في تأمّل تجربة الكتابة.. منّك لله يا سهر.. منّك لله!

فراس حج محمد/ فلسطين
نشرت صحيفة القدس العربي، عدد يوم الثلاثاء 23 شباط 2021 خبراً مقتضباً عن صدور كتاب “الإصحاح الأول لحرف الفاء- أسعدت صباحاً يا سيّدتي”، الخبر “مدحوش” مع كومة أخبار قصيرة تحت عنوان (أحوال الناس) في الصفحة الأخيرة تحت صورة للممثلة سهر الصايغ- بطلة مسلسل “الطاووس”.
طريقة النشر أحزنتني، مع أنه ليس لي على المحررين “ضربة لازم”، فلو لم ينشروا لا أعترض. فمن حكم بماله ما ظلم، ومحررو الصحف في الحقيقة هم حكام ودكتاتوريون.
 أحزنتني لأنني تدحرجت من صفحة الثقافة كخبر مع صورة الغلاف كما يحدث في العادة إلى مجرد سطر تحت صورة امرأة مشهورة. للعلم فقط أنا لا أعرف هذه الممثلة، مع أنني أعرف ممثلاث كثيرات من كل الأجيال، عربيات وأجنبيات وتركيات. من سيقرأ “أحوال الناس” ويهتم بصدور كتاب كهذا وأمامهم صورة بهذا الحجم لامرأة تبدو متوسطة الجمال، ضحكتها تُظهر جميع أسنانها وأضراسها حتى الضرس الأخير الجواني. إذاً هي امرأة كبيرة الفم، هل يؤشّر هذا إلى شيء؟ ربما، هي أدرى بذلك، فهي صاحبة كل شيء فيها ولم أطلع على شيء، إنما كل ما في الأمر كتابي والخبر الذي ابتلعه هذا الفم الكبير بأسنانه المنظومة، فقد “ضرسته” بأنيابها على ما ذكر يوما سيدنا الشاعر الكبير “زهير بن أبي سلمى”، والحمد لله أن الكتاب إلى الآن وأنا كذلك لم نوطأ بمنسم! فهل سأصانع في أمور كثيرة كما يريد الحكيم الجاهليّ؟
تبدو المرأة ضاحكة بملء فيها، أتصورها للوهلة الأولى تضحك عليّ، وعلى هذه الطريقة المحزنة من النشر. شعرت أنها تشمت بي، ربما هو القدر الذي جمعها مع هذا الخبر لتؤدي الأقدار رسالتها البليغة. يبدو أن الكتاب ليس له حظ، كتاب يثير الضحك، أهمله كثير من المحررين في المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات، ولم يحفلوا به من قريب أو بعيد، والأصدقاء لم يقرأوه، وكان مآله سيئا عليّ. المرأة التي أهديتها إياه في “عيد الحب” قاطعتني، ولم تتحدث معي منذ ذلك اليوم إلى الآن. كم هو كتاب محزن. كتاب “فنستني” فيه أشياء كثيرة. للأسف كان كتاباً سيئ الحظّ، ربما لأنني أنا أيضا ذلك “العاشق السيّئ الحظّ”. 
ربما يقول قائل إن خبرا صغيرا كهذا في صحيفة كهذه على الصفحة الأخيرة هو أهم من أن يكون مستقلا في صفحة الثقافة الداخلية التي لا يقرأها أحد أو لم ينتبه إليها أحد إلا النخبة من المثقفين وهم قلة على كل حال. أما في الصفحة الأخيرة فأنت تحتل الصدارة ولكن بشكل عكسي. تبدو العبارة مضحكة كوجود الخبر المضحك، لأنه لا أحد سيبحث بين السطور ليقرأ عن الكتاب لاسيما أن سهر الصايغ-رضي الله عنها وأرضاها- بنورها الوهاج وضحكته العريضة المنبسطة غطت على الصفحة كلها وعلى أحوال البلاد والعباد حتى غطت على صورة إلياس خوري ومقالته المركونة على الطرف المقابل للصورة. كل شيء بدا محزنا في الصفحة الأخيرة من الصحيفة ولا شيء يضحك سوى صورة الفنانة المتألقة شرهة الفرح والسرور سهر الصايغ.
في أمر الصورة أمران مهمان أيضا مصاحبان سياقيان، الأول سيصبح اسم الصايغ هو الضايع، لتنتقل النقطة من الغين إلى الصاد. هنا أتذكر كلام حكيم بلدتنا “أبو المهند” وجملته الشهيرة “أين النقطة”. هذا النقل سيغدو ضرورة قدرية وجودية تتناسب والخبر الضائع بين ركام الضحكة ونور الصورة، والثاني هو أن “الطاووس” الذي تحتل بطولته سهر، وأمثّله أعظم تمثيل، لم يعد طاووساً وهو في هذه الحالة من الاختباء والخنس بين الركام. كنت طاووساً في الحقيقة عندما بعثت الخبر، كأنني أزفّه إلى العالم الثقافي ليفرح به، وإذا به يواجهني بضحكة سهر وصورتها لأخنس في سطر لا يكاد يرى، فكيف سيقرأ؟ 
منّك لله يا سهر… منّك لله!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…