حوار مفتوح مع العاشق للحياة و الفن عنايت عطار (17)

أجرى الحوار: غريب ملا زلال  
غريب: إذاً أنت معي و كما هو معروف أن الفن ليس ترفاً ، الفن هوية و أبجدية ، الفن نبض وروح ، رؤية و رؤيا ، كيف ينظر عنايت إلى الفن ، كيف يفهمه ..؟
و ما رأيك بالحركة الفنية اليوم ، السورية منها على نحو خاص ، و الكردية على نحو أخص ..؟
كيف تنظر إلى الساحة التشكيلية ، و مارأيك باللاعبين ، أين المميزين ، منهم ، ألم يحن الوقت لتفجير البؤر في الأعماق قد يستيقظ الفاعل فيها ، لماذا لم يظهر على السطح بعد من يهز عرش هذا السطح بعد ، الجميع يلعب كلاعبي إحتياط ، أين اللاعبون الأساسيون ، ماذا حل بهم ..؟
عنايت: سؤالك هذا مردود عليكم ,,على النقاد والمتابعين والدارسين ، و كل ما أستطيع قوله .. حسب رؤيتي كفنان ، ومقارنة بالفن العالمي أرى أن الفن السوري بخير ، بل أراه متقدماً على الكثير من التجارب العربية ، واسمح لي أن أقول عن الفنانين الكورد في سوريا أن هناك ثمة تقاطعات فيما بينهم أولاً ، و بينهم و بين الكثيرين من الفنانين السوريين ، ولا بأس في هذا التماذج الجميل بينهم لأن الفن برأيي أينما وجد فسيرسي بكفة الخير والجمال والعداله على حساب التمييز ونكران الهويات التي أسست و ساهمت في حضارة الشرق برمتها
واسمح لي أن اقول لك إن الفن يصقل الوجدان الإنساني أينما كان ، وأعتقد أننا كفنانين نوجه رسالتنا للعالم برمته بالرغم من اغراق بعضنا في الخصوصية ويحضرني هنا ما قاله الشاعر الداغستاني حمزاتوف إن العالم يبدأ من عتبة دارنا ، أو كما كان يرى أراغون العالم اكثر نقاء في عيون الزا .
غريب: إذا كان بيكاسو يردد كثيراً ” من العبقرية إستخدام المادة الخام و تحويلها إلى قطعة فنية ” عنايت كيف يردد هذه المقولة ، و كيف يتعامل مع الخامات التي تشكل إلى حد بعيد المحرض الأهم على الفعل الإبداعي ، على الأقل للفنان ذاته ، و إن كان هذا التحريض يتعدى في أحيان كثيرة من دائرة الفنان إلى دائرة المتلقي .
عنايت :
لنأخذ هذة اللوحة ونحن في سيرة المادة إذ كنت في الشام بزيارة للخطاط عبد رحمة الله عليه ، وكان معروفاً بإستخدامه للتراب ، فأخذت المقص وقصصت قطعة من الخام الخشن لديه ومزجت بعض الترابات الملونة مع الغراء وكانت النتيجة كما تراها هنا
وهنا كنت و هنا كان الطين متوفراً كمادة .
وهنا كنت قد تعثرت بخشبة طافحة على سطح اللوار ، ولا أدري لماذا وكيف إستفزتني لأحفر فيها مع إني لست بنحات ، وللعودة إلى سؤالك ، نعم وكأن كائنا او كائنات تصرخ في عمق المادة تستفزني أو تريد الخروج إلى الحياة
هنا كان الورق والفحم ، وأنا في مشغلي أعلم الطلاب
وكانت الآنسة مفالي موديلاً مصمدا أمام الطلاب ، فأخذت مكان طالبة كانت تحاول وتمحي ، تحاول وتمحي
حتى كانت هذه الدراسة السريعة
هذه لم أتممها بعد ، وهي أيضاً قطعة خشب طافحة على الماء إستفزني شكلها وتكوينها ، وهي تهمس في أذني إني خلقت لك
وهذه بقلم فلوماستر عادي جداً كل ما أضفت هو إني بللت القلم بالماء
وهذه بالباستيل على ورق خشن
اكواريل مع تداخل خطوط الباستيل ، 
بذلك أعطيتك فكرة عن الأدوات والمواد من حيث الجانب المهني وإستخدامها ، أما السؤال الأعمق ومايستفزني في المادة الخام ؟
أي ولادة العمل الفني ؟
او الدهشة المولدة ؟
او المادة الحبلى
هنا أعتقد إنني أوردت ذلك من خلال السياقات ، حيث يواكبني قلق ما أحس كأنه علي فعل شئ ما ، كما يطرد البوذي من حوله الأرواح الشريرة ، إذ اقف بمواجهة المساحة البيضاء والتي لم تكن تعني لي شيئاً أبدأ فأملؤها كيفما كانت ، وبأية ألوان أراها أمامي ,, هنا تتدخل شياطين الإبداع لطرد ما لا يلزم إن صح القول – الشريرة ، وشخوصي غالباً هي ولادة ضباب أو قتامة أمنحها النور ، و أصطفي منها ما يزيح عني القلق
، ولا في يوم من الأيام مسكت قلماً للقيام بدراسة اللوحة أو خضوعها للوعي إلا في اللمسات الاخيرة التي تستدرك ما قد يسقط من الزلات ، وكان بيني وبين العقل معاهدة أان يقف بعيداً ، ولا يقترب إلا حين أحتاجه
وذلك هو مزيج من الوعي والتجربة المتراكمة أما عناصر اللوحة أو لنقل النساء التي تراها في أعمالي الأخيرة
فهي أشبه بالمقام الموسيقي كأن نسمع لصباح فخري سهرة كاملة من مقام الحجاز ، أو النهاوند ، و إلا سترتبك الأذن وينتزع السمع ، و نحن نعلم حتى الرواية التي تستغرق أعواماً فهي لابد أن تكون مكرسة لموضوع معين ، و إن تفرعت أحداثها
، إن الوحدة هي عين القلق الذي تحدثنا عنه للتو إلى أن يأتي الآخر ، و يأخذ مكانه ، و أنا شخصياً كنت مستغرقاً في الملحمة ذات يوم ، ومرات في المشهد الطبيعي ، وبإعتبارك ذكرت في بداية السؤال بيكاسو ، فإنه أيضاً عبر مراحل عدة ، وفي كل مرحلة لها حتى ألوانها ، إذ صنفها النقاد الفرنسيون بالمرحلة الزرقاء والرمادية والبرتقالية … إلخ ، وحتى في الفلسفة يسمون القلق الأولي بمرحلة المغامرة الفكرية إلى أن تأتي مرحلة بدور الفكرة ، فيقوم الفيلسوف بإستخلاصها ، إن نظرية الإنفجار العظيم للكون ، أو البنك بانغ لهنري بيركسون لم تكن إلا حدساً أعمى تملكه ذات يوم حتى أتى بعده العقلانيون فأثبتوا معقوليته
… طبعاً هنا كنا نتحدث عن إستفزاز المادة الأولية ، والكون برمته مادة مستفزة .
يتبع 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

