فرمان «74» الذي وقع غداً.. قراءة مغايرة وسريعة في رواية «شنكالنامه» لإبراهيم يوسف

إبراهيم محمود
صدرت رواية إبراهيم يوسف ” شنكالنامه ” في طبعتها الأولى، عن دار ” أوراق ” القاهرية، أيار 2018، وعن مركز لالش، دهوك، في طبعة جديدة، لعام 2019، في “352 ” صفحة من القطْع الكبير والعريض، لتكون الثانية، بعد ” شارع الحرية ” 2017 ” تلتها الثالثة ” جمهورية الكلب “لعام 2020، ولكلّ منها موضوعها المختلف، إنما القاسم المشترك لها، هو نفسه .
بين صدورها قبل سنتين، والاحتفاء بها كما تستحق، والآن، اختلاف في الزمان والمكان. إنها قابلة للقراءة الآن، بشكل مختلف، لا بل مغاير، في موضوعها الدقيق، كما هي جغرافية الجبل الكردي- الإيزيدي شنكال/ سنجار، في وعورته، كحالة لغزية للكردي الإيزيدي، وهي مأساته في الوجود، ووجوده في مأساة لا تفلح في حصره داخلها، وإنما طرْحه للحياة المنشودة واقعاً.
أي ما يجعل الرواية عينها شنكالياً بمفهومها التضاريسي، وشنكال خريطة روائية في عمقها !
بدءاً من العنوان ” شنكالنامه ” أي كتاب/ رسالة ” شنكال ” نحن إزاء خطاب! من كاتبه الفعلي، من ملهم ِ كاتبه، ومن المعني بالتلقي، وهو في تعدد، أو تنوع مواقعه، ثقافته، جنسه كذلك، أهو فرد أم جمع، وفي أي جهة يا تُرى ؟ ربما في بنية الجبل الشامخ والعريض والمتعرج والمرئي من الجهات الأربع، كما تقدم خرائطياً، ما يحرّر الخطاب من أحادية المكان والزمان، ما يطلق سراح المعنى، ليكون لدينا معان. إنها رواية كتِبت بالأمس، نعم، ولكنها ببصيرة الغد. شنكالنامه، مكتوبة غداً، وقراؤها سيكونون غداً، ويمكن أن تعايَن غداً بصورة أدق.
إنها وليدة الفرمان ” الداعشي ” وتشكله الدموي المتعدد الجهات، برقمه الـ ” 74 ” وما يُتوعَد فيه بالمقابل، إشعار بخطر ممتد، طالما هناك من ينظر إلى الإيزيدي صيده المشتهى اليوم وغداً، لتقوم الرواية بدورها على رهان مواز ٍ، لتؤكد حسن صواب منطقها الفني: غدويتها . وهو ما يمكن التوقف عنده من خلال تداخلات معالمها، أو عبْر نسيجها النصي وطياته التوثيقية، لأن كاتبها ينبري هنا وثائقياً، ويستحيل إقامة حوار مع النص دون التزود بمرجعية الأرشيف هنا .
مهماز الرؤية الفنية بدايةً
ربما كان أول ما يمكن ملاحظته في كتابة يوسف الروائية، هو  اعتماده على ما هو وثائقي. الأمكنة، والأزمنة، وحتى الشخصيات التي تُرى من خلالهما، تعرّف بنسَبها الوثائقي، أو ما يُعتَدُّ بهع أرشيفياً. هكذا الحال، كان مع روايته البكْر” شارع الحرية “، ومن قبل المنتمي إلى مدينتها: مسرحها الحرْفي ” هل يمكن في مقدور أي كان، قراءتها ولو تصفحاً، دون السؤال عن الجانب الذي أشرتُ إليه: وثائقية الرواية، أنّى التفت قارئها ؟ “. 
في ” شنكالنامه “، تصعد الوثيقة بمفهومها الحسابي مضاعفاً، ليكون هناك التخطيط الهندسي، حتى يكون للبعد الرابع: الجمالي، القيمي، تلك الخاصية التي تجعل عالمها ماثلاً أمامنا. والاسم نفسه مقدَّم من الأرض، وإليها مآبه، والمغايرة هي وعود الرواية التي لا يحتاط بها بيسر ٍ !
وقد يتساءل أحدهم: وما المحفّز وراء ذلك ؟ ليس من محفّز، إنما هو متطلب النص الروائي نفسه، على أكثر من صعيد، ولعل انشغال يوسف بما هو صحفي، وإعلامي، وما في ذلك من توثيق الحدث: موضوعه، ومع الزمن، شكَّل رصيداً حياً، له مردوده السردي والموجَّه فنياً .
إنما، ما ينبغي عدم تناسيه، أو تجاهله، هو أن أخلاقية التوثيق، إخلاصاً للمكان وأهله، لا تعني ميكانيكية المسار، بمقدار ما تعني كيفية صهرها في بوتقة الصورة الفنية، والمتخيلة. شنكال كجبل، اسم معلوم، بموقعه، ومواصفاته الجغرافية، ومن فيه، ولكنه في المتن الروائي، مفلتَر، إنه مستقدَّم من إهبة المتخيل، وليس مما هو فوتوغرافي، كما يوحي للقراءة العابرة .
