين الكورد السوريين، وكذلك دعا عددا من المستقلين الوطنيين، بغية توحيد الحزب، وعلى الرغم من ان (اليسار) و(اليمين)، اتفقا على مبدأ الوحدة، إلا أنهما تفرقا، الأمر الذي دفع الأكثرية، للامتثال لمبدأ الوحدة، وأطلقت عليهم تسمية (القيادة المرحلية) بزعامة دهام ميرو ورفاقه المؤمنين بنهج وحدة الكورد, شهد (البارتي) منذ انعقاد المؤتمر الوطني التوحيدي الأول في آب 1970، برعاية البارزاني بمنطقة نوبردان، إلى وقت انعقاد المؤتمر الحزبي الثاني 1972، سلسلة من الأزمات السياسية والتنظيمية والهزات العميقة، وهنا لابد أن نشير أن الموضوع يحتاج إلى صفحات ولكن تلك الظروف الغير طبيعية، كانت بمثابة إرهاصات لابد منها، ليكتمل صمود الحزب، وليتخلص من الشوائب التي كانت تؤثر على بنيته وتمنعه من أن يلعب الدور المرجو منه، و كان جلياً أن الحزب بدأ باستقطاب الإقبال الجماهيري الواسع، على العكس  من تياري (اليسار)و(اليمين) اللذان تلقيا ضربات موجعة في حجم التأييد الشعبي لهما، وأصبحت شرائح كثيرة من أبناء الشعب الكوردي، تنظر إلى قيادة كل من التيارين، نظرة القيادات الباحثة عن مصالحها الحزبية الضيقة، وضرب تجربة الوحدة عرض الحائط، على العكس من تيار (الوطنيين الكورد) الذين أصبحوا نواة (البارتي) وقوته الفاعلة على الساحة الكوردية في سوريا، باعتباره الوحيد الذي امتثل لمبادئ الوحدة.
والتزمت قيادة الحزب القيام بما يتطلبه الوضع الكوردي في سوريا من المتطلبات السياسية، ومن اجل ذلك عقدت العديد من الاجتماعات الحزبية والندوات الجماهيرية، متأثرين في ذلك بما كانت يتطلبه الوضع من الضرورات الملحة، وهي أمور في مجملها كانت تقلق الأجهزة الأمنية السورية، وما كانت تطيق أن ترى (البارتي) يحظى بالشعبية ويعيد ألقه السابق، وأن يتمتع قادته بالاحترام والمكانة اللائقة في قلوب أبناء شعبهم، ولوضع حد لذلك ، بادرت إلى اعتقال سكرتير الحزب دهام ميرو مع عدد آخر من أعضاء القيادة والشخصيات القومية المؤيدة للحزب في31 تموز بسبب إصدار الحزب بيان عن إجراءات الحكومة لتنفيذ خطوات مشروع الحزام العربي في المناطق الكوردية 1973، ولأن تلك الخطوة، كانت جرس إنذار نبهت مجمل تيارات الحركة القومية الكوردستانية، والتي رأت فيه عملاً وإجراءاً تعسفياً، يهدف إلى النيل من طليعة الحركة القومية الكوردية في سوريا، وفي ذاك الإطار المؤيد المساند، جاء في العدد (19)، لسنة 1973 من مجلة الكادر الخاصة بالحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق-(البارتي)، إن السلطات السورية ألقت القبض على سكرتير (البارتي) دهام ميرو ، وأعضاء القيادة: محمد نذير مصطفى، كنعان عكيد، خالد مشايخ، عبد الله ملا علي، ومحمد فخري وإنهم لا يزالون رهن الاعتقال، وإن (البارتي) في العراق يرفض مثل تلك الممارسات والأساليب.
