أسئلة «الدم والندم» رواية للشاعر والكاتب خالد إبراهيم

عبدال خان تلداري
  سأحاول الابتعاد قليلاً عن الروتين المعهود وتعداد الصفحات والفصول وسأدخل مباشرة إلى مضمون ما قرأته
يعيش الكاتب صراعاً رهيباً مع ذاته، يحاول جاهداً النهوض بعد كل سقطة ويعجز في أغلبها، الغربة، الوحدة، الغضب، الحزن والألم يصعب عليه استيعابها كلها دفعة واحدة.
يجعله الضعف الممزوج بخيبات الأمل عاجزاً ولأول مرة عن التمرد كما هو معهود في شخصية الكاتب أو كما تظهر في كتاباته الأخرى.
لا يزال الكاتب أسيراً لذاكرته المحملة بالكثير من الأشياء والعادات الجميلة التي عاشها وتعايش معها معظمنا مثل الشهامة، النخوة، الكرامة، المحبة والتسامح والكثير من الأشياء الجميلة التي ميزت مناطقنا خاصة وسوريا عموماً، والتي تلاشت في هذا المستنقع الذي نعيشه منذ سنوات ليست قليلة، منذ أن قرر الإنسان أن يطالب بحريته وأن تُحفظ كرامته، لكن كل تلك الأشياء الجميلة صُبِغَت بلون الدم.
الثقافة الدخيلة على مجتمعنا والتي لم نعتدها، ثقافة القتل والغدر والخيانة، ثقافة الاغتصاب الفكري والأخلاقي، ثقافة هتك الأعراض وثقافة جهاد النكاح، لكل تلك الأسباب ترفض ذاكرته أية إضافة تريد الاكتفاء بالذكرى الجميلة.
مناجاة الموتى سؤال يطرح نفسه؟
أسئلة كثيرة يطرحها الكاتب من خلال شخصية شيركو، غرفته الصغيرة تتحول الى محكمة، يستمع فيها القاضي الى أقوال العديد من شخصيات الرواية. يستحضر إلى غرفته الشهيد البيشمركة هوجام وقاتله،  يحاول يائساً أن يستخلص الأجوبة من القاتل ويستمد الشجاعة من مشعل التمو وأحيانا من الشيخ معشوق؛ يستحضر يوسف نبي ليعيش بعض الذكريات الجميلة في حواري قامشلو وعنترية تحديداً. 
يبكي أطفال العالم من خلال آلان وحمزة الخطيب، يستحضر بهزاد دورسن والكثير من الشخصيات لعله يستخلص بعض الأجوبة؛ يستحضر بارين كوباني وهمرين خلف ليبعث رسائل إلى العالم بأن المرأة الكردية مثال العفة والطهارة، مثال الشرف والكرامة. يستحضر حسين الهرموش ليعاتب العرب من خلاله وكيف تحولت الثورة السورية إلى ثورة ضد الكرد ويخبرهم أن تحرير سوريا يبدأ من دمشق لا من القامشلي وعفرين وسري كانيه، وكيف أن عهر المصالح  دمر الجيش الحر  ليظهر العمشات والحمزات ووووالخ
وكيف أن مرتزقة العالم اجتمعوا في سوريا وأن ثورتهم تحولت إلى ثورة قتل ودمار ولا مكان للأحرار فيها.
القتل بالسكين، بالرصاصة أو القذيفة لا فرق، فكلها أداة قتل ولن تشكل فارقاً للضحية، ولكن كل هذا ما كان ليحدث لولا أقلام اتفقت، أقلام كتبت السيناريو ووزعت الأدوار، واختارت القاتل والقتيل فرسمت الوسيلة وحددت الأداة. إذاً، فالقاتل هو القلم، ولكن هل يمكن محاسبة الأقلام وما القلم إلا وسيلة وله دور وُكِلَ إليه كما القاتل والقتيل، كما السكين والرصاصة، كما القذيفة وكما الى حيث يعجز الإحصاء؟ إذا، لنبحث عن القاتل عزيزي الكاتب!
حوار شيركو مع مصطفى سليمي شهيد الخيانة، خيانة أخوة الدم مؤلمٌ جداً، هل سترافقنا الخيانة نحن الكرد إلى ما لا نهاية؟
جعلني حوار في الفصل السابع أتذكر ذلك الكردي الذي وشّى بالشيخ عبد السلام البارزاني واقتاده إلى حيل المشنقة، تلك المنشقة التي شنقت أحلام الكرد. جعلني الفصل السابع أطرح العديد من الأسئلة:
ألم نخن ثورة الشيخ سعيد والقاضي محمد والبارزاني؟
ألم نخن roj ava حين غادرناها وهي بأمس الحاجة إلينا؟ 
وهل سنعيش المنفى حتى بعد مماتنا؟ إلى متى ستلحقنا لعنة الخيانة؟
في الفصل السابع سيشنق القاضي محمد مجدداً، مراراً وتكراراً إنما بأيادٍ كردية. سينتهي في الفصل السابع حلم الجمهورية على عتبة الخيانة وعهر المصالح!
في هذا الفصل يجعلني شيركو أعود إلى الوراء، إلى الفصول الأولى لأتذكر مشعل الحرية، نصرالدين برهك، بهزاد دورسن، وأتمنى في قرارة نفسي أن تكون الأيادي التي طالتهم ليست كردية. أتمنى أن تكون تلك الأيادي نفسها التي طالت شيخ الشهداء معشوق الخزنوي، وألا يتكرر أمامي مشهد عامودا. 
يكاد الكاتب يفقد الأمل إلا أنه يعود ويتذكر بطولات البيشمركة، لتظهر له بوارق الأمل بعد كل هذا اليأس وخيبات الظن.
ينهض أخيراً، يستجمع قواه، يستدعي الشيخ معشوق للمرة الأخيرة ليأخذ منه المباركة كما بدا لي، ويعود من جديد كما كان ذلك المتمرد، الصارخ في وجه القبح، ليكسر القيود التي كبلت يداه، ويرجع إلى حيث بدأ كل شي.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…