أجرى الحوار: نصر محمد
في إطار سلسلة الحوارات التي اقوم بها بقصد إتاحة الفرصة أمام المهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي والكتابة الأدبية بشكل عام و الذين يعانون من ضآلة المعلومات الشخصية عن أصحاب الإبداعات الثقافية. لذلك فان الحوار معهم يتيح للجميع التعرف عليهم عن قرب
. واديبتنا اليوم تحمل لنا من معاني الجمال اسما ومضمونا . جميلة جدا في أشعارها وقصصها القصيرة جدا . شخصيتها متزنة ورزينة. . الحديث معها ممتع وشيق . كلماتها منتقاة بروعة ودقة .وعذوبة متناهية . تسحرك وتأسرك. بأدبها ولطفها وتواضعها . انها الشاعرة والقاصة الكردية السورية الكردية هيفي قجو ضيفتنا وضيفتكم لهذا اليوم
ــ هيفي قجو من مواليد بلدة عامودا، سوريا.
ــ أكملت تعليمها الإبتدائي والإعدادي والثانوي في بلدة عامودا.
ـــ سجّلت في جامعة الفرات ــ فرع الحقوق بدير الزور.
ــ عملت معلمة روضة على مدار سنتين في إحدى رياض الأطفال بعامودا
ــ عملت مذيعة ومعدة برامج في إذاعة ARTA fm
ــ عملت مدرّبة في مؤسسة بدائل لتنمية القدرات البشرية.
الأعمال الأدبية:
1ـــ (بعد آخر: هوامش سردية، قصص قصيرة)، مجموعة قصصية من إصدارات دار فضاءات، عمان/ الأردن ــ 2019.
2 ـــ (أصابع العازف أو كصوت ناي بعيد)، هوامش سردية، من إصدارات دار النابغة، طنطا/ مصر، 2020.
3ـــ (أدراج عالية… جهات عمياء) سرديات قيد الطباعة في دار النابغة، طنطا/ مصر، 2021
4_ مجموعتان شعريتان قيد الطباعة.
تقيم في برلين، ألمانيا.
سردية
تأمّلٌ عميقٌ وملابس بيضاء !
كان ثمّة احتفالٌ بمناسبةٍ كرديةٍ وكانت هناك فرقةٌ موسيقيةٌ ومغنٍ “دَنْكْ بَيْجْ” في المشهد. هطلتْ، على حين، غرّة علينا خالتي بثيابٍ كرديّةٍ، إذ منحتها شكل حمامة تماماً! ما إن حطّتْ خالتي على الأرض حتّى حَاذتِ المغنّي الضّاجّ بالحركةِ وشرعتْ تغنّي معه. في هذه الهنيهات أقبلتْ بناتُ عمي وقد تزيّنَ بثيابٍ كرديةٍ جميلةٍ، ودخلن في رقصةٍ انتابها الجنون والأصوات. أما أنا فكنتُ واقفةً في زاويةٍ ما من هذا المشهد، أُتابعُ الجالسين في الطَّرفِ المقابلِ لي، فجأة لمحت خالتي المتوفاة حديثاً! والغريبُ أيضاً أنَّ ابنَ خالي الكبير الذي ظلَّ عازباً كان ينظر إلى الأرض في تأمل عميقٍ، لكنني لم أتفاجأْ في هذا الوقتِ بقدومِ والدي الذي همَّ بالجلوس على الأرضِ لكنَّ والدتي منعتْهُ وطلبتْ منه أن يغيّرَ جلابيتَهُ فانصاعَ لطلبها، فإذ به يَقْبِلُ بملابسَ بيضاءَ مطرزةً بخيوطٍ ذهبيةٍ وأخذ مكانَ ابن خالي تماماً، الذي خَرج وكأنه لُسِعَ من حركة أبي فاختفى من أمام نظري! كان أبي ينصتُ للأغاني الكرديّةَ برغبةٍ جارفةٍ لكن ثمة شيئاً أخذ اهتمامي؛ فالغرفةُ المجاورةُ لي، المفتوحةُ على سماءِ الليلِ، شرعتْ أرضيتها تمتلىء بماءٍ يتسرّبُ من صنبور معطلٍ، حاولت وأختي الصغرى إصلاحه ولكن دون جدوى، كان ثمة طوفان… حين استيقظتُ، كنتُ أشهقْ في بحيرةِ عرقٍ…!!