شعر أبناء الشعب الكوردي في سوريا باهتمام بالغ، في ما بدا أنه تكرار لتجربة اعتقال قادة حركته القومية في آب 1960 القاسية، وسرعان ما بدا جلياً للعيان، أن رجلاً واحداً بإمكانه إدارة دفة الأمور في الحزب، كان ذاك الشخص العضو القيادي المثقف عبد الحميد السينو (1940-1984) ومن اجل ذلك انتخب سكرتيراً ، حيث استطاع تثبيت وتأسيس دعائم الحزب ببقائه أميناً لمبادئ وتعاليم الحزب في تلك الظروف البالغة التعقيد، إلا أنه اعتقل هو الآخر في خريف 1975، فمن هو عبد الحميد السينو…؟. :
الراحل عبد الحميد السينو عام تولد 1940 من قرية كركوند التابعة لناحية الدرباسية , هو سليل عائلة وطنية تشهد لهم التاريخ والشعب بحبهم لقوميتهم وكان من الذين جسدوا في شخصيتهم وعملهم تلك المبادئ السامية في العمل الحزبي والوطني والقومي, نهل من ينبوع المبادئ الوطنية والقومية في بيئة عرفت كيف تحافظ على تواصلها مع حركة شعب مضطهد تطالب بأبسط الحقوق الإنسانية.
حيث انتسب عبد الحميد إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في أواخر الخمسينات, وهو لا يزال طالباً لم يتم المرحلة الثانوية, ناضل إلى جانب رفاقه الأوائل جنباً إلى جنب في مرحلة دقيقة وصعبة من النضال السياسي الكردي المنظم في سوريا . نال الشهادة الثانوية في بداية الستينات, وانتسب إلى كلية الحقوق في جامعة حلب, وفي تلك الفترة وعند تعرض الحزب للملاحقة الأمنية وسجن بعض قادته, كان هو من ضمن الذين لوحقوا. وفي عام 1963 توجه إلى أوربا (فرنسا) لينتسب إلى كلية العلوم السياسية والاقتصادية, حيث بدأت مرحلة جديدة في حياته النضالية. في فرنسا تواصل مع حركة الشعب الكردي, و وقف إلى جانب ثورة أيلول بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني, و رئيسه المناضل مصطفى البارزاني. تعرف على سليل العائلة البدرخانية د.كاميران بدرخان ممثل الثورة الكردية, عمل بتوجيهات منه, و مثّل طلبة الأكراد في فرنسا في مؤتمر الجمعية عام 1965. لكن لظروف اقتصادية لم يستطع إتمام الدراسة في فرنسا, توجه إلى ألمانيا الشرقية و إلى برلين تحديدا ليكمل دراسته بعد حصوله على منحة دراسية, ليبدأ مرحلة أخرى في حياته, وذلك بمعايشة نمط الحياة في المجتمع الاشتراكي.
شارك في أغلب مؤتمرات جمعية الطلبة الأكراد في أوربا المنعقدة بين أعوام 1964-1970, حيث انتخب عضواً في رئاسة الجمعية لعدة سنوات.وفي هذه الفترة ناضل بثبات ضمن نهج الكردايتي مناصراً للحق الكردي و مؤيداً لثورة أيلول الوطنية بقيادة البارزاني الخالد. حتى كان بيان 11 آذار التاريخي وانتصار الثورة الكردية, الذي أنعكس ايجابياً على الوضع السياسي الكردي في سوريا وتجسد في دمج شقي الحزب (البارتي) في المؤتمر الأول للحزب فأنتخب إلى جانب رفيقين آخرين ممثلين عن طلبة الأكراد السوريين كأعضاء في ذلك المؤتمر التاريخي . عاد إلى أرض الوطن في أواخر 1971 بعد نيله الدبلوم في العلوم السياسية والاقتصادية ليكمل مشوار النضال بين صفوف الشعب الكردي, وعلى أرض الوطن, فاختاره الحزب كمرشح له في الانتخابات الإدارة المحلية , و التي شهدت التفافا جماهيرياً حول قائمة الحزب حتى أجبرت السلطات على التدخل في الليلة الأولى ولتملىْ صناديق الاقتراع بالضد من إرادة الناخبين لصالح مرشحيها.
