أربعينية الشتاء

عبدالعزيز قاسم
يعتبر وجود أكثر من اسم لشهور السنة عند شعب عريق مثل الشعب الكوردي يتصف بالتنوع اللغوي (اللهجات) والديني و وطنه موطن للعديد من الحضارات ويتميز بتنوع جغرافي ومناخي أمرا طبيعيا، ولهذا نجد  في الروزنامة الكردية استخدام أكثر من اسم لشهر ما ولكن في الغالب هي اسماء حتى وإن اختلفت باللفظ و غالبا لهما نفس المعاني وقديما ومنذ فجر التاريخ استخدم الكورد الروزنامة (الشمسية) والتي تعتمد 21 آذار بداية لرأس السنة بما يحمل عيد نوروز من دلالات دينية وفلكية وقومية حتى اليوم، حتى إن الأبراج الفلكية هي أيضا أشهر للتقويم الكوردي، و إن مايسمى بالتقويم الشرقي والذي يسميه الكورد وبخاصة في منطقة (مزرا بوتا) أو (موزوبوتاميا” بالتقويم الكورمانجي (حه‌سابێ كورمانجی) قبل أن يقوم البابا غريغوريوس الثالث عشر الذي وضع التقويم الغربي (غريغوري) عام 1582 بجعل الفرق بين التقويم الشرقي والغربي 13 يوما بدل من 10 أيام، بينما رفض أتباع الكنيسة الشرقية القسطنطينية اتباع هذا التقويم حيث كانت الإمبراطورية الرومانية منقسمة آنذاك بين روما و القسطنطينية، ولهذا يمكن القول إن التقويم الشرقي مطابق تماما للتقويم الشمسي، اضافة إلى التقويم الشمسي (الكوردي) تقويم فلكي وفي نفس الوقت فهو أدق بالنسبة إلى حالة الطقس والمناخ.  
وهنا سأتطرق باختصار  إلى جزء هام من فصول التقويم الكردي والمعروف ب (çile) وبشكل خاص في منطقة “مزرابوتا” الغنية بالتنوع الديني (ايزيدية، زرادشتية، مسيحية، يهودية، اسلام، علوية ومعتقدات على علاقة بالميترائية ايضا …) ويجمع جميع هذه الطوائف والمكونات تاريخ مشترك والعديد من التقاليد والمفاهيم الثقافة واللغوية “اللغة الكوردية”، حيث لاغبار على إنتماء كل هذه الطوائف الى العرق الكوردي بمن فيهم مسيحي كوردستان وقسم كبير من النساطرة المسيحيين اضافة الى قسم من اليهود…
ولأربعينية الشتاء “چلی زڤستانێ”، أثر كبير في الميثولوجيا وحتى في الأدب الشفاهي والشعبي في ثقافة جميع أبناء المنطقة، حتى  أختلط الأمر لدى البعض ومنهم لغويين كرد في عدم التمييز بين كلمة الأربعينة çile “چلی زڤستانێ” عن فصل الشتاء “زڤستان”، وإننا لنجد في بعض القواميس الكردية الحديثة “الركيكة” نفس التعريف الخاطئ وكذلك في التقويم  الكوردي (سالنامه، روژژمێر) بتسمية شهري كانون الأول والثاني ب çile أو berçile كما في أغلب الروزنامات الكردية، والحقيقة كما للشتاء أربعينية “چلی زڤستانێ” للصيف أربعينية “چلێ هـاڤینێ” ايضا، ولايزال الكرد الايزيديين يحتفلون بعيد  أربعينية الصيف، عيد وصيام “چلێ هـاڤینێ”، حيث للأربعينيات بشكل عام ومنذ القدم  مكانة كبيرة في الميثولوجيا والمعتقدات الدينية الكوردية القديمة قبل الإسلام والمسيحية وإلى يومنا، حيث هناك أربعينية المرأة “چلێ  ژنا”، وأربعينية الرجل “چلێ  مێرا” أيضا، اضافة إلى وجود طقوس معينة متعلقة بالأربعينية للرجل والمرأة وبخاصة في الفترة الأولى من الزواج و الولادة والحمل مثل الانعزال وعدم الاختلاط مع الناس لمدة معينة وبخاصة تجنب الاختلاط بين النسوة الحوامل اللاتي وضعن حملهن  حديثا والامتناع عن رفع الصوت إلا بعد انقضاء أربعين يوما …..الخ، وتنقسم “چلی زڤستانێ” الى قسمين منها عشرين يوم  تسمى ب “چلێ  مێرا” وآخر عشرين يوم منها تسمى “چلێ  ژنا” وهذه الأيام من الأيام  التي تحسب لها حسابات بالغة ودقيقة في السنة الكردية بما لها من تأثير في الحاله النفسيه وارتباطها بتقلبات باحوال الطقس كالفيضانات وتساقط وتراكم الثلوج والعواصف … وفيها العديد من الأيام التي ترتبط بقصص وأحداث بعضها كارثية مثل (شه‌ڤا گاێ زه‌ر، دام ودنح، يلدا، ايام زیپه‌”زیپك” …).
تسمى الأيام  العشرة الأولى قبل الأربعينية ب”ده‌هـك پێشی” والعشرة بعد الاربعينية ب”ده‌هـك پاشی” .
يبدأ فصل الشتاء في منطقة موزبوتاميان (مزرا بوتان) ابتداء من الأول من كانون الأول الشرقي أو حسب التسمية المحلية (حسابي كورمانجي) وتنتهي في آخر شباط حسب التقويم الشرقي على الشكل التالي:
1- ده‌هـك پێشی 11 يوم
2- چلێ  مێرا 20 يوم
3-چلێ  ژنا 20 يوم 
4-ده‌هـك پاشی 11 يوم
5-قره سبات (اول 14 يوم من شباط الشرقي).
6- ئاخه سبات (آخر 14 يوم من شباط الشرقي).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…