– بداية أرحب بك وأود أن تصممي بطاقة شخصية تخصك .وتضعي فيها ماتحبين ان يعرف عنك القراء؟
* هيفي قجو
من مواليد مدينة عامودا
من عامودا من عالم الجنون وجمرة الإبداع.
مقيمة حالياً في مدينة برلين ألمانيا
سجلت في جامعة الفرات فرع دراسات قانونية لكن للأسف لم أحصل على الشهادة لظروف قاهرة.
لكنني عملت مربية في إحدى رياض الأطفال التابعة لإحدى مدارس عامودا ثم عملت في إذاعة آرتا مقدّمة ومعدة برامج وتقارير. وعملت في مؤسسة بدائل لتنمية القدرات البشرية كمدربة لمنظمات المجتمع المدني. الآن أتابع الدراسة في معهد مختص برياض الأطفال في برلين وأود أن أتخرج منه على أمل أن أعمل لاحقاً في إحدى رياض الأطفال هنا. أمتحن خيالي في كتابة نوع أدبي يمزج بين الشعر والسرد. كذلك أنقل خيالي من السرد إلى الشعر الخالص. حتى الآن لديّ مجموعتان قصصيتان، الأولى بعنوان “بعد آخر: هوامش سردية/ قصص قصيرة” صادرة عن دار فضاءات عمان، عام 2019. والثانية “أصابع العازف أو كصوت ناي بعيد!” هوامش سردية”، صادرة عن دار النابغة طنطا، 2020. ولاحقاً سترى شهقتي الثالثة النور في الأيام القليلة القادمة أي في العام الجديد وهي سرديات بعنوان ” أدراج عالية… جهات عمياء” قيد الإصدار أيضاً عن دار النابغة للإبداع طنطا مصر. وأخيراً لدي مجموعتان شعريتان، قيد الطباعة أعتقد أنهما ستطبعان أيضاً في العام الجديد.
– هيفي قجو تكتبين الشعر والقصة القصيرة جدا . كيف لك الجمع بين فنون أدبية لكل منها أدواته التعبيرية المختلفة عن الأخرى ؟
* حقيقة لا أرى أي صعوبة في الجمع بين كتابة القصة القصيرة جداً والشعر، أكتب السرد شعراً كما وأكتب الشعر سرداً في أغلب الأحيان. ومن يلاحظ كتابتي بإمكانه أن يكتشف أنني أحاول المزج بين الفنين حتى أعطي للنص بعداً فنياً باذخاً من خلال الصور الشعرية والاستعارات التي تسافر بالقارئ إلى عوالم حالمة.
– كيف جاءت هيفي قجو إلى عالم القصة القصيرة جدا ؟ هل الأمر يتعلق بشكل من أشكال التجريب الابداعي بحثا عن الذات ؟ ام هو بداية الطلاق مع عالم الشعر ؟ ومن شجعك على كتابة القصة القصيرة جدا؟
* هنا لابد لي أن أذكر أن مجموعتي الشعرية الأولى” باكورة أعمالي” كانت جاهزة للطباعة وكنت أبحث عن دار لطباعتها لكن في إحدى الأمسيات وبينما كنت وصديقي العزيز القاص والفنان التشكيلي “عامر فرسو” نتحدث عن أمور الكتابة سألني: لم لا تكتبين القصة القصيرة؟ خصوصاً وأنت تملكين موهبة الكتابة ولديك دوماً الفكرة وباستطاعتك الإحاطة بها…! اتركي أمر الشعر الآن. راق لي الأمر وبدأت بكتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً والتي أسميتها لاحقاً بـ”هوامش سردية” الاسم الذي اقترحه الدكتور الناقد خالد حسين الذي اهتم مشكوراً بما أكتبه وساعدني في تطوير أدواتي الكتابية وصحّح مساري نحو الكتابة الجادة والحقُّ يُقال أنني أعتبره مَنْ طوّر موهبتي في الكتابة الأدبية ودلّني على تقنيات الكتابة وعملية بناء الجملة والخاتمة وكيفية الخروج من النمطية التي تقيّد ق. ق. ج وأنا أعود إليه دائماً وأبداً. لا أعتقد أنه من الممكن أن أترك كتابة الشعر فكما أسلفت سابقاً كتاباتي تُحاك على مبدأ المزج بين الفنين ولا أجد اختلافاً بينهما فكلاهما يكملان بعضهما البعض.
