الحبّ في شهر فبراير

فراس حج محمد/ فلسطين
(1)
كلّ شيء ينسلّ من هذا الشّهر
الماءُ
البردُ
الثّلجْ
وصقيع وجه الصّبحْ
لكنّ الشّمس المجليّة فيهْ
تضحك كلّما انكشف الغطاء القطنيّ الأبيضُ عنها
ينسلّ الدّفء إلى التّربةْ
يتغلغل في العشب وفي الأغصان وفي الأوراقْ
ينحدر نحو الأعماقْ
تتحرك في بطن الأرض جذور الأرضْ
يولد في هذا الشّهر الحبّ أيضاً
عند كلّ الكائنات
وعندي في هذا الشّهر تحديداً يولد مرّتينْ
مرّة عندما تهطل الغيمة فيّ شعراً
يولد للحبيبة ألفُ وردةْ
والأخرى إذ تنسلّ الوردة من بطنٍ حُبلى
فتولد هي…!
(2)
ليس القططُ وحدها من يحبّ في شهر فبراير
البشر أيضاً نوع محسّن من القطط الخجولةْ
يحبّون في شهر فبراير
ليس عيباً أن تكوني قطّة جميلة تحبّين قطّاً جميلاً
ولكنْ ليس فقط في شهر فبراير
مارسي الحبّ كأنّكِ قطّة في الهواء الطّلْق
لا تخجلي من الحبّ في فبراير
فالشّمس تخرج كلّ يوم عارية لتُضاجَع كلّ حينٍ
في شهر فبراير وفي غير فبراير
ليس في شهر فبراير شيء مميّزٌ
سوى أنه في هذا العامِ يولد اليوم التّاسع والعشرون
فليكن كلّ العام في الحبّ فبراير
لننعم بالحبّ سويّاً كلّ حين مثل شمس الله
في الهواء الطلق دونما خجلْ!
يا ربُّ “عجّلْ لنا قِطّنا”
فليلنا بارد وطويلْ
وكأسنا على الشّفاه مَشُوقةٌ مكسورةٌ مثلومةٌ
بل فارغةْ
(3)
هيَ والشّمس تنافسانِ على الكسل
ممازحةً
تعبث بي وتضحك منّي عليّ
وتكتب لي لأوّل مرّة رسالتها الطّويلةَ في فبراير
تنفُضُ عنّي البردَ
يفرك وجهَها شعاعُ الشّمسِ 
وينطلقان…!
(4)
لا تقلقي
كلّ العصافير واقفة على شفتي
تنقر الحَبّ من راحتيّ
وتبسمُ لي كلّما اقتربت
تدرُج في الفناء الرّحب نشوى
وتغمس ريشها في آيتين من سُوَري
لا تقلقي
هذي اللّغات ثرثرة على نهر القصيدةْ
تُحرّرُ نفسها من وهَج الحجارة الملساء في مجرى اللّغةْ
تغسل ما تبقّى من روائح الشّعراء في كأس ليلتها الأخيرةْ
لا تقلقي
ألله يبدع كلّ حين زهرة لوزٍ أو شاعراً عاشقاً
خلقاً جديدا
ويخلق في النّفس ضوءاً لا يموتْ
لا تقلقي
اللّغة المحدودة ثورة بركانٍ تفجّر في كلّ نصّْ
كأنّها لغة جديدةْ
الجمال ليس معنى في استعارات لطيفةْ
شيء آخرُ كالإعجازِ يعجز أن يُكَرَّرْ
لا تقلقي
هذا اللّيل أطول منّي ومنك ومن أحلامنا
أكثف من بريق عينيّ اللّتين تنشغلان بكْ
يرى أكثر ممّا أرى
ويسمع متعة الصّمت في جوف هذا السّواد الكثيفْ
لا تقلقي
لا شيء أكبر من شجر الانتظارْ
والشّعراء كالقتلى
لا رثاء يُرجعهم إلى صواب الفكرة الأولى البدائيّة
سوى ابتداءٍ آخرَ في المجازْ
يؤخّرهم في امتدادات الحياةْ
فيشاغبونَ ويفرحونْ
يصنعون الوقت شعراً
يحاصرون الانتظارْ
ويربّون العصافير على الشّفاه لتخضرّْ
لا تقلقي
لا شيء يجرحني
غيابك تخصيب لتربة الشّجرةْ
وإنضاجٌ لحبّات اللُّقاح
وتفخيم لحجم الثّمرةْ
لا تقلقي
في احتجاب البدر ظرْف طبيعيٌّ لميلادي مرّة أخرى على ضفّتيكِ
اكتبي لي كلّما احتجتِ إليّ
أو رغبة في الصّعود إلى غيمة لتمطرنا معاً
“كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيدهُ” “وهْناً على وهْنٍ” هُنا
لا تقلقي أبداً
أوَكلّما مرّ علينا ملأ من قومنا سخروا من لحن أغنيةٍ
واشتعلوا واشتغلوا بنا؟
بي رغبة أن يطول اللّيلْ
وتظلّ صورتك الجميلة مثل قنديل تَشَبّعُ بالرّؤى!
(5)
كأنّ هذا الحبّ الّذي لا يملُّ
المراوغُ الّذي يتسامى
هذا الّذي يتدانى
يخفى على حين غرّةٍ
ويظهر فجأةْ
يسري دبيبَ النّمل في الإيقاع أحياناً
ومرّات يمرّ الرّعد بين صدغيهِ
ولا يُلقى له بالاً
رحمة هذا المسمّى…
بين احتراقين جميلين باسم الحبّ
في اليوم الثّامن والعشرين يشرب كأسه على عجلٍ
كي لا ينامَ بعد الهزيع الأخير بالضّربة العاطفةْ
يلبس قفّازتينِ ناعمتينْ
يمدّ لي ذراعيهِ
ويحضن وردة نشوى على جسد الحبيبةْ
وفي اليوم التّاسع والعشرين من شهر فبراير
يختم الحبّ بالحبّ سنة كاملة مكتملة
تسمّى هنالك في التّقويم سنة كبيسة
عندما أحببتك كانت كذلك
وعندما صلّى عليك الله في الميلاد كانت كذلك كاملة!
فبراير 2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…