وفي عام 1972 توجه مع رفاقه أعضاء المؤتمر الحزبي الأول للبارتي إلى كردستان العراق حيث انتخب عضواً في اللجنة المركزية ومن ثم في المكتب السياسي. قاد الحزب مع رفاقه بجدارة, فكان   والاعتقالات الجديدة وعلى مستوى قيادة الحزب, لتبدأ مرحلة الحياة السرية والملاحقة, فكانت صفوف الشعب خير ملاذ آمن. انتخب سكرتيراً للحزب بعد اعتقال سكرتير الحزب المناضل حج دهام ميرو عام 1973, بقي أميناً للمبادئ البارتي الوطنية والقومية في أحلك الظروف إبان نكسة آذار1975 للثورة الكردية في كردستان العراق, واجه وتحدى هو والبعض من رفاقه الظروف السياسية الصعبة التي واجهت الحزب والثورة الكردية بعزيمة لا تلين, و المضي قدماً في النضال إلى أن تم اعتقاله في خريف عام 1975, وأفرج عنه وعن رفاقه عام 1980بعد ذلك قدم طلب العودة إلى صفوف الحزب, وهو الوحيد من بين رفاقه المعتقلين رفع طلب عودته, ليناضل ضمن صفوفه من جديد,واضعاً نفسه تحت تصرف قيادته,ولكن لظروف معينة في الحزب تم تجاهل تلك الرغبة الصادقة في العودة إلى الحزب, وبقي على عهده في الدفاع عن نهج البارتي حتى وافته المنية في /16/10 /1984 وحسب بعض المصادربسبب المادة السمية التي كانت تدس  له في الطعام وهو(نوع من السموم- السيانيد) يستخرج من بذور الفاكهة وهناك نوع أشد فتكاً يستخرج من اللحم المتعفن والبطاطا) .
                             * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
نورالدين زازا السياسي والمثقف

عدنان بدرالدين

مابين 1919 تاريخ مولده في بلدة “مادن” بولاية العزيز في كردستان الشمالية، ووفاته في 1988 في لوزان بسويسرة، عاش “يوسف زيا” المعروف ب”نورالدين زازا” 69 عاماً حافلة بإكتساب المعرفة، والكتابة الإبداعية، والنشاط السياسي، والعمل الأكاديمي والإعلامي، وكان ترأسه لأول حزب قومي كردي، بالمعنى الفعلي لكلمة حزب في آواخر خمسينات القرن المنصرم، ذروة سنوات من النضال الملحمي من أجل قضية الشعب الكردي، وذلك قبل أن يفتر حماسه بعد إصطدامه بالواقع السياسي والإجتماعي المزري الذي وجد نفسه أمامه وجها لوجه، وينزوي بعدها طوعا في منفاه الإختياري بسويسرة.
بالإمكان تقسيم سيرة هذا الكردي الفذ إلى مرحلتين: المرحلة الأولى تبدأ من سنوات شبابه المبكر في ثلاثينات القرن المنصرم وتمتد إلى بداية سبعينات ذات القرن، وهي فترة الحماس الثوري التي يمكن تسميتها بفترة “الرومانسيةالقومية”، فيما تدشن عودته السرية إلى تركيا، ومحاولة تسوية وضعه القانوني هناك، ومن ثم هجرته إلى سويسرة وإستقراره فيها نهائيا، مرحلة أخرى مختلفة نوعيا، وبداية تحول فكري بإتجاه الواقعية السياسية، بما  يعنيه إستتباعا إختيار طريق التطوير التدريجي للواقع، بدل تغييره جذريا من خلال الثورة الشاملة.
سنحت الحريات الديمقراطية النسبية التي وفرتها سلطات الإنتداب الفرنسي فرصة ل نورالدين الشاب للإنخراط  مبكرا في النشاط السياسي، وهو بالمناسبة أحد دعائم الحركة الطلابية في كردستان، إن لم يكن دعامتها الأساسية، فإليه يعود الفضل في تأسيس أول جمعية طلابية كردية في سورية بإسم “جمعية هيفي” بدمشق في عام 1937، وكان من الناشطين في سورية بإسم “جمعية هيفي” بدمشق في عام 1937، وكان من الناشطين في محمد علي شويش بمعاضده جملة من ألمع المثقفين الكرد آنذاك مثل  جگرخوين و ملا أحمد نامي وقدري جان وأوصمان صبري ويوسف حرسان وإبراهيم متيني وغيرهم. وفي عام  1949 أسس زازا بمعية مجموعة من الطلبة الكرد الدارسين في الجامعات الأوربية من بينهم الدكتور عبدالرحمن قاسملو والدكتور عصمت شريف وانلي “جمعية الطلبة الأكراد في أوربا” وتولى رئاسة تحرير مجلتها الرسمية “دنكي كردستان”، لكن هذه الجمعية لم تعمر أكثر من سنة، وذلك إثر إنسحاب عبدالرحمن قاسملو منها، وكان ممثلها في فرنسا، بطلب من الحزب الشيوعي الإيراني  “توده”  الذي  كان آنذاك عضوا فيه. نورالدين زازا الذي لم يكن يعرف اليأس، عاد من جديد في عام 1956 ليعيد بناء الجمعية، مع آخرين طبعا، تحت ذات الإسم. 