– عندما نتحدث عن فن كتابة القصة القصيرة ربما يقع الكاتب في متاهات وتخبط الإبتعاد كليا عن أساس المادة القصصية الناجحة. بإعتبار ان المحادثة والحوار اليومي بين الناس تعتبر جزء فني في القصة . هل للكانبة هيفي قجو رأي آخر؟
* ذلك البياض(الصفحة البيضاء) الذي يواجهني حين أُدوّن كلماتي الأولى يعتبر متاهة أضيع في ثناياها لكن أضيع شغفاً فيها وليس تخبطاً. أحاول أن أعثر على هيفي في تلك الزوايا المعتمة كما أن التجارب التي أسمعها أو أراها، سواء أكانت تجاربي الشخصية أم تجارب الغير فهي تعدُّ بالنسة لي مادةً دسمةً أستشفُّ منها موضوعات قصصي.
– يقول الشيطان ل فاوست// انتبه .. ان أخطر ما صنع الإنسان هو الكلمات // ما مدى صحة هذه المقولة . ولتكن البداية من مجموعتك القصصية // بعد آخر // التي صدرت مؤخرا ؟
* للعلم فإن مجموعتي الأولى (بعد آخر) صدرت عام 2019 وكما تعلمون فجائحة كورونا لم تترك لنا مجالاً لإعلان صدورها سواءٌ بحفل توقيع أم بتسليط الضوء عليها إعلامياً. طبعاً هي باكورة أعمالي. بالنسبة لمقولة فاوست: نعم الكلمات خطيرة جداً وهنا يأتي دور الكاتبة (أو الكاتب) البارعة التي تسخر الكلمات لخدمة قضايا مجتمعهــا لتترك أثراً وبصمةً في هذا المجتمع يُرجع إليها دوماً للاستشهاد بها كتجربة في قراءة الواقع.
– من سيقرأ مجموعتيك القصصيتين // بعد آخر وأصابع العازف // سيجد بأنك تطاردين الكينونة الكردية وايضا سيجد حضورا قويا للانثى. لو تحدثينا بإيجاز عن مضمون هذين المجموعتين . وهل تحتاج القصص دائما لحضور الأنثى؟
* كما نوّهت فإنَّ مجموعتي (بعد آخر) صدرت عام 2019 ومجموعتي الثانية “أصابع العازف أو كصوت ناي بعيد!” صدرت عام 2020 أي مجموعة كل عام تقريباً. نعم أطارد كينونتي الكردية المقموعة وأجعلها رفقة القول والتجلي والظهور من خلال كتاباتي الأدبية لأنني أرى أن الخطاب الأدبي هو عالم الكينونة حتى تتكلم، كما أقرأ لدى بعض الكتّاب. ويبدو ذلك جلياً في المجموعة الأولى فهناك حضور قوي للأنثى الكردية، حاولت أن أترجم معاناة المرأة بشكل عام والمرأة الكردية بشكل خاص من خلال التطرق إلى مواضيع الختان، الإرث، المرأة في المهجر، المرأة في المعتقل، أم الشهيد..إلخ. الأمر الذي أدى في النهاية إلى هيمنة موضوعة الأنثى على العمل برمته. إنّ التدقيق في لوحة الغلاف سيكشف للوهلة الأولى للقارئ عن سيطرة هذا الموضوع. طبعاً هنا قمت بمخاطرة فقد مزجتُ بين القصة القصيرة المتعارف عليها والهوامش السردية في هذا العمل بنصيحة من د. خالد حسين.
أما المحموعة الثانية “أصابع العازف أو كصوت ناي بعيد!” بحسب رؤيتي أرى أن هناك مزجاً أكثر قوةً بين الأسلوبين الشعري والسردي، وهذا ما ساعدني علي الخروج من النمطية المعتادة للقصة القصيرة جداً والتحليق بها عالياً في فضاءات الخيال كما أزعم حيث لا قيود تربطك ههنا بل حقول شاسعة على مد البصر تقطف منها ما تشاء وتهديها لمن تشاء.
في القصص كما في أي فن من فنون الأدب والحياة حضور المرأة يفترض أن يكون باذخاً فالحياة هبة لكلا الجنسين وهي ضرب من التشارك والتفاعل لبناء الجمال ولا تكتمل هذه الحياة إلا بهما.