يوسف مأخوذ بسمة الحداثية، بصنعة الرواية الحديثة. لم لا، طالما أنها تهبُه مبتغاه.
هذا يذكّر بأحد رموز الرواية الفرنسية الحديثة ” ميشيل بوتور ” ودمجه بين شغفه بالخرائط والبطاقات، وهما وجهان لعملة واحدة تضاريسياً، وقوله ( تعجبني الخرائط كثيرًا وعملت كثيرًا على الخرائط ، وفكرت كثيرًا في فكرة الإسقاط… و:أحببت البطاقات كثيراً، ما زلت أحب البطاقات كثيراً ، أعمل على البطاقات..) .
لا تغيبنّ الخريطة عن رواية ” شنكالنامه ” أو غواية البطاقة وميسمها الارتحالي جغرافياً .
إن إطلالة الرواية،عبر نقطة إسناد استهلالية، توسّع دائرة المعنى، في قولة بودلير(شنكالنامه
أريد أن أؤرخ لحزني أو غضبي ، ص2 .).
وثمة ما هو جغرافي مسكون بالرؤية التاريخية، في المستهل الآخر:
أية إبادة نهائية كانت تنتظرنا
لولاك أيُّا الجبل…!؟” لتعمَّ الفرحة والبهجة كردستان!”
وهو ما يتعمق في تأريخ ديني، اجتماعي، يتناغم مع المكان المعمَّد إيزيدياً ، في الاستهلال الأوسع مدى دلالياً، حيث الصوت يحتفظ بشهادته، ومؤتاه العقائدي لمعظمّي النور:
( من دعاء شروق الشمس
الملحمة الغنائية مدونة سفر آلام الإيزيديين وبطولاتهم
إنه الفرمان الرابع والسبعون أخي….
لست حزيناً الآن على مقتل الشباب 
لست حزيناً الآن على مقتل عريس”السنة الواحدة”
لست حزيناً الآن على ذبح الأطفال 
لست حزيناً الآن على أموال وأملاك سلبت 
حزين على مصائر بنات ونساء كوجو 
يتم بيعهن في أسواق النخاسة في الرَّقة والموصل
 تحت شعار”الله أكبر!”
لا ملاذ لنا لافي السماء ولا في الأرض
إنه الفرمان الرابع والسبعون…..
أغنية “إنه الفرمان الرابع والسبعون”الشقيقان تحسين وعلي خضر
نجلا الفنان الشعبي الإيزيدي العريق فقير خضر. ص 4 ).
الأغنية تراجيدية التكوين. إنها رثاء وحداد على المكان، وإشهار إلى الممكن التنبه إليه.
ليس هناك ما يقال، أكثر مما ينتظر القول في بنية المتردد طيّ المتسلسل استهلالياً.
ولعل الذي يستهل به الروائي إنما لكي يمنح المكان بعد الذبيحة التاريخية وفجيعة الممارسة، تحت وطأة عنف متنام في نفوس الذين كانوا سبباً كارثياً لولادة فرمان ” 74 ” المروعة !
في ضوء ذلك، يغدو من المؤكد عليه، أن الرواية كانت ماضية بموضوعها، إلا أنها وهي تشهد ولادتها في حاضر ما، تجد نموها، ورشدها المتجدد في الغد،.
بلسان أحد شخوص الرواية، وهو يتحدث عن جده الورع، ما يعزّز هذه المقولة (نحن مقبلون على ما لا تحمد عقباه؟
رد بعضهم: مام فلات، خرف، فقد انتهى زمن الفرمانات، وما تم قبل ثمان سنوات من الآن، لم يكن فرماناً، وإنما قال ذلك بعض المهولين. كان عليَّ أن أقول لهم:
 إن جدي القوَّال، لم يأت بهذا النذير إلى من نفسه. لقد كان من دروس الغيب التي استخلصها،  من وصايا الشيخ آدي:  كونوا كاللقلق الحارس، يقف على ساق واحدة، ويمسك بمخالب الأخرى بحجر، أنى سقطت، استنفر السرب كله، وطار إلى الأعلى. في الأعالي نجاة الإيزيديين. الأعالي حمت الكرد، من كل الشرور التي لحقت بهم.ص255 .) .
ذلك نابع من سلطة رجالات الدين هنا، إنما من خاصية اليقظة التي يعيشونها ويبثونها محيطهم.