وقد ظلت هذه الجمعية أهم جسم طلابي كردي في أوربا إلى بداية التسعينات من القرن المنصرم. لكن الشاب الذكي نورالدين لم يكن مجرد ناشط سياسي فقط، بل أنه  بالتلازم مع ذلك، كشف عن موهبة كتابية مميزة، وكانت كتاباته تلقى إستحسان قراء مجلتي “هاوار” و “روناهي” اللتين كان يصدرهما البدرخانيون، لدرجة أن الأمير جلادت بدرخان،  وكان مثقفا موسوعيا من الطراز الرفيع، لقبه ب “تشيخوف الكرد” على قصصه القصيرة التي كان ينشرها آنذاك على صفحات المجلتين المذكورتين. ومن بين مآثره التي يجب أن نذكرها هنا هو عمله في الإذاعة الكردية التي أنشأتها سلطات الإنتداب الفرنسي في بيروت، نيابة عن الدكتور كاميران بدرخان الذي كان يديرها فعليا، وذالك في عام 1944 ، أي في سن الخامسة والعشرين.
كان نورالدين زاز كردستاني النزعة، لا يقيم وزنا للحدود التي قسم بها الأعداء وطن الكرد، ولهذا سارع إلى المساهمة في ثورة كردستان العراق بزعامة مصطفى بارزاني في أربعينات القرن الماضي، لكنه إعتقل في الموصل وظل مسجونا في العراق لمدة سنة متنقلا خلالها بين سجون الموصل وبغداد والعمارة. وقد عرفته سجون سورية ولبنان والأردن أيضا، كما أنه تعرض للنفي إلى السويداء. بعد الإنقلاب البعثي الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة في سورية عام 1963، إنتقل زازا للإقامة في بيروت حيث وضع كامل إمكاناته وعلاقاته الكثيرة مع الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية الأوروبية في خدمة الثورة الكردية في كردستان العراق.
كان زازا بشهادة الكثير من معاصرية على درجة عالية من الثقافة والخلق الرفيع، وقد إستطاع خلال الفترة الوجيزة التي ترأس فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني/سوريا، بالإضافة إلى عمله إستاذا محاضرا بجامعة دمشق لمدة عامين،  بناء علاقات قوية ومتشعبة مع النخب السياسية والثقافية العربية التي كانت تقدره وتحترمه.
کانت اللغة الكردية هم زازا الرئيسي، وكان يعتقد، وهو الحاصل على الدكتوراة في فلسفة التربية، أن إستمرار وجود الكرد كأمة مرهون بالحفاظ على لغتهم، ومن المؤسف القول أن أحفاد زازا، وخاصة في كردستان الشمالية، مسقط رأسه، لم ينفذوا وصيته، كما كان يشدد في مقالاته المتأخرة التي قيض لي قراءتها في الصحف والمجلات الكردية التي كانت تصدر في أوربا في ثمانينات القرن المنصرم على وحدة الكرد وتكاتفهم، وكان الراحل الكبير يكتب للكرد، حسب إضطلاعي، فقط بالكردية، وكان يستغل كل مناسبة للتأكيد على ضرورة تعلم اللغة الكردية، وعلى تعليمها لأطفال الكرد بكل الوسائل المتاحة، ومن أقواله:
( أيها الكرد إن كنتم تبغون الإستمرار كأمة لاتندثر، فعليكم القراءة بلغتكم الأم، وتلقينها لأطفالكم. وإن أنتم أردتم أن تفهموا ذواتكم وأن تقدموها للآخرين بطريقة تكسبون بها حبهم، وأن تعيشوا بكرامة مرفوعي الرأس، فعليكم أيضا القراءة بلغتكم الأم، وتلقينها لأطفالكم.)