– الكاتبة المبدعة هيفي قجو دعيني الأن أقف عند مجموعتك القصصية التي سترى النور قريبا // أدراج عالية // وهي قصص قصيرة جدا . هل تختلف هذه المجموعة عن المجموعتين السابقتين . لو تحدثينا بإيجاز عن مضمون هذه المجموعة ؟
* “أدراج عالية… جهات عمياء” شهقتي الثالثة في عالم السرد القصير جداً سترى النور قريباً وهي قيد الطباعة في دار النابغة طنطا/مصر. حاولت وعبر الأبواب الأربعة من امتحان القصة القصيرة جداً في موضوعات متنوعة. هنا لا بد من لفت الانتباه إلى صياغة التاريخ الكردي الحديث بصور أدبية وصياغات شعرية من شأنها أن تفتح القصة القصيرة جداً على مناخات جديدة من الهامش الكردي. فقد حاولت أن اتقمّص شخصيات كردية كان لها أثر هائل في استمرار الكينونة الكردية؛ لأجعلها تظهر في تلك اللحظات التي كانت فيها. ولذلك سيجد القارئ/ة شخصيات كردية متنوعة” فنية، ثقافية، عسكرية وقوات شعبية” تجتمع كل هذه الصياغات أو الشخصيات في الكشف عن المسكوت عنه في هذا الهامش الذي هُمّشَ لفترات طويلة من التاريخ. لذلك أرى أن هذه المجموعة هي قرينة لمجموعة أصابع العازف من حيث المستوى الفني.
– الروائي والكاتب مازن عرفة ومن خلال قرائته لمجموعتيك يقول هيفي قجو أنت بعض من حكايتنا، ضد البوط العسكري والسيف الإسلامي، فكيف وأنت تحملين رائحة الحرية من جبال كردستان، تشمخين بها امرأة حرة… ما تعليقك؟
* من هنا ومن منبركم هذا أتوجه للروائي الأستاذ مازن عرفة بأحرّ التحيات والاحترام والتقدير وما قاله بحقي يستحقُّ التثمين والتقدير. هنا لا بد من الإشارة إلى أن قصة “حافة النهوض” تلخص معاناة المرأة السورية في المعتقلات والعذاب والإهانة والذل الذي تلاقيه على يد أدوات النظام. كما وتحضرني قصة الفتاة التي تنتشي برؤية جسدها الأنثوي ليقاطع خيالها أزيز الرصاص وتذهب محتضنة بندقيتها لتدافع عن أرضها.
– يشهد المشهد الأدبي في الآونة الأخيرة موجة كتابة الرواية . فهل تفكر هيفي قجو ان تدخل المعترك الروائي بعيد عن عالم القصة القصيرة جدا ؟
* بدأت بالشعر وأعتقد أنني تمكنت من كتابة القصة القصيرة جداً التي تندرج في سياق اسم “سرديات” أو “هوامش سردية”. ما الضير من التطور لاحقاً والتوجه نحو كتابة الرواية فبرأيي أن كل فنون الكتابة تكمل بعضها بعضاً من يمتلك موهبة الكتابة يحق له/لها التعمق في حقول الكتابة كافة ليقرر فيما بعد أي حقل سيمتحن فيه خياله ويحقق النجاح فيه، كتابة الرواية ليست حكراً على فئة بعينيها لكنها متاحة للجميع. أظن ثمة مشروع سردي طويل ينضج على نار هادئة.
– تبقى رائحة الوطن معشعشة في نفس الأديب أينما ذهب .كيف ترى هيفي قجو وطنها وهو يمر بمرحلة تعتبر الاقسى عبر التاريخ ؟
* لا أبالغ إذا أخبرتكم أنني ومنذ خمس سنوات وأنا أحلم أنني في الوطن وبين أهلي وأصدقائي. مرات ومرات أحلم بذلك وربما هذا ما دفعني إلى الكتابة طوال الوقت ربما إفراغ لما يدور في خلدي من مشاعر وأحاسيس حنين واشتياق لتلك البقعة هناك حيث أمست ساحة للاقتتال وتصريف السلاح وتبادل المكتسبات على حساب الشعب المسكين الذي بات لا حول له ولا قوة…
أرواح صعدت نحو فضاءات الغياب. القربان كان فائضاً عن الحد…
ربما قرار الهجرة من تلك البقعة لم يكن بيدي لكني أذعنت له وتركت خلفي جذوري التي امتدت عميقاً في تلك الأرض تركت كل من أحبوني وكانوا سبباً في وجودي. وهاأنا وبعد خمس سنوات لا زلت أتألم لفراقهم،
النصل غائر في الخاصرة بعلو الصرخة.
