بين الغيتو و الانصهار امرأة أخرى

منال الحسيني / ألمانيا 

لعل من أكثر المشاهد التي تعصف بالذهن و تترك أثراً لا تبرحه هي صورة المرأة الشرقية في الغرب و تشتت شخصيتها بين الغيتو و التبني و الكوسموبوليتية، فمنهن من تصاب بالصدمة من هول التماسها للمفارقات بين ثقافة بلدها و ثقافة البلد المستضيف رغم أن الثقافة الجديدة تحترمها كإنسان في بلد تسوده القوانين التي لا تميز بينها و بين الجنس الآخر أو بالأحرى الأجناس الأخرى و مع ذلك تراها تفضل الغيتو أو الانسحاب النفسي من هذا المشهد الذي يبدو أنه فرض عليها و باتت كثرة إشارات الإستفهام يثقل كاهلها فتغوص في مونولوج داخلي متسائلة : لماذا كان الحب في بلادي  مغلفا بجملة من العادات و الأعراف و من كانت تمزق هذا التغليف تدفع حياتها ثمناً، فإما أن تعيش مع رجل لا تحبه و هو أشبه بموت بطيء أو تكون قربانا لرصاصة من أقرب مقربيها إن تمردت.
لماذا المرأة هنا في الغرب تعيش حياتها  كما تريد، تحب من تريد و وقتما تريد و تعيش معه أينما تريد دون أن تحتاج لموافقة و مهر و عقد و ختم أوراق و تنجب منه أيضاً في المكان و الزمان ذاته و يسجل طفلها و يعامل كباقي الأطفال له نفس الحقوق، بينما لو حدث في بلادنا ما شابه كانت جريمة و كان يسمى الطفل بطفل الزنا و يُرمى في أقرب حاويةٍ أو في أحسن الأحوال أمام باب مسجد..
إنها تشعر بالغبن مرتين.. مرة في بلدها الذي حُرمت فيه من أبسط حقوقها و مرة في البلد المستضيف لأنها تشعر بالصدمة  إثر مشاهدتها للفوارق و لأنها اعتادت هذا الشعور و باتت مازوشية تتلذذ بالألم تراها تتجنب الاحتكاك مع العالم الجديد الذي لا يشبهها و لا يشبه عالم النساء في بلدها ، فتؤثر الغيتو معبرة لا شعورياً عن رفضها للواقع الجديد الذي بات يحد من فاعليتها في المجتمع أكثر فأكثر.
و على النقيض منها، ترانا نلتقي بامرأة أخرى ذي شخصية منصهرة في المجتمع الغربي نستطيع أن نصفها بالمتبنية تمارس حريتها كما تتيح لها أعراف و قوانين البلد المستضيف، فتبدأ بالسهر لوقت متأخر خارج المنزل والتدخين و تعاطي المشروبات الكحولية و لا تنتهِ بالتاتو و إحداث ثقوب في جسمها للزينة، فما بينهما الكثير من التابوهات الشرقية التي قد تجاوزتها و قبل ذلك غالباً ما تكون قد تخلصت من أصفاد و أغلال بلدها المتمثلة بالرجل بالطلاق إن كان زوجاً مع نشوب أولى الخلافات الشبيه بتلك التي كانت تحدث بينهما في بلدها لتستمتع بالسنوات الباقية، فعمرها لن يتكرر..عليها أن تعيش مثلهن و لما لا مادام القانون يحميها و يوفر لها كل متطلبات الحياة الكريمة، لا بل و المرفهة إن كانت ستعيش دون شريك لإنها ستلعب دور الأب أيضاً. 
أما إن كانت فتاة فتنتظر لتبلغ الثامنة عشر من عمرها لتستقل في بيت لتعيش بمفردها كما تريد لا كما يريد ذويها.
و بين تلك و هذه، امرأة أخرى كوسموبوليتية تتأقلم جزئياً مع الواقع الجديد فتنحاز للجوانب الايجابية في المجتمع الجديد مثل حب العمل و احترام الوقت و التنظيم اللافت في كل مناحي الحياة والاحترام المتبادل بغض النظر عن الاختلافات الدينية و العرقية و الفكرية.
و لكن هل  تعمل المرأة الشرقية في الغرب من أجل أن تشعر بكينونتها التي افتقدتها طيلة سنوات طويلة من القهر و الغبن في بلدها ، أم ستبقى واقفة على حافة البوح و لا تملك جرأة الغوص في الأعماق لتحتفي باكتشاف ذاتها بدلا عن التماهي في الظل و ترك السفينة تسير بها تحت رحمة الأمواج المتلاطمة التي ستتقاذفها حيثما تشاء..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…