بعد عودته إلى سويسرة في عام 1970 بدأ نورالدين زازا مرحلة جديدة من حياته تميزت بالتركيز على الجانب “الدعوي” التنويري، سواء من خلال الكتابة باللغات الأجنبية في الصحافة العالمية، أو عبر مخاطبة الكرد بلغتهم، بالإضافة إلى الإستمرار في حشد الدعم لحركة التحرر الكردية في سائر أجزاء كردستان. وكان الراحل الكبير قد نقل الملحمة الكردية الأشهر”ممي آلان” إلى الفرنسية، كما نشر سيرة حياته في كتاب بعنوان “حياتي الكردية” سنحت لي فرصه الإستمتاع بقراءتها باللغة البلغارية بترجمة الصديق العزيز ياشار عبدالسلام أوغلو في بداية تسعينات القرن المنصرم.
مثل كل المثقفين الكرد الحقيقيين، عاش نورالدين زازا سنواته الأخيرة في عزلة طوعية، في كفاح من أجل لقمة العيش، منسيا من الشعب الذي أحبه بكل جوارحه، ولكن، على الأرجح، مع أمل لايفارق الأفذاذ في أن الليل الدامس أبدا يتبعه الضياء.
                             * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
مذكرات زازا و واقعنا الراهن

ماجد ع محمد
لا أعتقد بأن للمبالغة حظٌ يُذكر عندما نقول إن من يقرأ مذكرات الدكتور نور الدين ظاظا “حياتي الكردية” سيكون كمن قرأ عدة كتب في كتابٍ واحد، وبالتالي يحظى بأكثر من فائدة في الوقت ذاته، إذ أنه يقرأ في وقتٍ واحد سيرة ذاتية ورواية وتاريخ وسياسة، وكتابَ مذكراتٍ يعرفنا في البدء بالأصل النبيل لمؤلفه ولمنبته الخيّر والمِعطاء، وحيث أن العائلة الميسورة وبدلاً من قضاء الأيام والليالي في السهر والمجون والاحتفاء بالمأكل والمشرب كما هي حالات الكثير من أبناء الأثرياء، كانت مشغولة بما يضيف القيم الحقيقية على عادات المجتمع الكردي برمته، و ذلك من خلال ترسيخ تلك القيم بطرقتين إحداهما في التعامل المباشر واليومي مع الناس، والثانية عبر ما كان يتم ترسيخه في المضافات التي كانت منبراً مهماً لنشر الوعي بين الجماهير أنذاك، ولعل وظيفة المضافات في نشر الوعي كانت وراء إلغاء المضافات بأمرٍ من سلطات مصطفى كمال.
كما أنه في وقت انتشار الأمية كان والِد ظاظا ملماً بالأدب الكردي الكلاسيكي والفارسي والأدب الصوفي بوجهٍ عام؛ وفي الوقت الذي كان الكثير إن لم نقل معظم أصحاب الاقطاعات الكبيرة يعاملون الفلاحين وعامة الناس بفوقية مقيتة جداً، كان والده يعامل الناس بكامل الرقي، وكما أن من عادة بعض الوجهاء والميسورين التباهي بما يمكلون، وكذلك الأمر التفاخر بالأعطيات في العلن لإهانة من تم إعانتهم، كان والد نور الدين على العكس منهم “يحمل عند حلول الظلام أكياس الطحين ويضعها على أبواب الأسر الفقيرة والبائسة وحيث لازم تلك العادة حتى تاريخ وفاته” ص 6 ، هذا إضافة إلى دماثة الخلق وطيب المعشر، وحيث أن الاقطاعات الكبيرة والممتلكات لم تجعل منه شخصاً مستبداً يفرض آراءه على الآخرين، إنما كان يكره المخاصمة في حياته؛ من كل بد أن هذه البيئة التي ترعرع فيها نور الدين ظاظا جعلته فيما بعد عزيز النفسِ وشخصاً غير قابل لشراء ذمته رغم الظروف القاهرة التي مر بها، فبأي مالٍ ستُشترى ذمته وهو سليل عائلة تمتلك في كردستان تركيا عشرات آلاف الدونمات من الكروم والحقول العقارات ومئات الرؤوس من الدواب كالبقر والمعيز والغنم إضافة الى الخيول والبغال؟ كما أن مشهد والدته وهي تركب عربة تجرها أربعة جياد يذكرنا بحياة الأسر الاستقراطية في المجتمعات الغربية، إذ أن شبعه من الناحية الاقتصادية والروحية والقيمية، إضافة إلى نهله للعلوم منذ الصغر جعلت شخصية نور الدين شبه كاملة، فلا تأثيرَ لا لسلطان المالِ ولا لإغراءات الجنس عليه، باعتباره خُلق في بيتٍ وقاهُ فيما بعد مِن كل فِخاخ المغريات في حياته، بخلاف بعض الساسة والمثقفين في وقتنا الراهن الذين قد تُشترى ذممهم ببضعة آلاف من الدولارات أو يخروا ساجدين أمام أنثى من  بين حشد الإناث؛ عموماً بما أن مذكرات الراحل في متناول الجميع، وطالما بمقدور أيَّ شخص قراءتها ونهل العِبَر والمواقف منها، لذلك سأأتي على ذكر بضعة أمثلة فحسب من التي أثارت انتباهي ولازمتني لبعد قراءة الكتاب أياماً وليالي، وذلك بكون أن الكثير من المحطات الواردة في المذكرات تحاكي تماماً واقعنا الراهن.
وما يربط حاضرنا بذلك الماضي يشير الراحل في الصفحة 25 إلى ممارسات رئيس محكمة الاستقلال علي صائب في ديار بكر  الذي شنق 55 من زعماء الثورة بعد شهر من اعتقالهم وبينهم الشيخ سعيد قائد الثورة والذي كان يبلغ من العمر وقتها ثمانين عاماً، وحيث صار أي كردي لا على التعيين عقب الثورة محط اتهام لمجرد أنه كردي والتهمة جاهزة ألا وهي تزيود الشيخ سعيد بالمال والسلاح أو التعامل مع الثورة، وذلك من أجل إهانته أو ابتزازه وسلب كل ما لديه من نقود، وهو بالضبط ما يجري راهناً منذ أكثر من عامين في منطقة عفرين، إذ أن أي كردي هو مشروع اتهام لإهانته أو السطو على ما يمتلك، فحتى الذين كانوا من مناهضي حزب العمال الكردستاني الذي غزت تركيا منطقة عفرين بحجتهم تم اعتقالهم وإهانتهم وابتزازهم، حتى أن بعض الشباب من حزب آزادي الكردي ما يزالون حتى زمن كتابة هذه المقالة قيد الاعتقال منذ بدء السيطرة على عفرين بدعوى أنهم من PKK! كما أننا في الصفحة 24 نقرأ بأن السلطات التركية آنذاك أي عقب ثورة الشيخ سعيد قامت بتجريد عموم الكرد من أي سلاح فردي مع أن السلاح الفردي لم يكن ممنوعاً قط، وكان بإمكان أي مواطن شراؤه لحماية نفسه أو بيته وممتلكلاته، ومثله في الوقت الحاضر بالضبط جرى في منطقة عفرين، فكما تم تجريد الكرد من السلاح بعد القضاء على ثورة الشيخ سعيد، فقد جرى ذلك في عفرين في 2018و 2019 حيث مسموح لأي كائن يمشي على اثنين بأن يمتلك سلاحاً يحمي به نفسه وعائلته وممتلكاته، بينما حُرم الكردي من هذه الميزة وسط الفلتان الأمني وانتشار عصابات السلب والنهب والسطو، بل وأي كردي إن وجد بحوزته أي سلاح مهما كان خفيفاً فقد يُتهم في نفس اللحظة بأنه من أنصار حزب العمال الكردستاني وبالتالي يُعتقل لشهور طويلة أو يؤخذ منه السلاح ويطالبونه فوقها بمبالغ كبيرة من باب الابتزاز حتى يطلقوا سراحه.