يوسف يكثف جهوده الفنية، من خلال مشاهد تترى، عبر لوحات مرسومة بالكلمات، وعبر عناوين متسارعة، كما لو أن تخطيطاً مفهرساً بعناوين كهذه، لهو صنو لهاث الزمان والمكان، كما لو أن القذف بمشاهد متعددة في شخوصها، وفي تداعياتها، ودوامياتها، يتماشى مع التوتر الانفجاري في صميم واقعة الرواية الفنية، وللروائي بصمته، والسؤال الأخير المعني بجوابه ، أي حيث يكون المتزود بما هو أرشيفي، من خلال المرئي والمسموع، وجرّاء متابعات شتى، كما نقرأ من البداية، عن طرق تحصيله لهذه ” الموارد ” العائدة إلى روايته، وفي ” خطوات” :
(بدا الأمر،  وسط التشويش والتضليل اللذين رافقا،  وتليا ،غزو داعش لشنكال غير مفهوم.  أعصابنا كانت مستفزة ،أعراضنا باتت تسبى، وأهلنا باتوا يقتلون، أمام أعين العالم الذي بدا مجرد متفرج. كان لابد من معرفة ما تم. ما كان يصلنا عبر التلفزيون، أو الصحف، والمواقع الأنترنيتية، وشبكات التواصل الاجتماعي لم يكن كافياً لإعطاء صورة كاملة، عما يجري. إيزيديو شنكال الذين كنت أعرفهم، انقطع التواصل معهم. كان لابد من مراسلة المقربين إليَّ من المعنيين في كردستان، أو حتى أوربا . 
الخطوة الثانية التي قمت بها، أمام هذا الواقع، هي إقدامي على مراسلة المعنيين من إيزيديي سوريا. منهم من هو جد قريب مني .
الخطوة الثالثة التي قمت بها تجلت في في محاولة اللقاء ببعض الإعلاميين الإيزيديين وغيرالإيزيديين،  داخل كردستان،  أو خارجها.ص6 ).
الخطوة حركة، تحرك في المكان، إنما نبْض زماني في آن، إنما استشراف للجاري، بغية التمكن منه كذلك، وبغية إخراج ما في الباطن بجهنميته. لعل في ذلك المعهود التليد للرواية في مأثرة اقتناص الأمثلة التي تعينها على بناء عمرانها الأدبي: الفني هنا.
هنا يكون لقول الباحثة الروائية، والمعنية بحيوية الأرشيف ونفاذ أثره في الجسد الروائي ناتلي بيجاي جروس، سداد الدلالة ( إذا كان الكاتب من أي نوع من المبالغة في الذات، فذلك لأنه ينتج وثائق ستكون أرشيفية. ويلاحظ الأدب هذا: فهو يخترع كتّابًا خياليين ويشكلهم من خلال كتاباتهم ومحفوظاتهم ( غويتزي، فولوندين، على سبيل المثال) وإذا كان الأمر كذلك ، فهذا ليس فقط لأن الكاتب يعبّر عن نفسه (نموذج رومانسي) ، ولكن لأنه ينتج أرشيفات سيتم حفظها وتفسيرها وكشفها، مثل العديد من آثار الأنا التي تتكون أولاً وقبل كل شيء في آثاره.) .
ولا بد أن في قول كهذا، ما يعزّز تيمة الشخصية الكاتبة، وميزتها في الرؤية الفنية والتعبير في الأسلوب، لا بد أن الذي يتصدى له يوسف، يصله بجملة الذين يكونون في رؤوسهم مجتمعاً كاملاً، قبل سكبه على الورق .
جراحات شاهقة
وراء العناوين الكثيرة، ما يتطلب المزيد من التبصُّر بالحركة التي تكون بها سرعات الرواية، حيث يكثر الشخوص، وتتنوع الأمكنة، والأجواء أو المناخات، والمفصل الحركي، هو المعطوف على ممثلي الإرهاب ” داعش “.
ويوسف لا يدخر جهداً في استحضار الوصف، وسيلته اللافتة، لشحن متخيل نصه بما يمد في عمره، وما يكون عنصراً لشد انتباه القارىء بالمقابل. الوصف كشاف الأثر المتخفي هنا.
حيث يكون ابتداء الفجيعة، وعبر سرد أنثوي ، في عنوان ” عابرون للقارات لا، عابرون، فحسب، الغيمة السوداء “، والبدء بعدم التصديق، يعني إظهار هول الحدث ليس إلا :
( لم أصدق أول الأمر ما أراه!…..
أيقظتني أُمِّي ذلك الصباح هلعة، فزعة، وهي تحدثني عما تعرضت له سماء شنكال منذ الفجر.
انظري إلى الأعلى!……
قالت أمي ذلك، وهي مرتبكة، وشفتاها تتحركان، من دون أن أسمعها، شأنها كلما حاولتْ أن تدعو للتخلص من مصيبة ما تحل بنا. نظرتُ إلى الأعلى لأجد أجنحة طيور سوداء..سوداء ترفرف على امتداد مساحة الرؤية التي تسمح بها حدود النافذة المستطيلة.
تلك الطيور صارت تصدر بين الفينة والفينة نعيقاً تقشعر له الأبدان. ص8 
أهون الشرِّ ألا يصدر هذا النعيق بشكل متواصل.ص9 ).
نحن هنا، إزاء صورة قديمة، عن الطيور السوداء، وعن النعيق، تجاوباً مع المتوارث في الذاكرة وعلى الألسنة، جهة المرموز الصادم طبعاً .
وما يعكس بعداً آخر من العلاقة، جهة نوعية الطائر، والحدث الانفجاري شنكالياً، في نطاق عنوان تال ” التلويحة الناقصة “، وفي سياق السالف تسطيره:
( لم يكن ذلك في الحسبان!….