بطبعة أنيقة وحلة قشيبة، وبمبادرة كريمة وعناية كبيرة من الأستاذ رفيق صالح، مدير مركز زين للتوثيق الدراسات في السليمانية، صدر حديثا كتاب “علم التاريخ في أوروبا وفلسفته وأساليبه وتطوره”، للدكتور عصمت شريف وانلي، رحمه الله. والكتاب يعتبر عملا فريدا من نوعه، فهو يتناول علم التاريخ وفلسفته من خلال منهج علمي دقيق لتطور الشعوب والأمم…

خلات عمر

في قريتنا الصغيرة، حيث الطرقات تعانقها الخضرة، كانت سعادتنا تزهر كل صباح جديد. كنا ننتظر وقت اجتماعنا المنتظر بلهفة الأطفال، نتهيأ وكأننا على موعد مع فرح لا ينتهي. وعندما نلتقي، تنطلق أقدامنا على دروب القرية، نضحك ونمزح، كأن الأرض تبتسم معنا.

كانت الساعات تمر كالحلم، نمشي طويلًا بين الحقول فلا نشعر بالوقت، حتى يعلن الغروب…

عبدالجابر حبيب

 

منذ أقدم الأزمنة، عَرَف الكُرد الطرفة لا بوصفها ملحاً على المائدة وحسب، بل باعتبارها خبزاً يُقتات به في مواجهة قسوة العيش. النكتة عند الكردي ليست ضحكة عابرة، وإنما أداة بقاء، و سلاح يواجه به الغربة والاضطهاد وضغط الأيام. فالضحك عنده كان، ولا يزال يحمل في طيّاته درساً مبطناً وحكمة مموهة، أقرب إلى بسمةٍ تخفي…

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…