وفي تشابه مثالب الثوار في الماضي والحاضر وفي نقد الممارسات المشينة للثوار، ومثلما تدثر اللصوص وأصحاب السوابق وجماعات السلب والنهب برداء الثورة السورية، وصار الشغل الشاغل لتلك المجموعات هو الإغارة على ممتلكات الأهالي كما جرى ذلك في محافظة حلب على نطاق واسع، وكيف أن مجموعات منهم نهبوا كل معامل حيي بلليرمون والشقيف والمدينة الصناعية  في الشخ نجار بأكملها عدا عن بيوت المدنيين ومحلاتهم وسياراتهم، وفيما تجربة عفرين ما تزال شاهدة على عمليات السلب والنهب ووضع الأيدي على العقارات والحقول والممتلكات على مستوى منطقة بأكملها، فيشير ظاظا في المذكرات وبكل جرأة إلى اندساس بعض الفاسدين بين صفوف ثورة الشيخ سعيد أيضاً، حيث يقول:  “مع توالي الانتصارات انضم إلى صفوف الثورة عدد من العناصر المشبوهة من الدساسين والنهابين الذين انتشروا هنا وهناك لنهب المخازن واستعمال القسوة والأخذ بالثأرات الشخصية وقتل الجنود الذين استسلموا طوعاً وهو ما يتناقض مع أسباب الثورة”ص21 كما يتناقض مع قيم المجتمع الكردي في صون النساء والأطفال وعدم المس بهم في المنازعات والحروب، ويظهر جلياً التزام عائلة ظاظا ومجتمع  مادن ـ  meeden  ـ  مسقط رأس الدكتور نور الدين ظاظا ـ برمته الذي كان يعمل بتلك القيم مع الأصدقاء والأعداء، وحيث أن عائلة ظاظا وأهالي مادن بأكملها صانوا كل نسوة وأولاد الموظفين الأتراك الذين فروا من مادن ابان الثورة خوفاً من أن يُذبحوا على أيدي أنصار ثورة الشيخ سعيد، كما حموا قبل ذلك الأرمن الذين لجؤوا إليها إبان المجازر الوحشية التي ارتكبها بحقهم العسكر التركي والدرك.
وعن سر العلاقة القوية بين تركيا وألمانيا في الوقت الراهن رغم أن معظم الدول الأوروبية علاقتها مع تركيا ليست على ما يرام، وما من توافق كلي بينهم وبين تركيا بخصوص التدخل في ليبيا وسوريا وأذربيجان إضافة إلى ورقة إفلات اللاجئين على أوروبا التي تلوحها تركيا بين حين وآخر بوجه مسؤولي الدول الأوروبية، نقرأ في مذكرات ظاظا ما يلفت نظر القارئ إلى أن العلاقة الوطيدة بين تركيا وألمانيا اليوم تعود إلى ما يزيد عن مئة عام، وتحديداً إلى زمن الاشتراك في مذابح الأرمن، وحيث يذكر ظاظا في الصفحة 10 بأن “الألمان وبمساندة الشباب الأتراك أعدوا خطة لإبادة الأرمن الذين يعيشون داخل حدود الإمبراطورية العثمانية، وبدأ العمل بتلك الخطة في عام 1915 واستمرت حتى عام 1918″، لافتاً إلى أن أتراك مصطفى كمال ذبحوا الكرد بوحشية وفظاظة كالتي أظهرها أتراك السلطان في تعذيب اليونانيين والأرمن والبلغار من قبلهم. ص 22، إذ أن السلطات التركية حسب ظاظا ومنذ تشرين الأول 1925 باشرت بهدم كردستان بالحديد والنار وعذّبت الرجال وقتلت المئات منهم وأحرقت القرى وخطفت النساء والأطفال ومن ثم قامت باغتيالهم وذلك كتتمة لما قامت به من قبل ضد الأرمن.