قالها ثم نظر وراءه إلى شنكال،  وهو يبتعد عنها تدريجياً.  كان سرب من الحمامات يحلق بعيداً عن القرية، إثر دويِّ أصواتِ زخة من الرصاصات التي ترددت أصداء إطلاقها، وماعادت تتوقف. شنكال بدت أشبه بلوحة من ألوان جريحة، نازفة، تضيق الخناق عليها قبضة سوداء.ص12 
كانت وصية أبيه:
 ليكن في بيتنا سلاح دوماً،  وعلينا ألا نستخدمه إلا دفاعاً عن أنفسنا.  تذكر ذلك،  وهو يتلقى أخبار اقتحام الغزاة السود «سيبا شيخ» خضر و«كرعزير»كتبت إليه أخته:
نحن نعرفهم. من بينهم بعض «كرفاء») (الدم. إنهم قادمون من طرفي خط عمق منطقة البعَّاج. والهول. كلهم معروفون. العراقيون منهم والسوريون. جناحا البعث يجمعهما هذا الشبح، فلا عتب على الأجانب السفلة المأجورين.ص13 ).
وما ينتقل بنا إلى حيثية الحدث وتسلسل مشاهده الكارثية، في ” جنون الأدخنة “:
( غدت شنكال تتحول أمام عينيه إلى كتلة هائلة اتشحت بالسواد .لا شيء يعلوها إلا الدخان المتصاعد عن ألهبة النار التي صارت تتسع دائرتها، في محاور كثيرة من القرية. منها ما بات يظهر في الأحياء القديمة بربروش. روژهلات. كلهى. برسڤى، ومنها ما بات يظهر في الأحياء الجديدة حي الشهداء. حي اليرموك. الحي الزراعي. حي القادسية. السوق القديم. حي النصر .ص25 ) .
ولأن هناك هستيريا تلف المكان والزمان، وترويعاً للأهالي، وفرْط أعصاب، ثمة ما يمضي بنا إلى سماع صوت الروائي، أو ما يقرّبنا منه، في ” أرشيف المكابدات “، ولو بلسان آخر:
( لم لا أكتب رواية عما يتم؟.
لست روائياً.  أنا مجرد قاص.  على الروائي أن يكتب ببرودةأعصاب. أما أنا فأكتب وكأنني على خط النار الأول.ص32 .).
وإذا كان هناك مما يستحق ذكره، هو أن ظل الروائي يستغرق صفحات الرواية. إنها ثقافته، سياسة التعامل مع الواقعة، مدى رؤيته لصيرورة الأحداث، وكيفية ضبطها، حيث السرد الروائي لا ينفصل عن إمضاءات ثقافية مستدعاة من جعبة الروائي، وطرحها في المتن، كما في نطاق هذا العنوان ” شهوات النار”:
( باتت شنكال تغيب عن عيني. الظلام يخيم على كل مكان. لم يعد يبدو لي من شنكال إلا أضواء قليلة. ما هكذا كانت المدينة .ص35.
لطالما اعتبرونا مجرد طائفة ضالة،  لا تاريخ لها قبل عدي بن مسافر. دراستي التاريخ، جاءت لأؤكد أمام من كنت أبدو مهزوماً أمامهم في النقاش أيام المتوسطة، والثانوية أننا ورثة ديانة أصيلة .
ديانة قديمة. إنها أول ديانة توحيدية في التاريخ.
ألقيت نظرة أخيرة إلى شنكال.  ألسنة النيران تتصاعد.  تشكل والأدخنة المتعالية لوحة صارخة. قلت في نفسي:
أي عالم عديم الأخلاق، هذا. ثمة أبناء ديانة شرقية أصيلة يبادون أمام أعينهم.  بيوتهم تحترق،  ولا أحد وقف معهم.  كان بإمكان طائرة أمريكية واحدة أن ترمي بعض مراكز «جاحش» في الموصل ،أو الرقة، لتقضي على عش الدبابير السوداء الهائجة.ص37.)
وفي ” صلاة بين يدي ملك طاووس “:
( من غيرك، هنا، لن أكرر السؤال، أكثر مما هو في فيّ. أتذكر كل شيء.  وحدك من جئت بي.  جئت بأمثالي.  جئت بالخلق ،زرافات ووحداناً. منحت للكون أوصافه. للسموات كواكبها .ص55 
عن الثلاثاء الأسود، حيث الفرمان 73، والفظيعة التي تمّ فيها تفجيرا مجمعي كر عزير و سيبا شيخ خدري في جبل سنجار، في 7002-8-41 و اللذان راح ضحيتهما المئات من الكرد الإيزيديين ، بين شهيد ،و جريح.ص58 .)
وفي ” لعبة الدومينو “:
( ما حدث في شنكال جعل العالم ينسى الموصل!
البداية المدوية كانت من هناك. بل من الرقة. مدينة ابن الرشيد التي ترزح تحت كلكل داعش.  لايزال الأمر غير واضح لدى كثيرين.
كيف استطاع بعض الرعاع المرتزقة إلحاق الهزيمة بجيش كبير مجهز بأحدث الأسلحة والعتاد. يسلمهم أسلحته، وذخائره، وكل ما في خزائن بنوكه؟لقدتم ذلك….