السحاب الجريح مازال يذرف دموع القهر في سهول بلادي
لا أثر لخصلات الضوء
فقد خيمت العتمة هناك….
– دور الكاتبات الكرديات في الساحة الأدبية ومن ضمنهن ضيفتي هيفي قجو . هل وصلن إلى ما تطمحن إليه ام ان مشاركتهن مازالت في بدايتها؟ والمرأة الكردية هل نالت حقوقها .ام انها مازالت تعاني وينقصها الكثير ؟
* تحياتي لكل امرأة سواء كانت كاتبة أو تمتهن شيئاً آخر أو لا تمتهن شيئاً فكون الانسان امرأة نعمة رائعة. انظروا حولكم وستكتشفون لولا المرأة لما كان كل هذا الجمال الذي نشعر به ونراه.!!! المرأة هي الأرض التي يجد فيها الرجل كينونته لذا فهما يكملان بعضهما الآخر.
بالنسبة للكاتبات الكرديات وأنا من ضمنهن أعتقد أننا ننتظر الاستجابات النقدية التي يمكنها وحدها أن تكشف عن طبيعة كتاباتنا بنية وأسلوباً ونضجاً. وفي حال عدم وجود نقد لما نكتبه هناك كتابات كثيرة قد لا تصل إلى المستوى المطلوب لكنها تنال شهرة لا تستحقها في حين ثمة كتابات جديرة بالقراءة والوقوف عليها والسبب هنا الشللية التي تحفل بها الأوساط الكردية في مجال القراءة النقدية. أما بالنسبة لنيلهن لحقوقهن أرى أن أكثرية النساء الكرديات ما زلن يحضعن لوطأة الكثير من العادات والتقاليد البالية وأكثرهن للأسف لسن على وعي بحقوقهن ولا على دراية بها ويريْنَ أي تغير في حياتهن على الرغم من حسناته وبالاً يهدد عالمهن! وفي الوقت نفسه هناك نساء اجتزن مراحل عظيمة في حياتهن وأصبحن يرسمن حياتهن كما يرغبن. ما يلزمنا هنا ثورة فكرية اجتماعية هدفها تغيير المبادئ والقيم البالية التي تحدُّ من تطور المرأة والعمل على تمكين المرأة ومساواتها مع الرجل في كل شيء بدءاً من قانون الأحوال الشخصية الذي يلغي المرأة وحتى إلى ما لا نهاية.
– العديد من الكتاب والشعراء الكرد يمارسون الكتابة باللغة العربية وليس الكردية وانت واحدة منهم . هل تشعرون بإغتراب عن اللغة الكردية الام ؟ ام اللغة العربية هي نافذة يعبر بها الكاتب الكردي عن مشاعره وكينوته الكردية؟
*المسألة تحتاج إلى الكثير من الإحاطة التاريخية والنقدية فكما تعلمون اللغة الكردية تعرضت إل نوع من الإبادة في ظل نظام البعث وهذا ما أدى إلى اقتصار الكرد على الأداء الشفوي للغة الكردية وأنا من هؤلاء الكرد الذين/اللواتي لم يستطيعوا/ن أن يكتبوا/ن بلغتهم/ن الأم ولذلك لم يكن أمامي سوى التموضع في إطار اللغة المهيمنة أي اللغة العربية لغة السلطة ولغة الأكثرية لكي أعبر بها عن رؤيتي للعالم. ولا بد لي أن أوضح أن العربية المستخدمة لدى الكتاب والكاتبات الكرد تخضع إلى نوع من التدوير بمعنى هذه اللغة السائدة تغدو لغة ثانية تضج بالهسهسة الكردية / مشاعر، هواجس، إرهاصات/ بناءً على ذلك انخرطت مثل بقية الكتاب والكاتبات الكرد في سياق العربية لكي أطارد كينونتي الكردية.