وعن استمرار الكردي حتى الآن في أن يغدو ضحية المصالح الدولية، عقب تجدد إلتقاء تلك المصالح في كل عصر، يشير ظاظا إلى أنه لمجرد أن تصالح الفرنسيون مع الأتراك إبان ثورة إحسان نوري باشا، غيرت فرنسا موقفها المعادي لتركيا على حساب الكرد آنذاك، وكذلك الأمر التزم شاه إيران الحياد رغم أنه كان على خلاف مع تركيا، ولكن ولمجرد حل الخلاف الحدودي مع الأتراك سمحت إيران للأتراك بالدخول إلى الأراضي الإيرانية لتطويق الكرد من هناك.ص 42، مثلما في الوقت الراهن حدث الشيء نفسه مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعوّد منذ نشأته كما هو حال الحزب الأم أي حزب العمال الكردستاني بأن يكون مستبداً مع أهل بيته وودوداً مع الغير، وبدلاً من الاعتماد الكلي على أهل بيته ظل الحزب يعوّل على الوعود الدولية الشفهية والتي سرعان ما تتبخر لقاء تلاقي مصالح تلك الدول مع تركيا، وحيث تخلى الروس ونظام الأسد عام 2018 بسهولة عن الحزب في منطقة عفرين لصالح تركيا، كما سمح الأمريكان بعدها بفترة وجيزة جداً لتركيا بأن تسيطر على منطقتي رأس العين وتل أبيض على حساب الحزب المذكور.
وفي التقاطعات بين الغابر والحاضر، فإذا كان أتاتورك في محاربة ثورة الشيخ سعيد وإلى جانب سياسة الأرض المحروقة اعتمد على ولاء الاقطاعيين وأغراهم ليصطفوا إلى جانبه حتى لا ينضموا إلى الثورة أو يتعاطفوا معها، فإن التجربة الحالية وفق شهادات العديد ممن كانوا منضمين إلى صفوف وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD تشير إلى أن الدولة التركية في غزواتها الحديثة للمناطق الكردية تعتمد على أدواتها القيادية الموجودة ضمن نفس الجهة التي تحاربها تركيا، فحسب أقوالهم أن تلك الأدوات هي داخل منظومة PKK نفسها، وحسب رأيهم أن تلك الأدوات القيادية المتعاملة هي التي تمد الدولة التركية بالمعلومات، وتحضر لها الذريعة بدايةً في أي منطقة كردية تريد تركيا النيل منها، ومن ثم فبعد جر تركيا إلى تلك المناطق وبدعوى عدم توازن القوى، وبدعوى وقف الدعم عن المقاتلين يسلمون تلك المناطق للدولة التركية منطقة تلو أخرى.
وفي نهاية هذه القراءة لمذكرات الراحل ففيما يتعلق بالمواقف التركية المعادية للكرد حتى خارج حدود الدولة التركية، سبق وأن ذكر النقيب السابق في الجيش السوري الحر بيوار مصطفى في أكثر من مكان، بأن تركيا تدخلت في الثورة السورية ليس حباً بالمعارضة ولا كرهاً بالنظام، إنما رغبةً في أن لا تقوم للكرد قائمة، وبالتالي لكي تعمل جاهدة لإضعاف الكرد قدر المستطاع إن لم تستطع القضاء على وجودهم برمته، وحيث يتطابق رأي النقيب مصطفى مع ما ورد في سياق المذكرات، وقول ظاظا بأنه عقب تشكيل فريق رياضي لكرة القدم في سوريا عام 1939م والذي ذاع صيته بين الكرد وفي الصحف والمجلات عقب حصوله على البطولة في 1940 ما أثار ذلك حفيظة تركيا، والتي ضغطت على السوريين والفرنسيين حينها من أجل منع أي نشاط يخص الكرد وبناءً على الضغطات التركية أوقف ذلك الفريق؛ وكما أدخلت تركيا راهناً إلى المناطق الكردية في سورية أناس من رجال الاستخبارات بلباس وشعارات الكريلا وهتافات أوجلان، سبق أن قامت حسب مذكرات ظاظا بإرسال أدواتها إلى المناطق الكردية في سورية من أجل السيطرة عليها وإحداث الشروخ في المجتمع الكردي، وخاصة منطقة عفرين، ولكن وقتها كان من خلال إرسالها لضابطٍ تركي متخفٍ بلباس رجل دين، وحيث قام الأخير بحبك المؤامرات بين الكرد، وكان وراء الاشتباكات بين أهالي المنطقة من المتدينين الجهلة من أتباع الاستخباراتي إبراهيم خليل من جهة، ورجال الاقطاعيين من جهة أخرى والتي استمرت عامين وقتل خلالها العشرات من أهل المنطقة.
                             * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…