والعالم كله ساكت. ص45 ).
وربما في سياق تصور موقفي كهذا، حيث السخرية مع النبرة المنجرحة والمستصرخة ، ولو أن ذلك لا يحسَب على الروائي، إنما على معطيات واقع، وعبر استقطاعات مكانية، وردود أفعال، للذين يتفاعلون مع مستجدات الواقع، كما في ثنية هذا العنوان ” رصاصات روكا “، جهة الحوار بين حبيبين سابقاً، أي في الانقسام العاطفي وحقيقته واقعاً، وفي صيغة رسائلية:
( حبيبي دمهات
نحن الآن في مخيم نوروز، وهو في منطقة ديركإنه معسكر مغلق. الكثير من الخدمات قدموها لناوالدتك. ووالدتي وأخواتي وأخوتي معي. كلنا بخير. ص 49 .
بين روكا التي رغبت في أن تصبح من الغريلا وهو حبيبها الذي رغب في الالتحاق بالبيشمركة، 
كتابته إليها:
لم أزعل منك لأنك ستنضمين إلى طرف كردي آخر.  لكنني لا أثق بهذا الطرف.  هو شأني .وقرارك من حقك. لا أعتقد أنهم سيفعلون لنا شيئاً ما. لاأرى من حقهم أن يأتوا لمحاولة تحرير شنكال، وجزؤهم الكردستاني الذي قالوا عنه منذ ثلاثين سنة أنهم سيحررونه، لما يتحرر، وأهله هجروا.ص52 .) .
وليكون لنا انتقال إلى المترتب على عملية الغزو الداعشي، وسيرورة الرعب.
في ” رأس الخيط “، بلسان سارد ساخط، ومصدوم بالجاري:
( لم أنم في ليلة البارحة. ظل صوتها يتردد في أذني. يستفزني، فما جرى لهذه الأسرة التي باتت تبحث عن الأمان والاستقرار منذ أكثر من مئة سنة، كما علمت، من ذوي، هو صورة عما تعرض له الإيزيديون عبر مئات السنين، من ظلم، وعسف. بل هو صورة عما حدث ويحدث باسم الدين .
إنهم يكذبون،  لا شأن لهم بالدين.  أولم يكن الكرد في سري كانيي و كوباني مسلمين؟. ألم ينحروا آلاف المسلمين، عبرالمجازر ،والمقاصل، والمذابح، والمحارق، بما تقشعر له الأبدان. لقد ابتلي العالم بهؤلاء الأنجاس، السفلة، الشذَّاذ، ولا يمكن التبرؤ من أثرهم حتى بعد مئة سنة قادمة!..ص74 .).
وما ترتَّب على موقف العالم الشديد السلبية من هذا الغزو، وتحت عنوان، ربما منفّر، لكنه في موقعه النصي، يكتسب جانباً جمالياً كاوياً، إن جاز التعبير، أي ” عالم من خراء “:
( كان دمهات يذي يكرر اسم روكا،  واسمي شقيقته،  وأمه ،ويذكر طوق أبيه، وخرقته، وداعش، وشنكال، والدم، وسيارات الهمر،  وأوباما،  وأمريكا،  وبوتين،  وتويتر،  وأسماء بعض الجيران الذين خانوا الإيزيديين،  و الفضائيات،  والدول المشتبهة بتمويل داعش .
-إنه عالم من خراء!….ص81 ).
كيف يمكن متابعة مشاهد جهنمية لهذا الغزو، برموز شره، وضحاياه ؟
ثمة أبو بكر البغدادي، زعيم الشر الداعشي بامتياز:
( أبو بكر البغدادي ليس سوى مجرم صغير، نهل من ثقافة دكتاتوريي البعث. الطاغية صدام كان أنموذجه الأول، وأن الديناميت الذي يتفجر الآن. نظام البعث من أعده. كما أن من أعدَّوا صاعقه هم مستثمرو الدين في المزاد العلني المفضوح. بينما داعش هو تلك اليد التي تضغط على ذلك الصاعق.ص83 ).
وما يلي هذا الرمز، وتداعياته، ناحية ضحايا المكان :
( لقد كتب علينا أن نكون أضاحي هذا المكان. منذ مئات السنين ،ونحن نذبح على هذا النطع الشنكالي.  لم يبق بيت إيزيدي إلا واستشهد له واحد أواثنان أو أكثرفي أمَّات معارك صدام حسين ،ومن لم يقتل في معاركه، قتل في سجونه، أو نفي. امتلأت المهاجر بالإيزيديين.  إنهم صورة عن الكرد.  ثمان سنوات تم سوقي إلى حرب إيران. أنا خريج قسم اللغة العربية في الموصل. جاءنا صدام ،ألقى خطبة تحريضية، وكانت هدية المتزلفين:
طلابنا سيدافعون عن أرضهم ضد المجوس؟. لم يكن بإمكان أحد منا أن يقول: لا…..ص84 .).
