بين الماضي والحاضر وحنين لا ينتهي

منى عبدي
لا شك بأن الحياة جميلة بكل مافيها رغم الهموم والمتاعب التي يتعرض إليها البشر، إلا إنهم يفضلون النظر إلى الجانب الإيجابي والجزء الجميل منها. لأنها مليئة بالأمور الرائعة والأشخاص الرائعين ونتمتع بكثير من النعم التي أنعم بها الله علينا .
الحياة في الماضي شبه ثابتة وخالية من التعقيدات والاختراعات، فيختلف كل شيء عن الحاضر وهناك فرق جوهري بينهما ، فقد اتسمت الحياة في الماضي بالبساطة والحياة السهلة بعكس الحاضر، وفي الكثير من النواحي منها عامل الاقتصاد ففي القديم كان مقتصرا على الزراعة فقط ، فهي المصدر الوحيد للدخل ، فكانت كل أسرة تدرك كيف تكتفي بما تنتجه لنفسها من محاصيل لتعيش عليها . ومن الناحية الاجتماعية من حيث الملبس والمسكن ووسائل المواصلات والتعليم والاتصال : قديما كانوا يرتدون الملبس التقليدي وقلة التنوع في عالمه، بالإضافة إلى البساطة في ذلك ، ويسكنون في بيوت لا تتجاوز  أدوات بنائها الخشب والطين أو حسب المواد الطبيعية المتوافرة لديهم آنذاك .
 ومن المناحي التي تغيرت بشدة وتطورت كثيرا، عامل المواصلات، فقد كانت المواصلات تتن عن طريق الجمال والخيول في السفر والانتقال، وهذا الأمر  كان يتطلب منهم الكثير من الجهد والوقت معا، أما التعليم الذي حرم الأغلبية منه  فقد كان يتم في المساجد والكنائس ودور العبادة، وكان يقتصر على الرجال فقط دون النساء  . والاتصال كان عبر الرسائل المكتوبة والإشارات عن طريق حمام الزاجل أو إرسالها عن طريق شخص ما ، وهذا الامر أيضا ياخذ الكثير من الوقت الطويل  . الصحة والطب لم يكونا أفضل حالا كباقي النواحي الحياتية فإن  ابسط الأمراض كان يؤدي إلى الموت وذلك بسبب التأخر الطبي فلم يكن تتوافر لديهم المشافي وطرق العلاج والأدوية والأجهزة الطبية.  
هذا جزء من الحياة في الماضي. أما الحاضر فهو يختلف. إذ  بات الاقتصاد يعتمد على الصناعة في المرتبة الأولى والحياة الاجتماعية اختلفت من حيث الملبس أصبحنا نرتدي أشياء متنوعة مصنعة من مواد مختلفة مع العديد من التصميمات التي تناسب جميع الأذواق. والسكن أيضا أصبحنا نستعمل الإسمنت ومواد مختلفة تماماً. فنحن تطورنا بشكل كبير من حيث المواصلات أصبحنا نستخدم الطائرات والسيارات وبطرق سريعة، ويمكننا التواصل من خلال التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي أدت إلى سرعة بديهة للتواصل والتوقيت لأي شخص، في أي مكان في العالم، وتقوية العلاقات بشكل كبير دون تكليف اي جهد، وتبادل الثقافات بين الدول، لاسيما بعد ثورة الاتصالات والمعلوماتية. 
كما  تطور الطب من حيث العلاجات والأجهزة وتوفير الأدوية والامكانات الطبية، و ازداد عدد المشافي . 
رغم كل هذه الاختلافات يبقى لحياة الماضي رونقها الخاص بها، و بساطتها، والحنين إليها، ورغم كل التطورات والسرعة التي نعيشها في الحاضر، إلا إن الإنسان يفتقد السعادة الحقيقية فما السر الذي يكمن بفقدانها وعدم الشعور بها؟ 
الشعور بالحنين دوما يطارد البشر. تلك الراحة المألوفة. ذلك الاطمئنان الذي يشعر به الإنسان عندما يذهب إلى مكان ما بقي جزءا من الماضي. 
المنزل القديم، أو الصورة العائلية القديمة دائما. الخيال يمضي بنا إلى زمن قد انقضى بالفعل، لكننا ننتمي إليه بكل جوارحنا . إنه زمن الطفولة الخالي من المسؤوليات والمخاوف والراحة، وتلك الأيام الدافئة عندما كان كل شيء على مايرام، والجميع سعداء ….
باختصار فإن 
 التلهف الشديد إلى الماضي موجود ونحنّ إليه…؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…

ماهين شيخاني

في فجرٍ بعيدٍ من فجر الأساطير، خرج رستم، بطل الممالك الفارسية، في رحلة صيدٍ طويلة. ضلّ طريقه بين الجبال حتى وجد نفسه في مدينة «سمنغان»، حيث استضافه الملك في قصره. هناك التقى بالأميرة تَهمينه، فتاةٌ تفيض حُسنًا وشجاعة، قالت له بصوتٍ يقطر صدقًا:

«يا رستم، جئتُ أطلب من البطل ولداً مثله، لا كنزاً…

إبراهيم اليوسف

لم يكن إصدار رواية” إثر واجم” في مطلع العام عام 2025 عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، مجرّد إعلان عن عمل سردي جديد، بل ولادة مشروع روائية- كما نرى- تُدخل إلى المشهد الروائي صوتاً لم يُسمع بعد. هذه الرواية التي تشكّل باكورة أعمال الكاتبة الكردية مثال سليمان، لا تستعير خلالها أدواتها من سواها، ولا تحاكي أسلوباً…

عصمت شاهين الدوسكي

الشاعر لطيف هلمت غني عن التعريف فهو شاعر متميز ، مبدع له خصوصية تتجسد في استغلاله الجيد للرمز كتعبير عن مكنوناته التي تشمل القضايا الإنسانية الشمولية .

يقول الشاعر كولردج : ” الشعر من غير المجاز يصبح كتلة جامدة … ذلك لأن الصورة المجازية جزء ضروري من الطاقة التي تمد الشعر بالحياة…