– تتميز كتابات المثقفين الكرد عموما برصد واقع المعاناة والطموح الكبير . ما رايك بذلك باعتبارك كاتبة كردية سورية ؟
* الكرد يعيشون على أرضهم التاريخية لكنهم لا يشعرون بانتمائهم لهذه الأرض ولا ينعمون بخيراتها وذلك بسبب السياسات العنصرية التي مورست بحقهم لذلك نلاحظ أن الموضوع الحاضر الغائب لدى المثقفين والمثقفات الكرد هو المعاناة من هذه السياسات بحقهم/ن ولا يوفرون /توفرن جهداً في ترجمتها من خلال الشعر، القصة أو الرواية ويطمحون/تطمحن بمستقبل أفضل للأجيال التي ستأتي لاحقاً، لكن للأسف لا آذان صاغية فالقادة السياسيون عزلوا المثقف/ة عن الحياة وأمسوا يقررون عنهم/ن وعن الشعب في كل الأمور.
– كلمات تتردد كثيرا على مسامعنا . قد يختلف صداها من شخص إلى آخر . بالنسبة إلى الكاتبة هيفي قجو ماوقع هذه الكلمات عليها .وكيف تعبر عنها .. الحرب .. الوطن .. الغربة ؟
* الحرب: خروج عن المعايير الإنسانية، الحرب هي الفوضى والعتمة والعدمية.
الوطن: إذا كان المقصود البقعة التي ولدت وترعرعت فيها فأنا في اشتياق دائم ومتواصل لها وكما تعلمون المكان الأول يحفر آثاره دائماً في الإنسان، وإذا كان المقصود بالمعنى السياسي فقد أمسى الوطن كذبة!
الغربة: الغريب أعمى حيث يقول المثل الكردي، الغريب عينه مكسورة على الرغم من أننا نعيش في مجتمع ديمقراطي أعطانا الكثير لكن دوماً أشعر بعدم الانتماء، الكردي لا يهنأ أبداً لا في الداخل ولا في الخارج.
– ماهي مقومات الاستمرارية للمرأة المثقفة كي تستمر في أداء رسالتها الإجتماعية وخاصة اذا كانت مبدعة وكاتبة ؟
* النضوج الفكري الاجتماعي يلعب دوراً مهماً في استمرارية المرأة المثقفة في أداء رسالتها الاجتماعية ويشكل وعيها في سياق القضايا الاجتماعية والجندرية وهو فارقٌ يعول عليه ويميزها عن غيرها عن النساء اللواتي يدّعين الثقافة.
– هيفي قجو تعيش في برلين . ماذا فعلت الغربة في وجدانها الإبداعي ؟
* نعم أعيش حالياً في برلين وربما وجودي في أي بقعة بعيدة عن الوطن سواء كانت أوربا أو غيرها كان سيؤدي بي إلى ما أنا بصدده الآن، فالشوق إلى الوطن والأهل والمعاناة التي يعانيها أهلنا هناك وعدم الأمان والأوضاع المعيشية المنهكة وهموم اللاجئين هنا في الغربة جعلني أعقد قراناً مع البياض وأخط عليه هذه الآلام والأوجاع وأصوغها بأسلوب عسى ينال إعجاب القراء.
– ماهي احلام وطموحات الكاتبة هيفي قجو التي تتمنى تحقيقها . وكذلك ماهي طموحات المرأة الكردية بشكل عام التي تتمنى ان تحققها لنفسها ؟
* أحلامي هي أن يعمّ السلام في الكون وتنتهي كل الحروب على هذه الأرض ويكون النصر للقيم الإنسانية النبيلة ولا ننسى هنا مساواة المرأة بالرجل في كل أمور الحياة. وقبل كل ذلك أتمنى للبشرية أن تنتصر على جائحة كورونا. بالإضافة إلى أحلامي الخاصة والتي تتعلق بإنجاز نصوص أدبية مهمة وناضجة فنياً.
وفي نهاية هذا الحوار
أتقدم بجزيل الشكر إلى الشاعرة والكاتبة المبدعة هيفي قجو لقد كنت صديقتنا الأقرب. عرفناك اكثر واحببناك اكثر
شكرا لروعتك ولمجهودك ولاتساع صدرك .
الشكر الجزيل لك صديقي العزيز نصر على هذه الاستضافة وأنا ممتنة لك على هذه الأسئلة، عام سعيد وتحية للجميع.