ما يبعث على الشكوى، وما يمتّن في قوة العلاقة بالرمز الديني الإيزيدي، توقاً إلى خلاص ما:
(أعرف أن طاووس ملك يختطف ألمه ويخففه عنه
تمنيت لو أموت آنذاك. ناديت الإله أن أمتني. أريد أن أموت .أريد أن أموت الآن. إنهم ينتهكون حرمة ديننا. مقدساتنا. يالأبناء القحاب..!،  يختارون أجمل بناتنا ونسائنا،  لا فرق لدى هؤلاء الديوثين السفلة،  أمتزوجة،  كانت،  أم عزباء.  إن أعظم إغراء قادهم إلينا، وجعلهم يشترون ذلك بدمائهم، وحياتهم، هو الولعبالنِّساء. لقد قرأت عن ولعهم بالجنس الكثير من القصص في المواقع الإلكترونية .ص95 ).
وهذا ينطبق على ” أساطين شنكال ” بصورة مركَّزة:
(مازلت أستمدهما منك
قُوَّتي وقُوْتي
أيا الجبل العظيم!…
لم تكن قامة- فحسب- أستظل بك، وألوذ بك. كنت وما زلت أكثر من ذلك. حين أحدثك هنا عنك، فأنا أترجم صوتي يتصادى في المسافة ما بين واديك وذراك. ما بين سهولك وسفوحك. ما زلت أراك. أرى أياديك الخضراء المفتوحة. صدرك الرحب أضع عليه رأسي.ص136 . ).
وما يمضي بنا إلى تعقّب مشاهد الترويع الداعشي في الضحايا، السبايا، وكيفية التعامل معهن، وليس هناك من توفير لتوصيفات ” سفلية ” تترجم السلوك الموبوء للقتلة أخلاقياً، كما في العنوان الدال على محتواه ظلامياً ” ليلة تربسبي “، حيث نشهد تقصف الحياة، وتصادم المواقف، من خلال تداعيات التعامل مع التنظيم الإرهابي لداعش عربياً وإسلامياً أيضاً:
( حدثيني يا ابنتي قلت:
لقد طلبوا منا أن نعلن إسلامنا. في البداية رفضنا. قاموا بحرق أجسادنا بالملحم الكهربائي.  .  ربطوا كل من لم تسلم،  بعد أن عرونا، عرونا من كل شيء منا من توسلت إليهم قائلة إنها عذراء ،أو متزوجة،  أو جدة،  لم يكن الأمر يمهم.  ونودي على هؤلاء الأنجاس، كريهي الرائحة. كانوا كتيبة كاملة. لحاهم في الحقيقة أشبه بمراحيض متحركة. رائحة العرق تطفح من أجسادهم. أفواههم كانت كمجارير الأسيقة. ثم تناوبوا علينا. منا من مر عليها خمسون شخصاً. كنت أنزف. أتذكر، قبل أن أمضي في غيبوبة. كنت أولول .أصرخ. أستنجد. هؤلاء الكلاب منهم من كان ينتهي من إحدانا ،ويعود إليها،  بعد أن مر عشرون شخصاً آخر.  كانوا يتحدثون بكل لغات العالم. الشاشان، التوانسة، على نحو خاص. المتحدثون بالتركية على اختلاف جنسياتهم. العرب.
لكم تعاطفت مع البوعزيزي، وثورة تونس. الآن بت أرتعش ما إن أسمع بهؤلاء وثورتهم.!..ص166 .).
وبلسان إحدى الضحايا، بالصيغة الباعثة على القهر فالهدر الروحيين :
( قالت إحداهن:
أصبح العالم كله داعشياً. كل شيء كان في خدمتهم. إنهم يبتهجون بمن يستعرض وحشيتهم.، في وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، وحتى في المجالس. لذلك، فهم لم يتورعوا عن كل ما هو إرهابي. لا أصدق أنهم كانوا جهلة، أغبياء. لقد تبحروا في تاريخ الإسلام.  استعادوا كل الفظائع،  وجعلوها قانونهم،  وشريعتهم .كنت أتوقع أن المسلمين سيتبرؤون منهم.  بعد تحريري،  كان أول ما سألت عنه هو رأي علماء الدين. أرى، أن كل من يعيش خارج قبضتهم، ولم يدنهم متواطىء، وشريك.ص223 .).
وفي شهادة توصيفية أخرى ، عن أحد هؤلاء الدواعش، وهو باسمه الغاية في المفارقة :
( أبو ترياق الباكستاني. كان قبيح المنظر، سميناً، يشبه بغلاً، أجرب. قالت إحدانا ذات مرة في غيابه: إنه يزن مئتي كيلو غرام .كان شرهاً. نعدُّ الطعام، فيجهز عليه، ويكاد لا يبقي لنا أي شيء ،من دون أن يرفَّ له جفن. قلت له: أو تعتقد أننا فئران، ونعيش على التراب، أهكذا تعامل زوجتك أمَّ ترياق؟.
صفعني، على وجهي، انتفخ خدي، وازرقَّ، وظننت أن أسنان فكي الأيسر كلها سقطت. رد علي:
 أنتنَّ أمَّات- أي عبدات ..أفهمت؟- أنتنَّ سبايا. ألم يقل لكنَّ أحدهم في السجن.ص246 ).
