«جمهورية الكلب» تتناول صِدام الثقافات من زاوية جديدة .. إبراهيم اليوسف يعقد مقارنات مع الغرب على طريقة «حمار الحكيم»

أحمد الجمَّال

اختار العديد من الكُتاب حول العالم الحيوانات لتكون أبطالاً لأعمالهم الروائية، إلى جانب راوي القصة، ولعل أبرز أديب عربي نفّذ هذه الفكرة باقتدار في عمل إبداعي الكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم، في روايته الشهيرة «حمار الحكيم»، وعلى الدرب ذاته تأتي الرواية الجديدة التي صدرت أخيراً للروائي السوري إبراهيم اليوسف «جمهورية الكلب».
يبدو أن الشاعر السوري إبراهيم اليوسف قد استهواه عالم السرد، ولايزال يحلّق عالياً في فضائه الممتع، فبعد روايتين حملتا توقيعه، هما «شارع الحرية» (2017) و«شنكالنامه» (2018)، أصدر قبل أيام روايته الثالثة «جمهورية الكلب» عن دار «خطوط وظلال» في الأردن.
وإذا كانت روايتا المؤلف السابقتان تناولتا واقع مكانه والمنطقة، وإنسانهما، بعد الحرب السورية، حرب السنوات العشر، كما تسمى، مركزاً على واقع ابن المكان في مواجهة أدوات الإرهاب والاستبداد، وفي مطلعها تنظيم «داعش» الإرهابي، فإن هذه الرواية الجديدة اتخذت المهجر، الذي اضطر السوريون اللجوء إليه، بعد الحرب، وتحديداً ألمانيا، مكاناً لها، إذ يتناول صدام الثقافات، من منظور آخر، يبدو لدينا في عداد ما هو مهمل أو مهمش، إلا أنه يرى فيه رمزية ما، كما ستبين ذلك فصول الرواية التي تمتد على 360 صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف معبر رسمه الفنان الأردني- الفلسطيني محمد العامري.

عالم الكلاب
بطل الرواية هو الراوي ذاته، إذ يستعرض تفاصيل الحياة التي فتح عليها وأسرته عيونهم، في وطنهم الأم، وذلك من خلال نظرة محددة إلى عالم الكلاب، كنتيجة لثقافة متوارثة، متأصلة، إلا أنه يصطدم منذ وصوله إلى ألمانيا، بحضور الكلاب كجزءٍ من الحياة اليومية بالنسبة إلى أصحاب المكان، حيث إنه يتذمر من هذا الواقع إلى حين، قبل أن يتعرف إلى أرملة ألمانية، هي حفيدة أدولف هتلر، من جهة أمها، وزوجة خبير نفط ألماني قضى وسائقه الخاص في الحرب العراقية نتيجة قصف السيارة التي كان يستقلها وزوجته، هاربين من الموصل التي كان يعمل فيها، متوجهين إلى بغداد، لتنجو زوجته، ويبقى مصيره والسائق مجهولاً.
وعلى الرغم من الموقف المتشدّد من قبل الراوي آلان نقشبندي من عالم الكلاب، فإن رأيه ينقلب رأساً على عقب منذ حادثة لجوء كلب سيدة أرملة هي بيانكا شنايدر تعرف إليها في إحدى حدائق المدينة التي يقيمان فيها، إلى بيته، من دون أن يعرف أسباب ذلك، إلى وقت طويل، وجاء ذلك، مباشرة، عقب دعوة بيانكا له إلى منزلها لحضور احتفالية «يوم الكلب العالمي»، إذ يفاجأ ذات يوم بلجوء كلب السيدة على غير العادة إلى منزله، ما يثير نفور وتذمر وقلق الأسرة، وبالتالي نفوق الكلب، لسبب غامض، وتدخل رجال البوليس للتحقيق في الأمر، بعد أن يتعذر التواصل مع صاحبة الكلب، ليعيش حياة قلقة، وإن كان سيقرر في لحظة ما أن يربي هو كلباً، حتى لو كان ذلك على حساب مغادرته البيت!

الواقع والخيال
يعتمد الكاتب خلال الرواية على المذكرة، واليوميات والتاريخ، وحضور ملامح من شخصيته، بعيداً عن الاستغراق في أي منها، كما فعل ذلك في أكثر من عمل له، بالإضافة إلى جمعه ما بين الواقع والخيال. واقع تواريخه، ويومياته، ويوميات الحدث الجديد، وذلك عبر لغة ريبورتاجية سلسة، بعيدة عن الاتكاء على الشعر الذي يتوقع حضوره من مؤلف عرف من داخل في هذا الحقل، قبل أن يتوجه إلى نشر أعماله الروائية.
رواية «جمهورية الكلب»، كما جاء على الغلاف الأخير للكتاب، تكاد تتفرد في تناول صراع ثقافتين إنسانيتين، لكل منهما ثيماته وعلاماته الفارقة، من خلال التركيز على ثقافة الموقف من الكلب، إذ لكل مجتمع وكل ثقافة وكل بيئة موروثها الخاص في هذا المجال.
ومن هنا فإن الرواية تقدم رؤية جديدة لهذا العالم، من خلال أمثلة وأحداث ومواقف متناقضة، من قبل مهاجرين سابقين وحاليين من الكلب، من دون أن يطلق الحكم الأخلاقي الذي يمكن لقارئ الرواية الوصول إليه، في لحظة تقويمية فاصلة، أمام كائن لطالما تم التعامل معه على أنه منبوذ، إلا أن هناك من يتصالح معه، وفق مقومات واقع وثقافة جديدين!

حمار الحكيم
وهذه الفكرة، التي تعتمد المقارنة بين مجتمعين وثقافتين مختلفتين، عربي وغربي، نجدها حاضرة أيضاً في رواية توفيق الحكيم «حمار الحكيم» التي ألفها عام 1940، والتي تمتاز ببساطة أسلوبها وتصويرها أحداثا واقعية بطريقة لا تخلو من الطرافة والمتعة، من خلال ذكره كيف اشترى حماراً صغيراً من أحد الفلاحين لمجرد أنه أعجب بشكله مع تطرقه إلى المواقف الطريفة التي حدثت معه، عندما اشترى هذا الحمار الصغير وأخذه معه للإقامة في فندق، وكيف أدخل الحمار إلى غرفته من دون أن يشعر أحد بذلك!
وركز الحكيم في روايته على ذكر أحوال الريف المصري في ذلك الوقت، وما فيه من فقر وقلة اهتمام بأمور الصحة والنظافة عند أهل الريف فهم بحاجة إلى توعية وإرشاد، مقارناً في روايته بين الريف المصري ونظيره الفرنسي، حتى يبين لرفيقه الفرنسي أسباب تدني وضع الريف. وقد أمُل توفيق الحكيم أن يتحسن الوضع بمرور الوقت من خلال تحسين وضع المرأة الريفية
———– 
الجريدة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…