رحلتَ قبل الآن يا د. محمود خليل داليني، أين أنت الآن ؟

 إبراهيم محمود
كم ميتة متَ يا الصديق الدكتور محمود خليل ” محمود أحمد داليني ” نزيل ” عنترية ” قامشلو والمشبع بأوجاع هذا الحي، والأحياء المجاورة له، لتكون ميتتك الأخيرة الآن وأنت في ألمانيا؟
رحيلك الأخير والمفجع هذا اليوم، وكما سمعت ” الأحد 3-1/ 2021 ” أَنساني ابتهاجي بولادة حفيد لي من ابنتي الوحيدة في ” كولُن ” ألمانيا فجر هذا اليوم. لأتأرجح ببلاغة صدمة، بين حزن طويل المدى على فقْدك الأبدي، وفرح لا بد منه، يليق بالمولود الأول لابنتي الوحيدة؟
كم تُراك تستحق الحِداد عليك بمقدار عمرك، نصاعة روحك، شموخ قلبك ومواقفك، وأنت الذي انشطرت كثيراً في مسالك وعرة، وحدود مستعرة، ولم تمنح ألمانيا”ك”فرصة التقاط الأنفاس؟
خذها إذاً أيها المأهول بحياة محب لأحبة، إنسان لإنسانية رحبة، لكردية سوية الخطوات، خذها إذاً من لسان محب لمحب، ومن مصافحة محب لمحب، ومن خطى متبصرة لأهلها:
باسم المكان المكان الذي تقاسَمنا طويلاً، وكنت وردته السموح والبهيجة بفوحها الطروب، ليس لي إلا أن أكتب كلمات تليق بعبير روحك، لذكرى رحالة في الزمن.
باسم الطاولة الطاولة التي كانت تفصل بيننا مكانياً في عيادتك الصغيرة مساحة، الكبيرة محبة، حيث كان صفاء العلاقة يزينها، ويبث وهجه في أرجاء المكان.
باسم الشوارع الشوارع القامشلاوية التي تقاسمناها معاً بخطانا، نحن لمة أصدقاء، تشدنا كلمة موعودة بالأجمل، وتحفّزنا أختها، على المزيد من ضبط ساعة الروح توقاً إلى أجمل الأجمل، أكتب كلمة تتنفس عبرها الشوارع التي قطعناها ذات يوم، من حي الوسطى، إلى حي بشيرية، فحي كورنيش، وأبعد من هذا الحي وذاك، حيث كانت أمكنة تنتظرنا بمزيد من الإضاءة الروحية.
باسم الخبز الخبز الذي كان يتقصف بين أصابعنا، وبمزيد من اللطف، ويستحيل عصارة هاضمة، وبمزيد من الاستواء الجسدي، ونحن نغمسه في طعام، كان يمنحنا متعة التلاقي الإنساني، أكثر من متعة التذوق لأصنافه، أكتب ما يبقي ” خبز ” اللقاءات ساخناً وشهياً .
باسم الماء، القهوة، والشاي الذي شربناه معاً، وتقاسمنا أبخرته المنعشة معاً، حيث يمتزج البخار اللاهي، بصدى الكلام اللامتناهي، كما لو أننا نفتح في الزمن صفحة من أبدية المشهد، أكتب كلمة تمنح الأعصاب هدوءاً قل نظيره .
باسم الكلمة الكلمة الحاسمة التي كانت عرّابة لقاءاتنا، مناقشاتنا، وعودنا قامشلاوياً، أكتب كلمتي التي تليق بمقامك، بألمك الصامت تجاه المكان وأهله، تجاه أهل يًعصَف بهم، ومكانهم، كما لو أن الكلمة هذه تنفتح على حروفها، وتهفو إليك، وترثيك حيث ترفرف ظلال روحك هنا وهناك.
باسم كل هذه المودات التي منحت أصابع المصافحة مرونة أكثر، ونظرتنا دقة إصابة أكثر، أسطّر كلمتي في رحيلك الذي كان قبل الآن، ورحيلك المختتم الآن، وكلٌّ منا بعيد عن الآن، حيث يكون أهلك المتباعدون، والمكتوون بنار الفقد، عائلتك المثقَلة برعب الفراق الأبدي، أفراد عائلتك الذين بلبلهم رحيلك المباغت، كما بلبل روح أصدقائك في جهاتك الأربع.
دمْ شامخاً حيث تكون روحاً يينع بها المكان الذي شهد ولادته، وشبوبيته وسطوع إنسانيته.
سلامي لكل نبض فيك الآن، رغم أن جسدك أودع الحياة كل نبض فيه، إنما أعني نبض الحياة التي تسمّيك إثر رحيلك، ويكون هناك أكثر من سلام لروحك، أكثر من عزاء لنا باسمك.
واسلم باسمك الكامل، ومعاناتك المشتعلة نقاء مبدأ، ما بقي دهرنا !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

بطبعة أنيقة وحلة قشيبة، وبمبادرة كريمة وعناية كبيرة من الأستاذ رفيق صالح، مدير مركز زين للتوثيق الدراسات في السليمانية، صدر حديثا كتاب “علم التاريخ في أوروبا وفلسفته وأساليبه وتطوره”، للدكتور عصمت شريف وانلي، رحمه الله. والكتاب يعتبر عملا فريدا من نوعه، فهو يتناول علم التاريخ وفلسفته من خلال منهج علمي دقيق لتطور الشعوب والأمم…

خلات عمر

في قريتنا الصغيرة، حيث الطرقات تعانقها الخضرة، كانت سعادتنا تزهر كل صباح جديد. كنا ننتظر وقت اجتماعنا المنتظر بلهفة الأطفال، نتهيأ وكأننا على موعد مع فرح لا ينتهي. وعندما نلتقي، تنطلق أقدامنا على دروب القرية، نضحك ونمزح، كأن الأرض تبتسم معنا.

كانت الساعات تمر كالحلم، نمشي طويلًا بين الحقول فلا نشعر بالوقت، حتى يعلن الغروب…

عبدالجابر حبيب

 

منذ أقدم الأزمنة، عَرَف الكُرد الطرفة لا بوصفها ملحاً على المائدة وحسب، بل باعتبارها خبزاً يُقتات به في مواجهة قسوة العيش. النكتة عند الكردي ليست ضحكة عابرة، وإنما أداة بقاء، و سلاح يواجه به الغربة والاضطهاد وضغط الأيام. فالضحك عنده كان، ولا يزال يحمل في طيّاته درساً مبطناً وحكمة مموهة، أقرب إلى بسمةٍ تخفي…

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…