ذلك ما كنا نسمع به، أو نقرأ عنه هنا وهناك، سوى أن التوظيف الفني يكون المحك في هذه السردية المتشعبة، تشعب المكان وأهليه، تشعب الصديق الذي استحال عدواً ” جهة العرب الذين كانوا كرفاء الإيزيديين، أو جيرانهم، ثم انخرطوا في اللعبة الداعشية الجينوسايدية “.
إن الاستدعاء الدوري لشنكال، تعزيز لفرجة منشودة، وسعي إلى خلاص ما، أو تذكير بأن هناك جهة قائمة تهِب الكردي، أو الكردي الإيزيدي فرصة التقاط الأنفاس، وليس من وصف كلاسي مع يوسف، وإنما ما يقابل الوجه الشعري في رصيده الإبداعي، رغم حمولة الرعب:
( الجبل لا يستقر على ثوب واحد. إذ يغير ثيابه بين حين وآخر. منها الأزرق، ومنها الأبيض، ومنها الأخضر، إلا أن ثوبه الأسود الخالص لم يرتده منذ مئة عام،  عندما سالت الدماء في أعلى الجبل،  وباتت تنحدر إلى الأسفل،  مشكلة خطوطاً حمراء.  آنذاك قال جدي وهويبكي: ستمر على ملتي مائة عام. لا راحة فيها ولا فرمانات كبيرة .لكني أفكر بالفرمان الذي سيتم في مثل هذا اليوم من آب. ثم راح يشير إلى الهدهد الذي كان يحوم حوله: انقل رسالتي إلى أحفادي، إذا انقطع صوتي. ولقد أعلمت أهل بحزاني، قبل ستَّة أشهر!…
لا أحد يعيش في شنكال كلها، إلا ويمتلكه الرعب من هذه المناظر الأليمة. يؤتى بجميعهم، من المجمعات والمدن، كي يروا ما يتم ،ثم يعيدونهم. أغلبهم عجائز، رجالاً ونساء. أواخر شهود الفرمان الأخير. منذ أن احتل داعش شنكال، والموت متواصل لا ينتهي. قال أحد الأمراء وهو يلقي كلمته: لدينا الكيماوي نستطيع إبادة العالم كله.ص295 .).
وحتى فيما يخص ما يعلو المكان، وكيفية النظر عالياً، حيث الشمس وتجلياتها المثلى، في العنوان الوامض ” أسفار الشمس ”  لنشهد ختام الرواية، وليس تداعياتها”:
( كواكب كثيرة طلعت من حضنك. بوابتها الطوق المقدس .أضاءت شاربيك الأبيضين بلون الحليب.  لم تنقطع ابتسامتك على امتداد ذلك الصدى وهو ينوس بين الجبل والوادي.  بين الينابيع والقرى المديدة،  قبيل اختصارها،  وبعدها.  راعني ما رأيت في تلك الظهيرة. كان عليَّ أن أفهم إشارتك. كنت أفهمها .كان عليَّ أن أقطع عليهم الطريق. كانوا كثيرين حين أحاطوا بنا ،بكل فلول الضغائن .ص340 ).
وفي ” ملحق غير روائي،اعترافات داعشي ” ما يمنح الرواية أهلية تفعيل الأثر تاريخياً، ومن خلال مكاشفة حية لحقيقة داعشي، وكيفية بناء شخصيته التصفوية من الداخل، لتكون الكاميرا التاريخية والاجتماعية، والأخلاقية الطابع مسلطة على كل المنخرطين في تنظيم تصفوي كهذا:
( كنت قد أعلنت على صفحتي الفيسبوكية عن انتهائي من تدقيق مخطوط روايتي- شنكالنامة- والتي وضعت لها أكثر من عنوان قبل أن أستقرَّ على هذا العنوان الأخير، وهو عنوان هذا الجزء من الرواية التي أردتها أن تكون في جزأين، ضمن ثلاثيتي الروائية الأولى، وأنا الدخيل على هذا العالم السردي، إلا أنني- المؤلف هنا- والراوي الجزئي، أيضاً، استفززت لما وقع بين يدي رابط حوار تلفزيوني أجرته رويترز، ونشر على موقع- العربية- أجري مع أحد إرهابيي داعش، واسمه:عمار حسين.
المدعو عمار، العراقي، أصلاً، وابن الواحد والعشرين عاماً، وهو ليس من شخوص الرواية، حتى القتلة منهم، يتحدث بكل وقاحة أنه اغتصب حوالي مئتي إيزيدية، وأن من بينهن من هن قاصرات.
يبين الإرهابي عمار في هذا الحوار قائلاً:
أنا نادم قليلاً……
ندمه ليس كاملاً
ويرى أن من حق الشباب ارتكاب الاغتصاب
الأمر لا يتوقف- اعترافاً هنا- فحسب، فهو يعترف أيضاً، أمام وكالات الأنباء التي سمح لها بإجراء مقابلات معه بأنه شخصياً قد ارتكب قتل حوالي خمسمئة شخص منذ انضمامه إلى داعش في العام 2013 ، وأن من بين هؤلاء من كانوا يقطعون رؤوسهم. ويضيف: «قمنا بقتل كل شخص كنا بحاجة لقتله ،وقمنا بقطع رأس من كنا بحاجة لأن نقطع رأسه.»
