ابراهيم كيفو الصديق و الفنان والعبق الإنساني الذي لا يذبل

غريب ملا زلال 
كنّا على مقاعد الثانوية في بداية الثمانينات من القرن الفائت و تحديداً في ثانوية أبي ذَر الغفاري بمدينة الحسكة ، كان يجمعنا الكثير من الحب و الكثير من البحث عن الجمال فينا و في واقعنا ، فهو إبراهيم كيفو المغني و العازف من حينه ، و كان الضيف الثابت بل المشارك الأول في كل الحفلات المدرسية و ما أكثرها في حينه ، كان أرمنياً و يتحدث بها و يعزف بها و يغني بها ، لكنه كان يتقن الكردية مثلنا ، يغني لديكران آرام و شفان و محمد شيخو و عارف جزراوي بكردية عذبة و نقية و غير مكسورة أبداً، من المستحيل أن تعتقد أنه ليس كردياً ، يبدو الأمر يعود إلى الحليب الذي رضعه من أجداده الذين حلوا ضيوفاً على الأكراد الايزيديين حين هربوا من مقصلة الفرمان الديني الشوفيني ، نعم كان أرمنياً و كنت كردياً و معنا آخرين نذكر منهم أفرام عبدالنور المسيحي و أسامة عبدالرحيم القادم من إحدى المدن السورية الداخلية ، كان يجمعنا الهواء ذاته و الحب ذاته و البساطة ذاتها ، لم نكن نحس بغير الحب و الصداقة النقية رغم الاختلاف في انتماءاتنا و تفكيرنا ، كان يجمعنا ما هو أهم ، الانسان حيث العبق الذي لا يذبل . 
كنّا نلتقي كثيراً ، في المدرسة أو في بيت أحدنا و كان لابد أن يتحول اللقاء إلى حفلة شبابية يتخللها الكثير من الغناء و الموسيقا ، الذي جعلني أتذكر ابراهيم كيفو هذا الفنان النقي كنقاء سماء ربيعي في جبال كردستان ، و الإنسان الأقرب لوميض طفل في منتهى لهاثه ، الأمر الذي جعلني أتذكره لا كصديق فحسب فهو من الأصدقاء الذين لا يتكررون و لا يمكن أن ترميهم من ذاكرتك ، و لا كفنان موسيقي نجح بإمتياز و احتل حيّزاً جميلاً من الفضاء الموسيقي العام حيث لحضوره نكهة الاختلاف بحب و يستحقه بكل تأكيد، و لكن كون علاقتي مع القلم و الكتابة بدأت به ، فما إن أحيى حفلة مدرسية في بداية الثمانينات كما أشرت حتى كتبت عنه في صحيفة محلية (جريدة الثورة) ، كم كانت فرحتي و فرحته و فرحة بقية الأصدقاء كبيرة ، كان ذلك في حينه يعني شيئاً، و كانت الخطوة الأولى للسير في الطريق الوعر و العذب في الآن ذاته للكتابة، الطريق الذي دفعت ضريبة كبيرة في السير فيه ، حتى أنني عينت على الرصيف بعد تخرجي من احدى الجامعات السورية.
ابراهيم كيفو الصديق الذي يرتبط بالزمن الجميل بأوضح صعوده و تنوعه ، كان حديقة بمفرده، إبراهيم كيفو الأرمني، الكردي ، العربي ، الآشوري، السيرياني حيث كان يجيد الغناء بها جميعاً و بإحتراف رافعاً راية الإنسان و بها تأهب حين دخل الكون مدينة مدينة ، و زرع الحب فيها جميعاً، في مواجهة كل الخراب و البشاعة ، و كل شروط العزلة و التقوقع للوصول إلى حق المساواة بين الطوائف و الأجناس ، بفكر موسيقي ناضج و واعد.
ابراهيم كيفو يخطو بثقة خارج النص المتعارف عليه ، راسماً لنفسه دائرة مفتوحة لكل الجهات و فيها تتوالد حركته الداخلية تلك نحو الإختلاف للوقوف على شمولية هذا العالم القديم الجديد للوصول إلى حالة سقطت منا منذ سنوات ، حالة لم تكن مقدسة بما فيها الكفاية لكنها كانت تزين الحياة التي كنّا نتنفسها معاً.
بالمختصر إبراهيم كيفو نص يمكن قراءته بعذوبة و بوصفه آثار لتولدات لم يعد بالإمكان إحضارها حتى بالتأويل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة…

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…