عمار حسين، ليس إلا واحداً من هؤلاء المسوخ الذين يعيشون بأشكال آدمية، ومازالوا مستمرين في هوسهم الثلاثي: الجنس- النهب- القتل
إنه ممن هم ما بعد وحوش الكون
إنه صورة عن سيده البغدادي وغيره في داعش أو حتى خارج داعش من الذين يتبنون هذه-الثقافة الكرية المأفونة.ص343 ) .
هنا نخرج من الذات المتربّية إلى الذات المربية، من التقرير الخبري إلى الإقرار الجنائي والسياسي بالمقابل، ومن الثقافة المشبعة بما هو تديني، إلى الثقافة اليومية، والتي تقوم على لزوم تصفية المخالف، وما يدخل في عدَاد ذلك من جانب تاريخي، اجتماعي، سياسي وإيديولوجي، حيث المرجعية الحزبية البعثية الصدامية قائمة هنا .
نكون بالصورة هنا، إزاء كتابة باسم أدب أقلّي، إن جاز لنا تصريف مقولة دولوز- غوتاري حول كافكا، وهنا، تفصح الكتابة عن فعلها الاجتماعي والديني، وإنارة الذين يتم استهدافهم تاريخياً، بالمفهوم الأقلي، وما في ذلك من استسهال عملية القتل الجماعي، تحت وطأة تربية عقائدية عدوانية لها تاريخها الطويل.
وهو ما يمكن معاينته في بنية الرواية اليوم، ومنذ مطلع هذا القرن، بعمق أكثر، وبصدد سريان العنف الكشكولي في المنطقة عموماً، لتكون الرواية المكتوبة رواية الأوبئة التي لا لقاح أو دواء لها، الرواية المثقلة بالمرض المزمن، على صعيد العنف المثمَّن، والمجازى فئوياً أو طائفياً أوتنظيمياً، ليس لأنها هي هكذا، وإنما لأنها تتناول مجتمعات فسيحة وكسيحة في روحها الممثّل لها على مستوى السلطة، ومن يتلفون حولها، ليكون هذا التمثيل المرضي تحويلاً نافذ المفعول بالمتصوَّر إلى فضاء تاريخي أوسع، للوقوف على خطورة المتفعل أو المستفحل في الداخل .
و” شنكالنامه ” هي رواية جمالية الرعب المحتفى بها، لإدانة رعب منزوع الجمال الإنساني بصيغ شتى، حيث تكون إدانة العالم أجمع في المحصّلة .
وتمثُل تجربة الشاعر، الصحفي، الناقد، والروائي إبراهيم يوسف، أمام الناظريْن، باعتبارها تجربة نزيل المكان، أليفها، وشاهد عيانها، والمأهول بمتغيرات لُعَبها الزمانية بالمقابل، ولأنه كردي، وللإيزيدية سهم وافر في بنيته الثقافية، وخلفيتها، كان هذا الإقدام على استيلاد نص، يصدم كثيراً، بعموم صفحاته، وهي في تنوع مشاهدها، من رعب الاغتصاب، إلى تخريب المكان، إلى ترويح الناس، إلى بث الكوابيس في النفوس، وحتى إشعار آخر .
بالصورة الموجزة، وعبر نماذج مستقاة من الرواية، تكون الرواية التي تنبني أساساً على ” فرمان 74 ” الإيزيدي، أي جينوسايد الإيزيدية لصيف 2014، وأمام سمع العالم وبصره، أبعد من كونها تسجيلية، إنما رواية ناطقة بفرمان تال وما يتلو التالي، لأن أضراب العنف المستشرية في المنطقة، واستمرارية داعش إلى الآن، تعني أن ليس من غد، يبعث على التفاؤل، وأن كل تخوف لمقيم في المنطقة، وفي الواجهة : الإيزيدي مشروع تماماً .
وإذا كان هناك من نبرة تفاؤل، في مشاهد تظهر كيفية تضييق الحصار على رموز العنف هنا ” في حال عمار العراقي ، مثلاً “، وتلك الذؤابات الضوئية التي تنير صفحة شنكال، وتغذي روح المقاومة في النفوس، وطمأنة الضحايا، سوى أن الرواية، من ألفها إلى يأئها، لا تعِدُ قارئها، إلا بالمزيد من اليقظة، ومن على مسافات طويلة.
ويوسف، إذ يفهرس عناوينته، وكذلك أعماله، لا يخفي جانباً من تأثر بسليم بركات، كما هو المعهود في كل مصنّف تعريفي بشخوص رواياته، وحيث نجد هنا ” جغرافيا شنكال وكائناتها ” وجهة سردية أعماله ( من سلالات إبراهيم اليوسف الكتابية ” أعماله ).
إنه افتتان بلعبة المسميات، واستساغة لوجه من وجوهها الكثيرة والممكنة الاستضافة، وإدراجها في خانة الكتابة: الرواية عموماً، لتصبح جزءاً ملتحماً بها بجلاء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…